
جو لم يخبر أحداً بأنه مطلوب للتحقيق لدى مخابرات الجيش اللبناني، سوى أخيه الذي يسكن معه.
هذه ليست المرة الأولى التي تستدعي فيها مخابرات الجيش جو طوق بسبب منشورات على “فايسبوك”، لكن حتى الآن لم يُعرف بعد سبب اختفائه الحقيقي.
طوق (25 سنة) خريج جامعة LAU في العلوم المالية، ويعمل مدرساً جامعياً ويعطي دروساً “أونلاين” لطلاب في الخارج، وهو عضو سابق في “القوات اللبنانية”، ومن نشطاء انتفاضة 17 تشرين الأول وصاحب مواقف لاذعة ضد النظام وأجهزته الأمنية.
يقول طوني طوق شقيق جو لـ”درج” إن مديرية المخابرات في جبل لبنان استدعت أخاه يوم الخميس (8 تشرين الأول)، وعندما سأل عن السبب لم يحصل على إجابة.
“على غرار حالات سابقة، من يتم استدعاؤه من قبل المخابرات يصبح بحكم المخطوف”، يقول طوني. “هذه ليست المرة الأولى التي يذهب فيها جو إلى التحقيق وكان يخرج في اليوم نفسه أو بعد يوم، لكنها المرة الأولى التي يستدعى فيها إلى مخابرات الجيش”.
يضيف: “تم تحويله إلى وزارة الدفاع، لمتابعة التحقيق، وحتى اليوم لا نعلم إلا عبر قنوات سرية وبعض الوساطات أين هو وما هي تهمته، يقولون بسبب منشور فايسبوكي ولا يحددون ما هو، فقط بعض العموميات تم ابلاغ العائلة بها، (إنه بأمان ومعنا وما تعتلوا هم)”.
إلا أن اعتقال جو ومنعه من أي اتصال مع أهله أتى بعد أيام قليلة من تعديل المادة 47 من أصول المحاكمات الجديدة الذي قدمه النائبان جورج عقيص وزياد حواط ووافق عليه البرلمان.
يتضمن اقتراح القانون حقوقاً عدة منها، الحق بحضور محامٍ إلى المخفر، وحق المشتبه به في معرفة الشبهات ضده والأدلة. وحق المشتبه به بمعاينة طبية مجانية، وتسجيل إجراءات التحقيق بالصوت والصورة.
إلا أن القانون وبحسب “المفكرة القانونية” يتضمن ثغرات عدة منها “تجاهل تام لممارسة غير قانونية وهي تفتيش محتوى هاتف المستدعى من دون إذن قضائي، وتكريس ممارسة إبقاء أشخاص محتجزين في النظارات لحساب النيابة العامة، على رغم انقضاء الحد الأقصى للاحتجاز أثناء فترة التحقيق الأولي وهي 4 أيام.
هذا تماماً ما حدث مع جو، فهو مختف منذ 8 تشرين الأول، ولا نعرف تحديداً أين هو. بعد 4 أيام من التوقيف سُمح له بالاتصال بأهله، وقال لهم “أنا بخير”. سألوه، أين أنت في أي مركز؟، فأجاب “لا أعلم”.
قبل أيام احتفى نواب إلى حد المزايدة السياسية بإقرار المادة 47 من أصول المحاكمات، بل قال البعض إن البرلمان تأخر كثيراً بإقرارها، فهل سيكون مصيرها كمواد وقوانين أخرى، أكلها الذئب ولم يطبّقها أحد؟
وبالعودة إلى المادة 47 المعدلة، يبدو أن مخابرات الجيش لا تتصرف بشكل ينسجم معها الى الآن، فهل يعقل أن يبقى جو موقوفاً طيلة هذه المدّة من دون أن يعلم في أي مركز هو؟ كما لم يسمح له بالاتصال سوى بعد إثارة الموضوع إعلامياً!
في مقال لها في المفكرة القانونية، فندت المحامية غيدة فرنجية أهمية المادة 47 وتعطي مثالاً عن أب كاد يحرق نفسه بالبنزين أمام ثكنة الحلو، بسبب اختفاء ابنه ليومين وعدم السماح له بمعرفة مكانه أو الاتصال به. تضيف فرنجية أن الضمانات التي أعطتها المادة 47 للموقوف أساسية وليست شكلية، وهي تساعده على الدفاع عن نفسه ومنع التعذيب عنه. وتشير إلى أن هذه المادة دخلت النظام القانوني في لبنان عام 2001، في ظل سطوة الوصاية السورية، وكانت من أبرز الوسائل لمواجهة الوصاية عبر الحد من صلاحيات النيابة العامة التمييزية المسيطر عليها حينها.
وكما هي الحال في جميع إدارات الدولة كذلك في المخافر ومراكز التحقيق، فلم تطبق المادة 47، إلا على على المحظيين اجتماعياً وسياسياً، أما فاقدو الحصانة السياسية والاهلية، فيُتركون لمصيرهم مع المحققين من دون رؤية محامِ حتى انتهاء التحقيق، لتكرس السلطة تمييزاً جديداً بين مواطنيها.
وتوضح فرنجية في مقالها أن التجارب أثبتت أهمية حصول المشتبه بهم على استشارات قانونية قبل دخولهم إلى التحقيق، فمن طلب هذه الاستشارة دخل إلى التحقيق واثقاً من نفسه وحقوقه، ما يجعل من مهمة المحققين في تخويفه وإجباره على التنازل عن رأيه وحقوقه، أصعب.
“كما أن معظم محتجزي التظاهرات لدى الأمن الداخلي تمكنوا من ممارسة حقوقهم بموجب المادة 47، لم يتمتع الذين ألقي القبض عليهم من قبل الجيش بالحقوق ذاتها، وبما أن الجيش استلم مهام حفظ الأمن خارج بيروت، أدى ذلك عملياً الى تمتع المتظاهرين في بيروت بحماية أوسع من المتظاهرين خارج العاصمة” تضيف فرنجية.
يقول المحامي أيمن رعد لـ”درج” إن “فرع مخابرات الجيش ليس ضابطة عدلية، وهناك ضياع في الصلاحيات، هو جهاز أمني، يستدعي الناس ويحقق معهم. وإذا أراد توقيفهم يحولهم على الشرطة العسكرية التي هي ضابطة عدلية، ولهذا ليس لمخابرات الجيش الحق في القيام بالتحقيقات الأولية، ومنشورات فايسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي ليست من اختصاصه، حتى المحكمة العسكرية ليست من صلاحياتها المنشورات الإلكترونية، وهذا الشيء ظهر في قضية الناشط خلدون جابر الذي اتهم بالإساءة لرئيس الجمهورية، إلا أن النيابة العسكرية عادت وطلبت استرداد الملف للادعاء عليه أمام القضاء العدلي”.
ينصح رعد بألا يذهب أحد إلى التحقيق من دون علم أصدقائه وأهله ومحاميه.
وكانت “سميكس” وهي منظمة حقوقية معنية بالحريات الرقمية، وثّقت منذ عام 2018 إلى اليوم 10 استدعاءات من مخابرات الجيش لنشطاء ومواطنين بسبب منشورات على الإنترنت، ومعظم المنشورات كانت عن رئيس الجمهورية ميشال عون، وأغلب هؤلاء مكثوا في السجن من يومين إلى أربعة أيام كإجراء تأديبي تتبعه السلطات الأمنية.
وهنا، لا بد من الوقوف عند استعمال فريق رئيس الجمهورية مخابرات الجيش لكم أفواه منتقديه، فلماذا لم يتم تحويل هؤلاء إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مثلاً (المخالف للقانون أيضاً) كما يحصل عند أي قضية قدح وذم إلكترونية؟
هذا ما يعيدنا بالذاكرة إلى التصلب العوني في التعيينات الأمنية والقضائية، فنفوذ التيار داخل الجسم القضائي والأمني يحقق هدفه بلجم المعارضين.
قانونياً، مخابرات الجيش ليس ضابطة عدلية وبالتالي لا يحق لها التحقيق وإن فعلت فيجب أن يكون هناك محامي مع المستدعى كما نصت المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أن المستدعى يجب أن يكون معه محامي ويحق له الاتصال بأهله.
قبل أيام احتفى نواب إلى حد المزايدة السياسية بإقرار المادة 47 من أصول المحاكمات، بل قال البعض إن البرلمان تأخر كثيراً بإقرارها، فهل سيكون مصيرها كمواد وقوانين أخرى، أكلها الذئب ولم يطبّقها أحد؟