“بيقولك الفسيخ بيقتل فيروس كورونا وبيقضي عليه”، جملة نطق بها أربعيني بصوت عال داخل مقهى في إحدى مناطق القاهرة الشعبية، وجهها لـ3 من أصدقائه، فأجاب آخر: “الدنيا هتلعب مع بتوع الفسيخ”. لم تمض ثوانٍ، حتى أضاف ثالث: “أنا قريت على فيسبوك إن الوضوء بيقتل الفيروس، يعني الاستنشاق (غسل الأنف) بيمنع الفيروس أنه يدخل الجسم، وبيحمي الإنسان من الإصابة بيه”. حوار قصير دار بين 4 مصريين أثناء جلسة تتكرر كل ليلة تقريباً بينهم، مثل ملايين المصريين. يناقشون الأخبار والشائعات، التي تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم. الشائعتان السابقتان هما غيض من فيض الشائعات والخرافات التي بدأت الانتشار مع وصول وحش كورونا إلى المنطقة العربية، وبخاصة مصر التي سجلت حتى كتابة هذه السطور قرابة 55 حالة إصابة وحالة وفاة واحدة.

المقاهي الشعبية و”السوشيل ميديا” والمواصلات العامة، كالأتوبيسات والميكروباصات ومترو الأنفاق، تسرع بطبيعة الحال انتشار الخرافات والشائعات بين الناس، ولا فرق في الشائعات بين طبقة اجتماعية وثقافية وأخرى، فالجميع يسقط في وحلها، إنما بدرجات متفاوتة، ما يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في الاقتصاد وسلوكيات المجتمع والحالة النفسية العامة عند المواطنين.
العلاقة الجنسية تنقل الفيروس والفسيخ يقضي عليه!
ومع وصول فيروس كورونا إلى المنطقة العربية، انتشر وابل من الشائعات والخرافات، كان أبرزها أن العلاقة الحميمة تنقل فيروس كورونا بين الطرفين، وأن الفسيخ (أكلة شعبية مصرية عبارة عن سمك مخمر أو مجفف مملح)، هو قاتل طبيعي للفيروس، ويمكن استخدامه لعلاج الحالات المصابة، على رغم أن كثيرين من الأطباء يحذرون من تناول الفسيخ عموماً، لاحتوائه على أنواع معينة من البكتيريا، تسبب التسمم والوفاة في بعض الحالات، وعلى رغم أن المصريين يعلمون خطورة تناول تلك الوجبة على الصحة بسبب حالات التسمم الكثيرة التي تحدث خلال مواسم تناوله (عيد الفطر وشم النسيم). حتى أن مواطنين بدأوا يتندّرون قائلين إنهم سيمارسون الجنس ثم يتناولون الفسيخ للوقاية.
المتدينون اعتبروا أن كورونا عقاب إلهي للصين وأن الوضوء يقي من الإصابة بكورونا.

وأقحم البعض الدين في انتشار المرض، فبدأ رواد “السوشيل ميديا” يتناقلون منشورات تفيد بأن انتشار الفيروس جاء كعقاب إلهي نتيجة ممارسات الصين المهينة بحق المسلمين الإيغور. وروج البعض أن الصين أفرجت عن الإيغور من المعسكرات التي يقيمون فيها، وناشدتهم الحكومة الصينية بالصلاة والدعاء ليرفع الله البلاء عن المجتمع الصيني بأكمله. وذهب البعض إلى ترويج أن الصين قررت عزل المسلمين الإيغور، فأراد الله أن يعاقب الصين والعالم، غير أن المجتمع المتدين بطبعه توقف عن ترويج تلك المنشورات، بعدما اقتحم الفيروس عقر دار الدول العربية والإسلامية، فبدأ ترويج أن الوضوء يقي من الإصابة بالفيروس القاتل. وقال آخرون إن الفيروس يظل في الأنف لمدة تتراوح بين 3 و4 ساعات، قبل أن يدخل إلى مجرى التنفس، وبالتالي يخرج مع الماء أثناء الوضوء وتحديداً في مرحلة الاستنشاق (إزالة الماء من الأنف). وفي النهاية، لا يصل إلى جسد الإنسان، الذي يواظب على صلاته ووضوئه في الأوقات المحددة، وهو أمر ينفيه الأطباء مؤكدين أن الفيروس يمكنه اختراق الجسد من طريق الفم والجلد والعينين وليس الأنف فقط، وذلك خلال لحظات.
أقحم البعض الدين في انتشار المرض، فبدأ رواد “السوشيل ميديا” يتناقلون منشورات تفيد بأن انتشار الفيروس جاء كعقاب إلهي نتيجة ممارسات الصين المهينة بحق المسلمين الإيغور.
ولم تتوقف الخرافات عند هذا الحد، فقد روج كثيرون من مدّعي الثقافة والمعرفة أن المضادات الحيوية يمكنها أن تقي من الإصابة بالفيروس كما تساهم في العلاج منه. وبدأ كثيرون يعتمدون على هذا الأمر ويتناولون الأدوية للوقاية من الإصابة المحتملة بالفيروس في ظل اكتشاف إصابات جديدة بالفيروس يوماً تلو الآخر. وردد آخرون أن الحيوانات الأليفة يمكنها نقل الفيروس إلى الإنسان مباشرة من دون وسيط، وحذر آخرون من تناول “الإسبرين” عند الإصابة بالفيروس، مدعين أنه يسبب الوفاة المباشرة للمصاب بالفيروس، بخاصة الأطفال، غير أن الجميع رددوا أن كورونا هو الفيروس الأخطر على الإطلاق وصوروه كأنه القاتل الأخطر على الإطلاق، فيما لم تتعد نسبة الوفاة بسببه 3 في المئة.
التربح من الوباء
تعامل المصريون مع انتشار الفيروس كانت له صبغة خاصة، فبخلاف الشائعات والخرافات التي تنتشر لأهداف تربو إليها فئات أو مجموعات أو جماعات أو كيانات بعينها، حاولت فئات أخرى استغلال حالة الهلع والخوف التي أصابت المجتمع بأكمله، وفضلت استغلال الظاهرة لتحقيق مكاسب من وراء الأمر. فقرر مدرب تنمية بشرية شهير استغلال الأمر في ترويج نفسه بأنه تمكن الوقاية من الفيروس باستخدام الطاقة. وقرر آخرون أن يتكسبوا من الأمر عبر التلاعب في أسعار أدوات الوقاية والحماية الشخصية، وارتفعت أسعار الكمامات بنسب ترواحت بين 5 و10 أضعاف سعرها الفعلي قبل انتشار الفيروس. وقرر أطباء استغلال الظاهرة لتسجيل فيديوات تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق الشهرة والانتشار لأنفسهم، ما منحهم أرباحاً مادية ومعنوية.
فوبيا من الأجانب
هذا الكم الكبير من الشائعات والخرافات، خلق في نفوس المواطنين حالة من الهلع والخوف من أي شخص مصاب بالإنفلونزا، وما أن يعطس شخص ما في مكان ما حتى يسارع الجميع إلى الابتعاد منه، خوفاً من أن يكون مصاباً بفيروس كورونا، مطلقين وابلاً من عبارات اللوم والتوبيخ. وخلق الفيروس حالة فوبيا بين جميع المواطنين تجاه الأجانب عموماً، والآسيويين ذوي الملامح الصينية خصوصاً، خوفاً من أن يكونوا مصابين بفيروس كورونا، فما أن يلمح أحد المصريين مواطناً ذا ملامح صينية حتى يبتعد منه، وكأنه الفيروس ذاته. وقد شاهدت بنفسي ابتعاد عدد غير قليل من المواطنين داخل مطعم وجبات سريعة عالمي من المحاسب (الكاشير) فور دخول شخص يبدو صينياً، وتوجهه نحو “الكاشير” لشراء وجبة. وفضل أكثرهم أن يتركوا المطعم ويغادروا قبل الحصول على الوجبة التي دخلوا لشرائها، على رغم أن الكاشير كان يضع كمامة واقية.
الصينيون كوباء
يقول أيوب وهو شاب صيني يدرس في الأزهر الشريف لـ”درج”، إنه يعيش في مصر منذ 5 سنوات، ولم يجد من المصريين غير الترحيب والود والكرم، غير أن المعاملة التي يراها منهم هذه الأيام غير مسبوقة، ولم يعتد عليها منهم. “الجميع خائف مني، أنا غير مصاب بالفيروس، أنا أعيش في مصر بشكل دائم ولا أخرج منها، وإذا كنت مصاباً فلن أتردد في الذهاب إلى المستشفى، لن أكون سعيداً إذا أصيب شخص آخر بسببي، لذلك لا أستحق أن يتجنبني الجميع وكأنني وباء”. وأكد أنه قلل من خروجه إلى الشارع إلا للضرورة القصوى، حتى صفوفه في الأزهر لم يعد يحضرها كلها، وبدأ يتجنب الظهور في الشارع والمناطق العامة.
وما بين الخرافات والشائعات واستغلال الأزمات، يعيش المصريون في عصر “كورونا”، وعلى رغم الإجراءات المشددة التي تحاول وزارة الصحة المصرية أن تطبقها لمحاصرة انتشار الفيروس داخل البلاد، إلا أن معظم المصريين لا يطبقون إجراءات السلامة والوقاية الشخصية، لكن عدم تطبيق تلك الإجراءات ليس أخطر من الشائعات والخرافات التي تجوب المجتمع واقتصاده تماماً كفيروس فتّاك.