“يستحيل أن تجد في الإعلام العربيّ صحافيّاً واحداً يمتدح حاكماً أو حكومة أو يؤيّد مواقفهما”. تحت هذا العنوان كتب الصحافيّ السويديّ أولف راله في صحيفة “ستوكهولم هيرالد” مقالاً مطوّلاً عن الصحافيّين العرب، آثرنا أن نترجم هنا في “درج” بعض ما ورد فيه. والجدير بالذكر أنّ راله درس العربيّة في بيروت والقاهرة، وقضى عشر سنوات في متابعة الإعلام العربيّ ورصده، كما أجرى عشرات المقابلات مع محرّرين وكتّاب عرب، وأعدّ أطروحة الدكتوراه في جامعة استوكهولم عن هذا الموضوع.
المقال يبدأ بتساؤل: “إلى أيّ حدّ تستطيع الصحافة أن تستقلّ فعلاً عن السلطة السياسيّة، وفقاً لما تحدّثنا عنه النظريّات الديمقراطيّة وتلك المتفرّعة عن مبدأ فصل السلطات؟”. وهو يجيب بالتالي: “الأمر يبقى نسبيّاً، إذ نجد الشيء الكثير من هذا في صحف المجتمعات الديمقراطيّة الغربيّة، وهذا على العكس ممّا نجده في بلدان العالم الثالث التي يخضع معظمها لأنظمة ديكتاتوريّة ومستبدّة”. لكنّ أولف راله لا يلبث أن يتقدّم خطوة أخرى ليتحدّث عن “استثناء كبير” يقول هو نفسه إنّه لا يملك حتّى الآن تفسيراً له. وهذا “الاستثناء” ينحصر في العالم العربيّ، حيث “يستحيل أن تجد في الإعلام العربيّ صحافيّاً واحداً يمتدح حاكماً أو حكومة أو يؤيّد مواقفهما” كما يقول عنوان المقالة.
ووفقاً لراله “فإنّ هذا موقف متطرّف جدّاً، إذ أحياناً يقدم حاكم ما على تنفيذ سياسة معقولة تستدعي من الإعلام الدعم، إلاّ أنّه لا يجد صحافيّاً واحداً – من المحيط إلى الخليج – مستعدّاً أن يمحضه هذا الدعم”. وبشيء من السخرية يضيف الكاتب: “لا أخفي القرّاء أنّني أحسّ أحياناً بالشفقة حيال الحكّام وهم يواجهون هذه القسوة الاستثنائيّة من قِبل صحافيّي بلدانهم”.
ويتحدّث المقال عن سهرة جمعته بعدد من الصحافيّين العرب الذين حملقوا فيه غاضبين حين قال لهم بضرورة التخفيف من حدّتهم النقديّة حيال الحكّام، وأضاف أنّ أحدهم كاد يضربه ويحطّم أنفه لولا تدخّل زملائه الذين نبّهوه إلى “ضرورة التسامح معي لأنّني غريب عن تقاليدهم”. ومع أنّ الكاتب السويديّ أشار مراراً إلى عدم فهمه هذه الظاهرة، فإنّه غامر بتفسير قد يكون مقنعاً: “ربّما تشعر النخبة الإعلاميّة بضرورة أن تمحو ذاك التراث القديم المعروف بالمديح في تاريخ الأدب العربيّ، وربّما كانوا يتصرّفون انطلاقاً من هذا الشعور”. وهو ينهي مقالته بعبارة هي وسام على صدر الصحافة العربيّة: “في الحقيقة، لا أفهم هذا الجنس من البشر: لا المال يغريهم ولا الوجاهة أو المكانة أو النفوذ أو أيّ شيء من هذا القبيل، وليس هناك ما يحرفهم مليمتراً واحداً عن تعصّبهم لمهمّة النقد، خاصّة نقد الحكّام والأقوياء والأغنياء”.