fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

ملاحقة أحمد الشرع أمام القضاء الفرنسي: الاستقطاب السياسي وجهود التشكيك

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقدّم “التجمع الفرنسي – العلوي”، ممثلاً بالمحامي بيدرو أندوجار، بدعوى أمام النيابة العامة في باريس بتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2025 ضد أحمد الشرع وعدد من الشخصيات في السلطة السورية الحالية،

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان واضحاً التباين في أوساط السوريين حيال الدعوى القضائية التي تقدّم بها “التجمع الفرنسي – العلوي”، ممثلاً بالمحامي بيدرو أندوجار، أمام النيابة العامة في باريس بتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2025 ضد أحمد الشرع وعدد من الشخصيات في السلطة السورية الحالية، بتهم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي “بحق أبناء الطائفة العلوية”. تباين يعود إلى الانقسام السياسي والاجتماعي الحاد الذي تشهده سوريا وما يترتب عليه من تعدّد للسرديات والتنافس على المظلومية.

الشق الحقوقي

استناداً إلى البيان الصادر عن التجمع الفرنسي – العلوي، أتت هذه الخطوة “في أعقاب عمليات القتل والاعتقالات التي بدأت منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، لا سيما المجازر التي وقعت في 6، 7، 8 و9 آذار/ مارس 2025، والتي شهدت هجمات مروّعة شنّتها فرق من الجيش السوري الجديد (الفرقة 25) والأمن العام وميليشيات موالية للحكومة، استهدفت عمداً مدنيين من الطائفة العلوية وعائلات مسيحية وسنية سعت الى حمايتهم”.

البيان اتّهم أحمد الشرع بإصدار توجيهات لإعلان حالة النفير العام ضد الطائفة العلوية وعدم إصدار أي أوامر لوقف المجازر على رغم علمه بها وبوحشيّتها، سلوك يعد تحريضاً مباشراً على ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وفقاً لما ذكره البيان.

بصفتها ممثلة عن اللجنة القانونية، أشارت أستاذة القانون الدولي والناشطة في مجال حقوق الإنسان لينا طبال، الى أن التجمع الفرنسي – العلوي تقدّم بهذه الدعوى بصفته “الممثل القانوني والمدني لضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في الساحل السوري”.

وفقاً لحديثها إلى “درج”، أوضحت الدكتورة لينا طبال أنه لا يُشترط في جريمة الإبادة الجماعية استهداف “كل الشعب”. بالإمكان تصنيف جريمة ما على أنها إبادة جماعية حتى لو استهدفت قرية واحدة أو مجموعة محلية فقط، طالما الاستهداف قائم على هوية الجماعة (الدينية، العرقية …). على سبيل المثال، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا استهداف مجموعة من التوتسي في كنيسة واحدة إبادة جماعية، على رغم أن عددهم كان بضع مئات فقط.

بحسب طبال، ما قُدِّم إلى النيابة العامة الفرنسية باسم التجمع الفرنسي – العلوي يتجاوز حدود البلاغ، هو “ملف مكتمل الأركان” يتضمن شهادات ووقائع موثّقة وفقاً للمعايير القانونية والرسمية. ولفتت إلى أنهم ينتظرون قرار النيابة العامة تعيين قاضي تحقيق لبدء الإجراءات القضائية والتي قد تقود، في حال تثبيت التهم، إلى ملاحقات قضائية بحق المسؤولين عن هذه الجرائم.

الدعوى لا تزال في مراحلها التحضيرية الأولية، والتي قد تستغرق بين أشهر عدة وعام، وهي مرحلة تسبق تحويل الملف إلى قاضي التحقيق، تحقيق يمتد الى سنوات عدة بعد ذلك، لا سيما في القضايا المعقدة مثل جرائم الإبادة والتطهير العرقي، قبل الوصول إلى مرحلة المحاكمة أو الحفظ. مسار طويل لا يلغي الأثر القانوني الفوري الذي يترتب على تسجيل الدعوى، والمتمثل بإمكانية التوقيف والتبليغ ومنع الإفلات من العقاب داخل الأراضي الفرنسية.

منذ لحظة وضع ملف الدعوى أمام المدعي العام الفرنسي، أصبح بإمكان السلطات الفرنسية توقيف المشتبه بهم أي الرئيس أحمد الشرع وباقي المدعى عليهم، وذلك استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يخوّل القضاء الفرنسي ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الجسيمة، مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، حتى في حال وقوعها خارج الأراضي الفرنسية ومن أشخاص غير فرنسيين وضد ضحايا غير فرنسيين.

في هذا الإطار، توضح طبال، أن فتح الملف أمام النيابة العامة من شأنه إطلاق مسار قضائي رسمي، يتيح للسلطات الفرنسية التحفظ على أي من المشتبه بهم بمجرد دخولهم الأراضي الفرنسي، حتى قبل صدور مذكرات توقيف دولية رسمية.

على اعتبار أن إيمانويل ماكرون كان أول زعيم غربي يبادر إلى التواصل المباشر مع الشرع، وبالنظر إلى الانفتاح الغربي على النظام السوري الحالي، لم يعد مستبعداً حضور تلك الشخصيات إلى فرنسا. للتذكير، شارك وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني في المؤتمر الدولي بشأن سوريا، الذي استضافته باريس في شباط/ فبراير الفائت.

بالتالي، بوسع السلطات الفرنسية توقيف أي من المشتبه بهم مع إبقائهم رهن الاعتقال الاحترازي، خطوة من شأنها تسريع التحقيق إذا ما تمت، وفقاً لحديث لينا طبال إلى “درج”.

في هذا الإطار، من الضروري التوقف عند القيود السياسية التي فرضتها فرنسا، ما يقيد تفعيل الولاية القضائية العالمية داخل محاكمها، مسألة أثارتها منظمات وشخصيات حقوقية.

 أبرز ما يمكن ذكره هو اشتراط إقامة المشتبه بهم في فرنسا وليس مجرد الوجود على أراضيها، ما قد يسمح للمشتبه بهم بدخول فرنسا من دون الخشية من توقيفهم. شرط حرم السوريين من ملاحقة شخصيات من نظام الأسد أمام المحاكم الفرنسية، لتقتصر الدعاوى على عوائل الضحايا من مزدوجي الجنسية استناداً إلى مبدأ الاختصاص الإقليمي الموسّع. منظمة العفو الدولية طالبت بتصحيح هذا الوضع وإزالة كل العوائق لأن الولاية القضائية العالمية تعد الملاذ الأخير للضحايا لعجزهم عن إطلاق يد العدالة على أراضي الدولة التي شهدت الجرائم.

التشكيك السياسي

مقابل حق الضحايا بالعدالة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر الدعوى، لا سيما في أوساط السوريين المعارضين لبشار الأسد.

تفاوتت المواقف والعبارات المستخدمة، بين من اكتفى بطلب الاستفسار عن هوية التجمع وطبيعته، ومن أبدى “القرف من هذه المجموعة التي شردت الملايين وقتلتهم”، إلى جانب اتهامهم بتهويل أعداد الضحايا والتشبيح والعمل المخابراتي والسكوت عن جرائم نظام الأسد، واستنكار الهوية الطائفية للتجمع والدعوى المقدمة، والتساؤل عن وجود دوافع سياسية، والاتهام بالارتباط سياسياً ومالياً بشخصيات محددة من نظام الأسد، ومن رأى بوجود “فارق قيمي” عبر المقارنة بين هذه الدعوى والدعاوى التي قدمت أمام المرجعيات القضائية ذاتها ضد نظام الأسد بصفتهم ضحايا سوريين وليس ضحايا من السنة. ولم تخلُ التعليقات والمنشورات من التحريض الطائفي عبر إشارة البعض إلى “المظلومية السنية” خلال حكم آل الأسد.

كما تعرّض آخرون للقيّمين على التجمّع، من ضمنهم لينا طبال، بعد رصدهم مواقف سياسية عبروا عنها، إن في وسائل الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي، في مسعى الى إضعاف موقفهم بعدما صنفوا هذه المواقف في خانة الانحياز الى نظام الأسد وحلفائه.

شرارة التشكيك والهجوم تكمن في تسمية التجمع وفحوى الدعوى وطبيعة أنشطته وتحركاته: فقد قدم نفسه باسم “التجمع الفرنسي – العلوي”، مشدداً على الخطر المتربّص بالعلويين السوريين وما تعرضوا له في آذار/ مارس الماضي من جرائم، ودعوته إلى الاعتصام أمام قصر العدل في باريس بتاريخ 12 نيسان/ أبريل 2025 مع رفع شعارات محددة وفقاً لنص الدعوة: (“أوقفوا الإبادة الجماعية للعلويين في سوريا”، “العدالة لضحايا الإبادة من العلويين”، “نعم لحماية دولية للعلويين”). تصدير الهوية العلوية على هذا النحو دفع تلقائياً للربط بينهم وبين نظام الأسد واعتبارهم من أنصاره، في ترجمة عملية لفرز سياسي على أسس طائفية، لا سيما أن مناوئي الأسد يتبنون سردية خاصة مفادها سعي “فلول النظام” الى الانقلاب على الحكم الجديد.

وما ضاعف من هذه الحجة، بخاصة في أوساط الجالية السورية في فرنسا، هو الربط بين التجمع والوقفة التضامنية التي نظمت في باريس في 16 آذار/ مارس التي شارك فيها الشاعر أدونيس. وفقاً للمعترضين، كانت الوقفة للتنديد بالضحايا المدنيين من الساحل فقط من دون أي إشارة الى العسكريين الذين سقطوا على يد “فلول النظام”. كما أن انتشار صور الوقفة على وسائل التواصل الاجتماعي أتاح التعرف على أحد المنظمين، وهو من الذين اعتدوا قبل سنوات على معارضين لبشار الأسد في أوروبا.

علاوة على ذلك، استناداً إلى حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي يتّضح أن التجمع الفرنسي – العلوي حديث التأسيس. يضاف إلى ذلك بروز تجمعات مشابهة في الفترة ذاتها كرابطة السوريين العلويين في المهجر بحسب حسابها على فايسبوك (تختلف التسمية وفقاً للموقع الالكتروني)، ما طرح تساؤلات حول وجود نية في الذهاب أبعد من الدعوى.

التشكيك والهجوم على التجمّع بمختلف أشكاله، دلّا على وجود شريحة من السوريين رفضت مقاربة المسألة من زاوية حقوقية، إما انحيازاً منها الى أحمد الشرع أو معارضة مطلقة لبشار الأسد وكل ما قد يمت إليه بصلة.

ترفض لينا طبال تصنيف الدعوى في خانة المحاكمة السياسية، مؤكدة وجود فائض من الأدلة توثّق ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في الساحل السوري وتسمح بتوجيه أصابع الاتهام لأحمد الشرع الذي تصفه بالرئيس الفعلي للسلطة الحالية: “الهدف هي محاكمته على الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات الفرنسي وليس على خياراته السياسية”.

على رغم تعرّضها للهجوم، لم تبدِ لينا طبال حماسة في الخوض في هذا السجال تجنباً لحرف القضية عن مسارها الحقوقي: فمواقفها السياسية لا تلزم التجمع، إلى جانب عدم خلطها بين قناعاتها الشخصية والمقاربة الحقوقية للملفات التي لا يختلف عليها اثنان (الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين، الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، إخلال إسرائيل باتفاقية جنيف الرابعة، جرائم الحرب في قطاع غزة…). في أحد مقالاتها، وصفت بشار الأسد “بالديكتاتور المفضل”، مقال كان أحد مداخل الهجوم عليها، عن ذلك تجيب “يهاجمونني لأنني قلت ‘المفضل’، ويتجاهلون أنني قلت قبله ‘الديكتاتور’ كأن الإدانة في التفضيل، لا في الديكتاتورية نفسها، وكأننا لم ندفع ثمن صمتنا عنه بالدم والشتات. وفقاً للينا طبال التي تستغرب الاجتزاء: “مجرد وصفه بالديكتاتور دليل على عدم انحيازي إليه ونوع من النقد الذاتي للجميع بما فيه أطياف المعارضة كافة بعد سقوطه”.

من جانب آخر، نفت الدكتورة طبال في حديثها إلى “درج” الصبغة الطائفية للتجمع المذكور. وفقاً لها، هو تجمع علماني – اجتماعي تتنوّع خلفيات أعضائه، إذ يجمع أفراداً من جنسيات مختلفة (عرب وفرنسيين) وبانتماءات متعددة: “التجمع يوثق الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت في الساحل السوري ضد المدنيين في سوريا، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو العقائدية، نحن لا ندافع عن العلويين لأنهم علويون، بل لأنهم يُذبحون بصفتهم علويين”.

 تضيف الحقوقية اللبنانية أن رفع شعارات مثل “حماية العلويين” ليس للدفاع عن طائفة ضد طائفة، بل للدفاع عن مجموعة سكانية تتعرض لخطر التطهير العرقي، مستحضرة دفاع العالم عن الإيزيديين والروهينغا والأرمن، والبوسنيين….

وعليه، لا ترى لينا طبال في الدفاع عن العلويين اليوم محاولة للتمييز، بل ضرورة قانونية وواقعية لتوصيف طبيعة الانتهاكات، كما جرت العادة في توثيق الجرائم الموجهة ضد جماعات محددة الهوية من دون اعتباره تسييساً للحق أو تطييفاً للعدالة: “هو دفاع عن مدنيين عزل، عن الحق في الحياة، وعن مبدأ عدم الإفلات من العقاب، كما نصت عليه الأعراف والمعاهدات الدولية… فالحق في الحياة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب يشكلان الأساس الذي تقوم عليه مشروعية أي منظومة قضائية، ما يقتضي تفعيل آليات المساءلة القضائية، وضمان الوصول إلى الحقيقة والإنصاف”.

تتوسّع المحامية اللبنانية في إجابتها، موضحة أنها عضو في اللجنة الدولية للدفاع عن الأسير مروان البرغوثي، وشاركت في العمل على ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بالتعاون مع منظمة العفو الدولية، إلى جانب مشاركتها في إعداد ملفات قانونية تتعلق بملاحقة عدد من المسؤولين الإسرائيليين أمام القضاء الدولي، من بينهم رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون ووزير الدفاع الأسبق شاوول موفاز ورئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو، في إطار السعي الى مساءلتهم عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. طوال مسيرتها المهنية كانوا عرضة للانتقاد ولطلب تبرير أي خطوة، بالتالي هناك دائماً مجال للتصويب على رغم أن الغاية انحصرت في ملاحقة من ينتهك الكرامة الانسانية، وفقاً لها.

الخلاصة التي تطرحها لينا طبال، أن الإشارة إلى الطائفة هي آلية توصيف قانونية تساهم في إثبات البنية الجرمية لجرائم الإبادة والتطهير العرقي، وتجاهل هذا التوصيف خشية من التأويلات السياسية، هو تراجع عن المبادئ الحقوقية، ورضوخ غير مبرر أمام الابتزاز الرمزي الذي يعطل مسار العدالة.

وتختم حديثها إلى “درج” بالإشارة الى الكثير من الجمعيات والمنظمات الأوروبية والأميركية ذات الطابع الحقوقي، والتي تحمل في تسميتها ما يدل على هوية الفئة التي تدافع عنها: SOS Chrétiens d’Orient ، Muslim Aid ، Christian Aid ، Black Lives Matter، Jewish Voice for Peace، Assyrian Aid Society، مستطردة أنها غير معنية بطبيعة أنشطة هذه الجمعيات والمنظمات أو حتى علامات استفهام التي تحوم حولها، هي مجرد أمثلة للإشارة الى أن هذا الشكل من المنظمات مألوف جداً.

تفهّم من معارضي الأسد

مقابل الهجوم على التجمع، عبر عدد آخر من معارضي نظام الأسد عن تفهمهم للشكل الذي اتخذته هذه خطوة. صحيح أنهم قد لا يتفقون مع التجمع على المدى المتوسط والبعيد، بخاصة إذا أظهروا خطاباً طائفياً وتوجهاً سياسياً ما، لكن الخطاب الحالي ليس خارج السياق على ضوء الإبادة التي يتعرض لها العلويون، ليعتبر بعضهم أن الأولوية القصوى هي حماية العلويين بصفتهم فئة مستضعفة تتعرض للإبادة ولا مشكلة في تبني خطاب مباشر.

 في هذا السياق، وقّع عدد منهم على بيان صدر في 17 نيسان/ أبريل، وحمل عنوان “في إدانة المجازر والانتهاكات بحق العلويين-ات السوريين-ات”.

تتحفظ مها عن ذكر هويتها الحقيقية ومكان إقامتها وطبيعة عملها حرصاً على سلامتها الشخصية وسلامة أسرتها. هي معارضة للأسد ومن منطقة الساحل، ما يجعلها على تماس ميداني بما يحصل منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.

تتمسك بسرد مسار الأحداث منذ سقوط بشار الأسد، مشيرة إلى سلسلة من الانتهاكات تعرض لها العلويون بصفتهم علويين: قتل على يد الفصائل، إذلال على الحواجز، فصل تعسفي من الوظائف. توضح مها في هذا السياق أن سكان الساحل، بمن فيهم العلويون، استبشروا خيراً بأحمد الشرع لمعاناتهم مع النظام الساقط، بدليل عدم مقاومتهم لهم وتسليم البعض سلاحهم إلى هيئة تحرير الشام. 

تصل مها إلى ما حدث في آذار/ مارس الماضي، لا تنكر تعرض دورية للأمن العام إلى كمين على يد “فلول النظام” ولا هجومهم على المخافر، وهي أمور مدانة وتستدعي المحاسبة، لكن ردة الفعل كانت غير متّسقة: إعلان النفير العام ونداءات الجهاد في الجوامع التي أدت إلى زحف المدنيين المسلحين وإرسال فصائل أجنبية إلى جانب الحمزات والعمشات. بحسب مها، قضية الفلول انتهت في غضون ساعات، لكن القتل استمر لثلاثة أيام وشارك فيه أيضاً عناصر من الأمن العام بعدما شهدت خلالها منطقة الساحل عمليات قتل وحشية وحالات اغتصاب وخطف وكأننا أمام تكرار لسيناريو 2011 الذي ارتكبه بشار الأسد بحق السوريين.

لكن ما يصعق مها هو اللامبالاة حيال ما حصل ويستمر في الساحل من “أبناء الثورة” التي تنتمي إليها، باستثناء حالات قليلة، لا بل رصدت على وسائل التواصل خطاباً مجرد من الإنسانية كمنشور يعود الى طبيبة سورية جاء فيه “شلعوا أرحام العلويات”.

برأي مها، خطاب الكراهية هذا مع عدم وجود خطوات ملموسة للمحاسبة، يدفع العلويين الى التجمع سواء في الداخل أو في الخارج. على المستوى الشخصي، تقدم نفسها كسورية وترفض التعاون مع أطر طائفية مشابهة، لكن التخوف من مجازر وعمليات تهجير هو ما قد يجعل العلويين في الداخل (من معارضي للأسد وصامتين ومؤيدين له) عاجزين عن صياغة خطاب وطني لأن “السكين على رقبتهم” محاولين الاستفادة من إمكانية حصولهم على دعم دولي من قوى غربية تحت شعار “حماية الأقليات”.

بصفتها مشاركة في مؤتمر مانهايم الأول لدعم مناطق الساحل وحمص وحماة، الذي استضافته مدينة مانهايم الألمانية في 12 نيسان/ أبريل 2025، تحدثت ريتا (اسم مستعار) إلى “درج” لتوضيح جانب من الصورة، مشدّدة على ضرورة الفصل بين طبيعة المؤتمر المذكور من جهة والمنظمات المشاركة والتيارات والأفراد الحاضرة فيه من جهة أخرى.

إذ تتنوع نشاطات المنظمات المشاركة من الإغاثة وحقوق الإنسان إلى الإعلام والعلاقات العامة، بما فيها تلك التي تحمل في تسمياتها هوية علوية (جمعية العلويين في الولايات المتحدة الأميركية، جمعية العلويين في بريطانيا، رابطة العلويين السوريين في أوروبا، اتحاد العلويين السوريين في أوروبا)، بمعنى آخر هي منظمات مجتمع مدني وليست كيانات سياسية.

تضيف ريتا، أن الغاية الأولى من تنظيم هذا المؤتمر هي التنسيق بين النشاطات المختلفة من خلال بناء جسم تنسيقي، قد يرى فيه البعض جسماً سياسياً بصورة تلقائية لمجرد كونه مؤتمراً يعالج قضايا لها خلفياتها السياسية، لكن السياسة بمعناها التقليدي لم تكن محور المؤتمر. وتؤكد ريتا في هذا السياق، الخطاب الوطني الذي حرص المؤتمر على تصديره، فالبيان الختامي كان موجهاً أيضاً “إلى الأهل في عموم وطننا السوري بشكل عام”.

من جانب آخر، لم يدّعِ المشاركون في المؤتمر تمثيل العلويين كافة، وعليه تجنبوا طلب الحماية الدولية للعلويين في سوريا بشكل مباشر، واكتفوا بمناشدة الأسرة الدولية “اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات” للوقوف إلى جانب الضحية، بحسب البيان الختامي. وتضيف ريتا: “الهدف من المؤتمر هو توحيد الجهود والضغط لوقف المجازر بحق العلويين. من جانب آخر، تحلى المشاركون بوعي سياسي، وهم منفتحون على التواصل وبعيدون عن العصبية، وهذا هو المناخ العام الذي غلب طوال أعمال المؤتمر”.

إقرأوا أيضاً:

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
22.04.2025
زمن القراءة: 11 minutes

تقدّم “التجمع الفرنسي – العلوي”، ممثلاً بالمحامي بيدرو أندوجار، بدعوى أمام النيابة العامة في باريس بتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2025 ضد أحمد الشرع وعدد من الشخصيات في السلطة السورية الحالية،

كان واضحاً التباين في أوساط السوريين حيال الدعوى القضائية التي تقدّم بها “التجمع الفرنسي – العلوي”، ممثلاً بالمحامي بيدرو أندوجار، أمام النيابة العامة في باريس بتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2025 ضد أحمد الشرع وعدد من الشخصيات في السلطة السورية الحالية، بتهم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي “بحق أبناء الطائفة العلوية”. تباين يعود إلى الانقسام السياسي والاجتماعي الحاد الذي تشهده سوريا وما يترتب عليه من تعدّد للسرديات والتنافس على المظلومية.

الشق الحقوقي

استناداً إلى البيان الصادر عن التجمع الفرنسي – العلوي، أتت هذه الخطوة “في أعقاب عمليات القتل والاعتقالات التي بدأت منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، لا سيما المجازر التي وقعت في 6، 7، 8 و9 آذار/ مارس 2025، والتي شهدت هجمات مروّعة شنّتها فرق من الجيش السوري الجديد (الفرقة 25) والأمن العام وميليشيات موالية للحكومة، استهدفت عمداً مدنيين من الطائفة العلوية وعائلات مسيحية وسنية سعت الى حمايتهم”.

البيان اتّهم أحمد الشرع بإصدار توجيهات لإعلان حالة النفير العام ضد الطائفة العلوية وعدم إصدار أي أوامر لوقف المجازر على رغم علمه بها وبوحشيّتها، سلوك يعد تحريضاً مباشراً على ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وفقاً لما ذكره البيان.

بصفتها ممثلة عن اللجنة القانونية، أشارت أستاذة القانون الدولي والناشطة في مجال حقوق الإنسان لينا طبال، الى أن التجمع الفرنسي – العلوي تقدّم بهذه الدعوى بصفته “الممثل القانوني والمدني لضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في الساحل السوري”.

وفقاً لحديثها إلى “درج”، أوضحت الدكتورة لينا طبال أنه لا يُشترط في جريمة الإبادة الجماعية استهداف “كل الشعب”. بالإمكان تصنيف جريمة ما على أنها إبادة جماعية حتى لو استهدفت قرية واحدة أو مجموعة محلية فقط، طالما الاستهداف قائم على هوية الجماعة (الدينية، العرقية …). على سبيل المثال، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا استهداف مجموعة من التوتسي في كنيسة واحدة إبادة جماعية، على رغم أن عددهم كان بضع مئات فقط.

بحسب طبال، ما قُدِّم إلى النيابة العامة الفرنسية باسم التجمع الفرنسي – العلوي يتجاوز حدود البلاغ، هو “ملف مكتمل الأركان” يتضمن شهادات ووقائع موثّقة وفقاً للمعايير القانونية والرسمية. ولفتت إلى أنهم ينتظرون قرار النيابة العامة تعيين قاضي تحقيق لبدء الإجراءات القضائية والتي قد تقود، في حال تثبيت التهم، إلى ملاحقات قضائية بحق المسؤولين عن هذه الجرائم.

الدعوى لا تزال في مراحلها التحضيرية الأولية، والتي قد تستغرق بين أشهر عدة وعام، وهي مرحلة تسبق تحويل الملف إلى قاضي التحقيق، تحقيق يمتد الى سنوات عدة بعد ذلك، لا سيما في القضايا المعقدة مثل جرائم الإبادة والتطهير العرقي، قبل الوصول إلى مرحلة المحاكمة أو الحفظ. مسار طويل لا يلغي الأثر القانوني الفوري الذي يترتب على تسجيل الدعوى، والمتمثل بإمكانية التوقيف والتبليغ ومنع الإفلات من العقاب داخل الأراضي الفرنسية.

منذ لحظة وضع ملف الدعوى أمام المدعي العام الفرنسي، أصبح بإمكان السلطات الفرنسية توقيف المشتبه بهم أي الرئيس أحمد الشرع وباقي المدعى عليهم، وذلك استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يخوّل القضاء الفرنسي ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الجسيمة، مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، حتى في حال وقوعها خارج الأراضي الفرنسية ومن أشخاص غير فرنسيين وضد ضحايا غير فرنسيين.

في هذا الإطار، توضح طبال، أن فتح الملف أمام النيابة العامة من شأنه إطلاق مسار قضائي رسمي، يتيح للسلطات الفرنسية التحفظ على أي من المشتبه بهم بمجرد دخولهم الأراضي الفرنسي، حتى قبل صدور مذكرات توقيف دولية رسمية.

على اعتبار أن إيمانويل ماكرون كان أول زعيم غربي يبادر إلى التواصل المباشر مع الشرع، وبالنظر إلى الانفتاح الغربي على النظام السوري الحالي، لم يعد مستبعداً حضور تلك الشخصيات إلى فرنسا. للتذكير، شارك وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني في المؤتمر الدولي بشأن سوريا، الذي استضافته باريس في شباط/ فبراير الفائت.

بالتالي، بوسع السلطات الفرنسية توقيف أي من المشتبه بهم مع إبقائهم رهن الاعتقال الاحترازي، خطوة من شأنها تسريع التحقيق إذا ما تمت، وفقاً لحديث لينا طبال إلى “درج”.

في هذا الإطار، من الضروري التوقف عند القيود السياسية التي فرضتها فرنسا، ما يقيد تفعيل الولاية القضائية العالمية داخل محاكمها، مسألة أثارتها منظمات وشخصيات حقوقية.

 أبرز ما يمكن ذكره هو اشتراط إقامة المشتبه بهم في فرنسا وليس مجرد الوجود على أراضيها، ما قد يسمح للمشتبه بهم بدخول فرنسا من دون الخشية من توقيفهم. شرط حرم السوريين من ملاحقة شخصيات من نظام الأسد أمام المحاكم الفرنسية، لتقتصر الدعاوى على عوائل الضحايا من مزدوجي الجنسية استناداً إلى مبدأ الاختصاص الإقليمي الموسّع. منظمة العفو الدولية طالبت بتصحيح هذا الوضع وإزالة كل العوائق لأن الولاية القضائية العالمية تعد الملاذ الأخير للضحايا لعجزهم عن إطلاق يد العدالة على أراضي الدولة التي شهدت الجرائم.

التشكيك السياسي

مقابل حق الضحايا بالعدالة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر الدعوى، لا سيما في أوساط السوريين المعارضين لبشار الأسد.

تفاوتت المواقف والعبارات المستخدمة، بين من اكتفى بطلب الاستفسار عن هوية التجمع وطبيعته، ومن أبدى “القرف من هذه المجموعة التي شردت الملايين وقتلتهم”، إلى جانب اتهامهم بتهويل أعداد الضحايا والتشبيح والعمل المخابراتي والسكوت عن جرائم نظام الأسد، واستنكار الهوية الطائفية للتجمع والدعوى المقدمة، والتساؤل عن وجود دوافع سياسية، والاتهام بالارتباط سياسياً ومالياً بشخصيات محددة من نظام الأسد، ومن رأى بوجود “فارق قيمي” عبر المقارنة بين هذه الدعوى والدعاوى التي قدمت أمام المرجعيات القضائية ذاتها ضد نظام الأسد بصفتهم ضحايا سوريين وليس ضحايا من السنة. ولم تخلُ التعليقات والمنشورات من التحريض الطائفي عبر إشارة البعض إلى “المظلومية السنية” خلال حكم آل الأسد.

كما تعرّض آخرون للقيّمين على التجمّع، من ضمنهم لينا طبال، بعد رصدهم مواقف سياسية عبروا عنها، إن في وسائل الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي، في مسعى الى إضعاف موقفهم بعدما صنفوا هذه المواقف في خانة الانحياز الى نظام الأسد وحلفائه.

شرارة التشكيك والهجوم تكمن في تسمية التجمع وفحوى الدعوى وطبيعة أنشطته وتحركاته: فقد قدم نفسه باسم “التجمع الفرنسي – العلوي”، مشدداً على الخطر المتربّص بالعلويين السوريين وما تعرضوا له في آذار/ مارس الماضي من جرائم، ودعوته إلى الاعتصام أمام قصر العدل في باريس بتاريخ 12 نيسان/ أبريل 2025 مع رفع شعارات محددة وفقاً لنص الدعوة: (“أوقفوا الإبادة الجماعية للعلويين في سوريا”، “العدالة لضحايا الإبادة من العلويين”، “نعم لحماية دولية للعلويين”). تصدير الهوية العلوية على هذا النحو دفع تلقائياً للربط بينهم وبين نظام الأسد واعتبارهم من أنصاره، في ترجمة عملية لفرز سياسي على أسس طائفية، لا سيما أن مناوئي الأسد يتبنون سردية خاصة مفادها سعي “فلول النظام” الى الانقلاب على الحكم الجديد.

وما ضاعف من هذه الحجة، بخاصة في أوساط الجالية السورية في فرنسا، هو الربط بين التجمع والوقفة التضامنية التي نظمت في باريس في 16 آذار/ مارس التي شارك فيها الشاعر أدونيس. وفقاً للمعترضين، كانت الوقفة للتنديد بالضحايا المدنيين من الساحل فقط من دون أي إشارة الى العسكريين الذين سقطوا على يد “فلول النظام”. كما أن انتشار صور الوقفة على وسائل التواصل الاجتماعي أتاح التعرف على أحد المنظمين، وهو من الذين اعتدوا قبل سنوات على معارضين لبشار الأسد في أوروبا.

علاوة على ذلك، استناداً إلى حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي يتّضح أن التجمع الفرنسي – العلوي حديث التأسيس. يضاف إلى ذلك بروز تجمعات مشابهة في الفترة ذاتها كرابطة السوريين العلويين في المهجر بحسب حسابها على فايسبوك (تختلف التسمية وفقاً للموقع الالكتروني)، ما طرح تساؤلات حول وجود نية في الذهاب أبعد من الدعوى.

التشكيك والهجوم على التجمّع بمختلف أشكاله، دلّا على وجود شريحة من السوريين رفضت مقاربة المسألة من زاوية حقوقية، إما انحيازاً منها الى أحمد الشرع أو معارضة مطلقة لبشار الأسد وكل ما قد يمت إليه بصلة.

ترفض لينا طبال تصنيف الدعوى في خانة المحاكمة السياسية، مؤكدة وجود فائض من الأدلة توثّق ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في الساحل السوري وتسمح بتوجيه أصابع الاتهام لأحمد الشرع الذي تصفه بالرئيس الفعلي للسلطة الحالية: “الهدف هي محاكمته على الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات الفرنسي وليس على خياراته السياسية”.

على رغم تعرّضها للهجوم، لم تبدِ لينا طبال حماسة في الخوض في هذا السجال تجنباً لحرف القضية عن مسارها الحقوقي: فمواقفها السياسية لا تلزم التجمع، إلى جانب عدم خلطها بين قناعاتها الشخصية والمقاربة الحقوقية للملفات التي لا يختلف عليها اثنان (الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين، الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، إخلال إسرائيل باتفاقية جنيف الرابعة، جرائم الحرب في قطاع غزة…). في أحد مقالاتها، وصفت بشار الأسد “بالديكتاتور المفضل”، مقال كان أحد مداخل الهجوم عليها، عن ذلك تجيب “يهاجمونني لأنني قلت ‘المفضل’، ويتجاهلون أنني قلت قبله ‘الديكتاتور’ كأن الإدانة في التفضيل، لا في الديكتاتورية نفسها، وكأننا لم ندفع ثمن صمتنا عنه بالدم والشتات. وفقاً للينا طبال التي تستغرب الاجتزاء: “مجرد وصفه بالديكتاتور دليل على عدم انحيازي إليه ونوع من النقد الذاتي للجميع بما فيه أطياف المعارضة كافة بعد سقوطه”.

من جانب آخر، نفت الدكتورة طبال في حديثها إلى “درج” الصبغة الطائفية للتجمع المذكور. وفقاً لها، هو تجمع علماني – اجتماعي تتنوّع خلفيات أعضائه، إذ يجمع أفراداً من جنسيات مختلفة (عرب وفرنسيين) وبانتماءات متعددة: “التجمع يوثق الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت في الساحل السوري ضد المدنيين في سوريا، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو العقائدية، نحن لا ندافع عن العلويين لأنهم علويون، بل لأنهم يُذبحون بصفتهم علويين”.

 تضيف الحقوقية اللبنانية أن رفع شعارات مثل “حماية العلويين” ليس للدفاع عن طائفة ضد طائفة، بل للدفاع عن مجموعة سكانية تتعرض لخطر التطهير العرقي، مستحضرة دفاع العالم عن الإيزيديين والروهينغا والأرمن، والبوسنيين….

وعليه، لا ترى لينا طبال في الدفاع عن العلويين اليوم محاولة للتمييز، بل ضرورة قانونية وواقعية لتوصيف طبيعة الانتهاكات، كما جرت العادة في توثيق الجرائم الموجهة ضد جماعات محددة الهوية من دون اعتباره تسييساً للحق أو تطييفاً للعدالة: “هو دفاع عن مدنيين عزل، عن الحق في الحياة، وعن مبدأ عدم الإفلات من العقاب، كما نصت عليه الأعراف والمعاهدات الدولية… فالحق في الحياة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب يشكلان الأساس الذي تقوم عليه مشروعية أي منظومة قضائية، ما يقتضي تفعيل آليات المساءلة القضائية، وضمان الوصول إلى الحقيقة والإنصاف”.

تتوسّع المحامية اللبنانية في إجابتها، موضحة أنها عضو في اللجنة الدولية للدفاع عن الأسير مروان البرغوثي، وشاركت في العمل على ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بالتعاون مع منظمة العفو الدولية، إلى جانب مشاركتها في إعداد ملفات قانونية تتعلق بملاحقة عدد من المسؤولين الإسرائيليين أمام القضاء الدولي، من بينهم رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون ووزير الدفاع الأسبق شاوول موفاز ورئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو، في إطار السعي الى مساءلتهم عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. طوال مسيرتها المهنية كانوا عرضة للانتقاد ولطلب تبرير أي خطوة، بالتالي هناك دائماً مجال للتصويب على رغم أن الغاية انحصرت في ملاحقة من ينتهك الكرامة الانسانية، وفقاً لها.

الخلاصة التي تطرحها لينا طبال، أن الإشارة إلى الطائفة هي آلية توصيف قانونية تساهم في إثبات البنية الجرمية لجرائم الإبادة والتطهير العرقي، وتجاهل هذا التوصيف خشية من التأويلات السياسية، هو تراجع عن المبادئ الحقوقية، ورضوخ غير مبرر أمام الابتزاز الرمزي الذي يعطل مسار العدالة.

وتختم حديثها إلى “درج” بالإشارة الى الكثير من الجمعيات والمنظمات الأوروبية والأميركية ذات الطابع الحقوقي، والتي تحمل في تسميتها ما يدل على هوية الفئة التي تدافع عنها: SOS Chrétiens d’Orient ، Muslim Aid ، Christian Aid ، Black Lives Matter، Jewish Voice for Peace، Assyrian Aid Society، مستطردة أنها غير معنية بطبيعة أنشطة هذه الجمعيات والمنظمات أو حتى علامات استفهام التي تحوم حولها، هي مجرد أمثلة للإشارة الى أن هذا الشكل من المنظمات مألوف جداً.

تفهّم من معارضي الأسد

مقابل الهجوم على التجمع، عبر عدد آخر من معارضي نظام الأسد عن تفهمهم للشكل الذي اتخذته هذه خطوة. صحيح أنهم قد لا يتفقون مع التجمع على المدى المتوسط والبعيد، بخاصة إذا أظهروا خطاباً طائفياً وتوجهاً سياسياً ما، لكن الخطاب الحالي ليس خارج السياق على ضوء الإبادة التي يتعرض لها العلويون، ليعتبر بعضهم أن الأولوية القصوى هي حماية العلويين بصفتهم فئة مستضعفة تتعرض للإبادة ولا مشكلة في تبني خطاب مباشر.

 في هذا السياق، وقّع عدد منهم على بيان صدر في 17 نيسان/ أبريل، وحمل عنوان “في إدانة المجازر والانتهاكات بحق العلويين-ات السوريين-ات”.

تتحفظ مها عن ذكر هويتها الحقيقية ومكان إقامتها وطبيعة عملها حرصاً على سلامتها الشخصية وسلامة أسرتها. هي معارضة للأسد ومن منطقة الساحل، ما يجعلها على تماس ميداني بما يحصل منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.

تتمسك بسرد مسار الأحداث منذ سقوط بشار الأسد، مشيرة إلى سلسلة من الانتهاكات تعرض لها العلويون بصفتهم علويين: قتل على يد الفصائل، إذلال على الحواجز، فصل تعسفي من الوظائف. توضح مها في هذا السياق أن سكان الساحل، بمن فيهم العلويون، استبشروا خيراً بأحمد الشرع لمعاناتهم مع النظام الساقط، بدليل عدم مقاومتهم لهم وتسليم البعض سلاحهم إلى هيئة تحرير الشام. 

تصل مها إلى ما حدث في آذار/ مارس الماضي، لا تنكر تعرض دورية للأمن العام إلى كمين على يد “فلول النظام” ولا هجومهم على المخافر، وهي أمور مدانة وتستدعي المحاسبة، لكن ردة الفعل كانت غير متّسقة: إعلان النفير العام ونداءات الجهاد في الجوامع التي أدت إلى زحف المدنيين المسلحين وإرسال فصائل أجنبية إلى جانب الحمزات والعمشات. بحسب مها، قضية الفلول انتهت في غضون ساعات، لكن القتل استمر لثلاثة أيام وشارك فيه أيضاً عناصر من الأمن العام بعدما شهدت خلالها منطقة الساحل عمليات قتل وحشية وحالات اغتصاب وخطف وكأننا أمام تكرار لسيناريو 2011 الذي ارتكبه بشار الأسد بحق السوريين.

لكن ما يصعق مها هو اللامبالاة حيال ما حصل ويستمر في الساحل من “أبناء الثورة” التي تنتمي إليها، باستثناء حالات قليلة، لا بل رصدت على وسائل التواصل خطاباً مجرد من الإنسانية كمنشور يعود الى طبيبة سورية جاء فيه “شلعوا أرحام العلويات”.

برأي مها، خطاب الكراهية هذا مع عدم وجود خطوات ملموسة للمحاسبة، يدفع العلويين الى التجمع سواء في الداخل أو في الخارج. على المستوى الشخصي، تقدم نفسها كسورية وترفض التعاون مع أطر طائفية مشابهة، لكن التخوف من مجازر وعمليات تهجير هو ما قد يجعل العلويين في الداخل (من معارضي للأسد وصامتين ومؤيدين له) عاجزين عن صياغة خطاب وطني لأن “السكين على رقبتهم” محاولين الاستفادة من إمكانية حصولهم على دعم دولي من قوى غربية تحت شعار “حماية الأقليات”.

بصفتها مشاركة في مؤتمر مانهايم الأول لدعم مناطق الساحل وحمص وحماة، الذي استضافته مدينة مانهايم الألمانية في 12 نيسان/ أبريل 2025، تحدثت ريتا (اسم مستعار) إلى “درج” لتوضيح جانب من الصورة، مشدّدة على ضرورة الفصل بين طبيعة المؤتمر المذكور من جهة والمنظمات المشاركة والتيارات والأفراد الحاضرة فيه من جهة أخرى.

إذ تتنوع نشاطات المنظمات المشاركة من الإغاثة وحقوق الإنسان إلى الإعلام والعلاقات العامة، بما فيها تلك التي تحمل في تسمياتها هوية علوية (جمعية العلويين في الولايات المتحدة الأميركية، جمعية العلويين في بريطانيا، رابطة العلويين السوريين في أوروبا، اتحاد العلويين السوريين في أوروبا)، بمعنى آخر هي منظمات مجتمع مدني وليست كيانات سياسية.

تضيف ريتا، أن الغاية الأولى من تنظيم هذا المؤتمر هي التنسيق بين النشاطات المختلفة من خلال بناء جسم تنسيقي، قد يرى فيه البعض جسماً سياسياً بصورة تلقائية لمجرد كونه مؤتمراً يعالج قضايا لها خلفياتها السياسية، لكن السياسة بمعناها التقليدي لم تكن محور المؤتمر. وتؤكد ريتا في هذا السياق، الخطاب الوطني الذي حرص المؤتمر على تصديره، فالبيان الختامي كان موجهاً أيضاً “إلى الأهل في عموم وطننا السوري بشكل عام”.

من جانب آخر، لم يدّعِ المشاركون في المؤتمر تمثيل العلويين كافة، وعليه تجنبوا طلب الحماية الدولية للعلويين في سوريا بشكل مباشر، واكتفوا بمناشدة الأسرة الدولية “اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات” للوقوف إلى جانب الضحية، بحسب البيان الختامي. وتضيف ريتا: “الهدف من المؤتمر هو توحيد الجهود والضغط لوقف المجازر بحق العلويين. من جانب آخر، تحلى المشاركون بوعي سياسي، وهم منفتحون على التواصل وبعيدون عن العصبية، وهذا هو المناخ العام الذي غلب طوال أعمال المؤتمر”.

إقرأوا أيضاً:

22.04.2025
زمن القراءة: 11 minutes
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية