fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“معرض القاهرة الدولي للكتاب”: لا تحوي الرفوف إلا ما يرضي الله والدولة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعاني صناعة النشر في مصر من أزمات عدة، أهمها ارتفاع أسعار الكتب، وتكلفة الطباعة، والقرصنة، وهي أزمات قد تعاني منها صناعة النشر في كل دول العالم، إلا أنه في مصر تواجه هذه الصناعة تحديات أكبر، أهمها التضييق الأمني والمنع سواء من الدولة أو التيارات الدينية، الأمر الذي يعني تفريغ معرض الكتاب من هدفه الأساسي كمساحة حرة لكل الأفكار.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أسابيع، كان الكاتب المصري عمر سعيد يستعد لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يشارك بكتابه المشترك مع الكاتب الصحافي محمد العريان “ثلاث ستات… سيرة من ليالي القاهرة” الصادر عن “دار المرايا”. المعرض فرصة عمر سعيد الأهم للقاء الجمهور، لكن هذه الفرصة ضاعت بعد منع الدار من المشاركة في المعرض.

يقول عمر سعيد لـ”درج”: “لا أفهم أسباب المنع، ولا أعتقد أن الدار نفسها تعلمها، لكن هذا المنع هو قرار تضييق يمثل ضرراً على الكتاب، فهو لا يمنعهم من الوصول الى القراء فحسب لكنه يمنعهم أيضاً من فرصة عظيمة يوفرها المعرض  لهم، وهي الالتقاء بشريحة أكبر من القراء، لا سيما قراء الأقاليم أو قراء المناطق البعيدة الذين ليست لديهم فرصة للاحتكاك بدور النشر المركزية في العاصمة القاهرة، وكذلك شريحة من القراء العرب الذي يحضرون الى القاهرة لزيارة معرض الكتاب سنوياً”.

يرى عمر أن قيمة معرض الكتاب ليست مادية، وإنما ثقافية، بوصفه فرصة للقاء كتاب آخرين، والاطلاع على إصدارات جديدة، ولقاء الناشرين ومتابعة الاتجاهات الثقافية المختلفة، وكل هذه الفرص حُرم منها كتاب دار “المرايا”، في ممارسة تضييقية تتنافى مع فكرة المعرض نفسه، الذي من المفترض أنه ملتقى ثقافي سنوي تلتقي فيه الآراء كافة، لكنّ القائمين قرروا ضرب هذه الفكرة بمنع الدار من المشاركة لأسباب غير مفهومة.

يشير بيان الدار الصادر نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى أن الهيئة العامة للكتاب، قررت، من دون شرح الأسباب، منع دار المرايا من المشاركة في المعرض الذي كانت حاضرة فيه منذ عام 2017 حتى عام 2023، كذلك أُغلق حسابها على موقع المعرض، وحاول اتحاد الناشرين وكذلك أصدقاء للدار معرفة أسباب المنع إلا أن الهيئة رفضت ذلك.

وقالت الدار في البيان، إنها “تسدد التزاماتها المالية تجاه المعرض بانتظام ولم تتخلف في أي سنة من السنين عن سداد جميع التزاماتها بشكل مسبق قبل بداية المعرض وخلال المواعيد التي تحددها الهيئة، وإن جميع الأوراق الإدارية التي تخص الدار سليمة ومحدَّثة ومنضبطة تماماً من جميع النواحي القانونية والمالية، وتوجد نسخ لها مودعة لدى اتحاد الناشرين وهيئة الكتاب، وهذا كله يعني أن الإصرار على منع المرايا من المشاركة في المعرض هذا العام، ليس له تفسير أو أي سند من المنطق”.

ما حدث مع دار “المرايا” ليس الواقعة الأولى التي تُمنع فيها دور نشر من المشاركة في معرض الكتاب، الحدث الثقافي الأهم في الوسط الثقافي المصري، ففي الدورة السابقة للمعرض، فوجئت دار “الكتب خان” بمنعها من المشاركة فيه، حسبما نشرت كرم يوسف، مؤسسة الدار عبر حسابها على موقع “فيسبوك”.

قالت يوسف حينها: “قبل ساعات من استلام جناح “الكتب خان” بالمعرض فوجئنا بمنعنا تعسفياً من المشاركة في هذه الدورة من قبل إدارة المعرض، وبدون إبداء أية أسباب واضحة أو إخطار رسمي مسبق. بل وبتسليم المساحة المتفق عليها لجناحنا والتي تم سداد كافة المصروفات واستيفاء الأوراق المطلوبة للمشاركة في المعرض حسب الشروط المعلنة، إلى دار نشر أخرى. وهو ما يعني تبديد مجهودات مجموعة متميزة من الكتاب والكاتبات كذلك العاملين بالدار لشهور عديدة تجهيزاً للمشاركة في الموسم الثقافي الأهم من كل عام”، إلا أن هذا المنع لم يستمر، إذ عادت الدار الى المعرض بعد ساعات من هذا البيان، وقيل آنذاك إنه استدراك للخطأ، وهو السيناريو الذي تكرر مع دار نشر “ديوان العرب”.

منع مستمر

من جهة أخرى، لم يكن لدار نشر “تنوير” الحظ نفسه، إذ مُنعت من المشاركة في الدورة السابقة للمعرض بحسب بيان الدار الذي نشر العام الماضي، وهو المنع الذي استمر هذا العام أيضاً.

هذا العام، أتيح لدار نشر ومكتبة “تنمية” المشاركة في المعرض بعد سنوات من التنكيل، بدأت باعتقال مؤسسها خالد لطفي ومحاكمته عسكرياً بسبب نشره نسخة مصرية من كتاب “الملاك” الذي يتناول قصة حياة أشرف مروان، مدير مكتب الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وصهر سابقه جمال عبد الناصر، إذ اقتُحمت الدار في 2017، وأُجبرت على إعدام نسخ الكتاب كافة، قبل أن تحال القضية الى القضاء العسكري بدلاً من المحكمة الاقتصادية المعنية بالقضايا المماثلة، والذي حكم على مؤسس الدار بالسجن خمس سنوات.

كذلك، تم إنهاء مشاركة الشبكة العربية للأبحاث والنشر  في المعرض بدورته لعام 2022 بتمزيق لافتاتها، وإجبار العاملين فيها على مغادرة المعرض بسبب إعلان مؤسسها نواف القديمي إغلاق فروع الشبكة ومكتباتها كافة في مصر بسبب التضييق الأمني على أنشطتها، الأمر الذي وصل الى احتجاز شحنات من الكتب القادمة من بيروت الى المكتبات. 

في 2018، صرح هيثم الحاج، رئيس الهيئة العامة للكتاب حينها، بأن المعرض سيشهد منعاً للكتب التي تمثل فكر جماعة الإخوان المسلمين، وهو المنع الذي تُرجم عام 2022 بمنع دار نشر “عصير الكتب” بسبب كتاب للكاتب أحمد خيري العمري، وهو الاتهام الذى لاحق الدار لفترة طويلة، ووصل إلى أروقة المحاكم قبل أن تعود مرة أخرى الى المشاركة في المعرض.

تضييق وخسائر 

أشار يحيى فكري، المدير التنفيذي لدار المرايا، الى أن الهيئة العامة للكتاب “لم تبد أي أسباب لقرار منع الدار من المشاركة في المعرض، لأن اللائحة تسمح لها بالرفض من دون إبداء أي أسباب”.

ورد فكري السبب الحقيقي وراء منع الدار من المشاركة في المعرض، الى أن لدار المرايا إصدارات ليست على هوى القائمين على الهيئة أو الثقافة المصرية.

وأضاف فكري أن القرار “سيؤثر بصورة كبيرة على أداء الدار، لأن المعرض هو الحدث الثقافي الأبرز في مصر، وكذلك الحدث التسويقي الأهم، لأن 75 في المئة من مبيعات الكتب تتم في المعرض، بالإضافة إلى الالتقاء بالموزعين العرب الذين توزّع عبرهم إصدارات الدار في الدول العربية كافة، فيما زادت تكلفة إصدار الكتب بسبب غلاء الورق والأحبار وغيرها، وهو ما يعني خسائر بالجملة للدار التي تلتزم بسداد حقوق الكتاب والعاملين كافة في الدار، وكذلك تكاليف عملية إصدار الكتب”.

وخلال السنوات الأخيرة، تعرضت دار المرايا للتضييق من الأمن، وكانت البداية مع ديوان “كيرلي” للناشط السياسي أحمد دومة، الذي كان معتقلًا حينها، إذ داهمت قوة أمنية مع موظفين من المصنفات الفنية مقر الدار، وأمرت بمنع عرض الديوان في معرض الكتاب الذي أقيم في حزيران/ يونيو 2021 بصورة استثنائية بسبب إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا.

وفي أيلول/ سبتمبر من العام 2022، ألقي القبض على المدير التنفيذي للدار يحيى فكري بعد مداهمة قوة أمنية ومباحث المصنفات الدار لتفتيشها، واتهامه بـ 3 مخالفات هي “اختلاف عناوين بعض الكتب المنشورة عن العقود الموقعة مع كتاب تلك الكتب”، و”إصدار مجلة “مرايا” من دون ترخيص من الهيئة الوطنية للإعلام”، و”وجود بعض الكتب من غير مطبوعات الدار محملة على أحد أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصة بالدار في صيغة بي دي إف”، واحتجز لمدة تزيد عن 7 ساعات بسبب هذه الاتهامات قبل أن يُفرج عنه.

وعلى رغم هذه الاتهامات التي ذُكرت في المحضر الذي حُرِّر، إلا أن السبب الحقيقي كان تنظيم الدار ندوة لمناقشة كتاب الناشط السياسي علاء عبد الفتاح “شبح الربيع”، الذي رصد تاريخ الأحداث منذ كانون الثاني/ يناير 2011، وحتى العام 2021، كما رصد تدوينات وأقوال علاء عبد الفتاح أمام النيابة وفي المحاكم خلال تلك الفترة، فتم القبض على فكري بعد 24 ساعة فقط من الندوة.

أما آخر المضايقات، فكانت في أيلول/ سبتمبر الماضي، إذ تم اقتحمت مقر الدار قوة أمنية عقب ندوة لمناقشة كتاب “3 ستات سير من ليالي القاهرة”، وهو كتاب يتناول حكايات 3 عاملات في الجنس التجاري، وتم القبض على المساعد الإداري، وتحرير محاضر ضد الدار بتهم تتعلق بالمصنفات الفنية.

في تقرير بعنوان “إقصاء من دون إبداء أسباب” عن النسخة الـ 55 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، الصادر عن مركز حرية الفكر والتعبير، فإن البند 12 من اللائحة الخاصة بالمعرض ينص على منح إدارة المعرض الحق في قبول أو رفض اشتراك أي دار نشر من دون إظهار أسباب للمعلنين بعد عرضها على رئيس المعرض، وهو ما يسمح لإدارة المعرض بالتعسف في مشاركة أي دار نشر حتى لو لم ترتكب أي مخالفة من المخالفات الواردة في لائحة المعرض، حيث لا قواعد تنظم هذا الأمر غير رأي إدارة المعرض.

أما الأسباب المذكورة في اللائحة التي تشير إلى الحالات التي يجوز فيها إلغاء اشتراك دار النشر، فهي: “عرض كتاب محل نزاع قضائي، أو عرض كتاب مزور أو منسوخ أو مقلّد، أو عرض كتب مخالفة لحرية الفكر والإبداع، وكذا المبادئ التي فرضها القانون المصري، والآداب العامة، أو المساس بالأديان، أو مخالفة شروط التوكيلات اللازمة داخل المعرض بالنسبة لدور النشر، أو عقد ندوات داخل مقرات البيع، أو مخالفة الشروط التصميمية داخل الجناح”،  وهي المخالفات التي لم تنتهكها أي من الدور التي مُنعت من المشاركة في المعرض.

منع ديني أيضاً 

إذا كانت الدولة تمنع الدور من المشاركة بسبب مواقف أو إصدارات لا ترضى عنها، فإن التيار الديني يمارس أيضا المنع لأسباب أخرى، إذ منع كتاب “كاملات عقل ودين” للكاتبة أسماء عثمان الشرقاوي بعد حملة سلفية ضده باعتباره يمس حديثاً نبوياً، ما اضطر دار “السراج” الصادر عنها الكتاب لسحبه من المعرض، وإيقاف تداوله.

صحيفة الدستور، تواصلت مع أسماء عثمان  الشرقاوي التي قالت: “نشرت الكتاب سابقاً مع دار مدبولى الحفيد، تحديداً الناشر أحمد مؤمن، في عام 2022، آنذاك صدر بغلاف غير غلاف (السراج) الحالي، ولم يتعرض لمثل هذه الهجمة الحالية”.

أضافت عثمان في لقائها مع الدستور، أن سبب المنع “حملة مدبرة ممولة مدفوعة الأجر… هناك إنسان ظلامي سلفي جهول قرأ الكتاب وقرر أنه لا يصلح للنشر. هذا الشخص قرأ النسخة المنشورة فى 2022، ليبدأ حملة هجومية تحريضية على الكتاب”.

ختمت عثمان حديثها مع الدستور: “لو كنت دفعت 10 ملايين جنيه للدعاية لهذا الكتاب لما كنت حصلت على مثل هذه النتيجة، ولذلك قررت توزيع الكتاب pdf بالمجان لمن يريد الحصول عليه وقراءته. أنا لا أريد أموالًا، كل ما أرغب فيه أن ينتشر العلم، أن تفكر العقول، ويعرف الناس دينهم بدلاً من هذا الوضع المزري”.

واقعة سيطرة التيار السلفي على المعرض ليست الأولى، ففي 2017 شهد المعرض أزمة الكتب الشيعية، إذ تم توقيف موظف بدار نشر لبنانية بسبب وجود كتاب يتناول المذهب الشيعي، وأغلقت إدارة معرض الكتاب جناحي “دار القدس” و”آل ياسر”، بعدما حررت شرطة المصنفات بلاغًا ضدهم لبيعهم كتباً شيعية. وأعلن أشرف مأمون – مدير إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنفات-، آنذاك، تحرير محضر مصادرة خمسة كتب شيعية، وأن هذه الكتب تمت مصادرتها على الفور، وذلك في استجابة لائتلاف آل الصحب والآل، وهو تنظيم سلفي متطرف ضد الشيعة، رفض عرض كتب شيعية بالمعرض، باعتبارها تخالف الهوية المصرية والدستور، بخاصة المادة الثانية منه، بالإضافة إلى عدد من المواد الأخرى.

تعاني صناعة النشر في مصر من أزمات عدة، أهمها ارتفاع أسعار الكتب، وتكلفة الطباعة، والقرصنة، وهي أزمات قد تعاني منها صناعة النشر في كل دول العالم، إلا أنه في مصر تواجه هذه الصناعة تحديات أكبر، أهمها التضييق الأمني والمنع سواء من الدولة أو التيارات الدينية، الأمر الذي يعني تفريغ معرض الكتاب من هدفه الأساسي كمساحة حرة لكل الأفكار.

04.02.2025
زمن القراءة: 8 minutes

تعاني صناعة النشر في مصر من أزمات عدة، أهمها ارتفاع أسعار الكتب، وتكلفة الطباعة، والقرصنة، وهي أزمات قد تعاني منها صناعة النشر في كل دول العالم، إلا أنه في مصر تواجه هذه الصناعة تحديات أكبر، أهمها التضييق الأمني والمنع سواء من الدولة أو التيارات الدينية، الأمر الذي يعني تفريغ معرض الكتاب من هدفه الأساسي كمساحة حرة لكل الأفكار.

قبل أسابيع، كان الكاتب المصري عمر سعيد يستعد لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يشارك بكتابه المشترك مع الكاتب الصحافي محمد العريان “ثلاث ستات… سيرة من ليالي القاهرة” الصادر عن “دار المرايا”. المعرض فرصة عمر سعيد الأهم للقاء الجمهور، لكن هذه الفرصة ضاعت بعد منع الدار من المشاركة في المعرض.

يقول عمر سعيد لـ”درج”: “لا أفهم أسباب المنع، ولا أعتقد أن الدار نفسها تعلمها، لكن هذا المنع هو قرار تضييق يمثل ضرراً على الكتاب، فهو لا يمنعهم من الوصول الى القراء فحسب لكنه يمنعهم أيضاً من فرصة عظيمة يوفرها المعرض  لهم، وهي الالتقاء بشريحة أكبر من القراء، لا سيما قراء الأقاليم أو قراء المناطق البعيدة الذين ليست لديهم فرصة للاحتكاك بدور النشر المركزية في العاصمة القاهرة، وكذلك شريحة من القراء العرب الذي يحضرون الى القاهرة لزيارة معرض الكتاب سنوياً”.

يرى عمر أن قيمة معرض الكتاب ليست مادية، وإنما ثقافية، بوصفه فرصة للقاء كتاب آخرين، والاطلاع على إصدارات جديدة، ولقاء الناشرين ومتابعة الاتجاهات الثقافية المختلفة، وكل هذه الفرص حُرم منها كتاب دار “المرايا”، في ممارسة تضييقية تتنافى مع فكرة المعرض نفسه، الذي من المفترض أنه ملتقى ثقافي سنوي تلتقي فيه الآراء كافة، لكنّ القائمين قرروا ضرب هذه الفكرة بمنع الدار من المشاركة لأسباب غير مفهومة.

يشير بيان الدار الصادر نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى أن الهيئة العامة للكتاب، قررت، من دون شرح الأسباب، منع دار المرايا من المشاركة في المعرض الذي كانت حاضرة فيه منذ عام 2017 حتى عام 2023، كذلك أُغلق حسابها على موقع المعرض، وحاول اتحاد الناشرين وكذلك أصدقاء للدار معرفة أسباب المنع إلا أن الهيئة رفضت ذلك.

وقالت الدار في البيان، إنها “تسدد التزاماتها المالية تجاه المعرض بانتظام ولم تتخلف في أي سنة من السنين عن سداد جميع التزاماتها بشكل مسبق قبل بداية المعرض وخلال المواعيد التي تحددها الهيئة، وإن جميع الأوراق الإدارية التي تخص الدار سليمة ومحدَّثة ومنضبطة تماماً من جميع النواحي القانونية والمالية، وتوجد نسخ لها مودعة لدى اتحاد الناشرين وهيئة الكتاب، وهذا كله يعني أن الإصرار على منع المرايا من المشاركة في المعرض هذا العام، ليس له تفسير أو أي سند من المنطق”.

ما حدث مع دار “المرايا” ليس الواقعة الأولى التي تُمنع فيها دور نشر من المشاركة في معرض الكتاب، الحدث الثقافي الأهم في الوسط الثقافي المصري، ففي الدورة السابقة للمعرض، فوجئت دار “الكتب خان” بمنعها من المشاركة فيه، حسبما نشرت كرم يوسف، مؤسسة الدار عبر حسابها على موقع “فيسبوك”.

قالت يوسف حينها: “قبل ساعات من استلام جناح “الكتب خان” بالمعرض فوجئنا بمنعنا تعسفياً من المشاركة في هذه الدورة من قبل إدارة المعرض، وبدون إبداء أية أسباب واضحة أو إخطار رسمي مسبق. بل وبتسليم المساحة المتفق عليها لجناحنا والتي تم سداد كافة المصروفات واستيفاء الأوراق المطلوبة للمشاركة في المعرض حسب الشروط المعلنة، إلى دار نشر أخرى. وهو ما يعني تبديد مجهودات مجموعة متميزة من الكتاب والكاتبات كذلك العاملين بالدار لشهور عديدة تجهيزاً للمشاركة في الموسم الثقافي الأهم من كل عام”، إلا أن هذا المنع لم يستمر، إذ عادت الدار الى المعرض بعد ساعات من هذا البيان، وقيل آنذاك إنه استدراك للخطأ، وهو السيناريو الذي تكرر مع دار نشر “ديوان العرب”.

منع مستمر

من جهة أخرى، لم يكن لدار نشر “تنوير” الحظ نفسه، إذ مُنعت من المشاركة في الدورة السابقة للمعرض بحسب بيان الدار الذي نشر العام الماضي، وهو المنع الذي استمر هذا العام أيضاً.

هذا العام، أتيح لدار نشر ومكتبة “تنمية” المشاركة في المعرض بعد سنوات من التنكيل، بدأت باعتقال مؤسسها خالد لطفي ومحاكمته عسكرياً بسبب نشره نسخة مصرية من كتاب “الملاك” الذي يتناول قصة حياة أشرف مروان، مدير مكتب الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وصهر سابقه جمال عبد الناصر، إذ اقتُحمت الدار في 2017، وأُجبرت على إعدام نسخ الكتاب كافة، قبل أن تحال القضية الى القضاء العسكري بدلاً من المحكمة الاقتصادية المعنية بالقضايا المماثلة، والذي حكم على مؤسس الدار بالسجن خمس سنوات.

كذلك، تم إنهاء مشاركة الشبكة العربية للأبحاث والنشر  في المعرض بدورته لعام 2022 بتمزيق لافتاتها، وإجبار العاملين فيها على مغادرة المعرض بسبب إعلان مؤسسها نواف القديمي إغلاق فروع الشبكة ومكتباتها كافة في مصر بسبب التضييق الأمني على أنشطتها، الأمر الذي وصل الى احتجاز شحنات من الكتب القادمة من بيروت الى المكتبات. 

في 2018، صرح هيثم الحاج، رئيس الهيئة العامة للكتاب حينها، بأن المعرض سيشهد منعاً للكتب التي تمثل فكر جماعة الإخوان المسلمين، وهو المنع الذي تُرجم عام 2022 بمنع دار نشر “عصير الكتب” بسبب كتاب للكاتب أحمد خيري العمري، وهو الاتهام الذى لاحق الدار لفترة طويلة، ووصل إلى أروقة المحاكم قبل أن تعود مرة أخرى الى المشاركة في المعرض.

تضييق وخسائر 

أشار يحيى فكري، المدير التنفيذي لدار المرايا، الى أن الهيئة العامة للكتاب “لم تبد أي أسباب لقرار منع الدار من المشاركة في المعرض، لأن اللائحة تسمح لها بالرفض من دون إبداء أي أسباب”.

ورد فكري السبب الحقيقي وراء منع الدار من المشاركة في المعرض، الى أن لدار المرايا إصدارات ليست على هوى القائمين على الهيئة أو الثقافة المصرية.

وأضاف فكري أن القرار “سيؤثر بصورة كبيرة على أداء الدار، لأن المعرض هو الحدث الثقافي الأبرز في مصر، وكذلك الحدث التسويقي الأهم، لأن 75 في المئة من مبيعات الكتب تتم في المعرض، بالإضافة إلى الالتقاء بالموزعين العرب الذين توزّع عبرهم إصدارات الدار في الدول العربية كافة، فيما زادت تكلفة إصدار الكتب بسبب غلاء الورق والأحبار وغيرها، وهو ما يعني خسائر بالجملة للدار التي تلتزم بسداد حقوق الكتاب والعاملين كافة في الدار، وكذلك تكاليف عملية إصدار الكتب”.

وخلال السنوات الأخيرة، تعرضت دار المرايا للتضييق من الأمن، وكانت البداية مع ديوان “كيرلي” للناشط السياسي أحمد دومة، الذي كان معتقلًا حينها، إذ داهمت قوة أمنية مع موظفين من المصنفات الفنية مقر الدار، وأمرت بمنع عرض الديوان في معرض الكتاب الذي أقيم في حزيران/ يونيو 2021 بصورة استثنائية بسبب إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا.

وفي أيلول/ سبتمبر من العام 2022، ألقي القبض على المدير التنفيذي للدار يحيى فكري بعد مداهمة قوة أمنية ومباحث المصنفات الدار لتفتيشها، واتهامه بـ 3 مخالفات هي “اختلاف عناوين بعض الكتب المنشورة عن العقود الموقعة مع كتاب تلك الكتب”، و”إصدار مجلة “مرايا” من دون ترخيص من الهيئة الوطنية للإعلام”، و”وجود بعض الكتب من غير مطبوعات الدار محملة على أحد أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصة بالدار في صيغة بي دي إف”، واحتجز لمدة تزيد عن 7 ساعات بسبب هذه الاتهامات قبل أن يُفرج عنه.

وعلى رغم هذه الاتهامات التي ذُكرت في المحضر الذي حُرِّر، إلا أن السبب الحقيقي كان تنظيم الدار ندوة لمناقشة كتاب الناشط السياسي علاء عبد الفتاح “شبح الربيع”، الذي رصد تاريخ الأحداث منذ كانون الثاني/ يناير 2011، وحتى العام 2021، كما رصد تدوينات وأقوال علاء عبد الفتاح أمام النيابة وفي المحاكم خلال تلك الفترة، فتم القبض على فكري بعد 24 ساعة فقط من الندوة.

أما آخر المضايقات، فكانت في أيلول/ سبتمبر الماضي، إذ تم اقتحمت مقر الدار قوة أمنية عقب ندوة لمناقشة كتاب “3 ستات سير من ليالي القاهرة”، وهو كتاب يتناول حكايات 3 عاملات في الجنس التجاري، وتم القبض على المساعد الإداري، وتحرير محاضر ضد الدار بتهم تتعلق بالمصنفات الفنية.

في تقرير بعنوان “إقصاء من دون إبداء أسباب” عن النسخة الـ 55 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، الصادر عن مركز حرية الفكر والتعبير، فإن البند 12 من اللائحة الخاصة بالمعرض ينص على منح إدارة المعرض الحق في قبول أو رفض اشتراك أي دار نشر من دون إظهار أسباب للمعلنين بعد عرضها على رئيس المعرض، وهو ما يسمح لإدارة المعرض بالتعسف في مشاركة أي دار نشر حتى لو لم ترتكب أي مخالفة من المخالفات الواردة في لائحة المعرض، حيث لا قواعد تنظم هذا الأمر غير رأي إدارة المعرض.

أما الأسباب المذكورة في اللائحة التي تشير إلى الحالات التي يجوز فيها إلغاء اشتراك دار النشر، فهي: “عرض كتاب محل نزاع قضائي، أو عرض كتاب مزور أو منسوخ أو مقلّد، أو عرض كتب مخالفة لحرية الفكر والإبداع، وكذا المبادئ التي فرضها القانون المصري، والآداب العامة، أو المساس بالأديان، أو مخالفة شروط التوكيلات اللازمة داخل المعرض بالنسبة لدور النشر، أو عقد ندوات داخل مقرات البيع، أو مخالفة الشروط التصميمية داخل الجناح”،  وهي المخالفات التي لم تنتهكها أي من الدور التي مُنعت من المشاركة في المعرض.

منع ديني أيضاً 

إذا كانت الدولة تمنع الدور من المشاركة بسبب مواقف أو إصدارات لا ترضى عنها، فإن التيار الديني يمارس أيضا المنع لأسباب أخرى، إذ منع كتاب “كاملات عقل ودين” للكاتبة أسماء عثمان الشرقاوي بعد حملة سلفية ضده باعتباره يمس حديثاً نبوياً، ما اضطر دار “السراج” الصادر عنها الكتاب لسحبه من المعرض، وإيقاف تداوله.

صحيفة الدستور، تواصلت مع أسماء عثمان  الشرقاوي التي قالت: “نشرت الكتاب سابقاً مع دار مدبولى الحفيد، تحديداً الناشر أحمد مؤمن، في عام 2022، آنذاك صدر بغلاف غير غلاف (السراج) الحالي، ولم يتعرض لمثل هذه الهجمة الحالية”.

أضافت عثمان في لقائها مع الدستور، أن سبب المنع “حملة مدبرة ممولة مدفوعة الأجر… هناك إنسان ظلامي سلفي جهول قرأ الكتاب وقرر أنه لا يصلح للنشر. هذا الشخص قرأ النسخة المنشورة فى 2022، ليبدأ حملة هجومية تحريضية على الكتاب”.

ختمت عثمان حديثها مع الدستور: “لو كنت دفعت 10 ملايين جنيه للدعاية لهذا الكتاب لما كنت حصلت على مثل هذه النتيجة، ولذلك قررت توزيع الكتاب pdf بالمجان لمن يريد الحصول عليه وقراءته. أنا لا أريد أموالًا، كل ما أرغب فيه أن ينتشر العلم، أن تفكر العقول، ويعرف الناس دينهم بدلاً من هذا الوضع المزري”.

واقعة سيطرة التيار السلفي على المعرض ليست الأولى، ففي 2017 شهد المعرض أزمة الكتب الشيعية، إذ تم توقيف موظف بدار نشر لبنانية بسبب وجود كتاب يتناول المذهب الشيعي، وأغلقت إدارة معرض الكتاب جناحي “دار القدس” و”آل ياسر”، بعدما حررت شرطة المصنفات بلاغًا ضدهم لبيعهم كتباً شيعية. وأعلن أشرف مأمون – مدير إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنفات-، آنذاك، تحرير محضر مصادرة خمسة كتب شيعية، وأن هذه الكتب تمت مصادرتها على الفور، وذلك في استجابة لائتلاف آل الصحب والآل، وهو تنظيم سلفي متطرف ضد الشيعة، رفض عرض كتب شيعية بالمعرض، باعتبارها تخالف الهوية المصرية والدستور، بخاصة المادة الثانية منه، بالإضافة إلى عدد من المواد الأخرى.

تعاني صناعة النشر في مصر من أزمات عدة، أهمها ارتفاع أسعار الكتب، وتكلفة الطباعة، والقرصنة، وهي أزمات قد تعاني منها صناعة النشر في كل دول العالم، إلا أنه في مصر تواجه هذه الصناعة تحديات أكبر، أهمها التضييق الأمني والمنع سواء من الدولة أو التيارات الدينية، الأمر الذي يعني تفريغ معرض الكتاب من هدفه الأساسي كمساحة حرة لكل الأفكار.