fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

مكاسب الأسد من هجوم حمص… إيقاظ ذاكرة العلويين ومغازلة الصين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وظّف النظام السوري الهجوم الذي تعرضت له الكلية الحربية في حمص، معيداً تذكير الطائفة العلويّة بما ينتظرها في حال سقوطه، ومغازلاً الصين، عبر استهداف حزب “التركستاني” الذي يضم مقاتلين من الإيغور الذين ترى فيهم الصين خطراً يهددها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سواء صحّت رواية الكثير من المعارضين السوريين حول دور النظام وحلفائه في تنفيذ هجوم حمص أم لم تصحّ، فإن السلطة في دمشق مستفيدة من هذه الحادثة على مستويات عدة. ذاك أن الطائرات المسيّرة المحملة بالمتفجرات التي ضربت حفلة تخرج ضباط في كلية حربية حسب رواية النظام السوريّ، أوقعت عدداً كبيراً من الضحايا العلويين، أي من بيئة النظام الصلبة التي دعمته (عدا بعض الاستثناءات) منذ اليوم الأول للتظاهرات التي اندلعت ضده عام 2011.

هذه البيئة، بدأت تتململ في الآونة الأخيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي جلبها النظام للبلاد بسبب عدم امتثاله للقرارات الدولية التي تقضي بمرحلة انتقالية تدريجية، والتقصير في إنقاذ الساحل السوري أثناء الزلزال، والعقوبات التي انعكست بشكل سلبي على معظم فئات الشعب السوري، وكان ضررها ذا صيغة مختلفة على العلويين. 

سياسة التوظيف في المؤسسات الحكومية التي لطالما فضّلت العلويين بسبب أنظمة القرابة والزبائنية، باتت أقل فاعلية، بعد انهيار العملة وانخفاض قيمة المرتبات. كما أن عدد اللاجئين العلويين في الدول الغربية  أقل من الطوائف الأخرى، ما يعني قلة عدد من يرسلون الأموال الى عائلاتهم في الداخل، ما شكّل عامل ضغط إضافياً على الفئة التي تمسكت بالنظام لأسباب طائفيّة .

وجد أبناء الطائفة العلوية أنفسهم ،بعد استنزاف بشري هائل استمر لأكثر من عشر سنوات، متروكين من دون أي رعاية من النظام الذي قاتلوا وضحوا لبقائه، الى درجة أن شكاوى عدة ظهرت بسبب عدم الاهتمام بـ”الشهداء” والجرحى.

خلق ما سبق، حالة غضب في أوساط الطائفة تُرجمت بأصوات عبّرت عن نقمتها على مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أن الغضب لم يصل الى حدود التظاهر ضد النظام على ما حصل في السويداء، وقد تكون التظاهرات في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، ساهمت في كتم نازع الاحتجاج العلني ضد النظام بين أبناء الطائفة العلوية، انطلاقا من أن متظاهرين ذوي هوية طائفية محددة يتظاهرون ضد نظام لدى العلويين مشكلة معه في المعالجة الاقتصادية، لكنه لا يزال “يحميهم”، حسب رواية شائعة في أوساط الطائفة.

نظرية “الحماية” هذه، التي قد يكون استفاد منها النظام لشد عصب العلويين مجدداً عقب احتجاجات السويداء، استكمل الاستثمار بها في تفجير حمص. فهذه المرة، استُعيد شبح “الإرهاب السني”، في مكان ذي رمزية في الذاكرة الجماعية العلوية. إذ إن الكلية الحربية في حمص شكلت الرافعة لمعظم الضباط الريفيين الذين ساهموا في الانقلابات العسكرية في تاريخ سوريا، أي أنها شكلت رافعة لصعود العلويين إلى السلطة قبل أن ينفرد بالأخيرة آل الأسد.

لكن الرمزية لا تقف هنا، عندما تمضي إلى تاريخ أقرب، وتحديداً إلى فترة الصراع بين النظام وحركة “الإخوان المسلمين”، ذاك أن هذا الصراع بين الطرفين، اشتعل بعد مجزرة نفذها النقيب الإخواني إبرهيم يوسف بعدد من الطلاب العلويين في مدرسة المدفعية في حلب.

وكأن ذاكرة العلويين مضبوطة بمفاعيل كلية الحربية في حمص ومدرسة المدفعية في حلب، فواحدة تشكل دليل صعودهم، وأخرى دليل تهديد هذا الصعود. وبالتالي، فإن واقعة المسيّرات في حمص تحاكي شعورياً، تأثيرات الكلية والمدرسة معاً. دُمجت الأولى في الثانية، في استدعاء انتقائي للتاريخ، يخضع لأولويات الجماعة ومخاوفها. فسقط طلاب علويون مضرجين بدمائهم خلال حفل تخرج، ولم يستثنِ الموت عائلاتهم التي ضمت أطفالاً ونساءً، فاجتمع الصعود الى السلطة ومهدّده في المكان ذاته، ليصير الالتحام مجدداً بالنظام، أمر لا غنى عنه، حتى لو كان الأخير سبب الجوع والعوز.

“مكافحة الإرهاب” بمزاج صينيّ

أيقظت الحادثة ذاكرة العلويين، وأعادت توجيههم للخوف من “التهديد الوجودي” الذي سماه النظام “جماعات إرهابية”. هذه التسمية ليست عبثية، ولم تأتِ فقط لاستكمال تأثير الحادث على ماضي العلويين لإيقاظ شياطينه، بل أراد النظام تعويم نفسه للمجتمع الدولي كـ”محارب للإرهاب”، بعدما فقد هذه الوظيفة عبر اعتماد الأميركيين الأكراد حليفاً لهم.

وإذا كان الغرب، الولايات المتحدة وأوروبا، أقل حماسة للقبول بعرض النظام بسبب سياسة العزل، فإن الوجهة هذه المرة كانت نحو الصين. إذ زار بشار الأسد البلد الذي بات يشكل القطب الثاني في السياسة الدولية، موحياً بوصول استثمارات تنقذ البلاد من أزمتها، وعمدت طائراته عقب حادثة حمص الى قصف مواقع لـ”الجماعات الإرهابية” في إدلب. القصف الذي تسبب بقتل عدد من المدنيين، طاول حسب رواية وسائل إعلام مقربة من السلطة في دمشق، مواقع للحزب “التركستاني” الذي يضم مقاتلين من الإيغور الذين لطالما حاربتهم بكين وترى فيهم خطراً.

أراد الأسد عبر هذا القصف، أن يقول للصين إنه إضافة إلى استعداده لمنحها مدخلاً للمتوسط رداً على مشروع الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط، يمكنه أيضاً أن يكون وكيلاً محلياً لـ”مكافحة الإرهاب” الذي تراه بكين مهدداً لها.

وفي الخلاصة، وبمعزل عن تورط الأسد في واقعة المسيّرات من عدمه، فإن استفادته منها هي الأهم، إذ تمكن، ولو مؤقتاً، من إيقاظ ذاكرة العلويين الجماعية وحرف انتباههم عن الأزمة الاقتصادية في البلاد. كما عمد إلى مغازلة الصين وتشجيعها على الانفتاح نحوه أكثر، ليس بسبب منافع الاقتصاد فقط، بل لـ”مكافحة الإرهاب” حسب مزاج الصين وإيقاعها.

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
09.10.2023
زمن القراءة: 4 minutes

وظّف النظام السوري الهجوم الذي تعرضت له الكلية الحربية في حمص، معيداً تذكير الطائفة العلويّة بما ينتظرها في حال سقوطه، ومغازلاً الصين، عبر استهداف حزب “التركستاني” الذي يضم مقاتلين من الإيغور الذين ترى فيهم الصين خطراً يهددها.

سواء صحّت رواية الكثير من المعارضين السوريين حول دور النظام وحلفائه في تنفيذ هجوم حمص أم لم تصحّ، فإن السلطة في دمشق مستفيدة من هذه الحادثة على مستويات عدة. ذاك أن الطائرات المسيّرة المحملة بالمتفجرات التي ضربت حفلة تخرج ضباط في كلية حربية حسب رواية النظام السوريّ، أوقعت عدداً كبيراً من الضحايا العلويين، أي من بيئة النظام الصلبة التي دعمته (عدا بعض الاستثناءات) منذ اليوم الأول للتظاهرات التي اندلعت ضده عام 2011.

هذه البيئة، بدأت تتململ في الآونة الأخيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي جلبها النظام للبلاد بسبب عدم امتثاله للقرارات الدولية التي تقضي بمرحلة انتقالية تدريجية، والتقصير في إنقاذ الساحل السوري أثناء الزلزال، والعقوبات التي انعكست بشكل سلبي على معظم فئات الشعب السوري، وكان ضررها ذا صيغة مختلفة على العلويين. 

سياسة التوظيف في المؤسسات الحكومية التي لطالما فضّلت العلويين بسبب أنظمة القرابة والزبائنية، باتت أقل فاعلية، بعد انهيار العملة وانخفاض قيمة المرتبات. كما أن عدد اللاجئين العلويين في الدول الغربية  أقل من الطوائف الأخرى، ما يعني قلة عدد من يرسلون الأموال الى عائلاتهم في الداخل، ما شكّل عامل ضغط إضافياً على الفئة التي تمسكت بالنظام لأسباب طائفيّة .

وجد أبناء الطائفة العلوية أنفسهم ،بعد استنزاف بشري هائل استمر لأكثر من عشر سنوات، متروكين من دون أي رعاية من النظام الذي قاتلوا وضحوا لبقائه، الى درجة أن شكاوى عدة ظهرت بسبب عدم الاهتمام بـ”الشهداء” والجرحى.

خلق ما سبق، حالة غضب في أوساط الطائفة تُرجمت بأصوات عبّرت عن نقمتها على مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أن الغضب لم يصل الى حدود التظاهر ضد النظام على ما حصل في السويداء، وقد تكون التظاهرات في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، ساهمت في كتم نازع الاحتجاج العلني ضد النظام بين أبناء الطائفة العلوية، انطلاقا من أن متظاهرين ذوي هوية طائفية محددة يتظاهرون ضد نظام لدى العلويين مشكلة معه في المعالجة الاقتصادية، لكنه لا يزال “يحميهم”، حسب رواية شائعة في أوساط الطائفة.

نظرية “الحماية” هذه، التي قد يكون استفاد منها النظام لشد عصب العلويين مجدداً عقب احتجاجات السويداء، استكمل الاستثمار بها في تفجير حمص. فهذه المرة، استُعيد شبح “الإرهاب السني”، في مكان ذي رمزية في الذاكرة الجماعية العلوية. إذ إن الكلية الحربية في حمص شكلت الرافعة لمعظم الضباط الريفيين الذين ساهموا في الانقلابات العسكرية في تاريخ سوريا، أي أنها شكلت رافعة لصعود العلويين إلى السلطة قبل أن ينفرد بالأخيرة آل الأسد.

لكن الرمزية لا تقف هنا، عندما تمضي إلى تاريخ أقرب، وتحديداً إلى فترة الصراع بين النظام وحركة “الإخوان المسلمين”، ذاك أن هذا الصراع بين الطرفين، اشتعل بعد مجزرة نفذها النقيب الإخواني إبرهيم يوسف بعدد من الطلاب العلويين في مدرسة المدفعية في حلب.

وكأن ذاكرة العلويين مضبوطة بمفاعيل كلية الحربية في حمص ومدرسة المدفعية في حلب، فواحدة تشكل دليل صعودهم، وأخرى دليل تهديد هذا الصعود. وبالتالي، فإن واقعة المسيّرات في حمص تحاكي شعورياً، تأثيرات الكلية والمدرسة معاً. دُمجت الأولى في الثانية، في استدعاء انتقائي للتاريخ، يخضع لأولويات الجماعة ومخاوفها. فسقط طلاب علويون مضرجين بدمائهم خلال حفل تخرج، ولم يستثنِ الموت عائلاتهم التي ضمت أطفالاً ونساءً، فاجتمع الصعود الى السلطة ومهدّده في المكان ذاته، ليصير الالتحام مجدداً بالنظام، أمر لا غنى عنه، حتى لو كان الأخير سبب الجوع والعوز.

“مكافحة الإرهاب” بمزاج صينيّ

أيقظت الحادثة ذاكرة العلويين، وأعادت توجيههم للخوف من “التهديد الوجودي” الذي سماه النظام “جماعات إرهابية”. هذه التسمية ليست عبثية، ولم تأتِ فقط لاستكمال تأثير الحادث على ماضي العلويين لإيقاظ شياطينه، بل أراد النظام تعويم نفسه للمجتمع الدولي كـ”محارب للإرهاب”، بعدما فقد هذه الوظيفة عبر اعتماد الأميركيين الأكراد حليفاً لهم.

وإذا كان الغرب، الولايات المتحدة وأوروبا، أقل حماسة للقبول بعرض النظام بسبب سياسة العزل، فإن الوجهة هذه المرة كانت نحو الصين. إذ زار بشار الأسد البلد الذي بات يشكل القطب الثاني في السياسة الدولية، موحياً بوصول استثمارات تنقذ البلاد من أزمتها، وعمدت طائراته عقب حادثة حمص الى قصف مواقع لـ”الجماعات الإرهابية” في إدلب. القصف الذي تسبب بقتل عدد من المدنيين، طاول حسب رواية وسائل إعلام مقربة من السلطة في دمشق، مواقع للحزب “التركستاني” الذي يضم مقاتلين من الإيغور الذين لطالما حاربتهم بكين وترى فيهم خطراً.

أراد الأسد عبر هذا القصف، أن يقول للصين إنه إضافة إلى استعداده لمنحها مدخلاً للمتوسط رداً على مشروع الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط، يمكنه أيضاً أن يكون وكيلاً محلياً لـ”مكافحة الإرهاب” الذي تراه بكين مهدداً لها.

وفي الخلاصة، وبمعزل عن تورط الأسد في واقعة المسيّرات من عدمه، فإن استفادته منها هي الأهم، إذ تمكن، ولو مؤقتاً، من إيقاظ ذاكرة العلويين الجماعية وحرف انتباههم عن الأزمة الاقتصادية في البلاد. كما عمد إلى مغازلة الصين وتشجيعها على الانفتاح نحوه أكثر، ليس بسبب منافع الاقتصاد فقط، بل لـ”مكافحة الإرهاب” حسب مزاج الصين وإيقاعها.