ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

معبد الإيزيديين في الحسكة: جدل لاهوتي وخلاف سياسيّ!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجدل الأساسي حول مشروع البناء يتجاوز البعد الديني، ويتحول إلى قضية سياسية تكشف عمق الانقسام داخل المجتمع الإيزيدي، ومخاوف انقسام الهوية إلى مؤيد ومعارض. فبينما ترى أطراف أن الأولوية هي لحماية الوجود المهدد، وإعادة ترميم وإحياء المزارات المدمرة في عفرين وسري كانيه، يراه آخرون أن المشروع يعزز الهوية الروحية ويمنح الطائفة حضورًا علنيًا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تخليدًا للذكرى الحادية عشرة لمجزرة شنكال/سنجار التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الإيزيديين في العراق، أُقيمت أخيراً مراسم وضع حجر الأساس لبناء مقام ديني للإيزيديين في قرية دوكر، غرب مدينة عامودا، التابعة لمحافظة الحسكة السورية، الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية.

المعبد الذي أُقيم بمبادرة من “الاتحاد الإيزيدي في سوريا” كرمز لهوية الإيزيديين في المنطقة، رأته منظمات أخرى استثمارًا سياسيًا لواقع مأساوي يعيشه أبناء الديانة الإيزيدية، إذ يقع المقام على قطعة أرض تبلغ نحو 42 دونمًا، وسيحتوي على قبة رئيسية تحيط بها خمس قباب صغيرة، وقاعة تستوعب نحو ألف شخص، بالإضافة إلى بيت ضيافة وحديقة رمزية تعرض مجسّمات تمثل تاريخ الإيزيديين وثقافتهم.

شهدت مراسم افتتاح المعبد حضور ممثلين عن مؤسسات إيزيدية والإدارة الذاتية، واستُعرضت أرقام وإحصاءات عن الضحايا والمختطفين الإيزيديين خلال هجوم “داعش” على سنجار عام 2014، منها أن عدد المختطفين الذي قدرته الأمم المتحدة بحوالى 6417 شخصًا، من بينهم نساء ومسنون.

الحدث رآه كثيرون مناسبة للتمثيل الإيزيدي، الأقلية التي تعاني إنكارًا لحقوقها الدينية وتهميشًا قانونيًا، ناهيك بالإبادة التي تعرضوا لها في سوريا والعراق أثناء حكم تنظيم داعش، والسبي الذي تعرضت له النساء الإيزيديات، اللاتي ما زالت جهود استعادتهن مستمرة إلى الآن، على الرغم من دحر التنظيم واعتقال الكثير من مقاتليه.

جدل سياسي – لاهوتي

وضع حجر الأساس والاحتفاء بالمعبد شكّلا انقسامًا في الأوساط الإيزيدية، خصوصًا في ظل ما تشهده سوريا حاليًا من توترات بين الإدارة المؤقتة في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية. ففي حديثه مع “درج” يقول سرحان عيسى، الناطق الرسمي باسم “مجلس إيزيديي سوريا”، إن المجلس “رافض تمامًا لمشروع بناء معبد بيروزكه – المبارك في شمال سوريا”، كناية عن المكان المقدس والروحاني.

أسباب الرفض، حسب سرحان، تتلخص في أربع قضايا مترابطة؛ أولها “ديني – عقائدي”، فـ”القدسية محصورة في لالش، ولا يجوز إنشاء بدائل رمزية”، ومعبد لالش موجود في شنكال، حيث المكان التاريخي للكرد الإيزيديين في العالم، وهي محافظة تابعة لكردستان العراق، لم تُضم بعد إلى الإقليم بسبب الخلافات بين العاصمة الاتحادية وإقليم كردستان.
السبب الثاني “واقعي – معيشي”، يشير عيسى: “الإيزيديون يواجهون أزمة وجود وتهجير، والأولوية لحمايتهم وحقوقهم لا لبناء معبد مكلف”، أما السبب الثالث فـ”تمثيلي – سياسي”، إذ يرى سرحان أن المشروع طُرح من دون استشارة حقيقية للإيزيديين السوريين، ما قد يسبب انقسامًا داخليًا، أما الرابع فهو “أخلاقي”، وحسب سرحان: “الأولى بالأموال الطائلة أن تُصرف لإغاثة العائلات، والتعليم، وعودة المهجرين”.

يتابع عيسى: “يرى المجلس أن الاستثمار الحقيقي يجب أن يكون في حماية الهوية، وإعادة إعمار القرى، وفتح المدارس، وضمان الحقوق الدستورية، لا في مشاريع رمزية قد تفكك وحدة الإيزيديين”.

التساؤلات والأسباب التي يطرحها عيسى ذات أبعاد سياسية، خصوصًا في ما يتعلق بتمثيل الإيزيديين، وخطة العدالة الانتقالية الغامضة التي تتبناها الإدارة الانتقالية في دمشق، التي حتى الآن لا تطاول مرتكبي الانتهاكات من التنظيمات الإسلامية المتشددة.

يضيف عيسى: “نحن كمجلس إيزيديي في سوريا لا علاقة لنا بوزارة الأوقاف السورية، ولا بالعشائر العربية، ولم نتواصل معهم. قضيتنا أن المعابد وفقًا للميثولوجيا الدينية للإيزيديين محرّمة ولا تجوز، والإدارة الذاتية بصفتها حاكم المنطقة وقدمت قسمًا من التكاليف، هي المسؤولة عن هذا الموضوع، الذي يجب أن يكون القرار فيه إيزيديًا موحدًا، وليس ضمن إطار ضيق خاص بمجموعة تنتمي الى الإدارة الذاتية، وقد اتخذت هذا القرار من دون مقاييس دينية وفلسفية، إذ تحرّم الديانة الإيزيدية بناء أيّ معبد، ولا بديل عن معبد لالش أبدًا”.

على النقيض من الرأي “الرافض تمامًا”، قال إسماعيل دلف، الرئيس المشترك لـ”مجلس البيت الإيزيدي” التابع للإدارة الذاتية، لـ”درج”: “المرجعية الدينية الأساسية ستكون المجلس الروحاني وأمير الإيزيديين ورجال الدين في سوريا، كما حصل عند وضع حجر الأساس بماء وتراب مقدس من لالش”.
وأضاف أن الموقع “أقرّه إيزيديو سوريا، وتصميمه سيكون عبر مهندسين وبموافقة المجلس الروحاني، وسيُخصّص المعبد ليكون مركزًا للطقوس وتعاليم الدين الإيزيدي، بإشراف رجال الدين وبرامج المجلس الروحاني”.

كلفة المعبد، حسب إسماعيل، ستكون عبر تبرعات إيزيديي سوريا والمهجر، مع تنسيق عالمي للإيزيديين، وأضاف: “تم الاتفاق مع الإدارة الذاتية لدعم المشروع عبر البنية التحتية (الطرق، المياه، الكهرباء)”.

هل يسمح اللاهوت الإيزيدي ببناء معبد؟

يُعتبر معبد لالش في كردستان العراق المركز الروحي الأساسي والرسمي لكل إيزيديي العالم. ولم تشهد مناطق الإيزيديين خلال العقود الطويلة الماضية، سواء في كردستان العراق، أو المنطقة الكردية في سوريا، أو في أيّ مكان من العالم، وفقًا للعديد من الشهادات، بناء مزار أو معبد ديني خاص بهم، ما خلا وجود أماكن لتجمع الإيزيديين، لكنها ليست معابد ولا مزارات، وتصر الغالبية العظمى منهم على تمركز الروحانية الإيزيدية في لالش فقط.

وحول الخلفية التاريخية والدينية لمعبد لالش، تحدثنا مع الأكاديمي الكردي من الديانة الإيزيدية، خيري بوزاني، مستشار رئيس إقليم كردستان العراق، فقال: “إن المعبد يعود إلى زمن الديانات الميثرائية، أي الديانة الشمسية، وجميع النقوشات والعمارة والرموز تعود إلى ما يقارب ستة آلاف سنة، وشكل المعبد مكانًا للفلسفة والانتماء الى الديانة الإيزيدية الميثرائية، ولهذا لا يزال المعبد رمزًا ومكانًا للحج والتبرك والزيارة”.

ووفقًا لبوزاني: “تغيّرت جهات السيطرة على المعبد كثيرًا بسبب الفرمانات التي أصدرتها بعض الجماعات والمذاهب الدينية، لكنه كان يعود دومًا للإيزيديين، حيث استمرت الميثولوجيا الإيزيدية بترسيخ قدسية لالش كمعبد وحيد يمثل الإطار الجامع لكل إيزيدي في العالم”.
وأضاف: “على رغم وجود معابد أخرى، فإن المركز هو لالش، وكل إيزيدي في العالم يؤمّ لالش، ولا بديل عنه ولا أقدم منه”، مستشهدًا بوجود بعض المزارات في أماكن أخرى: “توجد بعض المزارات أو دور العبادة ضمن قرى الإيزيديين ومناطقهم، كما توجد معابد في أرمينيا وألمانيا، لكنها فقط كمراكز تعريفية أو للزيارة، وليست بديلة عن لالش، هي فقط للتبرك والزيارة”.

ويختتم بوزاني حديثه لـ”درج”: “القناعة الدينية والاجتماعية للإيزيديين، ومنذ القدم، كانت تمنع بناء أي معابد جديدة، مع إمكانية صيانة المعابد الموجودة وترميمها، لكن بناء معبد جديد خضع لاعتبارات الهجرة والتغيرات في المنطقة”.

ويرى بديع معمو، ناشط إيزيدي، في حديثه مع “درج”، أن “منع إنشاء مزار جديد على شكل لالش يعود إلى ارتباطه العميق بالعقيدة الإيزيدية، بوصفه مكانًا مقدسًا فريدًا لا يمكن فصله عن عناصره الطبيعية، ولا يجوز استنساخ قداسته أو رمزيته في أي مكان آخر”، معيدًا الأسباب إلى “عقائدية تتعلق بقدسية لالش التي لا يمكن ولا يجوز استنساخها أو نقلها إلى مكان آخر، إضافة إلى أن المعبد محاط بالجبال التي ترمز إلى الرحم الكوني الذي خرج منه النور، وهذا التكوين الطبيعي لا يمكن تكراره جغرافيًا”.

ينتقد معمو بناء معبد جديد لأن ذلك “يعارض رمزية الوحدة والهوية ويقود إلى التفرقة الدينية، وغدًا ستقوم جماعات وتقول إنها تنتمي الى المعبد الفلاني سواء في أرمينيا أو أي مكان آخر، وبالتالي توجد مخاوف من بناء سردية أن الإيزيديين قومية وليسوا ديانة”، واصفًا لالش بأنه “الأصل الروحي الأول، والأعياد والمواسم المقدسة تُقام في لالش”.

تاريخ من العنف والانقسامات والاتهامات الطائفيّة

تعرّض أتباع الديانة الإيزيدية لكل أشكال الاضطهاد والتمييز. فمثلًا، ووفقًا للناشط السياسي علي كولو (اسم مستعار) الذي تحدث لـ”درج” إن الإيزيديين، “كان عددهم يُقدَّر بحوالى 25 ألف نسمة موزعين على 22 قرية ومركز مدينة عفرين، ولهم نحو 15 مزارًا ومقدسًا في المنطقة، بالإضافة إلى مدارس ومؤسسات دينية”.
يضيف كولو أن بعض فصائل المعارضة السورية “استولت على منازل الإيزيديين ومقدساتهم، وحوّلت بعضها إلى مساجد، وهجّرت السكان الأصليين، ودُمّرت أو نُهبت المزارات المقدسة، واستُملكت الأراضي والعقارات، وشُوّهت الرموز الدينية، وفي بعض القرى أُجبر الأشخاص المتبقون على إعلان الإسلام، أو حضور دروس دينية إسلامية، أو أداء الأذان في مساجد تم تأسيسها في تلك القرى”.

ويختتم كولو حديثه بـ”أن المزار الأكبر للإيزيديين في جبل بركات تم تحويله إلى نقطة مراقبة عسكرية، وقد أُزيلت الرموز الإيزيدية، ووضعت مكانها الأعلام التركية وشعارات الفصائل”.

الجدل الأساسي حول مشروع البناء يتجاوز البعد الديني، ويتحول إلى قضية سياسية تكشف عمق الانقسام داخل المجتمع الإيزيدي، ومخاوف انقسام الهوية إلى مؤيد ومعارض. فبينما ترى أطراف أن الأولوية هي لحماية الوجود المهدد، وإعادة ترميم وإحياء المزارات المدمرة في عفرين وسري كانيه، يراه آخرون أن المشروع يعزز الهوية الروحية ويمنح الطائفة حضورًا علنيًا.

طرف ثالث من الإيزيديين يرى أن غياب المشورة الحقيقية مع الممثلين التاريخيين الأساسيين للإيزيديين في معبد لالش النوراني، سيقود إلى انقسام داخل الديانة الإيزيدية نفسها. الانقسام الحالي واضح بين المرجعيات السياسية للمجلس الإيزيدي المستقل والمعارض للمشروع، و”البيت الإيزيدي” المنضوي في الإدارة الذاتية، وهو ما جعل من المعبد رمزًا لصراع سياسي أكثر منه استجابةً لحاجة دينية، وهو ما ينذر بتعميق الانقسام بدل توحيد الصوت الإيزيدي في مرحلة حرجة من وجوده، وفقًا لشخصية سياسية إيزيدية من محافظة الحسكة، اشترطت عدم الكشف عن اسمها، مضيفةً: “لم نكن في يوم من الأيام قومية مستقلة، ولا يمكن أن نجد بديلاً عن معبد لالش، وهذا المشروع سيخلق شرخًا اجتماعيًا وسياسيًا وطبقيًا في الديانة الإيزيدية”.

جنى بركات - صحافية لبنانية | 14.11.2025

“ستارلينك” لبنان: ما علاقتها بوزير الاتّصالات وبالشبهات المرتبطة بمعاقَب أميركياً؟ 

مع دخول "ستارلينك" إلى لبنان، برزت إشكالية حول مساعي الشركة الأميركية للتعاقد مع "Connect Services Liberia" كموزّع لخدمات "ستارلينك" في لبنان، من دون فتح باب المنافسة بين الشركات الأخرى، وهي الشركة التي سبق أن ترأّسها وزير الاتّصالات الحالي شارل الحاج. 
28.10.2025
زمن القراءة: 6 minutes

الجدل الأساسي حول مشروع البناء يتجاوز البعد الديني، ويتحول إلى قضية سياسية تكشف عمق الانقسام داخل المجتمع الإيزيدي، ومخاوف انقسام الهوية إلى مؤيد ومعارض. فبينما ترى أطراف أن الأولوية هي لحماية الوجود المهدد، وإعادة ترميم وإحياء المزارات المدمرة في عفرين وسري كانيه، يراه آخرون أن المشروع يعزز الهوية الروحية ويمنح الطائفة حضورًا علنيًا.

تخليدًا للذكرى الحادية عشرة لمجزرة شنكال/سنجار التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الإيزيديين في العراق، أُقيمت أخيراً مراسم وضع حجر الأساس لبناء مقام ديني للإيزيديين في قرية دوكر، غرب مدينة عامودا، التابعة لمحافظة الحسكة السورية، الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية.

المعبد الذي أُقيم بمبادرة من “الاتحاد الإيزيدي في سوريا” كرمز لهوية الإيزيديين في المنطقة، رأته منظمات أخرى استثمارًا سياسيًا لواقع مأساوي يعيشه أبناء الديانة الإيزيدية، إذ يقع المقام على قطعة أرض تبلغ نحو 42 دونمًا، وسيحتوي على قبة رئيسية تحيط بها خمس قباب صغيرة، وقاعة تستوعب نحو ألف شخص، بالإضافة إلى بيت ضيافة وحديقة رمزية تعرض مجسّمات تمثل تاريخ الإيزيديين وثقافتهم.

شهدت مراسم افتتاح المعبد حضور ممثلين عن مؤسسات إيزيدية والإدارة الذاتية، واستُعرضت أرقام وإحصاءات عن الضحايا والمختطفين الإيزيديين خلال هجوم “داعش” على سنجار عام 2014، منها أن عدد المختطفين الذي قدرته الأمم المتحدة بحوالى 6417 شخصًا، من بينهم نساء ومسنون.

الحدث رآه كثيرون مناسبة للتمثيل الإيزيدي، الأقلية التي تعاني إنكارًا لحقوقها الدينية وتهميشًا قانونيًا، ناهيك بالإبادة التي تعرضوا لها في سوريا والعراق أثناء حكم تنظيم داعش، والسبي الذي تعرضت له النساء الإيزيديات، اللاتي ما زالت جهود استعادتهن مستمرة إلى الآن، على الرغم من دحر التنظيم واعتقال الكثير من مقاتليه.

جدل سياسي – لاهوتي

وضع حجر الأساس والاحتفاء بالمعبد شكّلا انقسامًا في الأوساط الإيزيدية، خصوصًا في ظل ما تشهده سوريا حاليًا من توترات بين الإدارة المؤقتة في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية. ففي حديثه مع “درج” يقول سرحان عيسى، الناطق الرسمي باسم “مجلس إيزيديي سوريا”، إن المجلس “رافض تمامًا لمشروع بناء معبد بيروزكه – المبارك في شمال سوريا”، كناية عن المكان المقدس والروحاني.

أسباب الرفض، حسب سرحان، تتلخص في أربع قضايا مترابطة؛ أولها “ديني – عقائدي”، فـ”القدسية محصورة في لالش، ولا يجوز إنشاء بدائل رمزية”، ومعبد لالش موجود في شنكال، حيث المكان التاريخي للكرد الإيزيديين في العالم، وهي محافظة تابعة لكردستان العراق، لم تُضم بعد إلى الإقليم بسبب الخلافات بين العاصمة الاتحادية وإقليم كردستان.
السبب الثاني “واقعي – معيشي”، يشير عيسى: “الإيزيديون يواجهون أزمة وجود وتهجير، والأولوية لحمايتهم وحقوقهم لا لبناء معبد مكلف”، أما السبب الثالث فـ”تمثيلي – سياسي”، إذ يرى سرحان أن المشروع طُرح من دون استشارة حقيقية للإيزيديين السوريين، ما قد يسبب انقسامًا داخليًا، أما الرابع فهو “أخلاقي”، وحسب سرحان: “الأولى بالأموال الطائلة أن تُصرف لإغاثة العائلات، والتعليم، وعودة المهجرين”.

يتابع عيسى: “يرى المجلس أن الاستثمار الحقيقي يجب أن يكون في حماية الهوية، وإعادة إعمار القرى، وفتح المدارس، وضمان الحقوق الدستورية، لا في مشاريع رمزية قد تفكك وحدة الإيزيديين”.

التساؤلات والأسباب التي يطرحها عيسى ذات أبعاد سياسية، خصوصًا في ما يتعلق بتمثيل الإيزيديين، وخطة العدالة الانتقالية الغامضة التي تتبناها الإدارة الانتقالية في دمشق، التي حتى الآن لا تطاول مرتكبي الانتهاكات من التنظيمات الإسلامية المتشددة.

يضيف عيسى: “نحن كمجلس إيزيديي في سوريا لا علاقة لنا بوزارة الأوقاف السورية، ولا بالعشائر العربية، ولم نتواصل معهم. قضيتنا أن المعابد وفقًا للميثولوجيا الدينية للإيزيديين محرّمة ولا تجوز، والإدارة الذاتية بصفتها حاكم المنطقة وقدمت قسمًا من التكاليف، هي المسؤولة عن هذا الموضوع، الذي يجب أن يكون القرار فيه إيزيديًا موحدًا، وليس ضمن إطار ضيق خاص بمجموعة تنتمي الى الإدارة الذاتية، وقد اتخذت هذا القرار من دون مقاييس دينية وفلسفية، إذ تحرّم الديانة الإيزيدية بناء أيّ معبد، ولا بديل عن معبد لالش أبدًا”.

على النقيض من الرأي “الرافض تمامًا”، قال إسماعيل دلف، الرئيس المشترك لـ”مجلس البيت الإيزيدي” التابع للإدارة الذاتية، لـ”درج”: “المرجعية الدينية الأساسية ستكون المجلس الروحاني وأمير الإيزيديين ورجال الدين في سوريا، كما حصل عند وضع حجر الأساس بماء وتراب مقدس من لالش”.
وأضاف أن الموقع “أقرّه إيزيديو سوريا، وتصميمه سيكون عبر مهندسين وبموافقة المجلس الروحاني، وسيُخصّص المعبد ليكون مركزًا للطقوس وتعاليم الدين الإيزيدي، بإشراف رجال الدين وبرامج المجلس الروحاني”.

كلفة المعبد، حسب إسماعيل، ستكون عبر تبرعات إيزيديي سوريا والمهجر، مع تنسيق عالمي للإيزيديين، وأضاف: “تم الاتفاق مع الإدارة الذاتية لدعم المشروع عبر البنية التحتية (الطرق، المياه، الكهرباء)”.

هل يسمح اللاهوت الإيزيدي ببناء معبد؟

يُعتبر معبد لالش في كردستان العراق المركز الروحي الأساسي والرسمي لكل إيزيديي العالم. ولم تشهد مناطق الإيزيديين خلال العقود الطويلة الماضية، سواء في كردستان العراق، أو المنطقة الكردية في سوريا، أو في أيّ مكان من العالم، وفقًا للعديد من الشهادات، بناء مزار أو معبد ديني خاص بهم، ما خلا وجود أماكن لتجمع الإيزيديين، لكنها ليست معابد ولا مزارات، وتصر الغالبية العظمى منهم على تمركز الروحانية الإيزيدية في لالش فقط.

وحول الخلفية التاريخية والدينية لمعبد لالش، تحدثنا مع الأكاديمي الكردي من الديانة الإيزيدية، خيري بوزاني، مستشار رئيس إقليم كردستان العراق، فقال: “إن المعبد يعود إلى زمن الديانات الميثرائية، أي الديانة الشمسية، وجميع النقوشات والعمارة والرموز تعود إلى ما يقارب ستة آلاف سنة، وشكل المعبد مكانًا للفلسفة والانتماء الى الديانة الإيزيدية الميثرائية، ولهذا لا يزال المعبد رمزًا ومكانًا للحج والتبرك والزيارة”.

ووفقًا لبوزاني: “تغيّرت جهات السيطرة على المعبد كثيرًا بسبب الفرمانات التي أصدرتها بعض الجماعات والمذاهب الدينية، لكنه كان يعود دومًا للإيزيديين، حيث استمرت الميثولوجيا الإيزيدية بترسيخ قدسية لالش كمعبد وحيد يمثل الإطار الجامع لكل إيزيدي في العالم”.
وأضاف: “على رغم وجود معابد أخرى، فإن المركز هو لالش، وكل إيزيدي في العالم يؤمّ لالش، ولا بديل عنه ولا أقدم منه”، مستشهدًا بوجود بعض المزارات في أماكن أخرى: “توجد بعض المزارات أو دور العبادة ضمن قرى الإيزيديين ومناطقهم، كما توجد معابد في أرمينيا وألمانيا، لكنها فقط كمراكز تعريفية أو للزيارة، وليست بديلة عن لالش، هي فقط للتبرك والزيارة”.

ويختتم بوزاني حديثه لـ”درج”: “القناعة الدينية والاجتماعية للإيزيديين، ومنذ القدم، كانت تمنع بناء أي معابد جديدة، مع إمكانية صيانة المعابد الموجودة وترميمها، لكن بناء معبد جديد خضع لاعتبارات الهجرة والتغيرات في المنطقة”.

ويرى بديع معمو، ناشط إيزيدي، في حديثه مع “درج”، أن “منع إنشاء مزار جديد على شكل لالش يعود إلى ارتباطه العميق بالعقيدة الإيزيدية، بوصفه مكانًا مقدسًا فريدًا لا يمكن فصله عن عناصره الطبيعية، ولا يجوز استنساخ قداسته أو رمزيته في أي مكان آخر”، معيدًا الأسباب إلى “عقائدية تتعلق بقدسية لالش التي لا يمكن ولا يجوز استنساخها أو نقلها إلى مكان آخر، إضافة إلى أن المعبد محاط بالجبال التي ترمز إلى الرحم الكوني الذي خرج منه النور، وهذا التكوين الطبيعي لا يمكن تكراره جغرافيًا”.

ينتقد معمو بناء معبد جديد لأن ذلك “يعارض رمزية الوحدة والهوية ويقود إلى التفرقة الدينية، وغدًا ستقوم جماعات وتقول إنها تنتمي الى المعبد الفلاني سواء في أرمينيا أو أي مكان آخر، وبالتالي توجد مخاوف من بناء سردية أن الإيزيديين قومية وليسوا ديانة”، واصفًا لالش بأنه “الأصل الروحي الأول، والأعياد والمواسم المقدسة تُقام في لالش”.

تاريخ من العنف والانقسامات والاتهامات الطائفيّة

تعرّض أتباع الديانة الإيزيدية لكل أشكال الاضطهاد والتمييز. فمثلًا، ووفقًا للناشط السياسي علي كولو (اسم مستعار) الذي تحدث لـ”درج” إن الإيزيديين، “كان عددهم يُقدَّر بحوالى 25 ألف نسمة موزعين على 22 قرية ومركز مدينة عفرين، ولهم نحو 15 مزارًا ومقدسًا في المنطقة، بالإضافة إلى مدارس ومؤسسات دينية”.
يضيف كولو أن بعض فصائل المعارضة السورية “استولت على منازل الإيزيديين ومقدساتهم، وحوّلت بعضها إلى مساجد، وهجّرت السكان الأصليين، ودُمّرت أو نُهبت المزارات المقدسة، واستُملكت الأراضي والعقارات، وشُوّهت الرموز الدينية، وفي بعض القرى أُجبر الأشخاص المتبقون على إعلان الإسلام، أو حضور دروس دينية إسلامية، أو أداء الأذان في مساجد تم تأسيسها في تلك القرى”.

ويختتم كولو حديثه بـ”أن المزار الأكبر للإيزيديين في جبل بركات تم تحويله إلى نقطة مراقبة عسكرية، وقد أُزيلت الرموز الإيزيدية، ووضعت مكانها الأعلام التركية وشعارات الفصائل”.

الجدل الأساسي حول مشروع البناء يتجاوز البعد الديني، ويتحول إلى قضية سياسية تكشف عمق الانقسام داخل المجتمع الإيزيدي، ومخاوف انقسام الهوية إلى مؤيد ومعارض. فبينما ترى أطراف أن الأولوية هي لحماية الوجود المهدد، وإعادة ترميم وإحياء المزارات المدمرة في عفرين وسري كانيه، يراه آخرون أن المشروع يعزز الهوية الروحية ويمنح الطائفة حضورًا علنيًا.

طرف ثالث من الإيزيديين يرى أن غياب المشورة الحقيقية مع الممثلين التاريخيين الأساسيين للإيزيديين في معبد لالش النوراني، سيقود إلى انقسام داخل الديانة الإيزيدية نفسها. الانقسام الحالي واضح بين المرجعيات السياسية للمجلس الإيزيدي المستقل والمعارض للمشروع، و”البيت الإيزيدي” المنضوي في الإدارة الذاتية، وهو ما جعل من المعبد رمزًا لصراع سياسي أكثر منه استجابةً لحاجة دينية، وهو ما ينذر بتعميق الانقسام بدل توحيد الصوت الإيزيدي في مرحلة حرجة من وجوده، وفقًا لشخصية سياسية إيزيدية من محافظة الحسكة، اشترطت عدم الكشف عن اسمها، مضيفةً: “لم نكن في يوم من الأيام قومية مستقلة، ولا يمكن أن نجد بديلاً عن معبد لالش، وهذا المشروع سيخلق شرخًا اجتماعيًا وسياسيًا وطبقيًا في الديانة الإيزيدية”.

28.10.2025
زمن القراءة: 6 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية