بدأت الأحداث السياسية في العراق تتخذ منحى أكثر خطورة من الفترة السابقة بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الاعتزال النهائي من العملية السياسية، بعد ساعات من اعتزال المرجع الديني كاظم الحائري من إدارة شؤون أتباعه، طالباً إليهم اتّباع المرشد الديني الإيراني علي الخامنئي في جميع الشؤون الدينية والسياسة. ومع هذا القرار خرج أنصار الصدر إلى الشوارع واحتلوا القصر الجمهوري ومقرّ رئاسة الحكومة، وفرضت القوى الأمنية العراقية حظر تجول شامل في عموم مدن العراق، كنوع من إعلان لحالة الطوارئ، مع أحداث وصفها البعض بأنها “محاولة لإسقاط النظام”.
الحائري عالم دين بارز تتلمذ على يد المرجع محمد باقر الصدر، مؤسس حزب الدعوة الإسلامية الذي قتله نظام صدام حسين، ووالد زوجة مقتدى الصدر، وقد استقر الحائري في ايران بعد انتصار الثورة الإيرانية ويعد المرجع الشرعي لأنصار الصدر في مجال التقليد بعد أن أوصى والد مقتدى الصدر بالرجوع إليه بعد اغتياله. وكان الحائري بحسب مطّلعين على دوره يؤمن غطاءً أمنياً لمقتدى الصدر عبر تحريمه على الفصائل المسلحة الولائية التابعة لإيران المساس بالصدريين. واعتزاله، قرأ فيه الصدر رفعاً لهذا الغطاء، ولهذا تحدث الصدر في بيانه عن خطر تعرضه للاغتيال. وقد تضمن بيان الحائري إشارة إلى مقتدى الصدر حينما حذّر “من يتصدى للقيادة باسمه الشهيدين الصدريين(يقصد محمد باقر الصدر ومحمد محمد صادق الصدر) هو فاقد للاجتهاد… وهو في الحقيقة ليس صدريا مهما ادعى او انتسب”.

الصدر وبعد إعلانه الاعتزال وجّه بإغلاق جميع المؤسسات التابعة له، ما عدا تلك التي تعنى بتراث والده وإغلاق جميع مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به ومنها حساب وزيره صالح محمد العراقي. وعلى أثر قراره اقتحم المئات من أنصاره القصر الجمهوري في المنطقة الخضراء منددين بإقصاء زعيمهم من العملية السياسية. وشهدت تلك المناطق صدامات وأعمال عنف بين القوات الأمنية والمتظاهرين فيما اقتحم المئات منهم في عدد من مدن العراق مباني الحكومات المحلية منها ذي قار وميسان وواسط والديوانية ونظموا مسيرات في شوارعها ، فيما نادت مآذن المساجد التابعة للصدريين بالجهاد والوقوف مع المتظاهرين بحسب مقاطع فيديو تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنت قيادة العمليات المشتركة عن رفع مستوى الإنذار لدى قوات الجيش والشرطة والحظر الشامل في العاصمة بغداد. كما وجّه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي نداء الى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعاه فيه إلى سحب المتظاهرين من المؤسسات الحكومية.
الباحث علي البيدر يجد أن الخطوة التي أقدمت عليها إيران وضعت الصدر على المحك في قضية المرجعية، لكن الصدر تصرّف بذكاء وقرر الهروب من تقليد الخامنئي سياسياً ودينياً عبر اعتزال السياسية وأن عمليات التصعيد الحالية من قبل أنصاره هي محاولة لحمايتهم من احتمالية أن يلاقوا ذات المصير الذي واجه متظاهري تشرين وقد تكون أيضا ورقة يحاول من خلالها الصدر العودة من جديد الى طاولة المفاوضات السياسية وفي يده الورقة الأقوى وهي الفوضى.
هكذا يكون الصدر قد وضع الجميع في مواجهة جمهوره، وتنصّل مسبقاً من نتائج غليان الشارع، باعتزاله ونفض يديه من أي مسؤولية تترتب على فلتان الأمور. وبذلك يكون قد رمى الكرة الملتهبة في وجه إيران.
الكاتب احمد الحداد يرى أن هذه المناورة التي يصفها بـ”العيار الثقيل” مختلفة عن مناورات الصدر السابقة المتمثلة بإعلان اعتزاله ثم العودة عنه. هذه المرة جاء الاعتزال مع ترك الشارع لغاربه، وهي خطوة خطيرة وضاغطة على اللاعبين الأساسيين في العراق وفي إيران للرضوخ إلى مطالبة، وإلّا تذهب الأمور إلى المزيد من التصعيد والفوضى.
إقرأوا أيضاً: