fbpx

مصر في البريكس… مستقبل غامض ونافذة جديدة للاقتراض ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تسعى مجموعة “البريكس” إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في قلب موازين القوى العالمية وإعادة صياغة النظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما تهدف لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي، ومن بين هذه الأهداف أيضاً إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي عبر إطلاق عملة موحدة فيما بينها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بريكس” اسم تكتل اقتصادي برز بقوة مؤخراً، لكنه في الحقيقة تجمع سياسي بالأساس.

عاد نجم بريكس للصعود مع انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية وعودة النظام أحادي القطب ليفرض نفسه من جديد، بعد أن قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، ما دفع دول عديدة للبحث عن تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة تحتمي بها. 

حصل هذا في وقت تبحث فيه روسيا عن شركاء داعمين لها في مواجه العقوبات الاقتصادية الغربية، وتبحث الصين عن توسيع نفوذها وتقوية دعائم تستند إليها في مواجهة الصراع الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وفي ظل التوتر الحاصل مع جارتها تايوان.

كل هذه المعطيات سمحت بصعود قوي لهذا التكتل، فقررت مجموعة “بريكس”، في 24 أغسطس الحالي زيادة عدد أعضائها، ودعوة مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا إلى الانضمام، في محاولة لإعادة تشكيل النظام العالمي في مواجهة الهيمنة التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

هذه الدعوة، هي الخطوة الأولى للتوسع منذ 2010 حين ضمت المجموعة دولة جنوب أفريقيا، ليصل عدد أعضائها بذلك إلى 11 عضواً، على أن تبدأ عضوية الدول الست الجديدة من 1 يناير (كانون الثاني) 2024، أملاً بأن يسهم التكتل الاقتصادي في خلق نظام عالمي ثنائي القطبية.

اتخذت المنظمة قرار زيادة الأعضاء بعدما وافقت الهند أخيرا على عملية التوسيع بعد ضغوط متواصلة من الصين التي كانت المحرك الرئيسي وراء إضافة إيران بحكم شراكتها الاستراتيجية مع بكين، وإثيوبيا لأهميتها بالنسبة إلى مبادرة طريق الحرير الصينية، والسعودية والإمارات باعتبارهما من أكبر موردي النفط إلى بكين، فيما طلبت روسيا ضم مصر لوجود علاقات جيدة بين البلدين، وأصرت البرازيل على ضم الأرجنتين شريكتها في معظم الملفات الاقتصادية.

أهمية  مجموعة البريكس

وفقاً لبيانات البنك الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي للدول المنضمة حديثاً وهما: السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا مجتمعة يصل إلى نحو 3.2 تريليون دولار في عام 2022، لتضاف إلى نصيب الدول الخمس الموجودة في المجموعة والتي يقدر قيمته بنحو 26 تريليون دولار، ليستحوذ التكتل على نحو ثلث الاقتصاد العالمي.

يضم التكتل اقتصادات ناشئة ذات بنمو قوي، فالصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وفي الهند تنمو سوق تكنولوجية صاعدة، كما تزدهر الشركات المتعددة الجنسيات، وتتميز باقتصاد خدمات قوي وصناعات متطورة، أما روسيا فمصدر عملاق للنفط والغاز، وهي ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، أما البرازيل فقوة زراعية وغذائية رئيسية في العالم بفضل سيطرتها على المنتجات المعدلة وراثياً والوقود الحيوي، بالإضافة إلى هيمنتها على أسواق اللحوم الدولية، فيما أصبحت جنوب أفريقيا قوة مالية بفضل صادراتها من المعادن والمواد الخام.

تتشابه دول المجموعة في تطبيقها للإصلاحات الاقتصادية الليبرالية، من تحرير سوق العمل ورأس المال، وتحقيق اقتصاداتها الكلية أداءً ونمواً قويين، كما ركزت التنمية على استراتيجية صناعية وتصديرية، فزادت حصصها في أسواق التجارة العالمية للسلع والخدمات وبالتالي حققت اندماجاً في الاقتصاد العالمي من موقع قوة، وتضم الدول الخمس صناديق سيادية كبرى تغذيها احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي من الفوائض التجارية.

تُشكل دول التكتل مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، كما أن لديها أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، ومع ارتفاع عدد الأعضاء إلى 11 دولة، سيصبح عدد سكان المجموعة أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة، ما يشكل قوة دفع هائلة للسعي نحو تشكيل قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع” التي تسيطر على 60% من ثروات العالم.

لان بريكس في النهاية تجمع سياسي بالأساس فقد عاد نجم بريكس للصعود مع انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية وعودة النظام أحادي القطب ليفرض نفسه من جديد، بعد أن قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، ما دفع دول عديدة للبحث عن تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة تحتمي بها، في الوقت الذي تبحث فيه روسيا عن شركاء داعمين لها في مواجه العقوبات الاقتصادية الغربية، وتبحث الصين عن توسيع نفوذها وتقوية دعائم تستند إليها في مواجهة الصراع الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وفي ظل التوتر الحاصل مع جارتها تايوان.

كيف بدأت مجموعة البريكس؟

عام 2001، لاحظ جيم أونيل، كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأميركية “غولدمان ساكس”، أثناء دراسته للأسواق الناشئة أن هناك أربعة من الدول النامية تحقق معدلات نمو مرتفعة، وتوقع أن تهيمن هذه الدول على الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة.

كانت هذه الدول هي: الصين وروسيا والهند والبرازيل، وصاغ أونيل حينها مصطلح “بريك” لأول مرة وهي الأحرف الأولى من أسماء هذه الدول، وبعدها اجتمع رؤساء وزراء هذه الدول لأول مرة في عام 2006 للتشاور في إمكانية التعاون والتشارك.

بعد تحقيق دول “بريك” مؤشرات اقتصادية جيدة خلال الأزمة الاقتصادية 2008، عقد رؤساء هذه الدول اجتماع في عام 2009، ورفعوا درجة تعاون دول “بريك” إلى مستوى القمة.

أعلن الرؤساء الأربعة تأسيس تكتل اقتصادي يهدف إلى كسر هيمنة الغرب على الاقتصاد، وينهي نظام القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة، وذلك من خلال الدعوة إلى تحسين الوضع الاقتصادي العالمي وإصلاح المؤسسات المالية، ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى التضخم الرباعي ليصبح “بريكس” بدلا من “بريك”.

“بريكس” اسم تكتل اقتصادي برز بقوة مؤخراً، لكنه في الحقيقة تجمع سياسي بالأساس.

أهداف البريكس؟

تسعى مجموعة “البريكس” إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في قلب موازين القوى العالمية وإعادة صياغة النظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما تهدف لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي، ومن بين هذه الأهداف أيضاً إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي عبر إطلاق عملة موحدة فيما بينها، إذ سبق وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو 2022، أن تكتل بريكس يعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.

تسعى روسيا من خلال هذه الخطوة إلى كسر هيمنة الدولار الأمريكي وإنهاء تحكمه بالاقتصاد العالمي، بعد أن ذاقت ويلات العقوبات الغربية عليها منذ دخولها الحرب ضد أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022، وهو ما يتفق كذلك مع رغبة الصين التي ترى دول في الأزمة الأوكرانية فرصة مواتية للاستفادة من التذمر المتزايد من السياسات الغربية وتكريس وضعها الاقتصادي ودعم عملتها في الأسواق الدولية.

يرى بعض الخبراء أنه من الصعب في الوقت الحالي تطبيق عملة موحدة، وفي حديث لـسمر عادل الباحثة في الاقتصاد السياسي، مع “درج” تقول إن اعتماد عملة واحدة لن يتم بسهولة قبل مدة لا تقل عن عقدين أو ثلاثة عقود على الأقل، وإذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي سنجد أن المجموعة بالرغم من أنهم دول يجتمعون في نفس الجغرافيا، إلا أن عملية تدشين عملة موحدة استغرقت العديد من المراحل على مدار سنوات طويلة.

 ترى عادل في  أن على تكتل بريكس أن يُوضع تحت الاختبار ويجتاز العديد من التحديات ويمر بمجموعة من الخطوات، من ضمنها خطوات فنية حتى يتم إرساء عملة موحدة. 

“تراجع الدولار اتجاه موضوعيّ”

يقول الباحث الاقتصادي مجدي عبد الهادي لـ”درج” عن إنهاء هيمنة الدولار على التجارة الدولة، إن تراجع الدولار هو اتجاه موضوعي، فقد تراجعت حصته بالفعل في الاحتياطيات الدولية من 72% إلى 58% خلال العقدين الماضيين، بالتوازي مع صعود قوى اقتصادية جديدة مدفوعة بأوزانها الديموغرافية الهائلة، وهى بالأساس الصين والهند، هذا هو المحرك الحقيقي المتجذر في الاقتصاد العيني.

يرى عبد الهادي أن بريكس مجرد إطار لا غير، قد يمارس بعض التشجيع الرمزي لقوى أخرى بإعادة هيكلة معاملاتها النقدية عالمياً، بحيث تقلل تعاملاتها بالدولار الذي بدأ غروبه فعلًا، خصوصاً مع الأنانية الأمريكية التي لا تبالي بمصالح باقي الدول حينما ترسم سياساتها النقدية.

يضيف عبد الهادي قائلاً :”بريكس نفسها لا تزال أبعد ما تكون عن أن تمثل تهديدًا مباشرًا للدولار، بل هى في الحقيقة مجرد استعراض لـ تحولات موازين الاقتصاد النامية عالميا خارج المراكز الغربية التقليدية، وعلامة على تأزم التجارة العالمية وتراجع موجة العولمة نسبيًا في سياق الركود العالمي الكامن بما يشجع عليه من اتفاقات تجارية ثنائية وترتيبات إقليمية تعمل كبديل جزئي عن النظام العالمي الخاضع لهيمنة قطب واحد”.

بديل عن “سويفت”..وتفادي العقوبات

وإلى جانب تقويض هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي ترغب المجموعة في العمل على إنشاء نظام دفع متعدد الأطراف، كبديل لنظام سويفت المعمول به حالياً، لضمان قدراً أكبر من الاستقلالية عن الهيمنة الغربية منذ أن أقصت الولايات المتحدة روسيا من نظام المدفوعات العالمي، وبالتالي عزل الاقتصاد الروسي عن العالم وحرمانه من عشرات المليارات من الاحتياطات المالية التي كانت موسكو تملكها في الخارج، وهو أمر تسبب في قلق بقية دول المجموعة، وخصوصا الصين، من إمكانية قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات مماثلة عليها.

ماذا تستفيد مصر من البريكس؟

وفقاً لصحيفة الجارديان البريطانية، المكاسب التي ستجنيها الأعضاء الجدد لبريكس، ما تزال مبهمة وغير واضحة، وتعتبر ان هذه الخطوة رمزية أكثر من أي شيء آخر، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن المزايا التي ستعود على الدول المنضمة حديثًا، وخصوصا مصر.

تحتاج مصر إلى الانضمام إلى المجموعة بحكم أنها تمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة على خلفية خروج “الأموال الساخنة” منها، كما أنها تُعاني من فجوة دولارية تصل إلى 30 مليار دولار في العام، لذا رحبت مصر بالموافقة على ضمها، على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير المالية المصري محمد معيط، ورأتها فرصة للحصول على “قروض ميسرة”، في ظل الشروط الصعبة التي تفرضها مؤسسات التمويل الغربية إضافة إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض على خلفية انخفاض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري. 

وفي حديثه مع “درج” يرى محمد مهدي محلل أسواق المال العالمية، أن المزايا التي ستحصل عليها مصر من انضمامها إلى تكتل تنحصر في شيء واحد فقط وهو أنها ستتيح لها نافذة جديدة للاقتراض، ويضيف قائلاً: “قد تكون هناك مزايا أخرى تتعلق بإرساء التبادل التجاري اعتماداً على سلة من العملات بدلاً من الاعتماد المبالغ فيه على الدولار الذي يجعل قيمة الجنيه في انخفاض دائم، ولكن مع صعوبة كسر هيمنة الدولار على المدى القريب والمتوسط، فإن مزايا بريكس لا تزال محدودة للغاية”.

ويتفق مجدي عبد الهادي مع المحلل المالي على أن هدف الاقتراض هو الوحيد القابل للتحقيق بسهولة ضمن الانضمام لهذا التجمع، ومع غلبة التسييس على هذا التجمع، توقع عبد الهادي تساهل التكتل بدرجة أكبر نسبياً مع مصر من جهة تقديم قروض لا توجد ضمانات برشادة استخدامها، خصوصاً مع سوابق الصين -أكبر مقرض في المجموعة- في الحصول على مستحقاتها من مقترضيها المتعثرين في صورة أصول وطنية.

، تحاول المجموعة تعميق التعاون الاقتصادي والمالي بين أعضائها عن طريق استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وفي هذا الصدد تقول سمر عادل :”الاستيراد بالعملة المحلية لدول أعضاء بريكس يمكن أن يساهم في تقليل الضغط على الدولار بالنسبة لدولة مثل مصر، وهو ما يترتب عليه خفض العجز في ميزان المدفوعات، ولكنه ليس الحل النهائي لمشكلة نقص الدولار التي تواجه الاقتصاد المصري”.

ويعود السبب إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر أزمة هيكلية تتعلق باعتماد الدولة في تمويل ميزانيتها على الاقتراض، ما جعل الدين العام يُشكل نحو 96% من الناتج المحلي الإجمالي، لذا فإن تغيير نوع العملة التي نقترض بها ليس حلاً، وإنما استمرار في نفس الازمة من خلال مسارات مختلفة.

تشير سمر عادل إلى أن الميزان التجاري (الفارق بين الصادرات والواردات) يميل نحو العجز بشكل مستمر، وقد بلغ العجز في الميزان التجاري نحو 42 مليار دولار في عام 2022، وعند النظر في الميزان التجاري بين مصر والدول الأعضاء في مجموعة بريكس، سنجد أنه يمل لصالحهم، ويبلغ قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة ما يقارب 32 مليار دولار خلال 2022، وتقدر قيمة ما تستورده مصر من هذه الدول نحو 26 مليار دولار، بينما تصدر إليهم ما قيمته 5 مليارات دولار فقط.

يعني ما سبط ببساطة أن تسهيلات التبادل التجاري والدفع بالعملة المحلية إذا تم تطبيقها فإنها تصب في صالح دول التكتل، وعلى مصر أن تزيد من قيمة صادراتها حتى تستطيع الحصول على العملات المحلية للدول الأعضاء، وتبقى مسألة الديون المصرية الخارجية قائمة دون حل، إذ أنها جميعا بالدولار ووصلت إلى 165 مليار دولار حتى الربع الأول من 2023.

غياب الجاذبية الاستثماريّة في مصر

لا يزال من غير الواضح كيف ستتمكن مصر من استقطاب الاستثمارات المباشرة من أعضاء البريكس؟ فالاقتصاد المصري، كما يقول مجدي عبد الهادي، يفتقر إلى المرونة الداخلية والجاذبية الاستثمارية بسبب هيكله الاحتكاري وطابعه “المحاسيبي” العاملان اللذان خلقا تناقضات شديدة مع أي استثمار أجنبي كفؤ، ترافقه لمقاومة داخلية شديدة من فئات متنفّذة لأي منافس جديد من خارجها، أو على الأقل ستضيّق عليه بضرورة مشاركته التي قد لا يرغبها، خصوصاً في حالات القطاعات التكنولوجية الحديثة.

ومع ذلك يتوقع عبد الهادي تحقيق مصر بعض الفائدة من الانضمام لـ”بريكس”، إذ أنها تظل أكبر اقتصاد عربي غير نفطي، فضلاً عن ثقلها كتجمع ديموغرافي، ويتوقف الأمر على طبيعة واتجاه الصفقة السياسية لانضمام مصر للحلف، والأهم تصوّر القيادة الصينية لشكل علاقاتها بالمنطقة العربية عمومًا.

في كل الأحوال يتطلب انضمام مصر إحداث نقلة جذرية في الاقتصاد المصري نحو التصنيع وتعديل هيكل الصادرات تغيّرًا جذريًا في هياكل الأسعار المحلية والبنية الاجتماعية تدفعه اعتبارات داخلية أساسيّة، فحسب عبد الهادي لا يُتوقع من مجرد بعض التفاهمات التجارية مع قوى اقتصادية أغلبها غير متقدم أساسًا، أن تؤدي لتغيرات جذرية على هذا الصعيد.

مستقبل تجمع البريكس “الهشّ”

لا يزال البريكس تجمعا سياسيا لدول مشتتة جغرافيا لا تجمعها أي منظومة إيديولوجية ولا سياسية، فمن الصين الشيوعية إلى البرازيل الديمقراطية إلى حكم الأوليغاركية الروسية هناك تشكيلة متناقضة من الأنظمة اتفقت على التعاون معا لتعزيز حضورها في النظام الدولي.

وهذا الاتفاق لا يمنع من وجود مشكلات مستعصية بين أعضائه وصلت إلى الاشتباكات الحدودية كما حدث بين أكبر عضوي البريكس الهند والصين في منطقة لاداخ ضمن سلسلة جبال الهيمالايا، فضلا عن التخوف الهندي الكبير من النفوذ الصيني الإقليمي المتنامي وهو ما يدفعها لتعزيز علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق توازن في صراعها مع الصين، ويجبر الصين في المقابل لتعزيز علاقته مع باكستان العدود التاريخي للهند. 

يتحول بريكس بالتدريج من كونه تجمعًا سياسيًا يهدف إلى تحقيق عالم متعدد الأقطاب إلى تكتل اقتصادي يدعم التعاون بين أعضائه وتعميق الشراكات الاقتصادية بينهم، وتوفير التمويل اللازم للتنمية والتصنيع والاستثمار وتخفيض الحواجز الجمركية بين مكوناته، وصياغة خطط اقتصادية يجري متابعتها في القمة السنوية، إلا أنه مع ذلك لا يزال تكتلا غير رسمي لا تجمعه معاهدات موثقة واتفاقات نافذة مثل الاتحاد الأوروبي.

ولم يكتسب التكتل حتى الآن هيكلاً اقتصاديا متماسكًا بحيث يخضع الانضمام له لمعايير اقتصادية بالأساس، كما يقول مجدي عبد الهادي، ما يعني غلبة اعتبارات التوسع السياسي والتمركز عبر المفاصل الاستراتيجية عالميًا، كما أنه بغياب أي أطر مؤسسية للتجمع، بخلاف بنك التنمية الآسيوي؛ فإن الأمر لن يعدو بعض القروض والتفاهمات التجارية في أحسن الأحوال.

وفي عام 2014 قامت مجموعة بريكس بإنشاء مؤسسة مالية بديلة لصندوق النقد الدولي تحت مسمى “بنك التنمية الجديد”، هو بمثابة بنك متعدد الأطراف تديره دول المجموعة الخمس، برأس مال قدر حينها 50 مليار دولار، وكان الدور المنوط به لهذا البنك هو منح قروض لتمويل مشاريع البنيات الأساسية، في البلدان الأعضاء بالمجموعة والبلدان الناشئة الأخرى.

ولكن المؤسسة منذ إنشائها لم تلعب الدور المرجو منها في إقراض الدول النامية وتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية، وعلى العكس من ذلك استغل الأعضاء امتلاكهم لحصص رئيسية في البنك وقاموا باقتراض قروض باهظة بضمان الاحتياطي المالي خلال السنوات الماضية.

ويشكك البعض في فاعلية الاعتماد على بنك التنمية من أجل الحصول على قروض، إذ أن البنك بالرغم من شروطه الميسرة في منح التمويل مقارنة بالصندوق ومؤسسات التمويل الغربية، إلا أن القروض التي يمنحها تكون أكثر تكلفة وبعائد مضاعف للعائد الذي يقرض به الصندوق، واقتصر نشاط المؤسسة على إقراض 32 مليار دولار فقط.

 وكذلك لم يتمكن صندوق احتياطات البريكس الذي تأسس في 2014 بقيمة 100 مليار دولار (41 مليار من الصين، و18 مليار لكل من الهند وروسيا والبرازيل، و5 مليارات لجنوب إفريقيا) من منافسة صندوق النقد في تلبية الاستجابة على التحديات المالية، واقتصر على مساعدة الدول بعض الدول الناشئة في حالات الطوارئ.

في المحصلة مستقبل تكتل البريكس يتوقف على تطوير مؤسسات التكتل الاقتصادية والتشريعية والقضائية على غرار الاتحاد الأوروبي وتحسين وتعميق الأداء الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وتضييق مساحات الخلاف بين مكوناته بما يسمح بصياغة رؤية ومسار جديدين في السياسة الدولية، وهو أمر رهين بقدر الصين على الإنصات لمخاوف الأعضاء وهواجسهم وهي كبيرة.

31.08.2023
زمن القراءة: 11 minutes

تسعى مجموعة “البريكس” إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في قلب موازين القوى العالمية وإعادة صياغة النظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما تهدف لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي، ومن بين هذه الأهداف أيضاً إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي عبر إطلاق عملة موحدة فيما بينها.

“بريكس” اسم تكتل اقتصادي برز بقوة مؤخراً، لكنه في الحقيقة تجمع سياسي بالأساس.

عاد نجم بريكس للصعود مع انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية وعودة النظام أحادي القطب ليفرض نفسه من جديد، بعد أن قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، ما دفع دول عديدة للبحث عن تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة تحتمي بها. 

حصل هذا في وقت تبحث فيه روسيا عن شركاء داعمين لها في مواجه العقوبات الاقتصادية الغربية، وتبحث الصين عن توسيع نفوذها وتقوية دعائم تستند إليها في مواجهة الصراع الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وفي ظل التوتر الحاصل مع جارتها تايوان.

كل هذه المعطيات سمحت بصعود قوي لهذا التكتل، فقررت مجموعة “بريكس”، في 24 أغسطس الحالي زيادة عدد أعضائها، ودعوة مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا إلى الانضمام، في محاولة لإعادة تشكيل النظام العالمي في مواجهة الهيمنة التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

هذه الدعوة، هي الخطوة الأولى للتوسع منذ 2010 حين ضمت المجموعة دولة جنوب أفريقيا، ليصل عدد أعضائها بذلك إلى 11 عضواً، على أن تبدأ عضوية الدول الست الجديدة من 1 يناير (كانون الثاني) 2024، أملاً بأن يسهم التكتل الاقتصادي في خلق نظام عالمي ثنائي القطبية.

اتخذت المنظمة قرار زيادة الأعضاء بعدما وافقت الهند أخيرا على عملية التوسيع بعد ضغوط متواصلة من الصين التي كانت المحرك الرئيسي وراء إضافة إيران بحكم شراكتها الاستراتيجية مع بكين، وإثيوبيا لأهميتها بالنسبة إلى مبادرة طريق الحرير الصينية، والسعودية والإمارات باعتبارهما من أكبر موردي النفط إلى بكين، فيما طلبت روسيا ضم مصر لوجود علاقات جيدة بين البلدين، وأصرت البرازيل على ضم الأرجنتين شريكتها في معظم الملفات الاقتصادية.

أهمية  مجموعة البريكس

وفقاً لبيانات البنك الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي للدول المنضمة حديثاً وهما: السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا مجتمعة يصل إلى نحو 3.2 تريليون دولار في عام 2022، لتضاف إلى نصيب الدول الخمس الموجودة في المجموعة والتي يقدر قيمته بنحو 26 تريليون دولار، ليستحوذ التكتل على نحو ثلث الاقتصاد العالمي.

يضم التكتل اقتصادات ناشئة ذات بنمو قوي، فالصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وفي الهند تنمو سوق تكنولوجية صاعدة، كما تزدهر الشركات المتعددة الجنسيات، وتتميز باقتصاد خدمات قوي وصناعات متطورة، أما روسيا فمصدر عملاق للنفط والغاز، وهي ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، أما البرازيل فقوة زراعية وغذائية رئيسية في العالم بفضل سيطرتها على المنتجات المعدلة وراثياً والوقود الحيوي، بالإضافة إلى هيمنتها على أسواق اللحوم الدولية، فيما أصبحت جنوب أفريقيا قوة مالية بفضل صادراتها من المعادن والمواد الخام.

تتشابه دول المجموعة في تطبيقها للإصلاحات الاقتصادية الليبرالية، من تحرير سوق العمل ورأس المال، وتحقيق اقتصاداتها الكلية أداءً ونمواً قويين، كما ركزت التنمية على استراتيجية صناعية وتصديرية، فزادت حصصها في أسواق التجارة العالمية للسلع والخدمات وبالتالي حققت اندماجاً في الاقتصاد العالمي من موقع قوة، وتضم الدول الخمس صناديق سيادية كبرى تغذيها احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي من الفوائض التجارية.

تُشكل دول التكتل مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، كما أن لديها أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، ومع ارتفاع عدد الأعضاء إلى 11 دولة، سيصبح عدد سكان المجموعة أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة، ما يشكل قوة دفع هائلة للسعي نحو تشكيل قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع” التي تسيطر على 60% من ثروات العالم.

لان بريكس في النهاية تجمع سياسي بالأساس فقد عاد نجم بريكس للصعود مع انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية وعودة النظام أحادي القطب ليفرض نفسه من جديد، بعد أن قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، ما دفع دول عديدة للبحث عن تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة تحتمي بها، في الوقت الذي تبحث فيه روسيا عن شركاء داعمين لها في مواجه العقوبات الاقتصادية الغربية، وتبحث الصين عن توسيع نفوذها وتقوية دعائم تستند إليها في مواجهة الصراع الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وفي ظل التوتر الحاصل مع جارتها تايوان.

كيف بدأت مجموعة البريكس؟

عام 2001، لاحظ جيم أونيل، كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأميركية “غولدمان ساكس”، أثناء دراسته للأسواق الناشئة أن هناك أربعة من الدول النامية تحقق معدلات نمو مرتفعة، وتوقع أن تهيمن هذه الدول على الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة.

كانت هذه الدول هي: الصين وروسيا والهند والبرازيل، وصاغ أونيل حينها مصطلح “بريك” لأول مرة وهي الأحرف الأولى من أسماء هذه الدول، وبعدها اجتمع رؤساء وزراء هذه الدول لأول مرة في عام 2006 للتشاور في إمكانية التعاون والتشارك.

بعد تحقيق دول “بريك” مؤشرات اقتصادية جيدة خلال الأزمة الاقتصادية 2008، عقد رؤساء هذه الدول اجتماع في عام 2009، ورفعوا درجة تعاون دول “بريك” إلى مستوى القمة.

أعلن الرؤساء الأربعة تأسيس تكتل اقتصادي يهدف إلى كسر هيمنة الغرب على الاقتصاد، وينهي نظام القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة، وذلك من خلال الدعوة إلى تحسين الوضع الاقتصادي العالمي وإصلاح المؤسسات المالية، ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى التضخم الرباعي ليصبح “بريكس” بدلا من “بريك”.

“بريكس” اسم تكتل اقتصادي برز بقوة مؤخراً، لكنه في الحقيقة تجمع سياسي بالأساس.

أهداف البريكس؟

تسعى مجموعة “البريكس” إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في قلب موازين القوى العالمية وإعادة صياغة النظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما تهدف لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي، ومن بين هذه الأهداف أيضاً إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي عبر إطلاق عملة موحدة فيما بينها، إذ سبق وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو 2022، أن تكتل بريكس يعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.

تسعى روسيا من خلال هذه الخطوة إلى كسر هيمنة الدولار الأمريكي وإنهاء تحكمه بالاقتصاد العالمي، بعد أن ذاقت ويلات العقوبات الغربية عليها منذ دخولها الحرب ضد أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022، وهو ما يتفق كذلك مع رغبة الصين التي ترى دول في الأزمة الأوكرانية فرصة مواتية للاستفادة من التذمر المتزايد من السياسات الغربية وتكريس وضعها الاقتصادي ودعم عملتها في الأسواق الدولية.

يرى بعض الخبراء أنه من الصعب في الوقت الحالي تطبيق عملة موحدة، وفي حديث لـسمر عادل الباحثة في الاقتصاد السياسي، مع “درج” تقول إن اعتماد عملة واحدة لن يتم بسهولة قبل مدة لا تقل عن عقدين أو ثلاثة عقود على الأقل، وإذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي سنجد أن المجموعة بالرغم من أنهم دول يجتمعون في نفس الجغرافيا، إلا أن عملية تدشين عملة موحدة استغرقت العديد من المراحل على مدار سنوات طويلة.

 ترى عادل في  أن على تكتل بريكس أن يُوضع تحت الاختبار ويجتاز العديد من التحديات ويمر بمجموعة من الخطوات، من ضمنها خطوات فنية حتى يتم إرساء عملة موحدة. 

“تراجع الدولار اتجاه موضوعيّ”

يقول الباحث الاقتصادي مجدي عبد الهادي لـ”درج” عن إنهاء هيمنة الدولار على التجارة الدولة، إن تراجع الدولار هو اتجاه موضوعي، فقد تراجعت حصته بالفعل في الاحتياطيات الدولية من 72% إلى 58% خلال العقدين الماضيين، بالتوازي مع صعود قوى اقتصادية جديدة مدفوعة بأوزانها الديموغرافية الهائلة، وهى بالأساس الصين والهند، هذا هو المحرك الحقيقي المتجذر في الاقتصاد العيني.

يرى عبد الهادي أن بريكس مجرد إطار لا غير، قد يمارس بعض التشجيع الرمزي لقوى أخرى بإعادة هيكلة معاملاتها النقدية عالمياً، بحيث تقلل تعاملاتها بالدولار الذي بدأ غروبه فعلًا، خصوصاً مع الأنانية الأمريكية التي لا تبالي بمصالح باقي الدول حينما ترسم سياساتها النقدية.

يضيف عبد الهادي قائلاً :”بريكس نفسها لا تزال أبعد ما تكون عن أن تمثل تهديدًا مباشرًا للدولار، بل هى في الحقيقة مجرد استعراض لـ تحولات موازين الاقتصاد النامية عالميا خارج المراكز الغربية التقليدية، وعلامة على تأزم التجارة العالمية وتراجع موجة العولمة نسبيًا في سياق الركود العالمي الكامن بما يشجع عليه من اتفاقات تجارية ثنائية وترتيبات إقليمية تعمل كبديل جزئي عن النظام العالمي الخاضع لهيمنة قطب واحد”.

بديل عن “سويفت”..وتفادي العقوبات

وإلى جانب تقويض هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي ترغب المجموعة في العمل على إنشاء نظام دفع متعدد الأطراف، كبديل لنظام سويفت المعمول به حالياً، لضمان قدراً أكبر من الاستقلالية عن الهيمنة الغربية منذ أن أقصت الولايات المتحدة روسيا من نظام المدفوعات العالمي، وبالتالي عزل الاقتصاد الروسي عن العالم وحرمانه من عشرات المليارات من الاحتياطات المالية التي كانت موسكو تملكها في الخارج، وهو أمر تسبب في قلق بقية دول المجموعة، وخصوصا الصين، من إمكانية قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات مماثلة عليها.

ماذا تستفيد مصر من البريكس؟

وفقاً لصحيفة الجارديان البريطانية، المكاسب التي ستجنيها الأعضاء الجدد لبريكس، ما تزال مبهمة وغير واضحة، وتعتبر ان هذه الخطوة رمزية أكثر من أي شيء آخر، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن المزايا التي ستعود على الدول المنضمة حديثًا، وخصوصا مصر.

تحتاج مصر إلى الانضمام إلى المجموعة بحكم أنها تمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة على خلفية خروج “الأموال الساخنة” منها، كما أنها تُعاني من فجوة دولارية تصل إلى 30 مليار دولار في العام، لذا رحبت مصر بالموافقة على ضمها، على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير المالية المصري محمد معيط، ورأتها فرصة للحصول على “قروض ميسرة”، في ظل الشروط الصعبة التي تفرضها مؤسسات التمويل الغربية إضافة إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض على خلفية انخفاض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري. 

وفي حديثه مع “درج” يرى محمد مهدي محلل أسواق المال العالمية، أن المزايا التي ستحصل عليها مصر من انضمامها إلى تكتل تنحصر في شيء واحد فقط وهو أنها ستتيح لها نافذة جديدة للاقتراض، ويضيف قائلاً: “قد تكون هناك مزايا أخرى تتعلق بإرساء التبادل التجاري اعتماداً على سلة من العملات بدلاً من الاعتماد المبالغ فيه على الدولار الذي يجعل قيمة الجنيه في انخفاض دائم، ولكن مع صعوبة كسر هيمنة الدولار على المدى القريب والمتوسط، فإن مزايا بريكس لا تزال محدودة للغاية”.

ويتفق مجدي عبد الهادي مع المحلل المالي على أن هدف الاقتراض هو الوحيد القابل للتحقيق بسهولة ضمن الانضمام لهذا التجمع، ومع غلبة التسييس على هذا التجمع، توقع عبد الهادي تساهل التكتل بدرجة أكبر نسبياً مع مصر من جهة تقديم قروض لا توجد ضمانات برشادة استخدامها، خصوصاً مع سوابق الصين -أكبر مقرض في المجموعة- في الحصول على مستحقاتها من مقترضيها المتعثرين في صورة أصول وطنية.

، تحاول المجموعة تعميق التعاون الاقتصادي والمالي بين أعضائها عن طريق استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وفي هذا الصدد تقول سمر عادل :”الاستيراد بالعملة المحلية لدول أعضاء بريكس يمكن أن يساهم في تقليل الضغط على الدولار بالنسبة لدولة مثل مصر، وهو ما يترتب عليه خفض العجز في ميزان المدفوعات، ولكنه ليس الحل النهائي لمشكلة نقص الدولار التي تواجه الاقتصاد المصري”.

ويعود السبب إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر أزمة هيكلية تتعلق باعتماد الدولة في تمويل ميزانيتها على الاقتراض، ما جعل الدين العام يُشكل نحو 96% من الناتج المحلي الإجمالي، لذا فإن تغيير نوع العملة التي نقترض بها ليس حلاً، وإنما استمرار في نفس الازمة من خلال مسارات مختلفة.

تشير سمر عادل إلى أن الميزان التجاري (الفارق بين الصادرات والواردات) يميل نحو العجز بشكل مستمر، وقد بلغ العجز في الميزان التجاري نحو 42 مليار دولار في عام 2022، وعند النظر في الميزان التجاري بين مصر والدول الأعضاء في مجموعة بريكس، سنجد أنه يمل لصالحهم، ويبلغ قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة ما يقارب 32 مليار دولار خلال 2022، وتقدر قيمة ما تستورده مصر من هذه الدول نحو 26 مليار دولار، بينما تصدر إليهم ما قيمته 5 مليارات دولار فقط.

يعني ما سبط ببساطة أن تسهيلات التبادل التجاري والدفع بالعملة المحلية إذا تم تطبيقها فإنها تصب في صالح دول التكتل، وعلى مصر أن تزيد من قيمة صادراتها حتى تستطيع الحصول على العملات المحلية للدول الأعضاء، وتبقى مسألة الديون المصرية الخارجية قائمة دون حل، إذ أنها جميعا بالدولار ووصلت إلى 165 مليار دولار حتى الربع الأول من 2023.

غياب الجاذبية الاستثماريّة في مصر

لا يزال من غير الواضح كيف ستتمكن مصر من استقطاب الاستثمارات المباشرة من أعضاء البريكس؟ فالاقتصاد المصري، كما يقول مجدي عبد الهادي، يفتقر إلى المرونة الداخلية والجاذبية الاستثمارية بسبب هيكله الاحتكاري وطابعه “المحاسيبي” العاملان اللذان خلقا تناقضات شديدة مع أي استثمار أجنبي كفؤ، ترافقه لمقاومة داخلية شديدة من فئات متنفّذة لأي منافس جديد من خارجها، أو على الأقل ستضيّق عليه بضرورة مشاركته التي قد لا يرغبها، خصوصاً في حالات القطاعات التكنولوجية الحديثة.

ومع ذلك يتوقع عبد الهادي تحقيق مصر بعض الفائدة من الانضمام لـ”بريكس”، إذ أنها تظل أكبر اقتصاد عربي غير نفطي، فضلاً عن ثقلها كتجمع ديموغرافي، ويتوقف الأمر على طبيعة واتجاه الصفقة السياسية لانضمام مصر للحلف، والأهم تصوّر القيادة الصينية لشكل علاقاتها بالمنطقة العربية عمومًا.

في كل الأحوال يتطلب انضمام مصر إحداث نقلة جذرية في الاقتصاد المصري نحو التصنيع وتعديل هيكل الصادرات تغيّرًا جذريًا في هياكل الأسعار المحلية والبنية الاجتماعية تدفعه اعتبارات داخلية أساسيّة، فحسب عبد الهادي لا يُتوقع من مجرد بعض التفاهمات التجارية مع قوى اقتصادية أغلبها غير متقدم أساسًا، أن تؤدي لتغيرات جذرية على هذا الصعيد.

مستقبل تجمع البريكس “الهشّ”

لا يزال البريكس تجمعا سياسيا لدول مشتتة جغرافيا لا تجمعها أي منظومة إيديولوجية ولا سياسية، فمن الصين الشيوعية إلى البرازيل الديمقراطية إلى حكم الأوليغاركية الروسية هناك تشكيلة متناقضة من الأنظمة اتفقت على التعاون معا لتعزيز حضورها في النظام الدولي.

وهذا الاتفاق لا يمنع من وجود مشكلات مستعصية بين أعضائه وصلت إلى الاشتباكات الحدودية كما حدث بين أكبر عضوي البريكس الهند والصين في منطقة لاداخ ضمن سلسلة جبال الهيمالايا، فضلا عن التخوف الهندي الكبير من النفوذ الصيني الإقليمي المتنامي وهو ما يدفعها لتعزيز علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق توازن في صراعها مع الصين، ويجبر الصين في المقابل لتعزيز علاقته مع باكستان العدود التاريخي للهند. 

يتحول بريكس بالتدريج من كونه تجمعًا سياسيًا يهدف إلى تحقيق عالم متعدد الأقطاب إلى تكتل اقتصادي يدعم التعاون بين أعضائه وتعميق الشراكات الاقتصادية بينهم، وتوفير التمويل اللازم للتنمية والتصنيع والاستثمار وتخفيض الحواجز الجمركية بين مكوناته، وصياغة خطط اقتصادية يجري متابعتها في القمة السنوية، إلا أنه مع ذلك لا يزال تكتلا غير رسمي لا تجمعه معاهدات موثقة واتفاقات نافذة مثل الاتحاد الأوروبي.

ولم يكتسب التكتل حتى الآن هيكلاً اقتصاديا متماسكًا بحيث يخضع الانضمام له لمعايير اقتصادية بالأساس، كما يقول مجدي عبد الهادي، ما يعني غلبة اعتبارات التوسع السياسي والتمركز عبر المفاصل الاستراتيجية عالميًا، كما أنه بغياب أي أطر مؤسسية للتجمع، بخلاف بنك التنمية الآسيوي؛ فإن الأمر لن يعدو بعض القروض والتفاهمات التجارية في أحسن الأحوال.

وفي عام 2014 قامت مجموعة بريكس بإنشاء مؤسسة مالية بديلة لصندوق النقد الدولي تحت مسمى “بنك التنمية الجديد”، هو بمثابة بنك متعدد الأطراف تديره دول المجموعة الخمس، برأس مال قدر حينها 50 مليار دولار، وكان الدور المنوط به لهذا البنك هو منح قروض لتمويل مشاريع البنيات الأساسية، في البلدان الأعضاء بالمجموعة والبلدان الناشئة الأخرى.

ولكن المؤسسة منذ إنشائها لم تلعب الدور المرجو منها في إقراض الدول النامية وتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية، وعلى العكس من ذلك استغل الأعضاء امتلاكهم لحصص رئيسية في البنك وقاموا باقتراض قروض باهظة بضمان الاحتياطي المالي خلال السنوات الماضية.

ويشكك البعض في فاعلية الاعتماد على بنك التنمية من أجل الحصول على قروض، إذ أن البنك بالرغم من شروطه الميسرة في منح التمويل مقارنة بالصندوق ومؤسسات التمويل الغربية، إلا أن القروض التي يمنحها تكون أكثر تكلفة وبعائد مضاعف للعائد الذي يقرض به الصندوق، واقتصر نشاط المؤسسة على إقراض 32 مليار دولار فقط.

 وكذلك لم يتمكن صندوق احتياطات البريكس الذي تأسس في 2014 بقيمة 100 مليار دولار (41 مليار من الصين، و18 مليار لكل من الهند وروسيا والبرازيل، و5 مليارات لجنوب إفريقيا) من منافسة صندوق النقد في تلبية الاستجابة على التحديات المالية، واقتصر على مساعدة الدول بعض الدول الناشئة في حالات الطوارئ.

في المحصلة مستقبل تكتل البريكس يتوقف على تطوير مؤسسات التكتل الاقتصادية والتشريعية والقضائية على غرار الاتحاد الأوروبي وتحسين وتعميق الأداء الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وتضييق مساحات الخلاف بين مكوناته بما يسمح بصياغة رؤية ومسار جديدين في السياسة الدولية، وهو أمر رهين بقدر الصين على الإنصات لمخاوف الأعضاء وهواجسهم وهي كبيرة.