fbpx

مصر: الصحافة وفق مزاج الأمن والحرية مؤجلة ليوم آخر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رقابة الدولة على المحتوى الصحافي فاق الخيال، فبات هناك ضابط مخصص يرسل لنقل التعليمات من جهاز أمني كبير إلى رؤساء الصحف ومسؤولي التحرير في الصحف، والتي تشمل الموضوعات التي يتم التوسع في تغطيتها والموضوعات التي تحظر مناقشتها ونشرها…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“في البداية حاولت الاعتذار من مشرفي عن توقفي عن العمل على المواد التي تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية والحقوقية، وأي مواد تتطرق من قريب أو بعيد إلى سياسات الحكومة والنظام الحاكم، ومع ضرورة العمل على هذه المواد وتكليفي باستمرار بها، فضلت الاستقالة حرصاً على سلامتي وسلامة أسرتي”، يتحدث مصطفى عن سبب توقفه عن العمل مراسلاً لإحدى الصحف العربية التي تصدر من أوروبا، وتتناول بموضوعية الأوضاع داخل مصر بعيداً من التحيز الإعلامي مع النظام الحاكم أو ضده.

يشكو مصطفى (اسم مستعار) عدم تمكنه من الإيفاء بالتزاماته المادية تجاه أسرته بسبب توقفه عن العمل، خوفاً من بطش رجال الأمن في مصر، الذين يستهدفون أي صحافي يعمل على مواد تنتقد أداء الحكومة والنظام الحاكم، وقد يتعرض للحبس والتنكيل من دون مساندة أو دعم من نقابة الصحافيين المصريين، أو أي جهة أخرى محلية أو دولية. ويؤكد مصطفى أن جميع الصحافيين في مصر يعانون وأسرهم، اقتصادياً بسبب الحصار المفروض على الصحافة الرصينة في مصر، موضحاً أنه لا مجال الآن للعمل إلا للموالين للحكومة سياسياً فقط.

مصر تتراجع 39 مركزاً على مؤشر حرية الصحافة 

تراجع مؤشر حرية الصحافة في مصر خلال السنوات السابقة وفقاً لتقارير رسمية دولية، فقد قالت “منظمة مراسلون بلا حدود” إن مصر باتت واحدة من أكبر السجون للصحافيين في العالم، إذ تشير بعض التقارير إلى أن عدد الصحافيين المحبوسين في مصر يتجاوز الـ20، ورصدت “مراسلون بلا حدود” تراجع مركز مصر في تصنيف حرية الإعلام من المركز 127 عام 2010 إلى المركز 166 عام 2021، وذلك من أصل 180 دولة على مستوى العالم.

يأتي ذلك بعدما فرضت الدولة سيطرتها الكاملة على جميع وسائل الإعلام في الداخل: مسموعة ومقروءة ومرئية، وباتت أكثرها مملوكة كلياً أو جزئياً لأجهزة أمنية وما يخرج عن ملكيتها يتبع سياستها إدارياً، ولا يمكنه الخروج عليها، وإلا فمصيره الحجب والإغلاق والقبض على الصحافيين فيه. وهو ما يضطر بعض المؤسسات إلى الإغلاق وتسريح الصحافيين، مثل صحيفة “التحرير” و”المصري اليوم”، الأولى أغلقت أبوابها وسرحت صحافييها جميعاً، وضيقت الأخيرة مساحة تغطياتها وسرحت صحافيين على فترات مختلفة. 

قبضة حديدية 

يقول أحمد كامل (اسم مستعار) مدير تحرير في إحدى الصحف الخاصة في مصر، إن اليوم العالمي لحرية الصحافة يمر على الصحافيين المصريين هذا العام، وهم في أسوأ أوضاعهم على جميع المستويات: مهنياً واقتصادياً ونفسياً وصحياً. فعلاوة على جائحة “كورونا” التي حصدت أرواح كثيرين منهم في الآونة الأخيرة، وتضييق الخناق عليهم في العمل وإعداد المواد، ما أثر في الصحافيين المستقلين، تمر المهنة بأسوأ حقبة لها في مصر، فتحول الصحافيون إلى موظفي علاقات عامة وناشري البيانات الصادرة عن الوزارات والسياسيين ومؤسسات الدولة، من دون مساحة من الحرية للتدقيق أو الانتقاد أو إعداد المواد التحليلية.

يؤكد كامل أن رقابة الدولة على المحتوى الصحافي فاق الخيال، فبات هناك ضابط مخصص يرسل لنقل التعليمات من جهاز أمني كبير إلى رؤساء الصحف ومسؤولي التحرير في الصحف، والتي تشمل الموضوعات التي يتم التوسع في تغطيتها والموضوعات التي تحظر مناقشتها ونشرها، وامتد الأمر إلى تحديد الموضوع الرئيسي للصفحة الأولى للجريدة، وأحياناً تحديد “المانشيت” الرئيسي للجريدة، موضحاً أن هناك قائمة بأسماء شخصيات عامة وسياسيين ورؤساء أحزاب ووزراء وفنانين يحظر نشر أخبار عنهم أو نشر تصريحاتهم، يتم تحديثها باستمرار.

تراجع مركز مصر في تصنيف حرية الإعلام من المركز 127 عام 2010 إلى المركز 166 عام 2021، وذلك من أصل 180 دولة على مستوى العالم.

يشير كامل إلى أنه بعد الانتهاء من إعداد صفحات الجريدة يتم إرسالها بصيغة pdf إلى الضابط المسؤول لمراجعة المحتوى، “ولا نرسل العدد للطباعة إلا بعد موافقته، وأحياناً كثيرة تتأخر هذه الموافقة ويُطلب حذف موضوعات هنا أو هناك، أو تعديلات ما على بعض المواد وغالبها لا يكون سياسياً، فأحياناً يُطلب حذف مواد وتقارير تتعلق بفنانين أو بموضوعات اجتماعية أو ما شابه ذلك”.

لا تتوقف رقابة الدولة على هذا الحد، فتصل إلى السيطرة الكاملة على مضمون المحتوى الإعلامي الذي تبثه جميع الفضائيات داخل مصر، وشخصيات المحللين والضيوف الذين يستضيفهم الإعلاميون داخل البرامج، فهناك قائمة معروفة لدى معدي البرامج تضم أسماء الأشخاص المحظور ظهورهم على الفضائيات، وأكثر هؤلاء كانوا من الموالين للدولة والحكومة في السابق، لكنهم بدأوا في انتقاد بعض القرارات فأدرجوا على الـ”بلاك ليست”. 

الأمن يدير “قلعة الحريات” 

قلصت الدولة مساحة الحرية الممنوحة لنقابة الصحافيين “قلعة الحريات” وبعض أعضاء مجلس النقابة المحسوبين على المعارضة، المتمثلة في رئيس لجنة الحريات عمرو بدر ومحمد سعد عبد الحفيظ ومحمود كامل، وعرقل الأمن جهودهم لمساعدة زملائهم الصحافيين، خصوصاً المعتقلين منهم، وبذلك أفقدتهم شعبيتهم تدريجاً، في الوقت الذي وفرت فيه دعماً كبيراً لبعض الأعضاء الآخرين المحظيين، رأسهم النقيب ضياء رشوان، الذي وفرت له الحكومة زيادة في بدل التدريب والتكنولوجيا الذي تمنحه للصحافيين، ومدير مشروع العلاج في النقابة أيمن عبد المجيد، الذي قدم للصحافيين بعض الخدمات خلال أزمة “كورونا”.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تدخل الأمن بشكل سافر في انتخابات نقابة الصحافيين التي أجريت في نيسان/ أبريل الماضي، وتدخل بشكل صريح لترجيح كفة النقيب الحالي ضياء رشوان الذي يشغل منصب رئيس “الهيئة العامة للاستعلامات” الحكومية التابعة لرئاسة الجمهورية، مع 4 آخرين من المرشحين على عضوية مجلس النقابة، هم: إبراهيم أبو كيلة، وحسين الزناتي، وأيمن عبد المجيد، ودعاء النجار، ونجحت قائمة الأمن بالفعل باكتساح. 

إقرأوا أيضاً:

الأمن يحشد لبعض المرشحين 

كشف مرشح سابق فضل عدم ذكر اسمه، أن ضابطاً من جهاز الأمن الوطني اجتمع مع رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة التابعة لجهاز سيادي في أحد المطاعم الشهيرة، وسط القاهرة، منتصف شباط/ فبراير الماضي، وأبلغهم بأسماء 4 مرشحين يجب أن يدعوا الصحافيين العاملين في مؤسساتهم إلى التصويت لهم، معتمداً على التأثير الكبير الذي يتمتع به رؤساء التحرير في صحافيي المؤسسات القومية.

وقال إن رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط “الوكالة الرسمية” علي حسن، كان المسؤول عن إدارة عمل رؤساء التحرير، المتمثل في حشد الصحافيين التابعين لهم وتنسيق عملهم مع ضابط الأمن الوطني، الذي كان يجلس خارج مقر إجراء الانتخابات، وسلم حسن الضابط عدد الصحافيين الذين استطاع رئيس تحرير أن يحضرهم إلى الجمعية العمومية، بما فيهم مراسلو المحافظات الذين حشدوا في “حافلات” إلى الانتخابات بتعليمات من ضابط الأمن الوطني، أيضاً.

مخالفات وتزوير 

شملت الانتخابات جملة من التجاوزات والمخالفات الكبيرة، تقدم على إثرها رفعت رشاد عضو مجلس إدارة مؤسسة الأخبار والمرشح السابق على منصب نقيب الصحافيين، بطعن قضائي بنتيجة الانتخابات، وطالب بوقف قرار إعلان نتيجة الانتخابات، وإلغاء ما يترتب على إعلان النتيجة من آثار. وشمل الطعن 10 بنود تضم إدراج اسم مرشح غير مقيد بجداول نقابة الصحافيين من الأساس، وفقدان بعض أعضاء لجنة الإشراف صلاحيتهم بعدما كشفوا عن انحيازهم إلى بعض المرشحين، وعن مخالفات التي شابت عمليتي التصويت والفرز، ومنع مندوبي المرشحين من دخول لجان التصويت أو الفرز وغيرها. 

وأقام المرشح السابق على عضوية مجلس النقابة تحت السن حسام السويفي، دعوى قضائية مطالباً ببطلان نتائج الانتخابات، وقال إنهاا “زورت بالكامل” وأنها “جريمة مكتملة الأركان وليست انتخابات”.

قلصت الدولة مساحة الحرية الممنوحة لنقابة الصحافيين “قلعة الحريات” وبعض أعضاء مجلس النقابة المحسوبين على المعارضة.

قال السويفي في دعواه، إن “عملية التزوير بدأت بعدم اكتمال نصاب الجمعية العمومية عند الساعة 12 ظهراً، ثم بعد تمديدها حتى الثالثة عصراً، حين أعلن وكيل النقابة والمشرف على الانتخابات خالد ميري اكتمال النصاب بحضور الربع+1، وهم 2500 عضو”، وشكك المرشح الخاسر في حضور هذا العدد من الصحافيين، علماً أن 1200 صحفي فقط سجلوا في كشوف الجمعية العمومية قبل إعلان اكتمال النصاب بساعة واحدة، مضيفاً أن المخالفات شملت منع المرشحين ومندوبيهم من حضور عمليات فرز الأصوات داخل اللجان، بالمخالفة لنص “المادة 39” من قانون نقابة الصحافيين.

وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين السابق والمرشح الخاسر خالد البلشي، على  “فايسبوك”، إنّه “للمرة الأولى لا يستطيع تحديد ما إذا كانت نتيجة الانتخابات في نقابة الصحافيين حقيقية أو غير حقيقية، فالإجراءات التي شابت عملية الفرز لم تمنحني حتى فرصة الاعتراف بأنّ النتيجة المعلنة هي تعبير عن إرادة من صوّتوا… لم نحصل على رقم موثق أو حتى تقديري يشمل جميع المرشحين وتوجهات التصويت في غالبية اللجان إلا بعد إعلان النتائج، كلّ المؤشرات كانت تقديرية وغير مكتملة، وهو ما امتد لأعضاء اللجنة أنفسهم بعد تسريب ورقة بنتائج الفائزين”.

استبعاد ثلث أعضاء النقابة من تشكيل هيئة المكتب 

لم تقف سياسية الأمن لتقييد حرية الصحافة عند هذا الحد، فقد امتدت إلى استبعاد المرشحين المحسوبين على تيار المعارضة في النقابة من تشكيل هيئة مكتب المجلس ولجان النقابة، في مخالفة صريحة ومباشرة للوائح وقوانين النقابة، وهم: هشام يونس، ومحمد خراجة، ومحمود كامل، ومحمد سعد عبد الحفيظ.

وأصدر الأعضاء الأربعة المستبعدون بياناً قالوا فيه، “إن المغالبة وتجاوز القانون يسيطران على مشهد البداية”، وأعلنوا بدء إجراءات الطعن بقرار تشكيل هيئة المكتب واللجان، وكشفوا في بيانهم أن بعد الانتخابات بأيام قليلة حاول البعض الاستئثار بإدارة النقابة منفرداً في مخالفة صريحة لكل الأعراف والقوانين النقابية، وفوجئوا باتفاق مجموعة من أعضاء المجلس على تشكيل طلبوا التصويت عليه من دون نقاش، على رغم أن التشكيل المقترح يخالف الفتوى القانونية الصادرة عن قسمي الفتوى والتشريع في مجلس الدولة، بعدم جواز تولي النائبين محمد شبانة وإبراهيم أبو كيلة أي منصب في هيئة مكتب النقابة خلال عضويتهما في مجلس الشيوخ. وعندما صمم الأعضاء الـ8 الآخرون على التشكيل اعتذر النقيب عن استكمال الجلسة وفوض أكبر الأعضاء سناً بإدارة الجلسة وفوض الأخير عضواً آخر لإدارتها –بالمخالفة للوائح النقابة- وانسحب الأعضاء الأربعة من الاجتماع، وفوجئوا بعدها بإعلان نتيجة تشكيل هيئة المكتب واستئثار أعضاء برئاسة لجنتين والبعض الآخر حضر في 3 لجان، فيما تم استبعاد ثلث أعضاء المجلس من التشكيل. 

وقال الأعضاء المستبعدون في بيانهم: “إننا لم نخسر، فقد كسبنا احترامنا لأنفسنا ولمن انتخبونا، وسنظل على عهدنا مدافعين عن كل قيمة ومواجهين لكل نقيصة، وسنكون معكم ومع مصالحكم وقضاياكم الحقيقية، وبقدر ثقتكم فينا مهما كلفنا ذلك، ونحن أيضاً على ثقة من دعمكم في كل الخطوات القانونية والنقابية التي سنتخذها دفاعاً عن حقوقكم وعن الكيان النقابي”. واختتموا البيان قائلين: “سجلنا جميعاً وبأقسى العبارات وأوضحها رفضنا خلال الجلسة لكل ما جرى، واعتبرناه انقلاباً على ثوابت العمل النقابي المستقرة منذ عقود. لقد اخترنا الطريق الصعب الذي نأمل ألا نمضي فيه وحدنا، لكننا سنمضي حتى لو كانت كتيبتنا محدودة العدد، لكننا نوقن أنها كثيرة العتاد، متشحة بذخيرة من القيم والثبات على الحق، نثق بأنها لن تنفد طالما بقي بينكم من يشد على أيادينا ويرفع صوته معنا لكي نستعيد نقابتنا”.

إقرأوا أيضاً:

03.05.2021
زمن القراءة: 7 minutes

رقابة الدولة على المحتوى الصحافي فاق الخيال، فبات هناك ضابط مخصص يرسل لنقل التعليمات من جهاز أمني كبير إلى رؤساء الصحف ومسؤولي التحرير في الصحف، والتي تشمل الموضوعات التي يتم التوسع في تغطيتها والموضوعات التي تحظر مناقشتها ونشرها…

“في البداية حاولت الاعتذار من مشرفي عن توقفي عن العمل على المواد التي تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية والحقوقية، وأي مواد تتطرق من قريب أو بعيد إلى سياسات الحكومة والنظام الحاكم، ومع ضرورة العمل على هذه المواد وتكليفي باستمرار بها، فضلت الاستقالة حرصاً على سلامتي وسلامة أسرتي”، يتحدث مصطفى عن سبب توقفه عن العمل مراسلاً لإحدى الصحف العربية التي تصدر من أوروبا، وتتناول بموضوعية الأوضاع داخل مصر بعيداً من التحيز الإعلامي مع النظام الحاكم أو ضده.

يشكو مصطفى (اسم مستعار) عدم تمكنه من الإيفاء بالتزاماته المادية تجاه أسرته بسبب توقفه عن العمل، خوفاً من بطش رجال الأمن في مصر، الذين يستهدفون أي صحافي يعمل على مواد تنتقد أداء الحكومة والنظام الحاكم، وقد يتعرض للحبس والتنكيل من دون مساندة أو دعم من نقابة الصحافيين المصريين، أو أي جهة أخرى محلية أو دولية. ويؤكد مصطفى أن جميع الصحافيين في مصر يعانون وأسرهم، اقتصادياً بسبب الحصار المفروض على الصحافة الرصينة في مصر، موضحاً أنه لا مجال الآن للعمل إلا للموالين للحكومة سياسياً فقط.

مصر تتراجع 39 مركزاً على مؤشر حرية الصحافة 

تراجع مؤشر حرية الصحافة في مصر خلال السنوات السابقة وفقاً لتقارير رسمية دولية، فقد قالت “منظمة مراسلون بلا حدود” إن مصر باتت واحدة من أكبر السجون للصحافيين في العالم، إذ تشير بعض التقارير إلى أن عدد الصحافيين المحبوسين في مصر يتجاوز الـ20، ورصدت “مراسلون بلا حدود” تراجع مركز مصر في تصنيف حرية الإعلام من المركز 127 عام 2010 إلى المركز 166 عام 2021، وذلك من أصل 180 دولة على مستوى العالم.

يأتي ذلك بعدما فرضت الدولة سيطرتها الكاملة على جميع وسائل الإعلام في الداخل: مسموعة ومقروءة ومرئية، وباتت أكثرها مملوكة كلياً أو جزئياً لأجهزة أمنية وما يخرج عن ملكيتها يتبع سياستها إدارياً، ولا يمكنه الخروج عليها، وإلا فمصيره الحجب والإغلاق والقبض على الصحافيين فيه. وهو ما يضطر بعض المؤسسات إلى الإغلاق وتسريح الصحافيين، مثل صحيفة “التحرير” و”المصري اليوم”، الأولى أغلقت أبوابها وسرحت صحافييها جميعاً، وضيقت الأخيرة مساحة تغطياتها وسرحت صحافيين على فترات مختلفة. 

قبضة حديدية 

يقول أحمد كامل (اسم مستعار) مدير تحرير في إحدى الصحف الخاصة في مصر، إن اليوم العالمي لحرية الصحافة يمر على الصحافيين المصريين هذا العام، وهم في أسوأ أوضاعهم على جميع المستويات: مهنياً واقتصادياً ونفسياً وصحياً. فعلاوة على جائحة “كورونا” التي حصدت أرواح كثيرين منهم في الآونة الأخيرة، وتضييق الخناق عليهم في العمل وإعداد المواد، ما أثر في الصحافيين المستقلين، تمر المهنة بأسوأ حقبة لها في مصر، فتحول الصحافيون إلى موظفي علاقات عامة وناشري البيانات الصادرة عن الوزارات والسياسيين ومؤسسات الدولة، من دون مساحة من الحرية للتدقيق أو الانتقاد أو إعداد المواد التحليلية.

يؤكد كامل أن رقابة الدولة على المحتوى الصحافي فاق الخيال، فبات هناك ضابط مخصص يرسل لنقل التعليمات من جهاز أمني كبير إلى رؤساء الصحف ومسؤولي التحرير في الصحف، والتي تشمل الموضوعات التي يتم التوسع في تغطيتها والموضوعات التي تحظر مناقشتها ونشرها، وامتد الأمر إلى تحديد الموضوع الرئيسي للصفحة الأولى للجريدة، وأحياناً تحديد “المانشيت” الرئيسي للجريدة، موضحاً أن هناك قائمة بأسماء شخصيات عامة وسياسيين ورؤساء أحزاب ووزراء وفنانين يحظر نشر أخبار عنهم أو نشر تصريحاتهم، يتم تحديثها باستمرار.

تراجع مركز مصر في تصنيف حرية الإعلام من المركز 127 عام 2010 إلى المركز 166 عام 2021، وذلك من أصل 180 دولة على مستوى العالم.

يشير كامل إلى أنه بعد الانتهاء من إعداد صفحات الجريدة يتم إرسالها بصيغة pdf إلى الضابط المسؤول لمراجعة المحتوى، “ولا نرسل العدد للطباعة إلا بعد موافقته، وأحياناً كثيرة تتأخر هذه الموافقة ويُطلب حذف موضوعات هنا أو هناك، أو تعديلات ما على بعض المواد وغالبها لا يكون سياسياً، فأحياناً يُطلب حذف مواد وتقارير تتعلق بفنانين أو بموضوعات اجتماعية أو ما شابه ذلك”.

لا تتوقف رقابة الدولة على هذا الحد، فتصل إلى السيطرة الكاملة على مضمون المحتوى الإعلامي الذي تبثه جميع الفضائيات داخل مصر، وشخصيات المحللين والضيوف الذين يستضيفهم الإعلاميون داخل البرامج، فهناك قائمة معروفة لدى معدي البرامج تضم أسماء الأشخاص المحظور ظهورهم على الفضائيات، وأكثر هؤلاء كانوا من الموالين للدولة والحكومة في السابق، لكنهم بدأوا في انتقاد بعض القرارات فأدرجوا على الـ”بلاك ليست”. 

الأمن يدير “قلعة الحريات” 

قلصت الدولة مساحة الحرية الممنوحة لنقابة الصحافيين “قلعة الحريات” وبعض أعضاء مجلس النقابة المحسوبين على المعارضة، المتمثلة في رئيس لجنة الحريات عمرو بدر ومحمد سعد عبد الحفيظ ومحمود كامل، وعرقل الأمن جهودهم لمساعدة زملائهم الصحافيين، خصوصاً المعتقلين منهم، وبذلك أفقدتهم شعبيتهم تدريجاً، في الوقت الذي وفرت فيه دعماً كبيراً لبعض الأعضاء الآخرين المحظيين، رأسهم النقيب ضياء رشوان، الذي وفرت له الحكومة زيادة في بدل التدريب والتكنولوجيا الذي تمنحه للصحافيين، ومدير مشروع العلاج في النقابة أيمن عبد المجيد، الذي قدم للصحافيين بعض الخدمات خلال أزمة “كورونا”.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تدخل الأمن بشكل سافر في انتخابات نقابة الصحافيين التي أجريت في نيسان/ أبريل الماضي، وتدخل بشكل صريح لترجيح كفة النقيب الحالي ضياء رشوان الذي يشغل منصب رئيس “الهيئة العامة للاستعلامات” الحكومية التابعة لرئاسة الجمهورية، مع 4 آخرين من المرشحين على عضوية مجلس النقابة، هم: إبراهيم أبو كيلة، وحسين الزناتي، وأيمن عبد المجيد، ودعاء النجار، ونجحت قائمة الأمن بالفعل باكتساح. 

