fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“مطار غزة” …عن محو السيادة الفلسطينيّة على المعابر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تاريخ إقصاء منافذ النقل والانتقال من غزة وإليها، ومحو معالم السيادة الفلسطينية، يعود إلى ما قبل عملية “طوفان الأقصى” و”ميناء غزة العائم”، ولعلّ إنشاء “مطار غزة الدولي” ثم تدميره على مدار سنوات حتى إخراجه الكامل عن الخدمة، يمثل نموذجاً معبراً عن أزمة عميقة في فهم عمليات السلام السابقة أو المحتملة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية يوم الجمعة 17 أيار/مايو، بدء تشغيل “ميناء غزة العائم” بشكل رسمي، ليكون بوابة جديدة لاستقبال المساعدات الإنسانية إلى داخل قطاع غزة، دار الجدل حول جدوى هذا المعبر البحري، في ظل تعنّت إسرائيلي لقطع خطوط الإمداد البرية الضرورية في عملية الإغاثة، بالإضافة إلى ظهور فرضيات حول الغايات الكامنة وراء إنشاء الميناء، كالحديث عن مساهمة الميناء بتأمين العمليات العسكرية الإسرائيلية الدقيقة لتحرير الأسرى لدى الفصائل في القطاع،كعملية النصيرات الأخيرة، أو لجهة التأسيس لمرحلة السيطرة على حقول الغاز في مياه القطاع.

والحقيقة أن تاريخ إقصاء منافذ النقل والانتقال من غزة وإليها واستنسابية إدارتها، ومحو معالم السيادة الفلسطينية، يعود إلى ما قبل عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، التي شنّت إسرائيل على إثرها عدوانها المستمر على القطاع،

ولعلّ إنشاء “مطار غزة الدولي” أو “مطار الدهنية” كما تسميه إسرائيل، ثم تدميره على مدار سنوات حتى إخراجه الكامل عن الخدمة، ومن الذاكرة الجمعية الفلسطينية، يمكن اعتباره نموذجاً معبراً عن أزمة عميقة في فهم عمليات السلام السابقة أو المحتملة، أي في فهم محاولات تأسيس “الدولة” الفلسطينية السيدة والموازية لإسرائيل.

مطار غزة في اتفاقيات أوسلو والافتتاح الجزئي

في إطار مفاوضات “اتفاقية أوسلو الثانية” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، تقرّر إنشاء مطار في غزة ليكون للفلسطينيين الراغبين في السفر، بديلاً عن “مطار العريش” المصري والمطارات الإسرائيلية، وفي سبتمبر/ أيلول 1994، أصدر  الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً (رقم 87-94) يقضي بتأسيس “سلطة الطيران المدني الفلسطيني“، وقد نص مشروع القرار على “بناء مطارات وتأسيس الخطوط الجوية الفلسطينية وتشغيلها”، وفي حين كان من المفترض أن يتم افتتاح المطار في مايو/ أيار 1996، حالت محاولات العرقلة والمماطلة الإسرائيلية دون افتتاحه في الموعد المحدد.

لكن على الرغم من المماطلة الإسرائيلية، استمرت عملية بناء المطار في رفح جنوبي قطاع غزة، بتمويل من مصر واليابان والسعودية وإسبانيا وألمانيا وهولندا، وفي ظل افتتاح جزئي للمطار، وعدم اكتمال عملية البناء والتجهيز، حطّت في الأول من يونيو/ حزيران 1996، طائرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كأول رحلة جوية تصل إلى مطار غزة، وبعدها بأسابيع، وصلت أول طائرة أجنبية إلى المطار، وكانت طائرة مغربية محمّلة بمساعدات إنسانية، وصرّح رئيس “مجلس الطيران المدني الفلسطيني” يومها فايز زيدان “بأن الفلسطينيين فخورون بأن تكون أول طائرة تهبط على أراضيهم، طائرة عربية”.

تشغيل المطار تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية

في أواخر عام 1998، وفي إطار “اتفاقية واي ريفر” التي تم توقيعها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، اتفق الطرفان على افتتاح مطار غزة بشكل رسمي، 

استمرّ النهج الإسرائيلي في عرقلة عملية التشغيل الكامل لمطار غزة، وذلك بحجز معدات الرادار والتحكم بالحركة الجوية، إلا أن القائمين على المطار أصروا على بدء تسيير الرحلات فيه بأقل القدرات المتاحة، وبالفعل، سيّرت “شركة الخطوط الجوية الفلسطينية” رحلات إلى عدد محدود من الدول، وذلك عبر مجموعة صغيرة من الطيارين والموظفين المسؤولين عن المطار.

لم يكن للفلسطينيين السيطرة الكاملة على مطارهم، إذ نصّ اتفاق تشغيل المطار على تولي الإسرائيليين الشؤون الأمنية فيه، بما يتضمن الفحوصات الأمنية، بما في ذلك مراقبة الجوازات وفحص الأمتعة، والموافقة على قوائم الركاب مسبقاً، كما حظرت عدة رحلات جوية، في حين كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المستثنى الوحيد من الإجراءات الأمنية الإسرائيلية.

بالرغم من كل التضييق الإسرائيلي، ساد جو من الإيجابية بين الفلسطينيين لكون المطار نافذة لهم نحو العالم، دون تكبد عناء الانتقال إلى المطارات المجاورة، بالإضافة إلى الفرصة الاقتصادية الكبيرة التي سيقدمها المطار، عبر التبادل التجاري مع باقي دول العالم.

زيارة بيل كلينتون لمطار غزة الدولي

في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1998، وصل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى مطار غزة، على متن طائرة مروحية، لتكون وسيلة نقل جوي بديلة عن طائرته الرئاسية، حيث رأت تل أبيب أن نزول الطائرة الرئاسية الأميركية في مطار غزة هو بمثابة تثبيت لسيادة الفلسطينيين، وقد نظمت السلطة الفلسطينية حفل استقبال رسمياً للرئيس كلينتون، وقام الرئيس الأميركي بقصّ شريط قماشي كرمزية لإعادة افتتاح مطار غزة، على الرغم من افتتاحه قبل نحو شهر.

خلقت زيارة كلينتون مطار غزة تخبطاً واسعاً في تل أبيب، خصوصاً بعد الضغط الذي مارسته الصحافة الإسرائيلية، والغضب الذي ولّده مشهد وصول الرئيس الأميركي، وما يعبّر برمزيته عن سيادة الفلسطينيين على أرضهم، والمفارقة كانت أن بيل كلينتون كان من أكثر الرؤساء الأميركيين تعاطفاً وانحيازاً للإسرائيليين، لكن قربه من إسرائيل لم يسهّل عليهم دلالة مشهد هبوط مروحيته في مطار غزة الدولي.

إقفال مستمر وممنهج للمطار حتى إقصائه أخيراً

بعد اندلاع “الانتفاضة الفلسطينية الثانية” في شهر أيلول/سبتمبر عام 2000، قامت إسرائيل بإقفال المجال الجوي للمطار، واستمر الإقفال حتى عقد القمة الرباعية في شرم الشيخ بعدها بنحو شهر، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات والرئيس الأميركي بيل كلينتون والرئيس المصري حسني مبارك، حيث تم الاتفاق على استئناف العمل في المطار، لكن بعدها بأيام، عادت إسرائيل لتقفل المجال الجوي من جديد.

وفي الأول من كانون الأول/ديسمبر عام 2001، وعلى مدار عدة أيام، قامت الدبابات والجرافات الإسرائيلية بتدمير مدرج الطائرات في مطار غزة الدولي، كما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية برج المراقبة ودمرت المباني، وتذرّعت إسرائيل بأن الغارات على المطار كانت رداً انتقامياً على الهجمات التي أعلنت حركة “حماس” لاحقاً مسؤوليتها عنها، وعلى الرغم من أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات دان الهجمات، إلا أن إسرائيل اتهمته بالمسؤولية، قائلةً: “إنه ليس جاداً في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسلحين”.

ذرائع إسرائيلية بهدف تضييق الخناق

قال رئيس “مجلس الطيران المدني الفلسطيني” سلمان محمود أبو حليب في أعقاب عمليات الإغلاق الإسرائيلي للمطار: “إن إسرائيل ترمي من خلال قرار الإغلاق، إلى التضييق على الفلسطينيين الذين يُعدّ المطار أحد أهم منافذهم على العالم الخارجي”.

فقد حرصت إسرائيل منذ طرح مشروع إقامة مطار في غزة، على عرقلة عملية تنفيذه وتأخيرها، ولذرائع عدة، في حين كانت العمليات المسلحة في الداخل الإسرائيلي، بمثابة فرصة مواتية لتحقيق هدفها بضرب أي مقوّم من مقومات السيادة الفلسطينية على أراضيها، ولتعميق صعوبة حياة المواطنين وإعاقة فرص نمو اقتصادهم.

وللأسباب نفسها، استمرت إسرائيل في نهج تدمير المطار في المراحل التي تلت الانتفاضة الفلسطينية، بقصفه عدة مرات بين الأعوام 2006 و 2014، بحيث قتلت أي فرصة لإعادة إحيائه من جديد.

ولعلّ زيارة كلينتون التي أثارت غضب الإسرائيليين أواخر العام 1998، تُظهر العلاقة الشائكة بين الأميركيين والإسرائيليين في مقاربة كل منهما، كيفية الاستثمار في البنى الإنسانية الفلسطينية، بالرغم من عدم الاعتراف السياسي بفلسطين، في حين تصرّ إسرائيل على كسر هذه البنى، مما يشكل تحدياً مستمراً لحدود السياسات التنسيقية بين الطرفين، تجاه الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وبأشكال متغيّرة حتى يومنا هذا.

تشكّل المطارات في العالم المكوّن الرئيسي لأية دولة، وقد نجحت إسرائيل في قتل القدرة على خلق المكون الرئيسي “للدولة الفلسطينية”، وهذا ما يدفع الفلسطينيين وخصوصاً الفتحاويين منهم، لإعادة النظر حول الدور الاستراتيجي لاتفاقية أوسلو، انطلاقاً من اعتبارات واقعية حول الرفض الإسرائيلي الكامل لقيام الدولة الفلسطينية السيدة، وهنا يقع على عاتق الفصائل مجتمعةً مسؤولية في تراجع المكتسبات، وخصوصاً عند التطرّق إلى مبادرات أساسية تضع فلسطين والفلسطينيين على الخارطة السياسية العالمية.

تاريخ إقصاء منافذ النقل والانتقال من غزة وإليها، ومحو معالم السيادة الفلسطينية، يعود إلى ما قبل عملية “طوفان الأقصى” و”ميناء غزة العائم”، ولعلّ إنشاء “مطار غزة الدولي” ثم تدميره على مدار سنوات حتى إخراجه الكامل عن الخدمة، يمثل نموذجاً معبراً عن أزمة عميقة في فهم عمليات السلام السابقة أو المحتملة.

مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية يوم الجمعة 17 أيار/مايو، بدء تشغيل “ميناء غزة العائم” بشكل رسمي، ليكون بوابة جديدة لاستقبال المساعدات الإنسانية إلى داخل قطاع غزة، دار الجدل حول جدوى هذا المعبر البحري، في ظل تعنّت إسرائيلي لقطع خطوط الإمداد البرية الضرورية في عملية الإغاثة، بالإضافة إلى ظهور فرضيات حول الغايات الكامنة وراء إنشاء الميناء، كالحديث عن مساهمة الميناء بتأمين العمليات العسكرية الإسرائيلية الدقيقة لتحرير الأسرى لدى الفصائل في القطاع،كعملية النصيرات الأخيرة، أو لجهة التأسيس لمرحلة السيطرة على حقول الغاز في مياه القطاع.

والحقيقة أن تاريخ إقصاء منافذ النقل والانتقال من غزة وإليها واستنسابية إدارتها، ومحو معالم السيادة الفلسطينية، يعود إلى ما قبل عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، التي شنّت إسرائيل على إثرها عدوانها المستمر على القطاع،

ولعلّ إنشاء “مطار غزة الدولي” أو “مطار الدهنية” كما تسميه إسرائيل، ثم تدميره على مدار سنوات حتى إخراجه الكامل عن الخدمة، ومن الذاكرة الجمعية الفلسطينية، يمكن اعتباره نموذجاً معبراً عن أزمة عميقة في فهم عمليات السلام السابقة أو المحتملة، أي في فهم محاولات تأسيس “الدولة” الفلسطينية السيدة والموازية لإسرائيل.

مطار غزة في اتفاقيات أوسلو والافتتاح الجزئي

في إطار مفاوضات “اتفاقية أوسلو الثانية” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، تقرّر إنشاء مطار في غزة ليكون للفلسطينيين الراغبين في السفر، بديلاً عن “مطار العريش” المصري والمطارات الإسرائيلية، وفي سبتمبر/ أيلول 1994، أصدر  الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مرسوماً رئاسياً (رقم 87-94) يقضي بتأسيس “سلطة الطيران المدني الفلسطيني“، وقد نص مشروع القرار على “بناء مطارات وتأسيس الخطوط الجوية الفلسطينية وتشغيلها”، وفي حين كان من المفترض أن يتم افتتاح المطار في مايو/ أيار 1996، حالت محاولات العرقلة والمماطلة الإسرائيلية دون افتتاحه في الموعد المحدد.

لكن على الرغم من المماطلة الإسرائيلية، استمرت عملية بناء المطار في رفح جنوبي قطاع غزة، بتمويل من مصر واليابان والسعودية وإسبانيا وألمانيا وهولندا، وفي ظل افتتاح جزئي للمطار، وعدم اكتمال عملية البناء والتجهيز، حطّت في الأول من يونيو/ حزيران 1996، طائرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كأول رحلة جوية تصل إلى مطار غزة، وبعدها بأسابيع، وصلت أول طائرة أجنبية إلى المطار، وكانت طائرة مغربية محمّلة بمساعدات إنسانية، وصرّح رئيس “مجلس الطيران المدني الفلسطيني” يومها فايز زيدان “بأن الفلسطينيين فخورون بأن تكون أول طائرة تهبط على أراضيهم، طائرة عربية”.

تشغيل المطار تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية

في أواخر عام 1998، وفي إطار “اتفاقية واي ريفر” التي تم توقيعها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، اتفق الطرفان على افتتاح مطار غزة بشكل رسمي، 

استمرّ النهج الإسرائيلي في عرقلة عملية التشغيل الكامل لمطار غزة، وذلك بحجز معدات الرادار والتحكم بالحركة الجوية، إلا أن القائمين على المطار أصروا على بدء تسيير الرحلات فيه بأقل القدرات المتاحة، وبالفعل، سيّرت “شركة الخطوط الجوية الفلسطينية” رحلات إلى عدد محدود من الدول، وذلك عبر مجموعة صغيرة من الطيارين والموظفين المسؤولين عن المطار.

لم يكن للفلسطينيين السيطرة الكاملة على مطارهم، إذ نصّ اتفاق تشغيل المطار على تولي الإسرائيليين الشؤون الأمنية فيه، بما يتضمن الفحوصات الأمنية، بما في ذلك مراقبة الجوازات وفحص الأمتعة، والموافقة على قوائم الركاب مسبقاً، كما حظرت عدة رحلات جوية، في حين كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المستثنى الوحيد من الإجراءات الأمنية الإسرائيلية.

بالرغم من كل التضييق الإسرائيلي، ساد جو من الإيجابية بين الفلسطينيين لكون المطار نافذة لهم نحو العالم، دون تكبد عناء الانتقال إلى المطارات المجاورة، بالإضافة إلى الفرصة الاقتصادية الكبيرة التي سيقدمها المطار، عبر التبادل التجاري مع باقي دول العالم.

زيارة بيل كلينتون لمطار غزة الدولي

في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1998، وصل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى مطار غزة، على متن طائرة مروحية، لتكون وسيلة نقل جوي بديلة عن طائرته الرئاسية، حيث رأت تل أبيب أن نزول الطائرة الرئاسية الأميركية في مطار غزة هو بمثابة تثبيت لسيادة الفلسطينيين، وقد نظمت السلطة الفلسطينية حفل استقبال رسمياً للرئيس كلينتون، وقام الرئيس الأميركي بقصّ شريط قماشي كرمزية لإعادة افتتاح مطار غزة، على الرغم من افتتاحه قبل نحو شهر.

خلقت زيارة كلينتون مطار غزة تخبطاً واسعاً في تل أبيب، خصوصاً بعد الضغط الذي مارسته الصحافة الإسرائيلية، والغضب الذي ولّده مشهد وصول الرئيس الأميركي، وما يعبّر برمزيته عن سيادة الفلسطينيين على أرضهم، والمفارقة كانت أن بيل كلينتون كان من أكثر الرؤساء الأميركيين تعاطفاً وانحيازاً للإسرائيليين، لكن قربه من إسرائيل لم يسهّل عليهم دلالة مشهد هبوط مروحيته في مطار غزة الدولي.

إقفال مستمر وممنهج للمطار حتى إقصائه أخيراً

بعد اندلاع “الانتفاضة الفلسطينية الثانية” في شهر أيلول/سبتمبر عام 2000، قامت إسرائيل بإقفال المجال الجوي للمطار، واستمر الإقفال حتى عقد القمة الرباعية في شرم الشيخ بعدها بنحو شهر، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات والرئيس الأميركي بيل كلينتون والرئيس المصري حسني مبارك، حيث تم الاتفاق على استئناف العمل في المطار، لكن بعدها بأيام، عادت إسرائيل لتقفل المجال الجوي من جديد.

وفي الأول من كانون الأول/ديسمبر عام 2001، وعلى مدار عدة أيام، قامت الدبابات والجرافات الإسرائيلية بتدمير مدرج الطائرات في مطار غزة الدولي، كما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية برج المراقبة ودمرت المباني، وتذرّعت إسرائيل بأن الغارات على المطار كانت رداً انتقامياً على الهجمات التي أعلنت حركة “حماس” لاحقاً مسؤوليتها عنها، وعلى الرغم من أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات دان الهجمات، إلا أن إسرائيل اتهمته بالمسؤولية، قائلةً: “إنه ليس جاداً في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسلحين”.

ذرائع إسرائيلية بهدف تضييق الخناق

قال رئيس “مجلس الطيران المدني الفلسطيني” سلمان محمود أبو حليب في أعقاب عمليات الإغلاق الإسرائيلي للمطار: “إن إسرائيل ترمي من خلال قرار الإغلاق، إلى التضييق على الفلسطينيين الذين يُعدّ المطار أحد أهم منافذهم على العالم الخارجي”.

فقد حرصت إسرائيل منذ طرح مشروع إقامة مطار في غزة، على عرقلة عملية تنفيذه وتأخيرها، ولذرائع عدة، في حين كانت العمليات المسلحة في الداخل الإسرائيلي، بمثابة فرصة مواتية لتحقيق هدفها بضرب أي مقوّم من مقومات السيادة الفلسطينية على أراضيها، ولتعميق صعوبة حياة المواطنين وإعاقة فرص نمو اقتصادهم.

وللأسباب نفسها، استمرت إسرائيل في نهج تدمير المطار في المراحل التي تلت الانتفاضة الفلسطينية، بقصفه عدة مرات بين الأعوام 2006 و 2014، بحيث قتلت أي فرصة لإعادة إحيائه من جديد.

ولعلّ زيارة كلينتون التي أثارت غضب الإسرائيليين أواخر العام 1998، تُظهر العلاقة الشائكة بين الأميركيين والإسرائيليين في مقاربة كل منهما، كيفية الاستثمار في البنى الإنسانية الفلسطينية، بالرغم من عدم الاعتراف السياسي بفلسطين، في حين تصرّ إسرائيل على كسر هذه البنى، مما يشكل تحدياً مستمراً لحدود السياسات التنسيقية بين الطرفين، تجاه الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وبأشكال متغيّرة حتى يومنا هذا.

تشكّل المطارات في العالم المكوّن الرئيسي لأية دولة، وقد نجحت إسرائيل في قتل القدرة على خلق المكون الرئيسي “للدولة الفلسطينية”، وهذا ما يدفع الفلسطينيين وخصوصاً الفتحاويين منهم، لإعادة النظر حول الدور الاستراتيجي لاتفاقية أوسلو، انطلاقاً من اعتبارات واقعية حول الرفض الإسرائيلي الكامل لقيام الدولة الفلسطينية السيدة، وهنا يقع على عاتق الفصائل مجتمعةً مسؤولية في تراجع المكتسبات، وخصوصاً عند التطرّق إلى مبادرات أساسية تضع فلسطين والفلسطينيين على الخارطة السياسية العالمية.