مع انهيار تنظيم الدولة الاسلامية او داعش، بدأت تتسرب عبر الموقوفين من المقاتلين أو عبر العائلات حكايات تميط اللثام عن الغموض الذي لف السنوات الماضية التي شهدت صعود التنظيم. ورواية التونسي وسام حسين بن علي بوساحة، أو أبو سلمان، توضح بعض مفاصل العلاقة والأدوار التي كانت تلعبها تركيا على هذا الصعيد.
يبلغ أبو سلمان من العمر سبعةً وعشرين عاماً، وهو ولد في الساحل التونسي “مدينة المونيستير”، أو “مدينة لحبيب بورقيبة”. جاء إلى سوريا أواخر العام 2013 ليلتحق بالتنظيم وهو الآن مسجون لدى قوات الادارة الذاتية الكردية. يشرح بوساحة المقدمات التي دفعته إلى الوصول إلى التنظيم، فيقول، “بعد ثورة تونس، واستلام حزب النهضة للحكم، كانت هناك فوضى كبيرة، كنا نحن من يقوم بمهام الأمن في أحيائنا، وحينها انتشرت في كل تونس ظاهرة نصب الخيم الدعوية، وكان الناس يتجمعون ليستمعوا إلى خطابات ودعوات تحض على الجهاد، وتحفز الشباب لنصرة دين الله، وكنت أحد الذين يترددون على تلك الخيم، واقتنعت بفكرة الجهاد”.
حين كنت أقاطع الشاب للاستفسار عن مسألة ما أو كلمة لم أفهمها كان، “أبو سلمان التونسي” ينظر إليّ باستهزاء، ويبتسم ساخراً ويكمل حديثه، مغمضاً عينيه ويكمل، “كانت تصلنا أخبار الحرب في سوريا، والمظالم التي يتعرض لها الشعب السوري من قتل للنساء والأطفال المسلمين من قبل الروافض، فاتصلت ببعض الأخوة، وفتحوا لي خطاً مع أحد الأصدقاء الموجودين في سوريا، واتفقت معه، وعلى الفور سافرت إلى ليبيا براً، ومن ثمّ إلى طرابلس ومن هناك حجزت بطاقة طائرة وتوجهت إلى اسطنبول، وفور وصولي، أخذت حافلة إلى انطاكية، ثمّ إلى الريحانية على الحدود السورية التركية، واتصلت بصديقي فأشار علي أن أذهب إلى نقطة معينة، وفعلت، وهناك كان بعض الأخوة مثلي ينتظرون، أمضيت ليلتين، حتى صار عددنا كافياً. كنا من مختلف الجنسيات، وجاء من ينقلنا إلى سوريا، وقد تمّ ذلك بكل يسر وسهولة، وأتذكر انهم رحبوا بنا في نقطة التفتيش التركية، وسألنا عسكري تركي إن كنا نحتاج شيئاً، ولوح لنا”. وتابع قائلاً، “استقبلنا مسلحون في الطرف السوري كانوا ينتمون لأحرار الشام، وبعد عدّة أيام انتقلت إلى جماعة من جبهة النصرة، ولم يعجبني البقاء معهم، وتركتهم كذلك بعد أن جاء صديقي وأخذني إلى داعش، وقتها لم تكن هناك خلافات كثيرة بين تلك الفصائل”.
بعد هزيمة “داعش” في مدينتي الطبقة والرقة السوريتين، وخروج مساحات شاسعة من ريف دير الزور من سيطرة التنظيم، تم أسر المئات من المسلحين من مختلف الجنسيات، بالإضافة الى الآلاف من النساء من عناصر التنظيم ومن زوجات العناصر واطفالهم.
بعد هزيمة “داعش” في مدينتي الطبقة والرقة السوريتين، وخروج مساحات شاسعة من ريف دير الزور من سيطرة التنظيم، تم أسر المئات من المسلحين من مختلف الجنسيات، بالإضافة الى الآلاف من النساء من عناصر التنظيم ومن زوجات العناصر واطفالهم. معظمهم يعيشون في مخيمات بنيت على عجل، ودون مساعدات من الأمم المتحدة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية أو روج آفا..
بين هؤلاء الكثير من أمراء التنظيم، والكثير ممن يحملون قصصاً وروايات وأسراراً، قد تكشف الكثير عما حدث خلال السنوات الست الماضية في سوريا والعراق. ويجمع تقريباً العناصر الأجانب في التنظيم على نقطة مشتركة حين يشرعون في رواية حكايتهم وكيف وصلوا الى هنا، “دخلنا من تركيا. هبطت بنا الطائرة في اسطنبول، وكان هناك مكان متفق عليه للتجمع”. هذه العبارة رددها كثيرون الذين ما أن يصلوا تركيا حتى ينطلقون إلى منطقتي هاتاي (لواء اسكندرونة) أو غازي عنتاب، ويتم تجميعهم في مبان خصصت لهم، حتى يكتمل العدد المطلوب ومن ثمّ يتم نقلهم في وضح النهار، عبر معابر على الحدود إلى سوريا. ومن أشهر المعابر، باب الهوى وتل أبيض، ومن هناك كانوا ينقلون الى الباب أو منبج ومن ثمّ إلى الطبقة أو الرقة أو دير الزور.وفي محطتهم السورية يتم الترحيب بهم، لعدة أيام، ثمّ يتم إرسالهم إلى معسكرات تدريب لشهر أو أكثر، وبعدها يتم فرزهم إلى الجبهات أو إلى مهام تناسب قدراتهم المهنية والنفسية.
ويوضح أبو سلمان،”المقاتل كثيراً ما يتنقل بين هذه التنظيمات، فذهبت بصحبة صديقي إلى بلدة الأتارب في ريف حلب، وخضعت لدورة شرعية وعسكرية لوقت قصير، وتمّ نقلي إلى إدلب لإكمال الدورة التدريبية هناك، بسبب الازدحام في معسكرات الأتارب وريف حلب. في معركتنا مع الجيش الحر وجبهة النصرة في إدلب، عام 2014 فقدنا الكثير من مواقعنا، وسقط الكثير من القتلى بيننا، وقررنا الانسحاب، فتم الاتفاق بيننا وبين الأتراك على أننا سننسحب من إدلب ونذهب باتجاه تل أبيض والرقة، وعلينا أن ندخل الأراضي التركية، لنقوم برحلة التفاف عبر أراضيها، للوصول إلى تل أبيض، لإننا كنا مضطرين، فالجيش الحر وجبهة النصرة كانا يسيطران على الأراضي التي تفصلنا عن ولاية الرقة وتل أبيض. ووافق الأتراك، وبدأنا بالانسحاب على دفعات، وقدم لنا الأتراك باصات للنقل، واستغرق ذلك أياماً، وكنتُ مع آخر دفعة تخرج من إدلب. كنا نستقل أربع حافلات، وبعد دخولنا الأراضي التركية، بساعات، أوقف الأتراك حافلتين لنا، ومن ثم اتجهوا بنا إلى انطاكية، وعلمنا انهم قد أسرونا. جمعونا في مجمع عسكري تركي خارج المدينة، وقاموا بالتحقيق معنا، وهناك بدأوا ينقلوننا على دفعات، لا أحد يدري إلى أين. وبعد أسبوع تمّ نقلي إلى معسكر في مدينة آيدين، على الحدود اليونانية كما عرفت، كان المعسكر أشبه بسجن كبير، هناك كان الهمس أننا سنظل لفترة فقط، ولم نكن نعرف لماذا. وبعد أشهر جمعونا من جديد وكان عددنا يقارب الخمسين، واتجهوا بنا من هناك باتجاه تل أبيض، وقبل الدخول إلى سوريا وتسليمنا إلى تنظيمنا شاهدت أعداداً هائلة تمّ جمعهم هناك، وهناك فقط عرفت أن ثمة عملية تبادل أسرى بين الدولة (تنظيم داعش) وتركيا، فقد سلمتنا تركيا مقابل الإفراج عن الديبلوماسيين الأتراك الذين تم أسرهم في الموصل العراقية في شهر يونيو/ حزيران من عام 2014 وكان عددنا بالضبط 360 مقاتلاً ودخلنا في طوابير وبعد تدقيق الأسماء في معبر تل أبيض.
وأضاف “بعد ذلك تطورت العلاقات أكثر بيننا وبين تركيا، ورغم أننا كنا ننظر إليها كدولة ملحدة، إلا أنه لم يكن لدينا خيار آخر للاتصال بالعالم الخارجي، ونشطت تجارة النفط بيننا، وبعد أن انتقلت إلى ولاية دير الزور، كنت مسؤولاً عن الغنائم، وملف المبيعات اليومي، من النفط، الذي كنا نرسله عبر قوافل باتجاه تل أبيض لبيعه إلى تركيا، وهكذا”.
وختم قائلاً، “تزوجت مرتين، زوجتي الأولى كانت من الطبقة وقد طلقتها وهي حامل، ولا أدري عنها شيئاً، وزوجتي الثانية من دير الزور، وهي بقيت لدى الدولة، ولا أعرف عن مصيرها شيئاً”.