إقرأوا أيضاً:

الأمن يحشد لبعض المرشحين 

كشف مرشح سابق فضل عدم ذكر اسمه، أن ضابطاً من جهاز الأمن الوطني اجتمع مع رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة التابعة لجهاز سيادي في أحد المطاعم الشهيرة، وسط القاهرة، منتصف شباط/ فبراير الماضي، وأبلغهم بأسماء 4 مرشحين يجب أن يدعوا الصحافيين العاملين في مؤسساتهم إلى التصويت لهم، معتمداً على التأثير الكبير الذي يتمتع به رؤساء التحرير في صحافيي المؤسسات القومية.

وقال إن رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط “الوكالة الرسمية” علي حسن، كان المسؤول عن إدارة عمل رؤساء التحرير، المتمثل في حشد الصحافيين التابعين لهم وتنسيق عملهم مع ضابط الأمن الوطني، الذي كان يجلس خارج مقر إجراء الانتخابات، وسلم حسن الضابط عدد الصحافيين الذين استطاع رئيس تحرير أن يحضرهم إلى الجمعية العمومية، بما فيهم مراسلو المحافظات الذين حشدوا في “حافلات” إلى الانتخابات بتعليمات من ضابط الأمن الوطني، أيضاً.

مخالفات وتزوير 

شملت الانتخابات جملة من التجاوزات والمخالفات الكبيرة، تقدم على إثرها رفعت رشاد عضو مجلس إدارة مؤسسة الأخبار والمرشح السابق على منصب نقيب الصحافيين، بطعن قضائي بنتيجة الانتخابات، وطالب بوقف قرار إعلان نتيجة الانتخابات، وإلغاء ما يترتب على إعلان النتيجة من آثار. وشمل الطعن 10 بنود تضم إدراج اسم مرشح غير مقيد بجداول نقابة الصحافيين من الأساس، وفقدان بعض أعضاء لجنة الإشراف صلاحيتهم بعدما كشفوا عن انحيازهم إلى بعض المرشحين، وعن مخالفات التي شابت عمليتي التصويت والفرز، ومنع مندوبي المرشحين من دخول لجان التصويت أو الفرز وغيرها. 

وأقام المرشح السابق على عضوية مجلس النقابة تحت السن حسام السويفي، دعوى قضائية مطالباً ببطلان نتائج الانتخابات، وقال إنهاا “زورت بالكامل” وأنها “جريمة مكتملة الأركان وليست انتخابات”.

قلصت الدولة مساحة الحرية الممنوحة لنقابة الصحافيين “قلعة الحريات” وبعض أعضاء مجلس النقابة المحسوبين على المعارضة.

قال السويفي في دعواه، إن “عملية التزوير بدأت بعدم اكتمال نصاب الجمعية العمومية عند الساعة 12 ظهراً، ثم بعد تمديدها حتى الثالثة عصراً، حين أعلن وكيل النقابة والمشرف على الانتخابات خالد ميري اكتمال النصاب بحضور الربع+1، وهم 2500 عضو”، وشكك المرشح الخاسر في حضور هذا العدد من الصحافيين، علماً أن 1200 صحفي فقط سجلوا في كشوف الجمعية العمومية قبل إعلان اكتمال النصاب بساعة واحدة، مضيفاً أن المخالفات شملت منع المرشحين ومندوبيهم من حضور عمليات فرز الأصوات داخل اللجان، بالمخالفة لنص “المادة 39” من قانون نقابة الصحافيين.

وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين السابق والمرشح الخاسر خالد البلشي، على  “فايسبوك”، إنّه “للمرة الأولى لا يستطيع تحديد ما إذا كانت نتيجة الانتخابات في نقابة الصحافيين حقيقية أو غير حقيقية، فالإجراءات التي شابت عملية الفرز لم تمنحني حتى فرصة الاعتراف بأنّ النتيجة المعلنة هي تعبير عن إرادة من صوّتوا… لم نحصل على رقم موثق أو حتى تقديري يشمل جميع المرشحين وتوجهات التصويت في غالبية اللجان إلا بعد إعلان النتائج، كلّ المؤشرات كانت تقديرية وغير مكتملة، وهو ما امتد لأعضاء اللجنة أنفسهم بعد تسريب ورقة بنتائج الفائزين”.

استبعاد ثلث أعضاء النقابة من تشكيل هيئة المكتب 

لم تقف سياسية الأمن لتقييد حرية الصحافة عند هذا الحد، فقد امتدت إلى استبعاد المرشحين المحسوبين على تيار المعارضة في النقابة من تشكيل هيئة مكتب المجلس ولجان النقابة، في مخالفة صريحة ومباشرة للوائح وقوانين النقابة، وهم: هشام يونس، ومحمد خراجة، ومحمود كامل، ومحمد سعد عبد الحفيظ.

وأصدر الأعضاء الأربعة المستبعدون بياناً قالوا فيه، “إن المغالبة وتجاوز القانون يسيطران على مشهد البداية”، وأعلنوا بدء إجراءات الطعن بقرار تشكيل هيئة المكتب واللجان، وكشفوا في بيانهم أن بعد الانتخابات بأيام قليلة حاول البعض الاستئثار بإدارة النقابة منفرداً في مخالفة صريحة لكل الأعراف والقوانين النقابية، وفوجئوا باتفاق مجموعة من أعضاء المجلس على تشكيل طلبوا التصويت عليه من دون نقاش، على رغم أن التشكيل المقترح يخالف الفتوى القانونية الصادرة عن قسمي الفتوى والتشريع في مجلس الدولة، بعدم جواز تولي النائبين محمد شبانة وإبراهيم أبو كيلة أي منصب في هيئة مكتب النقابة خلال عضويتهما في مجلس الشيوخ. وعندما صمم الأعضاء الـ8 الآخرون على التشكيل اعتذر النقيب عن استكمال الجلسة وفوض أكبر الأعضاء سناً بإدارة الجلسة وفوض الأخير عضواً آخر لإدارتها –بالمخالفة للوائح النقابة- وانسحب الأعضاء الأربعة من الاجتماع، وفوجئوا بعدها بإعلان نتيجة تشكيل هيئة المكتب واستئثار أعضاء برئاسة لجنتين والبعض الآخر حضر في 3 لجان، فيما تم استبعاد ثلث أعضاء المجلس من التشكيل. 

وقال الأعضاء المستبعدون في بيانهم: “إننا لم نخسر، فقد كسبنا احترامنا لأنفسنا ولمن انتخبونا، وسنظل على عهدنا مدافعين عن كل قيمة ومواجهين لكل نقيصة، وسنكون معكم ومع مصالحكم وقضاياكم الحقيقية، وبقدر ثقتكم فينا مهما كلفنا ذلك، ونحن أيضاً على ثقة من دعمكم في كل الخطوات القانونية والنقابية التي سنتخذها دفاعاً عن حقوقكم وعن الكيان النقابي”. واختتموا البيان قائلين: “سجلنا جميعاً وبأقسى العبارات وأوضحها رفضنا خلال الجلسة لكل ما جرى، واعتبرناه انقلاباً على ثوابت العمل النقابي المستقرة منذ عقود. لقد اخترنا الطريق الصعب الذي نأمل ألا نمضي فيه وحدنا، لكننا سنمضي حتى لو كانت كتيبتنا محدودة العدد، لكننا نوقن أنها كثيرة العتاد، متشحة بذخيرة من القيم والثبات على الحق، نثق بأنها لن تنفد طالما بقي بينكم من يشد على أيادينا ويرفع صوته معنا لكي نستعيد نقابتنا”.

إقرأوا أيضاً: