fbpx

مناقصة “مشبوهة” بمرفأ بيروت: شركة فرنسيّة تُنافس نفسها وتفوز بالتزكيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتتبع هذا التحقيق شركة CMA-CGM الفرنسيّة، المملوكة لعائلة سعادة، والشبهات والمخالفات في المناقصة التي سوّق لها بشكل سري وغير مباشر بخصوص مرفأ بيروت .

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إيسمار لطيف وجميل صالح ومجموعة من الصحافيين اللبنانيين

في الرابع من آب/أغسطس 2020، دُمّر مرفأ بيروت جراء انفجار هو الأضخم من نوعه في تاريخ لبنان، وما زالت آثاره باقية حتى اليوم. بدأ الحديث عن إعادة إعمار مرفأ بيروت بعد مرور شهرين تقريباً على الجريمة؛ إلّا أن هذه الخطوة -التي كانت من المفترض أن تُحيي هذا المرفأ العام المُدمّر بفعل التفجير- تحوّلت من نعمة منتظرة إلى “نقمة خفيّة”، تمّت بالاتفاق بين الأطراف السياسيّة من جهة والإدارية والوزاريّة من جهة أخرى، ضمن دفتر شروط وُضِع لمصلحة جهة واحدة فقط، هي شركة CMA-CGM الفرنسيّة، المملوكة لرجل الأعمال اللبناني الفرنسي رودولف سعادة. 

المجموعة الفرنسيّة مملوكة لعائلة سعادة، المعروفة بقربها من الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، الذي زار مرفأ بيروت رفقة رودولف سعادة، لتفقد الأضرار مباشرة بعد الانفجار، وتتخذ المجموعة من بيروت مقراً لمكتبها الإقليمي، مع الإشارة إلى أن هذا المكتب يغطّي أعمالها في السعودية وسوريا والعراق ومصر والسودان والأردن وقبرص واليونان، وتُدير المجموعة أيضاً محطات الحاويات في مرفأي بيروت وطرابلس، كمساهم وحيد في الشركتين المشغِّلتين.

ووفقاً لمعلومات البحث، التي تُشير إلى أنّ الشركة (ومقرّها الأساسيّ في مارسيليا الفرنسيّة)، تقدّمت عبر مناقصة عامّة سُوّق لها بشكلّ سريّ وغير مباشر، على عكس التصريحات التي أدلى بها وزير الأشغال العامة والنقل علي حميّة، ومدير عام المرفأ عمر عيتاني. وبخلاف ما يشترط القانون اللبنانيّ، لم يُسوق إعلامياً أو إعلانياً لهذه المناقصة؛ ما يُعدّ المخالفة الأولى التي سجلتها الشركة بعيداً عن تفاصيل العقد. 

هل خرقت الشركة الفرنسية القانون ؟

خلال المراحل الأولى من التحضيرات للمناقصة، التي شملت وضع دفتر شروط جديد، تمّت الاستعانة بفريق عمل مختصّ من فرنسا وألمانيا، وضع لمساته القانونيّة والإداريّة بالتنسيق مع هيئة الشراء العام اللبنانيّة، لصياغة دفتر الشروط بشكل منصف وعادل وشفّاف؛ يتوافق مع الميثاق الدوليّ للتبادل التجاريّ والشراء العام. 

بالنسبة إلى جان العليّة، وهو رئيس هيئة الشراء العام، الذي طُلب منه بقرار وزاريّ “إبداء الرأيّ” بدفتر الشروط، يرى أن الدفتر -الذي تمّ العمل عليه بالتعاون مع الجهات الفرنسيّة- يضمن حقّ كلّ الأطراف المتقدّمة. ويُشير العليّة في سياق حديثه، إلى أن مرفأ بيروت لا يخضع للتفتيش المركزيّ مباشرة؛ إذ له قانون إداريّ خاص، وهيئة داخلية تُنظّم شؤونه بشكل منفصل عن باقي الإدارات العامّة، الشركة الفرنسيّة حازت عقد إعادة تشغيل مرفأ الحاويات فقط لا غير؛ وبالتالي لا علاقة لها بأيّ قسم آخر من مرفأ بيروت.

 وهذا ما تمّ تأكيده بعد المعاينة الشخصيّة من داخل المرفأ من قبل فريق عمل التحقيق. غير أن العليّة لم يقصد بكلامه آلية التطبيق المعتمدة؛ ما يطرح تساؤلاً عن مدى التزام الشركة الفرنسيّة بتطبيق الشروط المنصوص عليها في دفتر الشروط، أم أنها خرقت القانون، وبالتالي استُبعدت الشركات الأخرى قسراً.

يشير العليّة إلى أن مناقصة الحاويات في مرفأ بيروت لم تتمّ في هيئة الشراء العام بل في لجنة المرفأ، حيث إنّ القانون لا يُلزم وزير الأشغال بأخذ رأي هيئة المناقصات (المادة 113)، ووفقاً للنظام المالي العام لمرفأ بيروت؛ يحقّ لوزارة الأشغال عدم أخذ رأي هيئة الشراء العام، بسبب وجود نظام داخليّ للمرفأ، يحدّ من ملاحقة هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة (الرقابة المسبقة فقط). 

رواية التفتيش المركزي تشير إلى أنّه بعد الانتهاء من تدقيق العقد ودفتر الشروط، أبرقت هيئة الشراء العام ملاحظاتها حول عقد الشركة الفرنسيّة لتعديلها، بما يتوافق مع المصلحة العامة والتوازن المالي للدولة اللبنانيّة؛ لكن لم تتلقَ هيئة الشراء أيّ ردّ قانونيّ أو وثيقة رسميّة تؤكّد تنفيذ هذه التعديلات؛ ما يضع علامة استفهام حول الاتفاقيّة التي وُقعت آنذاك، والتي استحوذت بموجبها CMA- CGM على المناقصة. 

يؤكد العليّة أنّه في حال  ثبُت أن الشركة لم تُصحّح الأخطاء التقنيّة الواردة في دفتر الشروط، لا بدّ من رفض طلبها وإعادة إجراء المناقصة، وإذا لم يتقدّم مستثمرون جدد لسبب أو لآخر؛ تراعي الهيئة المصلحة العامة، التي تقتضي تشغيل الحاويات، فيُعدّل دفتر الشروط مرّة أخرى بعد الإعلان عن ذلك، لإتاحة فرصة المشاركة والمنافسة لباقي الشركات أيضاً، بعيداً عن الاحتكار (هذه العملية موثقّة قانونياً ويجب العمل بها حتّى في حالات الطوارئ)، وفق العليّة.

قانونياً، لا يحقّ لأيّ جهة قبول مناقصة “ناقصة” أو “غير مستوفية للشروط” لعدم وجود شركة منافسة أخرى، وهنا يُلجأ عادة إلى طرق قانونيّة أخرى ويُعاد النظر في الشروط، ويُعلن عن مناقصة أخرى. 

يجب مراجعة الإيرادات لتحديد ما إذا كانت تتوافق مع التوازن العقدي؛ أيّ ما إذا كانت تحقّق الربح المالي للدولة ويسمح للمستثمر باستعادة أمواله مع نسبة ربحيّة معقولة، مع العلم بأن المادة 46 الفقرة الثانية من قانون الشراء العام، تسمح بالذهاب نحو الاتفاق بالتراضي بين الدولة وإحدى الشركات لإلزامها بإعادة تشغيل قسم من أيّ مرفق حيوي أو كامله، من دون الحاجة إلى الإعلان عن المناقصة، وذلك في حال عدم وجود المقوّمات المطلوبة إلّا عند مستثمر محدّد، وهي نيّة بالتعاقد يُعلن عنها على موقع الهيئة

إشكالية “آل حميّة”

وزير الأشغال على حمية، المعروف بقربه من “جهة سياسيّة معيّنة” لطالما جاهر به علناً، يرى أن “العقد الذي وُقّع مع الشركة الفرنسيّة سيُدخل إلى خزينة الدولة 20 مليون دولار من المبلغ الذي ستسدّده CMA-CGM عن فترة سنتين من أصل 33 مليون دولار”، معتبراً أنّ “العقد خطوة مهمة لترسيخ مبدأ خدمة أفضل وبتكلفة أقل”.

وفي آذار/مارس 2023، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعيّ، بصور تُظهر توظيف عدد كبير من “آل حمية” في الشركة الفرنسيّة، بمقرّها في بيروت. لكنّ اللافت في الأمر، هو حذف سجّل عملهم في الشركة، بعد تلك الحملة الإلكترونيّة، وخلال ساعات قليلة فقط.

بالتحرِّي عن CMA-CGM ومالكيها، تبيّن لنا وفقاً لشهادة مهندسين مختصّين، أنّ “شركة سعادة” قامت بشراء شركة Gulftainer التي كان يملكها الرئيس نجيب ميقاتي وأنطوان عماطوري، اللذان قاما ببيعها لصالح شركة CMA- CGM عام 2021، قبل موعد المناقصة، أيّ أنّه فعلياً كانت الشركة الفرنسيّة تنافس نفسها في المناقصة (الشركة الفرنسيّة مسجلّة بشكل قانونيّ في لبنان، وبالتالي تعمل شركة Gulftainer تحت خانتها التجاريّة من دون تسجيل رسميّ وهو ما يُتيحه القانون اللبناني؛ وبناء عليه حرصنا على زيارة السجل التجاريّ في طرابلس للتأكّد من هذه النقطة، وتبيّن لنا أن Gulftainer مسجلّة في دبي، وبالتالي ليس لها سجلات تجاريّة في لبنان). 

وتظلّ مجموعة CMA-CGM من أكثر الشركات حظاً فيما يتعلق بالاستحواذ على المناقصات والعقود في الحكومة اللبنانيّة الحاليّة “لأسباب مجهولة”؛ إذ تقوم الشركة الفرنسيّة بسلسلة نشاطات في مختلف القطاعات اللبنانية، بهدف الاستثمار وبأسعار منخفضة جداً، مقارنة بباقي العروض؛ ما يُقصي المنافسين ويمنع من وصول شركات أخرى لهذه المناقصات، لتتحوّل “المنافسة العادلة” المنصوص عليها قانوناً إلى أخرى يسودها “الاحتكار”. 

آخر ما حاولت الشركة الفرنسية امتلاكه كان قطاع البريد، فلقد فاز تحالف شركتَي Colis Privé وMerit Invest -تملك CMA-CGM إحداهما- في آذار/مارس 2023 بعقد تلزيم شركة “ليبان بوست”، واستلمت قطاع الخدمات والمنتجات البريدية في لبنان من  “ميقاتي”، بمزايدة شكّكت هيئة إدارة المناقصات في أمرها، لا سيّما أن التحالف المذكور كان المتقدّم الوحيد للمناقصة؛ ما يُفقدها مبدأيْ الشفافيّة والتنافس.

أخطاء جوهريّة

من جهته، أكّد الرئيس العام لمرفأ بيروت عمر عيتاني في حديث مع فريق عمل التحقيق، بأن شركة CMA-CGM ربحت المناقصة لأنّها الأرخص مقارنة بالشركة السابقة، التي كانت تدير الحاويات لمدّة 15 سنة، حيث انتهى عقد الأخيرة قبل تفجير المرفأ، لافتاً إلى أن الشركة الفرنسيّة استحوذت على عقد التشغيل مقابل 11 دولاراً فقط، أيّ بأقلّ من ربع تكلفة الشركة السابقة. 

واستناداً إلى الأرقام التي قدّمها عيتاني، لا بدّ من طرح بعض الأسئلة المنطقيّة: كيف ستتمكّنCMA- CGM من تسديد المستحقات الوزاريّة بهذه التكلفة الضئيلة جداً؟ وما وجه استفادة لبنان اقتصادياً من استحواذ الشركة على نسبة ربح تصل إلى 80% وفقاً لتصريح عيتاني مقابل 20% فقط لخزينة الدولة؟أرسل فريق عمل التحقيق نسخة من عقد الشركة الفرنسيّة CMA-CGM إلى مهندسين مختصّين عملوا على الملف لإبداء الرأي به، وتحديد الأخطاء الجوهرية التي يتضمنها؛ فجاء ردهم على النحو الآتي:

 1- الدفع للمشغل الدوليّ بالليرة اللبنانية، خمسون بالمئة 50% بحسب منصة المصرف المركزي. وخمسون بالمئة 50% بالليرة اللبنانية. علماً أن شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت تستوفي جميع الرسوم بالدولار الأميركي؛ ما يُقصي أي مشغل دوليّ.

2- الصفحة رقم 10، البند 14، يتضمن بناء هنغار جديد، من دون ذكر أيّة مواصفات أو مساحة أو الغرض من بنائه، وبالتالي كيف سيتم تسعيره؟!

3- الصفحة رقم 13، الفقرة 7، تتضمن “صيانة وإصلاح المرافق والمعدّات المعتمدة من GEPB، مع الحفاظ على جميع المكونات في أفضل حالاتها وشروط أداء فعالة”. وبالتالي ما التكلفة المتوقعة ومن يحدّدها؟!

4- الصفحة 16 الصيانة: “يتعيّن على المشغل دفع تكاليف صيانة المعدّات لشركة السيّد أنطوان إيميل عماطوري (aea)، المتعاقد مع إدارة مرفأ بيروت لصيانة جميع المعدّات”. علماً أنه هو نفسه مالك شركة Gulftainer التي شاركت في المناقصة، وهذا يعد تضارباً واضحاً في المصالح.

5- صفحة 17، “تحتفظ GEPB بالحقّ في مطالبة المشغل بتشغيل وصيانة المرسى، اعتبارًا من عام 2022 فصاعداً مقابل رسوم إضافية، يتم الاتفاق عليها بشكل متبادل “. ويبقى السؤال: هل سيتم تلزيم المشغل؟ وبأيّة تعرفة؟

 6- الصفحة 18، بند 3.1.1، هنالك عدم وضوح فيما يخصّ الشركات الأربع المتعاقدة بالباطن (Subcontractors) مع المشغل الحالي BCTC، حول ماهية وشروط عملها، وتكاليفها، كي يتمكن المشغل من معاودة التفاوض معها. 

7- الصفحة 21، الفقرة 3.15، الحسم 35% على حركة نقل البضائع العابرة بالبحر (Transshipment) غير منطقي وغير قابل للتنفيذ، وله تأثير سلبي للغاية في إيرادات المرفأ؛ إذ أن الحد الأقصى للربح لأيّ مشغل في العالم لا يتجاوز الـ 15%. كما أن شركة  CMA-CGM هي أكبر شركة مستخدمة للشحن العابر بحراً من خلال مرفأ بيروت؛ لذا ستكون إدارة مرفأ بيروت هي الخاسر الأكبر لحركة الشحن بحراً عبر المرفأ.

8-الصفحة 23، الفقرة 4.2، النقطة 5: “على المُشغل المشترك في المناقصة الإقرار بعدم وجود تضارب في المصالح بهذه المناقصة، وألا يسعى المشغل حاضراً أو مستقبلاً -بشكل غير قانوني- إلى التأثير في قرارات إدارة مرفأ بيروت في اختيار المشغل، وإلا أصبحوا غير مؤهلين للمشاركة في المناقصة”. لذا، فإن كلاً من CMA-CGM  وGulftainer المملوكين من قبل CMA-CGM لديهما تضارب مباشر في المصالح. 

9-الصفحة 26، النقطة 16، من بنود التأهيل للمناقصة: “أن يكون حجم أعمال المشغل مليوني حاوية نمطية سنوياً، وأن يكون ضمنها 300 ألف حاوية عابرة بحراً من مرفأ واحد”. وهذا غير منطقي لمشغل لديه مليونا حاوية نمطية؛ ما يؤدّي إلى استبعاد مشغلين معنيين. 

 10- تنصّ الصفحة 38 على أن يدفع المشغل بالليرة اللبنانية قائمة بمصاريفه؛ بما في ذلك الأجور والنقل إلخ… وتُدفع رواتب التأمين الطبي وجميع التأمينات في لبنان بالدولار الأميركي، وليس لدى GEPB الحقّ في إجبار أيّ مشغل دوليّ بدفع أجوره وتكاليفه بالليرة اللبنانية، وهذا ما يحدث حالياً بقصد إبعاد أيّ مشغل ميناء دولي مهتم.

يبدو واضحاً أن مجموعة CMA-CGM تستعد للاستثمار في لبنان على نطاق واسع ولمدّة طويلة، كما تُشير بعض وسائل الإعلام  إلى أن الشركة الفرنسيّة بصدد إعداد خطط لشراء أسهم شركة طيران الشرق الأوسط MEA، خاصة بعد اندماجها في مجال النقل الجويّ مع شركة Air France، وتتطلع أيضاً إلى الاستثمار في مشروع توسعة المطار وإنشاء مبنى جديد للمسافرين “terminal 2″، بعد تعليق العقد الذي وقعته وزارة الأشغال مؤخراً مع شركة LAT. 

فيما ذكرت جريدة “المدن” الإلكترونيّة في تقرير سابق لها، بأنّ الشركة الفرنسيّة حاولت شراء صحيفة لوريان لوجور، ولكن رُفض طلبها.

أين العقد ؟

انطلاقاً من حقّ الردّ المنصوص عليه قانوناً في الإعلام، تواصلنا مع الشركة الفرنسيّة CMA-CGM بمقرها الرئيسي بمدينة مارسيليا بفرنسا، أخبرنا مسؤولي الشركة بما توصل إليه التحقيق، وبناء عليه طلبنا منهم توضيح بعض النقاط؛ إلا أن الشركة لم تزودنا “بالعقد” موضع التحقيق، وفقاً لحقّ الوصول إلى المعلومات، مع العلم أن هذا الإجراء يُخالف القوانين الفرنسيّة واللبنانيّة -المستمدّة منها- على حدّ سواء. 

وبالرجوع إلى مضمون الردّ، أشارت الشركة الفرنسيّة إلى أنّها “أُسّست في لبنان منذ أكثر من 40 عاماً وهي تخدم مصالح الدولة ولا علاقة لها بالأحزاب أو المناحرات السياسيّة كما يدّعي البعض، ولا تتأثر بالأجواء العامة الاقتصادية كما ينظر إليها سائر اللبنانيين، وأنّها استحوذت على العقد بصورة قانونيّة كسائر العقود الأخرى التي تعمل بموجبها” .

هنا تحديداً استوقفتنا بعض النقاط، فمثلاً أشادت الشركة بتاريخها المؤسّساتي وإنجازاتها، واسترسلت بالشرح إجابة عن الأسئلة التي تدور في هذا الإطار؛ غير أنّها اكتفت بالتعليق الموجز على قضية الرابع من آب/أغسطس (تاريخ انفجار مرفأ بيروت)، والعقد “المشبوه” من دون الخوض في التفاصيل.

أما عن توظيف أقارب وأصدقاء وزير الأشغال علي حمية في الشركة الفرنسيّة بفرعها في بيروت، طلبنا من الشركة الفرنسيّة، تزويدنا بأسماء هؤلاء الأشخاص، لمعرفة مدى صحة الاتهامات عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ من عدمها؛ غير أنّها رفضت هذا الأمر، وأوضحت “حرفياً” في البريد الإلكترونيّ “ألا علاقة لها بأيّ انتماء/ توجه سياسيّ أو مذهبي لموظفيها؛ إذ عادة لا تتدخل بهذه الأمور، وأنّ آلية التوظيف والقبول موحدة بفروعها حول العالم، وتتمّ وفقاً لكفاءة الأشخاص وليس لأيّ غاية أخرى” . 

وبسؤالنا عن امتلاكها شركة Gulftainer، فأكّدت الشركة الفرنسية أنّها “لم تقم بشرائها بشكل كامل؛ ولكنّها امتلكت حصصاً بها”؛ ما يؤكد ما توصلنا إليه من وقوع المخالفة القانونية، في أن الشركة كانت تُنافس نفسها، بامتلاكها حصصاً في شركة Gulftainer.

عند سؤال الشركة عن سبب تملّك CMA-CGM غالبية المرافئ العامة والمؤسّسات في لبنان بشكل مفاجئ -الأمر الذي يُثير ريبة هيئة الشراء العام- مع العلم أنّها لم تكن تستوفي الشروط كافة في بعض الأحيان، فأجابت الشركة أنّها “تعتمد على ركيزتين متينَتين، هما النقل والخدمات اللوجستية. ويُعدّ الفوز بعقد إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت جزءاً من استراتيجية مجموعة CMA CGM لتطوير أعمالها في المحطات مع دعم نمو وكفاءة خطوط الشحن الخاصة بها. وبصفتها لاعباً عالمياً في الحلول البحرية والبرية والجوية واللوجستية، تكمل مجموعة CMA CGM حلولها اللوجستية الشاملة، لدعم سلسلة التوريد لعملائها من خلال دمج خدمات الميل الأخير؛ وبالتالي تسعى إلى توسيع خبرتها العالمية في هذا المجال، لا سيّما في لبنان. وفي هذا الصدد، تشارك CMA CGM في المناقصة العامة الجارية بهدف اختيار مشغل جديد للقطاع البريدي في لبنان”. وهنا ننوّه إلى أن العقد أُبطل لعدم مطابقته شروط هيئة الشراء العام.

وما لفت انتباهنا بشكل كبير، هو تصريح الشركة بأنّها لم تتسلم أيّ طلب من “جمعية الشفافية الدولية- لبنان” بشأن الحصول على نسخة من عقد مرفأ بيروت؛ مع العلم أن الجمعية تواصلت معها مرتين، لكنّ الشركة تحجّجت بعدة أمور، لعلّ أبرزها عدّم استلامها الطلب من قبل “ليبان بوست”.

شفافية الشركة الفرنسيّة محط المساءلة

في هذا التحقيق، ننشر نسخاً من الطلبَين اللذين تمّ إرسالهما، مع العلم بأن الجمعية أرسلت طلباً ثالثاً للشركة الفرنسيّة، ولكن هذه المرّة عن طريق كاتب العدل؛ وبالتالي كان لديها مهلة 15 يوماً لتردّ بالرفض أو القبول، استناداً إلى نصّ قانون حق الوصول إلى المعلومات، وفي حال الرفض، عليها تبرير موقفها بصورة معقولة. إلّا أنّ CMA-CGM لم تفعل ذلك، مكتفية بالتعليق على أن “كلّ ما يتعلّق بنشاط مرفأ بيروت يُنشر بصورة دورية على منصة المرفأ الإلكترونية، وأنّ لا يوجد دافع واضح لكشف أوراقها للجمعية”، مع العلم أنّ هذه الخطوة منافية للقانون وتُثير التساؤلات حول شفافية الشركة الفرنسية.

من جهته، أكّد رئيس الجمعية جوليان كورسون أنّه في صدد اللجوء إلى مجلس شورى الدولة لتبيان الحقيقة ومراجعة الوثائق متسلحاً بالمواد القانونية، ووفقاً للمادة 28/2017 (حقّ الوصول إلى المعلومات)، وتحديداً المادة 3 (أ) من القانون، التي حدّدت المستند الإداري الذي يمكن طلبه من الإدارة بجميع المستندات الخطيّة والإلكترونيّة والتسجيلات الصوتيّة، المرئيّة والبصريّة والصور وكلّ المستندات القابلة للقراءة بصورة آلية مهما كان شكلها أو مواصفاتها التي تحتفظ بها الإدارة بمعزل عمّا إذا كانت ملكاً لها أو صادرة عنها أو إذا كانت فريقاً فيه.

وبعد دراسة رد الشركة على تساؤلات فريق التحقيق، تبيّن أنّها لم تستحوذ على المناقصة بشكل قانونيّ وشفّاف؛ بل بطرق “مشبوهة” تطرح عدة تساؤلات، من بينها: ما سبب إصرار وزارة الأشغال على تلزيم CMA-CGM دون غيرها حصراً مناقصة الحاويات، وسط استبعاد الشركات الأخرى التي تقدّمت مثل الألمانيّة والإسبانيّة؟ وما الخسائر التي تترتب على لبنان اقتصادياً جرّاء هذا العقد؟ ولماذا سمحت وزارة الأشغال باستكمال المناقصة مع سابق المعرفة بأن CMA-CGM تمتلك حصصاً في Gulftainer؟

للإجابة عن كلّ هذه الأسئلة، وبما أن وزارة الأشغال اللبنانيّة هي الجهة القانونية التي بإمكانها توضيح كلّ ما ذُكر سابقاً، أرسلنا للوزارة بريداً إلكترونياً، بتاريخ 30 آب/أغسطس 2023؛ إلّا أنّنا لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.

يتتبع هذا التحقيق شركة CMA-CGM الفرنسيّة، المملوكة لعائلة سعادة، والشبهات والمخالفات في المناقصة التي سوّق لها بشكل سري وغير مباشر بخصوص مرفأ بيروت .

إيسمار لطيف وجميل صالح ومجموعة من الصحافيين اللبنانيين

في الرابع من آب/أغسطس 2020، دُمّر مرفأ بيروت جراء انفجار هو الأضخم من نوعه في تاريخ لبنان، وما زالت آثاره باقية حتى اليوم. بدأ الحديث عن إعادة إعمار مرفأ بيروت بعد مرور شهرين تقريباً على الجريمة؛ إلّا أن هذه الخطوة -التي كانت من المفترض أن تُحيي هذا المرفأ العام المُدمّر بفعل التفجير- تحوّلت من نعمة منتظرة إلى “نقمة خفيّة”، تمّت بالاتفاق بين الأطراف السياسيّة من جهة والإدارية والوزاريّة من جهة أخرى، ضمن دفتر شروط وُضِع لمصلحة جهة واحدة فقط، هي شركة CMA-CGM الفرنسيّة، المملوكة لرجل الأعمال اللبناني الفرنسي رودولف سعادة. 

المجموعة الفرنسيّة مملوكة لعائلة سعادة، المعروفة بقربها من الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، الذي زار مرفأ بيروت رفقة رودولف سعادة، لتفقد الأضرار مباشرة بعد الانفجار، وتتخذ المجموعة من بيروت مقراً لمكتبها الإقليمي، مع الإشارة إلى أن هذا المكتب يغطّي أعمالها في السعودية وسوريا والعراق ومصر والسودان والأردن وقبرص واليونان، وتُدير المجموعة أيضاً محطات الحاويات في مرفأي بيروت وطرابلس، كمساهم وحيد في الشركتين المشغِّلتين.

ووفقاً لمعلومات البحث، التي تُشير إلى أنّ الشركة (ومقرّها الأساسيّ في مارسيليا الفرنسيّة)، تقدّمت عبر مناقصة عامّة سُوّق لها بشكلّ سريّ وغير مباشر، على عكس التصريحات التي أدلى بها وزير الأشغال العامة والنقل علي حميّة، ومدير عام المرفأ عمر عيتاني. وبخلاف ما يشترط القانون اللبنانيّ، لم يُسوق إعلامياً أو إعلانياً لهذه المناقصة؛ ما يُعدّ المخالفة الأولى التي سجلتها الشركة بعيداً عن تفاصيل العقد. 

هل خرقت الشركة الفرنسية القانون ؟

خلال المراحل الأولى من التحضيرات للمناقصة، التي شملت وضع دفتر شروط جديد، تمّت الاستعانة بفريق عمل مختصّ من فرنسا وألمانيا، وضع لمساته القانونيّة والإداريّة بالتنسيق مع هيئة الشراء العام اللبنانيّة، لصياغة دفتر الشروط بشكل منصف وعادل وشفّاف؛ يتوافق مع الميثاق الدوليّ للتبادل التجاريّ والشراء العام. 

بالنسبة إلى جان العليّة، وهو رئيس هيئة الشراء العام، الذي طُلب منه بقرار وزاريّ “إبداء الرأيّ” بدفتر الشروط، يرى أن الدفتر -الذي تمّ العمل عليه بالتعاون مع الجهات الفرنسيّة- يضمن حقّ كلّ الأطراف المتقدّمة. ويُشير العليّة في سياق حديثه، إلى أن مرفأ بيروت لا يخضع للتفتيش المركزيّ مباشرة؛ إذ له قانون إداريّ خاص، وهيئة داخلية تُنظّم شؤونه بشكل منفصل عن باقي الإدارات العامّة، الشركة الفرنسيّة حازت عقد إعادة تشغيل مرفأ الحاويات فقط لا غير؛ وبالتالي لا علاقة لها بأيّ قسم آخر من مرفأ بيروت.

 وهذا ما تمّ تأكيده بعد المعاينة الشخصيّة من داخل المرفأ من قبل فريق عمل التحقيق. غير أن العليّة لم يقصد بكلامه آلية التطبيق المعتمدة؛ ما يطرح تساؤلاً عن مدى التزام الشركة الفرنسيّة بتطبيق الشروط المنصوص عليها في دفتر الشروط، أم أنها خرقت القانون، وبالتالي استُبعدت الشركات الأخرى قسراً.

يشير العليّة إلى أن مناقصة الحاويات في مرفأ بيروت لم تتمّ في هيئة الشراء العام بل في لجنة المرفأ، حيث إنّ القانون لا يُلزم وزير الأشغال بأخذ رأي هيئة المناقصات (المادة 113)، ووفقاً للنظام المالي العام لمرفأ بيروت؛ يحقّ لوزارة الأشغال عدم أخذ رأي هيئة الشراء العام، بسبب وجود نظام داخليّ للمرفأ، يحدّ من ملاحقة هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة (الرقابة المسبقة فقط). 

رواية التفتيش المركزي تشير إلى أنّه بعد الانتهاء من تدقيق العقد ودفتر الشروط، أبرقت هيئة الشراء العام ملاحظاتها حول عقد الشركة الفرنسيّة لتعديلها، بما يتوافق مع المصلحة العامة والتوازن المالي للدولة اللبنانيّة؛ لكن لم تتلقَ هيئة الشراء أيّ ردّ قانونيّ أو وثيقة رسميّة تؤكّد تنفيذ هذه التعديلات؛ ما يضع علامة استفهام حول الاتفاقيّة التي وُقعت آنذاك، والتي استحوذت بموجبها CMA- CGM على المناقصة. 

يؤكد العليّة أنّه في حال  ثبُت أن الشركة لم تُصحّح الأخطاء التقنيّة الواردة في دفتر الشروط، لا بدّ من رفض طلبها وإعادة إجراء المناقصة، وإذا لم يتقدّم مستثمرون جدد لسبب أو لآخر؛ تراعي الهيئة المصلحة العامة، التي تقتضي تشغيل الحاويات، فيُعدّل دفتر الشروط مرّة أخرى بعد الإعلان عن ذلك، لإتاحة فرصة المشاركة والمنافسة لباقي الشركات أيضاً، بعيداً عن الاحتكار (هذه العملية موثقّة قانونياً ويجب العمل بها حتّى في حالات الطوارئ)، وفق العليّة.

قانونياً، لا يحقّ لأيّ جهة قبول مناقصة “ناقصة” أو “غير مستوفية للشروط” لعدم وجود شركة منافسة أخرى، وهنا يُلجأ عادة إلى طرق قانونيّة أخرى ويُعاد النظر في الشروط، ويُعلن عن مناقصة أخرى. 

يجب مراجعة الإيرادات لتحديد ما إذا كانت تتوافق مع التوازن العقدي؛ أيّ ما إذا كانت تحقّق الربح المالي للدولة ويسمح للمستثمر باستعادة أمواله مع نسبة ربحيّة معقولة، مع العلم بأن المادة 46 الفقرة الثانية من قانون الشراء العام، تسمح بالذهاب نحو الاتفاق بالتراضي بين الدولة وإحدى الشركات لإلزامها بإعادة تشغيل قسم من أيّ مرفق حيوي أو كامله، من دون الحاجة إلى الإعلان عن المناقصة، وذلك في حال عدم وجود المقوّمات المطلوبة إلّا عند مستثمر محدّد، وهي نيّة بالتعاقد يُعلن عنها على موقع الهيئة

إشكالية “آل حميّة”

وزير الأشغال على حمية، المعروف بقربه من “جهة سياسيّة معيّنة” لطالما جاهر به علناً، يرى أن “العقد الذي وُقّع مع الشركة الفرنسيّة سيُدخل إلى خزينة الدولة 20 مليون دولار من المبلغ الذي ستسدّده CMA-CGM عن فترة سنتين من أصل 33 مليون دولار”، معتبراً أنّ “العقد خطوة مهمة لترسيخ مبدأ خدمة أفضل وبتكلفة أقل”.

وفي آذار/مارس 2023، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعيّ، بصور تُظهر توظيف عدد كبير من “آل حمية” في الشركة الفرنسيّة، بمقرّها في بيروت. لكنّ اللافت في الأمر، هو حذف سجّل عملهم في الشركة، بعد تلك الحملة الإلكترونيّة، وخلال ساعات قليلة فقط.

بالتحرِّي عن CMA-CGM ومالكيها، تبيّن لنا وفقاً لشهادة مهندسين مختصّين، أنّ “شركة سعادة” قامت بشراء شركة Gulftainer التي كان يملكها الرئيس نجيب ميقاتي وأنطوان عماطوري، اللذان قاما ببيعها لصالح شركة CMA- CGM عام 2021، قبل موعد المناقصة، أيّ أنّه فعلياً كانت الشركة الفرنسيّة تنافس نفسها في المناقصة (الشركة الفرنسيّة مسجلّة بشكل قانونيّ في لبنان، وبالتالي تعمل شركة Gulftainer تحت خانتها التجاريّة من دون تسجيل رسميّ وهو ما يُتيحه القانون اللبناني؛ وبناء عليه حرصنا على زيارة السجل التجاريّ في طرابلس للتأكّد من هذه النقطة، وتبيّن لنا أن Gulftainer مسجلّة في دبي، وبالتالي ليس لها سجلات تجاريّة في لبنان). 

وتظلّ مجموعة CMA-CGM من أكثر الشركات حظاً فيما يتعلق بالاستحواذ على المناقصات والعقود في الحكومة اللبنانيّة الحاليّة “لأسباب مجهولة”؛ إذ تقوم الشركة الفرنسيّة بسلسلة نشاطات في مختلف القطاعات اللبنانية، بهدف الاستثمار وبأسعار منخفضة جداً، مقارنة بباقي العروض؛ ما يُقصي المنافسين ويمنع من وصول شركات أخرى لهذه المناقصات، لتتحوّل “المنافسة العادلة” المنصوص عليها قانوناً إلى أخرى يسودها “الاحتكار”. 

آخر ما حاولت الشركة الفرنسية امتلاكه كان قطاع البريد، فلقد فاز تحالف شركتَي Colis Privé وMerit Invest -تملك CMA-CGM إحداهما- في آذار/مارس 2023 بعقد تلزيم شركة “ليبان بوست”، واستلمت قطاع الخدمات والمنتجات البريدية في لبنان من  “ميقاتي”، بمزايدة شكّكت هيئة إدارة المناقصات في أمرها، لا سيّما أن التحالف المذكور كان المتقدّم الوحيد للمناقصة؛ ما يُفقدها مبدأيْ الشفافيّة والتنافس.

أخطاء جوهريّة

من جهته، أكّد الرئيس العام لمرفأ بيروت عمر عيتاني في حديث مع فريق عمل التحقيق، بأن شركة CMA-CGM ربحت المناقصة لأنّها الأرخص مقارنة بالشركة السابقة، التي كانت تدير الحاويات لمدّة 15 سنة، حيث انتهى عقد الأخيرة قبل تفجير المرفأ، لافتاً إلى أن الشركة الفرنسيّة استحوذت على عقد التشغيل مقابل 11 دولاراً فقط، أيّ بأقلّ من ربع تكلفة الشركة السابقة. 

واستناداً إلى الأرقام التي قدّمها عيتاني، لا بدّ من طرح بعض الأسئلة المنطقيّة: كيف ستتمكّنCMA- CGM من تسديد المستحقات الوزاريّة بهذه التكلفة الضئيلة جداً؟ وما وجه استفادة لبنان اقتصادياً من استحواذ الشركة على نسبة ربح تصل إلى 80% وفقاً لتصريح عيتاني مقابل 20% فقط لخزينة الدولة؟أرسل فريق عمل التحقيق نسخة من عقد الشركة الفرنسيّة CMA-CGM إلى مهندسين مختصّين عملوا على الملف لإبداء الرأي به، وتحديد الأخطاء الجوهرية التي يتضمنها؛ فجاء ردهم على النحو الآتي:

 1- الدفع للمشغل الدوليّ بالليرة اللبنانية، خمسون بالمئة 50% بحسب منصة المصرف المركزي. وخمسون بالمئة 50% بالليرة اللبنانية. علماً أن شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت تستوفي جميع الرسوم بالدولار الأميركي؛ ما يُقصي أي مشغل دوليّ.

2- الصفحة رقم 10، البند 14، يتضمن بناء هنغار جديد، من دون ذكر أيّة مواصفات أو مساحة أو الغرض من بنائه، وبالتالي كيف سيتم تسعيره؟!

3- الصفحة رقم 13، الفقرة 7، تتضمن “صيانة وإصلاح المرافق والمعدّات المعتمدة من GEPB، مع الحفاظ على جميع المكونات في أفضل حالاتها وشروط أداء فعالة”. وبالتالي ما التكلفة المتوقعة ومن يحدّدها؟!

4- الصفحة 16 الصيانة: “يتعيّن على المشغل دفع تكاليف صيانة المعدّات لشركة السيّد أنطوان إيميل عماطوري (aea)، المتعاقد مع إدارة مرفأ بيروت لصيانة جميع المعدّات”. علماً أنه هو نفسه مالك شركة Gulftainer التي شاركت في المناقصة، وهذا يعد تضارباً واضحاً في المصالح.

5- صفحة 17، “تحتفظ GEPB بالحقّ في مطالبة المشغل بتشغيل وصيانة المرسى، اعتبارًا من عام 2022 فصاعداً مقابل رسوم إضافية، يتم الاتفاق عليها بشكل متبادل “. ويبقى السؤال: هل سيتم تلزيم المشغل؟ وبأيّة تعرفة؟

 6- الصفحة 18، بند 3.1.1، هنالك عدم وضوح فيما يخصّ الشركات الأربع المتعاقدة بالباطن (Subcontractors) مع المشغل الحالي BCTC، حول ماهية وشروط عملها، وتكاليفها، كي يتمكن المشغل من معاودة التفاوض معها. 

7- الصفحة 21، الفقرة 3.15، الحسم 35% على حركة نقل البضائع العابرة بالبحر (Transshipment) غير منطقي وغير قابل للتنفيذ، وله تأثير سلبي للغاية في إيرادات المرفأ؛ إذ أن الحد الأقصى للربح لأيّ مشغل في العالم لا يتجاوز الـ 15%. كما أن شركة  CMA-CGM هي أكبر شركة مستخدمة للشحن العابر بحراً من خلال مرفأ بيروت؛ لذا ستكون إدارة مرفأ بيروت هي الخاسر الأكبر لحركة الشحن بحراً عبر المرفأ.

8-الصفحة 23، الفقرة 4.2، النقطة 5: “على المُشغل المشترك في المناقصة الإقرار بعدم وجود تضارب في المصالح بهذه المناقصة، وألا يسعى المشغل حاضراً أو مستقبلاً -بشكل غير قانوني- إلى التأثير في قرارات إدارة مرفأ بيروت في اختيار المشغل، وإلا أصبحوا غير مؤهلين للمشاركة في المناقصة”. لذا، فإن كلاً من CMA-CGM  وGulftainer المملوكين من قبل CMA-CGM لديهما تضارب مباشر في المصالح. 

9-الصفحة 26، النقطة 16، من بنود التأهيل للمناقصة: “أن يكون حجم أعمال المشغل مليوني حاوية نمطية سنوياً، وأن يكون ضمنها 300 ألف حاوية عابرة بحراً من مرفأ واحد”. وهذا غير منطقي لمشغل لديه مليونا حاوية نمطية؛ ما يؤدّي إلى استبعاد مشغلين معنيين. 

 10- تنصّ الصفحة 38 على أن يدفع المشغل بالليرة اللبنانية قائمة بمصاريفه؛ بما في ذلك الأجور والنقل إلخ… وتُدفع رواتب التأمين الطبي وجميع التأمينات في لبنان بالدولار الأميركي، وليس لدى GEPB الحقّ في إجبار أيّ مشغل دوليّ بدفع أجوره وتكاليفه بالليرة اللبنانية، وهذا ما يحدث حالياً بقصد إبعاد أيّ مشغل ميناء دولي مهتم.

يبدو واضحاً أن مجموعة CMA-CGM تستعد للاستثمار في لبنان على نطاق واسع ولمدّة طويلة، كما تُشير بعض وسائل الإعلام  إلى أن الشركة الفرنسيّة بصدد إعداد خطط لشراء أسهم شركة طيران الشرق الأوسط MEA، خاصة بعد اندماجها في مجال النقل الجويّ مع شركة Air France، وتتطلع أيضاً إلى الاستثمار في مشروع توسعة المطار وإنشاء مبنى جديد للمسافرين “terminal 2″، بعد تعليق العقد الذي وقعته وزارة الأشغال مؤخراً مع شركة LAT. 

فيما ذكرت جريدة “المدن” الإلكترونيّة في تقرير سابق لها، بأنّ الشركة الفرنسيّة حاولت شراء صحيفة لوريان لوجور، ولكن رُفض طلبها.

أين العقد ؟

انطلاقاً من حقّ الردّ المنصوص عليه قانوناً في الإعلام، تواصلنا مع الشركة الفرنسيّة CMA-CGM بمقرها الرئيسي بمدينة مارسيليا بفرنسا، أخبرنا مسؤولي الشركة بما توصل إليه التحقيق، وبناء عليه طلبنا منهم توضيح بعض النقاط؛ إلا أن الشركة لم تزودنا “بالعقد” موضع التحقيق، وفقاً لحقّ الوصول إلى المعلومات، مع العلم أن هذا الإجراء يُخالف القوانين الفرنسيّة واللبنانيّة -المستمدّة منها- على حدّ سواء. 

وبالرجوع إلى مضمون الردّ، أشارت الشركة الفرنسيّة إلى أنّها “أُسّست في لبنان منذ أكثر من 40 عاماً وهي تخدم مصالح الدولة ولا علاقة لها بالأحزاب أو المناحرات السياسيّة كما يدّعي البعض، ولا تتأثر بالأجواء العامة الاقتصادية كما ينظر إليها سائر اللبنانيين، وأنّها استحوذت على العقد بصورة قانونيّة كسائر العقود الأخرى التي تعمل بموجبها” .

هنا تحديداً استوقفتنا بعض النقاط، فمثلاً أشادت الشركة بتاريخها المؤسّساتي وإنجازاتها، واسترسلت بالشرح إجابة عن الأسئلة التي تدور في هذا الإطار؛ غير أنّها اكتفت بالتعليق الموجز على قضية الرابع من آب/أغسطس (تاريخ انفجار مرفأ بيروت)، والعقد “المشبوه” من دون الخوض في التفاصيل.

أما عن توظيف أقارب وأصدقاء وزير الأشغال علي حمية في الشركة الفرنسيّة بفرعها في بيروت، طلبنا من الشركة الفرنسيّة، تزويدنا بأسماء هؤلاء الأشخاص، لمعرفة مدى صحة الاتهامات عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ من عدمها؛ غير أنّها رفضت هذا الأمر، وأوضحت “حرفياً” في البريد الإلكترونيّ “ألا علاقة لها بأيّ انتماء/ توجه سياسيّ أو مذهبي لموظفيها؛ إذ عادة لا تتدخل بهذه الأمور، وأنّ آلية التوظيف والقبول موحدة بفروعها حول العالم، وتتمّ وفقاً لكفاءة الأشخاص وليس لأيّ غاية أخرى” . 

وبسؤالنا عن امتلاكها شركة Gulftainer، فأكّدت الشركة الفرنسية أنّها “لم تقم بشرائها بشكل كامل؛ ولكنّها امتلكت حصصاً بها”؛ ما يؤكد ما توصلنا إليه من وقوع المخالفة القانونية، في أن الشركة كانت تُنافس نفسها، بامتلاكها حصصاً في شركة Gulftainer.

عند سؤال الشركة عن سبب تملّك CMA-CGM غالبية المرافئ العامة والمؤسّسات في لبنان بشكل مفاجئ -الأمر الذي يُثير ريبة هيئة الشراء العام- مع العلم أنّها لم تكن تستوفي الشروط كافة في بعض الأحيان، فأجابت الشركة أنّها “تعتمد على ركيزتين متينَتين، هما النقل والخدمات اللوجستية. ويُعدّ الفوز بعقد إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت جزءاً من استراتيجية مجموعة CMA CGM لتطوير أعمالها في المحطات مع دعم نمو وكفاءة خطوط الشحن الخاصة بها. وبصفتها لاعباً عالمياً في الحلول البحرية والبرية والجوية واللوجستية، تكمل مجموعة CMA CGM حلولها اللوجستية الشاملة، لدعم سلسلة التوريد لعملائها من خلال دمج خدمات الميل الأخير؛ وبالتالي تسعى إلى توسيع خبرتها العالمية في هذا المجال، لا سيّما في لبنان. وفي هذا الصدد، تشارك CMA CGM في المناقصة العامة الجارية بهدف اختيار مشغل جديد للقطاع البريدي في لبنان”. وهنا ننوّه إلى أن العقد أُبطل لعدم مطابقته شروط هيئة الشراء العام.

وما لفت انتباهنا بشكل كبير، هو تصريح الشركة بأنّها لم تتسلم أيّ طلب من “جمعية الشفافية الدولية- لبنان” بشأن الحصول على نسخة من عقد مرفأ بيروت؛ مع العلم أن الجمعية تواصلت معها مرتين، لكنّ الشركة تحجّجت بعدة أمور، لعلّ أبرزها عدّم استلامها الطلب من قبل “ليبان بوست”.

شفافية الشركة الفرنسيّة محط المساءلة

في هذا التحقيق، ننشر نسخاً من الطلبَين اللذين تمّ إرسالهما، مع العلم بأن الجمعية أرسلت طلباً ثالثاً للشركة الفرنسيّة، ولكن هذه المرّة عن طريق كاتب العدل؛ وبالتالي كان لديها مهلة 15 يوماً لتردّ بالرفض أو القبول، استناداً إلى نصّ قانون حق الوصول إلى المعلومات، وفي حال الرفض، عليها تبرير موقفها بصورة معقولة. إلّا أنّ CMA-CGM لم تفعل ذلك، مكتفية بالتعليق على أن “كلّ ما يتعلّق بنشاط مرفأ بيروت يُنشر بصورة دورية على منصة المرفأ الإلكترونية، وأنّ لا يوجد دافع واضح لكشف أوراقها للجمعية”، مع العلم أنّ هذه الخطوة منافية للقانون وتُثير التساؤلات حول شفافية الشركة الفرنسية.

من جهته، أكّد رئيس الجمعية جوليان كورسون أنّه في صدد اللجوء إلى مجلس شورى الدولة لتبيان الحقيقة ومراجعة الوثائق متسلحاً بالمواد القانونية، ووفقاً للمادة 28/2017 (حقّ الوصول إلى المعلومات)، وتحديداً المادة 3 (أ) من القانون، التي حدّدت المستند الإداري الذي يمكن طلبه من الإدارة بجميع المستندات الخطيّة والإلكترونيّة والتسجيلات الصوتيّة، المرئيّة والبصريّة والصور وكلّ المستندات القابلة للقراءة بصورة آلية مهما كان شكلها أو مواصفاتها التي تحتفظ بها الإدارة بمعزل عمّا إذا كانت ملكاً لها أو صادرة عنها أو إذا كانت فريقاً فيه.

وبعد دراسة رد الشركة على تساؤلات فريق التحقيق، تبيّن أنّها لم تستحوذ على المناقصة بشكل قانونيّ وشفّاف؛ بل بطرق “مشبوهة” تطرح عدة تساؤلات، من بينها: ما سبب إصرار وزارة الأشغال على تلزيم CMA-CGM دون غيرها حصراً مناقصة الحاويات، وسط استبعاد الشركات الأخرى التي تقدّمت مثل الألمانيّة والإسبانيّة؟ وما الخسائر التي تترتب على لبنان اقتصادياً جرّاء هذا العقد؟ ولماذا سمحت وزارة الأشغال باستكمال المناقصة مع سابق المعرفة بأن CMA-CGM تمتلك حصصاً في Gulftainer؟

للإجابة عن كلّ هذه الأسئلة، وبما أن وزارة الأشغال اللبنانيّة هي الجهة القانونية التي بإمكانها توضيح كلّ ما ذُكر سابقاً، أرسلنا للوزارة بريداً إلكترونياً، بتاريخ 30 آب/أغسطس 2023؛ إلّا أنّنا لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.