أن تحصل على وظيفة في القطاع العام في الأردن، يعني أنك ستظل تشغلها مدى الحياة، ما لم تكن رئيس الوزراء. خرج آلاف الأردنيين منذ 30 مايو/ أيار للاحتجاج على خفض الدعم والضرائب الجديدة التي خططت لها حكومة هاني الملقي. حاول الملك عبد الله استرضاء الجماهير بإلغاء الزيادة على أسعار الوقود والكهرباء. وعندما فشل ذلك أقال الملقي، ليصبح سادس رئيس وزراء يفقد وظيفته منذ عام 2011.
لن يفتقد الملقي سوى القليل من الأردنيين، فهو سياسي قليل الخبرة. ولكن يمكن القول إنه كان أبرز رئيس وزراء إصلاحي في البلاد. كانت المملكة تميل نحو التأزم قبل توليه منصبه عام 2016، إذ ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 62 في المئة عام 2011 إلى 93 في المئة بعد أربع سنوات. وقام الملقي بوقف هذا الانحدار من خلال زيادة العائدات وخفض دعم الطاقة. واستقرت نسبة الديون عند 95 في المئة. كما تسلمت الحكومة قرضاً بقيمة 723 مليون دولار من صندوق النقد الدولي مقابل وعود بإجراء المزيد من الإصلاحات.
ولكن هذه التغييرات تأخرت كثيراً. تتصرف المملكة الأردنية وكأنها دولة خليجية غنية بالنفط، بإعانات سخية وقطاع عام يوظف واحداً من كل ثلاثة عمال، إلا أنها تفتقر إلى الموارد الطبيعية. النمو الاقتصادي في العام الماضي كان بنسبة 2 في المئة فقط. ويرجع ذلك إلى الحروب في سوريا والعراق التي أضرت بالمصدّرين الأردنيين، إضافة إلى الركود الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، كما أن هذه الاضطرابات الإقليمية أدت إلى تقليل نسبة السياح.
لم يعد بإمكان الأردن الاعتماد على سخاء الخليج، كما حدث عندما حصل على خمسة مليارات دولار في الأيام الأولى من الربيع العربي عام 2011. يقول ديبلوماسي غربي: “السعودية أبقت الاقتصاد الأردني على قدميه”. لكن السعوديين مستاؤون من تردد الأردن في إرسال قواتها إلى اليمن ورفضها الانضمام إلى الحظر المفروض على قطر، لذلك فإنهم لم يقدموا ريالاً منذ عام 2016. وعلى رغم أن أميركا ستمنح الأردن 6.4 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة، بزيادة قدرها 28 في المئة عن دفعة المساعدات الأخيرة، فإن ذلك لن يملأ الفراغ”.
يريد صندوق النقد الدولي أن يخفض الأردن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 77 في المئة بحلول عام 2022. ويأمل المسؤولون بتحقيق ذلك من خلال النمو الاقتصادي. لكن معدل النمو ظل ثابتاً عند نسبة 3 في المئة أو أقل منذ عام 2010، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبقى كذلك حتى عام 2022.
وبدلاً من ذلك، سيحتاج الأردن إلى الموازنة، ولكن هذا سيضر بالشعب الذي يعاني بالفعل. حيث يعيش واحد من كل خمسة أردنيين تحت خط الفقر الرسمي البالغ 70 ديناراً (99 دولاراً) شهرياً. من الصعب العيش في أي مكان في الأردن، وبخاصة في العاصمة عمان حيث تزداد تكلفة المعيشة. أحد الشعارات الاحتجاجية هو “معناش” وهي مجرد مبالغة طفيفة.
يحصل الأردنيون الأشد فقراً على المساعدة من صندوق المعونة الوطنية، وهي هيئة تديرها الدولة وتقوم بمساعدة 92500 أسرة. وجدت دراسة حديثة أن معظم المستفيدين من هذه المعونات يحصلون على أقل من 50 ديناراً كل شهر. كما قدمت الميزانية الأخيرة خطة جديدة لحوالات نقدية بقيمة 250 مليون دولار سوف تغطي موظفي القطاع العام الذين تقل مرتباتهم عن 18000 دينار في السنة، والأردنيين الآخرين ممن يتقاضون الحد الأدنى من الدخل، وسيحصل المستفيدون في المتوسط على 30 ديناراً شهرياً. تنفق الرعاية الإجتماعية في الأردن جزءاً كبيراً على إعانات غير فعالة، لكن قطع تلك الإعانات سيثير الغضب. كما ارتفعت أسعار الوقود خمس مرات هذا العام، وارتفعت معدلات الكهرباء بنسبة 55 في المئة، ووصلت أسعار الخبز إلى الضعف تقريباً في يناير/ كانون الثاني.
تثير ضريبة الدخل المقترحة القلق لدى الطبقة الوسطى في الأردن. وعلى رغم الجدل الذي سبّبه، فإن مشروع القانون الذي تتم مناقشته في البرلمان، متواضع للغاية. حيث سينخفض الحد الأدنى للدخل الخاضع للضريبة من 12000 إلى 8000 دينار في السنة للأفراد ومن 24000 إلى 16000 للعائلات. ولا تزال هذه الاستثناءات سخية في بلد يصل متوسط الرواتب فيه إلى نحو 5400 دينار. يراهن النواب على أن مشروع القانون سيوسع القاعدة الضريبية من 3 إلى 10 في المئة من السكان، وسيجمع 300 مليون دينار سنوياً وهو مبلغ متواضع. لكن نقابات العمّال تقول إن ذلك سيضر بالأعضاء، وشارك كثيرون منهم في إضراب عام يوم 6 حزيران.
أمر الملك عبد الله الحكومة الجديدة بمراجعة النظام الضريبي بأكمله. لكن رئيس الوزراء الجديد، عمر الرزاز، وهو اقتصادي سابق عمل في البنك الدولي، لن تكون لديه مساحة كافية للمناورة. لا يمكن أن يتراجع الأردن عن الإصلاحات المالية، ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من الاضطرابات. إذ تطالب جبهة العمل الإسلامي، الجناح المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، بانتخابات مبكرة، كما ردد عدد من المتظاهرين شعارات ضد الملكية.
لعقود من الزمن، كان بوسع القادة الأردنيين الاعتماد على الحلفاء الأثرياء لدفع ثمن السياسات الاقتصادية قصيرة النظر، والآن حان وقت الحساب.
هذا المقال مترجم عن موقع economist ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي