fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

منظمات حقوقية: السلام في اليمن لا يتحقق من دون مطلب العدالة الانتقالية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعمل المنظمات الحقوقية في اليمن في بيئة شديدة التعقيد والخطورة، حيث تتعرض لانتهاكات متعددة من جميع أطراف النزاع في البلاد. وبعد مرور عقد من الزمن على اندلاع الحرب، لم تتوقف هذه المنظمات عن رصد وتوثيق الانتهاكات التي ترتكب ضد المدنيين، ودعم مسار السلام وتحقيق العدالة الانتقالية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

غير أن تلك الجهود تواجه صنوفاً من التهديدات والعراقيل، من أبرزها القيود المفروضة على تحركاتها، وتعرض موظفيها للاعتقال والتعذيب، وأحياناً للقتل. وهذا يعيق أي أفق لتحقيق العدالة الانتقالية كجزء من أي فرصة سلام لإنهاء الحرب في اليمن. 

تُشير تقارير حقوقية لمنظمة “سام للحقوق والحريات” العضوة في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، إلى أن العاملين في هذا المجال يواجهون تحديات خطيرة أثناء أداء مهامهم في اليمن، وهذا يُعيق بناء أساس تطبيق العدالة الانتقالية في اليمن.

ووفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن مفهوم العدالة الانتقالية يشير إلى “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة”.

ولتطبيق هذا المفهوم في اليمن، ضمن اتفاق سلام مستقبلي، فإن المنظمات الحقوقية اليمنية بحاجة إلى العمل في بيئة تضمن لها الأمن والسلامة، لأن ما توثّقه تلك المنظمات سيكون الأساس الذي تطبّق بموجبه العدالة الانتقالية في البلاد.

لكن الواقع على الأرض يقول غير ذلك، ففي مناطق سيطرة الحوثيين، تمارس السلطات قيوداً مشددة على المنظمات، بما فيها منع الوصول إلى المناطق المتضررة، وفرض عقوبات قاسية على الناشطين.

وفي مناطق أخرى، مثل التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، تقف النزاعات الداخلية والمصالح السياسية عائقاً أمام عمل هذه المنظمات، بل إنها تتعرض لتهديدات تمحو أية فرصة للتأسيس لحالة يمكن من خلالها تطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية في اليمن. 

وبرغم هذه التحديات، تسعى منظمات حقوق الإنسان إلى تمثيل صوت الضحايا والمساهمة في بناء سلام مستدام، وفي الوقت نفسه، تطالب بتعزيز العدالة الانتقالية باعتبارها خطوة حتمية نحو مستقبل أكثر استقراراً.

ويعيش اليمن منذ العام 2014 واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ يستمر الصراع الدائر بين أطراف متعددة في تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية وتهديد حقوق الإنسان الأساسية. 

وفي حين تسعى الأطراف المتنازعة لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، تبقى العدالة الانتقالية والسلام مجرد آمال بعيدة المنال بالنسبة إلى المدنيين، الذين عانوا كثيراً في ظل الانتهاكات اليومية. 

ويبرز هنا دور منظمات حقوق الإنسان الدولية في دعم جهود ضمان تطبيق العدالة الانتقالية والسلام، لكن هذه الجهود تواجه تحديات وصعوبات معقدة، خاصة أن هناك حالة من عدم الاستقرار في قنوات التواصل بين المجتمع الدولي والمدافعين عن حقوق الإنسان في اليمن. 

ومن هذا المنطلق، ركزت منظمات حقوقية عضوة في تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” على رفع الأصوات المنادية بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، على الرغم من العوائق الهيكلية والسياسية.

العدالة والسلام: هل يمكن تحقيق التوازن؟

تقول منظمة “سام للحقوق والحريات” إن تحقيق توازن فعلي بين مطلبي العدالة الانتقالية والسلام في اليمن، يُعدّ تحدياً معقداً، حيث تحتاج هذه المسألة استراتيجيات شاملة تأخذ في الاعتبار التحديات الداخلية والخارجية المحيطة بالنزاع. 

وتؤكد المنظمة أن السلام المستدام لا يمكن بناءه على حساب العدالة الانتقالية، إذ يجب احترام حقوق الضحايا والسعي إلى تعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم على مدى سنوات الحرب. 

وتؤكد منظمة “سام” أنه لا يمكن لأي اتفاق سلام أن يستثني مطلب تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، فهو الركيزة الأساسية لبناء الثقة بين الأطراف وضمان عدم تكرار الانتهاكات.

وتسلط منظمة سام الضوء على التحديات الرئيسية التي تعيق تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، واستمرار الصراع وتداخل المصالح الخارجية يُعدّ أبرز هذه التحديات، حيث يتّجه الدعم العسكري والاقتصادي نحو تأجيج الصراع بدلاً من تسويته. 

وتشير المنظمة إلى انعدام الثقة بالطبقة السياسية في اليمن، وضعف المؤسسات القضائية التي تعاني من تأثير التدخلات السياسية، مما يجعل تنفيذ برامج العدالة الانتقالية شبه مستحيل.

وتطرح “سام” وجهة نظرها حول دور المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، حيث ترى أن الضغط على الأطراف المعنية بإحالتها إلى المحكمة يمكن أن يدفعها إلى التفاوض بجدية أكبر. 

ومع ذلك، قد يخلق هذا الضغط ردود فعل سلبية، إذ تشعر الأطراف المتورطة بالجرائم بأنها في وضع حرج، مما يجعلها تتشبث بمواقفها ويزيد من تعقيد عملية السلام، وبالتالي، إفشال أية محاولات لتحقيق العدالة الانتقالية.

المجتمعات المحلية والقوى الدولية والإقليمية

وفي ظل غياب دور رسمي فعال، تقول منظمة “سام” إن المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني تلعب دوراً محورياً في تعزيز المصالحة في اليمن. إذ يمكن للناشطين المحليين ومنظمات المجتمع المدني بناء جسور التواصل بين الأطراف المتنازعة، خاصة في المناطق التي تتأثر بالنزاعات الطائفية أو القبلية. 

ويمكن لهذا التواصل أن يتم عبر ورش العمل والمبادرات المجتمعية، حيث يسهم هؤلاء في بناء الثقة وتعزيز القيم المشتركة، مما يمهد الطريق نحو سلام مستدام، ويوفر مناخاً مناسباً لا يستثنى مفاهيم العدالة الانتقالية. 

لكن لا يمكن التغاضي عن أن اليمن أصبح ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، حيث تتدخل دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، إضافة إلى السعودية والإمارات وإيران، بشكل مباشر وغير مباشر في مسار الحرب والسلام، متجاهلة مطلب العدالة الانتقالية. 

وتؤكد منظمة “سام” أن هذه التدخلات أسهمت في إطالة أمد النزاع من خلال توفير الدعم العسكري والاقتصادي للأطراف المختلفة، مما يعقد جهود السلام والعدالة الانتقالية، ويضع العراقيل أمام تحقيقها.

التحالفات.. استراتيجية فعالة لتحقيق العدالة

وفي مواجهة التحديات المتعددة، يُعتبر تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” مثالاً مهماً على دور التحالفات في الدفاع عن حقوق الإنسان في اليمن، تحقيق مطلب العدالة الانتقالية الذي ينشده اليمنيون. 

يضم التحالف 10 منظمات حقوقية يمنية، ويسعى إلى تعزيز العدالة الانتقالية والمساءلة، وهو منفتح على ضم مزيد من المنظمات الحقوقية العاملة في اليمن، من أجل تعزيز التعاون المشترك، وضمان استمرارية العمل في ظل الظروف القاسية التي يعاني منها اليمن، خاصة التهديدات التي تحيط بعمل المدافعين عن حقوق الإنسان. 

ويقول، فراس حمدوني مدير البرامج في معهد “دي تي” الداعم للتحالف، إن “التعاون بين المنظمات يُسهم في تجاوز تحديات التنسيق والتأثير على المستوى الدولي، وبالتالي الضغط من أجل مطلب العدالة الانتقالية، ليكون أساساً لأي جهد يهدف إلى تحقيق السلام”.

ويمكن للتحالف أن يساعد المنظمات اليمنية على الوصول إلى منصات دولية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مما يعزز صوتها ويزيد من تأثيرها، وبالتالي إلقاء الضوء على حاجة اليمن إلى تحقيق العدالة الانتقالية.

وعمل تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” على تعزيز مصداقية المنظمات اليمنية في الساحة الدولية، مما أتاح لها الوصول إلى منصات أوسع والحصول على فرص تمويلية مهمة. 

ويعتقد خبراء في مجال حقوق الإنسان، أن التحالفات تعتبر أداة حيوية لتحقيق تغيير حقيقي في اليمن، إذ تمكنت منظمات التحالف من رصد الانتهاكات وتقديم تقارير مشتركة حول أوضاع حقوق الإنسان، خاصة خلال جلسات الاستعراض الدوري الشامل في جنيف.

ومن أبرز إنجازات “ميثاق العدالة من أجل اليمن”، الذي يُعدّ مثالاً حياً على جهود تحقيق العدالة، تقديمه تقريراً شاملاً خلال الاستعراض الدوري الشامل لليمن في الأمم المتحدة، الذي استعرض بشكل مفصل انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الأطراف المتنازعة كلها. 

وهذا التقرير كان دليلاً على قوة التعاون بين المنظمات ودورها في جلب الاهتمام الدولي إلى اليمن. كما أنه يعد وثيقة يمكن الاستناد إليها لتحقيق العدالة الانتقالية، ومنع الجناة والمتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان من الإفلات من العقاب. 

أصوات يمنية في مجلس حقوق الإنسان

وعلى الرغم من التحديات، تبقى جهود منظمات حقوق الإنسان وتحالفاتها في اليمن، ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية والسلام، خاصة أنها نجحت من خلال تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” في إيصال الصوت إلى المجتمع الدولي.

فدعم المجتمع الدولي لهذه الجهود ضروري لضمان استدامة التقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان، وفق ما تؤكده منظمة “سام” والمنظمات الحقوقية اليمنية المنضوية في تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن”.

وخلال الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتحت البند العاشر المتعلق بتعزيز القدرات التقنية، قدمت، أنجيلا المعمري المدافعة عن حقوق الإنسان وعضوة “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، مداخلة أكدت فيها الحاجة الماسة إلى إجراءات دولية عاجلة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في اليمن.

وسلّط التحالف، الذي يضم عشر منظمات مجتمع مدني يمنية، الضوء على التدهور الحاد للوضع الحقوقي في البلاد، منتقداً تقاعس المجتمع الدولي عن التصدي للانتهاكات المستمرة. 

ودعا التحالف الدول إلى تكثيف الجهود للإفراج عن جميع المحتجزين تعسفياً، وتعزيز الدعم المقدم للمجتمع المدني، مع التشديد على أن تعزيز القدرات التقنية فقط، لا يكفي لمواجهة الأزمة.

وأكدت المعمري “أهمية إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة، تركز على المساءلة الجنائية، بهدف وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب التي تهيمن على المشهد”. 

وشددت التوصيات المقدمة على ضرورة إصدار تقارير تفصيلية عن العدالة الانتقالية من قبل الأمم المتحدة، بما يشمل مفوضية حقوق الإنسان والمبعوث الخاص، على أن تكون هذه التقارير قائمة على حقوق الإنسان وتركز على الضحايا. 

كما دعت المعمري في مداخلتها إلى “ضمان إدماج الضحايا والناجين في أي عملية سلام أو تسوية تفاوضية، مع العمل على تحقيق العدالة لهم وضمان حصولهم على التعويضات المناسبة”.

وختم التحالف مداخلته بالدعوة إلى “الالتزام بالمعايير الدولية لتحقيق العدالة والمساءلة، وإشراك الضحايا في صنع القرار، الذي يُعدّ حجر الأساس لضمان سلام مستدام في اليمن”.

تعزيز ثقافة العدالة الانتقالية

ويقع على المجتمع اليمني مهمة تعزيز ثقافة العدالة الانتقالية والمساءلة، فتحقيق السلام يتطلب معالجة جذور الصراع، وضمان العدالة للضحايا والمجتمعات المتضررة. وهذا يتطلب جهوداً تبدأ من الأفراد العاديين، وصولاً إلى المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، خاصة الناشطة في مجال ملاحقة المتورطين في تلك الانتهاكات.

وقضية اليمن اليوم هي حقوقية بامتياز، تتطلب التفافاً محلياً ودولياً حول مبادئ العدالة الانتقالية والسلام. وتحقيق هذا الهدف يحتاج إلى تكامل الجهود والتعاون الصادق بين جميع الأطراف، والعمل الحثيث على توفير بيئة تعزز من حقوق الإنسان وتدعم العدالة الانتقالية.

ويبدو مسار تحقيق العدالة الانتقالية والسلام في اليمن، والموازنة بينهما، لا يزال طويلاً ومعقداً، إلا أن جهود المنظمات الحقوقية وتحالفات المجتمع المدني، مثل تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن”، تشكل نقطة محورية في النضال الإنساني في ظل هذا النزاع المعقد.

وتسعى هذه الكيانات لرصد الانتهاكات والدفاع عن حقوق الضحايا، واضعة العدالة الانتقالية شرطاً أساسياً لتحقيق المصالحة. فالتدخلات الخارجية ومصالح الأطراف المتصارعة تعقد هذا المسار، لكن التحالفات، مثل ميثاق العدالة من أجل اليمن، تظل ركيزة للتغيير. 

واليمن اليوم بحاجة إلى التزام محلي ودولي لتجسيد هذه المطالب، وتحويلها إلى واقع يدعم مستقبلاً أكثر عدالة وسلاماً للضحايا وللأجيال القادمة.

22.01.2025
زمن القراءة: 7 minutes

تعمل المنظمات الحقوقية في اليمن في بيئة شديدة التعقيد والخطورة، حيث تتعرض لانتهاكات متعددة من جميع أطراف النزاع في البلاد. وبعد مرور عقد من الزمن على اندلاع الحرب، لم تتوقف هذه المنظمات عن رصد وتوثيق الانتهاكات التي ترتكب ضد المدنيين، ودعم مسار السلام وتحقيق العدالة الانتقالية. 

غير أن تلك الجهود تواجه صنوفاً من التهديدات والعراقيل، من أبرزها القيود المفروضة على تحركاتها، وتعرض موظفيها للاعتقال والتعذيب، وأحياناً للقتل. وهذا يعيق أي أفق لتحقيق العدالة الانتقالية كجزء من أي فرصة سلام لإنهاء الحرب في اليمن. 

تُشير تقارير حقوقية لمنظمة “سام للحقوق والحريات” العضوة في “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، إلى أن العاملين في هذا المجال يواجهون تحديات خطيرة أثناء أداء مهامهم في اليمن، وهذا يُعيق بناء أساس تطبيق العدالة الانتقالية في اليمن.

ووفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن مفهوم العدالة الانتقالية يشير إلى “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة”.

ولتطبيق هذا المفهوم في اليمن، ضمن اتفاق سلام مستقبلي، فإن المنظمات الحقوقية اليمنية بحاجة إلى العمل في بيئة تضمن لها الأمن والسلامة، لأن ما توثّقه تلك المنظمات سيكون الأساس الذي تطبّق بموجبه العدالة الانتقالية في البلاد.

لكن الواقع على الأرض يقول غير ذلك، ففي مناطق سيطرة الحوثيين، تمارس السلطات قيوداً مشددة على المنظمات، بما فيها منع الوصول إلى المناطق المتضررة، وفرض عقوبات قاسية على الناشطين.

وفي مناطق أخرى، مثل التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، تقف النزاعات الداخلية والمصالح السياسية عائقاً أمام عمل هذه المنظمات، بل إنها تتعرض لتهديدات تمحو أية فرصة للتأسيس لحالة يمكن من خلالها تطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية في اليمن. 

وبرغم هذه التحديات، تسعى منظمات حقوق الإنسان إلى تمثيل صوت الضحايا والمساهمة في بناء سلام مستدام، وفي الوقت نفسه، تطالب بتعزيز العدالة الانتقالية باعتبارها خطوة حتمية نحو مستقبل أكثر استقراراً.

ويعيش اليمن منذ العام 2014 واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ يستمر الصراع الدائر بين أطراف متعددة في تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية وتهديد حقوق الإنسان الأساسية. 

وفي حين تسعى الأطراف المتنازعة لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، تبقى العدالة الانتقالية والسلام مجرد آمال بعيدة المنال بالنسبة إلى المدنيين، الذين عانوا كثيراً في ظل الانتهاكات اليومية. 

ويبرز هنا دور منظمات حقوق الإنسان الدولية في دعم جهود ضمان تطبيق العدالة الانتقالية والسلام، لكن هذه الجهود تواجه تحديات وصعوبات معقدة، خاصة أن هناك حالة من عدم الاستقرار في قنوات التواصل بين المجتمع الدولي والمدافعين عن حقوق الإنسان في اليمن. 

ومن هذا المنطلق، ركزت منظمات حقوقية عضوة في تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” على رفع الأصوات المنادية بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، على الرغم من العوائق الهيكلية والسياسية.

العدالة والسلام: هل يمكن تحقيق التوازن؟

تقول منظمة “سام للحقوق والحريات” إن تحقيق توازن فعلي بين مطلبي العدالة الانتقالية والسلام في اليمن، يُعدّ تحدياً معقداً، حيث تحتاج هذه المسألة استراتيجيات شاملة تأخذ في الاعتبار التحديات الداخلية والخارجية المحيطة بالنزاع. 

وتؤكد المنظمة أن السلام المستدام لا يمكن بناءه على حساب العدالة الانتقالية، إذ يجب احترام حقوق الضحايا والسعي إلى تعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم على مدى سنوات الحرب. 

وتؤكد منظمة “سام” أنه لا يمكن لأي اتفاق سلام أن يستثني مطلب تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، فهو الركيزة الأساسية لبناء الثقة بين الأطراف وضمان عدم تكرار الانتهاكات.

وتسلط منظمة سام الضوء على التحديات الرئيسية التي تعيق تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، واستمرار الصراع وتداخل المصالح الخارجية يُعدّ أبرز هذه التحديات، حيث يتّجه الدعم العسكري والاقتصادي نحو تأجيج الصراع بدلاً من تسويته. 

وتشير المنظمة إلى انعدام الثقة بالطبقة السياسية في اليمن، وضعف المؤسسات القضائية التي تعاني من تأثير التدخلات السياسية، مما يجعل تنفيذ برامج العدالة الانتقالية شبه مستحيل.

وتطرح “سام” وجهة نظرها حول دور المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، حيث ترى أن الضغط على الأطراف المعنية بإحالتها إلى المحكمة يمكن أن يدفعها إلى التفاوض بجدية أكبر. 

ومع ذلك، قد يخلق هذا الضغط ردود فعل سلبية، إذ تشعر الأطراف المتورطة بالجرائم بأنها في وضع حرج، مما يجعلها تتشبث بمواقفها ويزيد من تعقيد عملية السلام، وبالتالي، إفشال أية محاولات لتحقيق العدالة الانتقالية.

المجتمعات المحلية والقوى الدولية والإقليمية

وفي ظل غياب دور رسمي فعال، تقول منظمة “سام” إن المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني تلعب دوراً محورياً في تعزيز المصالحة في اليمن. إذ يمكن للناشطين المحليين ومنظمات المجتمع المدني بناء جسور التواصل بين الأطراف المتنازعة، خاصة في المناطق التي تتأثر بالنزاعات الطائفية أو القبلية. 

ويمكن لهذا التواصل أن يتم عبر ورش العمل والمبادرات المجتمعية، حيث يسهم هؤلاء في بناء الثقة وتعزيز القيم المشتركة، مما يمهد الطريق نحو سلام مستدام، ويوفر مناخاً مناسباً لا يستثنى مفاهيم العدالة الانتقالية. 

لكن لا يمكن التغاضي عن أن اليمن أصبح ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، حيث تتدخل دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، إضافة إلى السعودية والإمارات وإيران، بشكل مباشر وغير مباشر في مسار الحرب والسلام، متجاهلة مطلب العدالة الانتقالية. 

وتؤكد منظمة “سام” أن هذه التدخلات أسهمت في إطالة أمد النزاع من خلال توفير الدعم العسكري والاقتصادي للأطراف المختلفة، مما يعقد جهود السلام والعدالة الانتقالية، ويضع العراقيل أمام تحقيقها.

التحالفات.. استراتيجية فعالة لتحقيق العدالة

وفي مواجهة التحديات المتعددة، يُعتبر تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” مثالاً مهماً على دور التحالفات في الدفاع عن حقوق الإنسان في اليمن، تحقيق مطلب العدالة الانتقالية الذي ينشده اليمنيون. 

يضم التحالف 10 منظمات حقوقية يمنية، ويسعى إلى تعزيز العدالة الانتقالية والمساءلة، وهو منفتح على ضم مزيد من المنظمات الحقوقية العاملة في اليمن، من أجل تعزيز التعاون المشترك، وضمان استمرارية العمل في ظل الظروف القاسية التي يعاني منها اليمن، خاصة التهديدات التي تحيط بعمل المدافعين عن حقوق الإنسان. 

ويقول، فراس حمدوني مدير البرامج في معهد “دي تي” الداعم للتحالف، إن “التعاون بين المنظمات يُسهم في تجاوز تحديات التنسيق والتأثير على المستوى الدولي، وبالتالي الضغط من أجل مطلب العدالة الانتقالية، ليكون أساساً لأي جهد يهدف إلى تحقيق السلام”.

ويمكن للتحالف أن يساعد المنظمات اليمنية على الوصول إلى منصات دولية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مما يعزز صوتها ويزيد من تأثيرها، وبالتالي إلقاء الضوء على حاجة اليمن إلى تحقيق العدالة الانتقالية.

وعمل تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” على تعزيز مصداقية المنظمات اليمنية في الساحة الدولية، مما أتاح لها الوصول إلى منصات أوسع والحصول على فرص تمويلية مهمة. 

ويعتقد خبراء في مجال حقوق الإنسان، أن التحالفات تعتبر أداة حيوية لتحقيق تغيير حقيقي في اليمن، إذ تمكنت منظمات التحالف من رصد الانتهاكات وتقديم تقارير مشتركة حول أوضاع حقوق الإنسان، خاصة خلال جلسات الاستعراض الدوري الشامل في جنيف.

ومن أبرز إنجازات “ميثاق العدالة من أجل اليمن”، الذي يُعدّ مثالاً حياً على جهود تحقيق العدالة، تقديمه تقريراً شاملاً خلال الاستعراض الدوري الشامل لليمن في الأمم المتحدة، الذي استعرض بشكل مفصل انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الأطراف المتنازعة كلها. 

وهذا التقرير كان دليلاً على قوة التعاون بين المنظمات ودورها في جلب الاهتمام الدولي إلى اليمن. كما أنه يعد وثيقة يمكن الاستناد إليها لتحقيق العدالة الانتقالية، ومنع الجناة والمتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان من الإفلات من العقاب. 

أصوات يمنية في مجلس حقوق الإنسان

وعلى الرغم من التحديات، تبقى جهود منظمات حقوق الإنسان وتحالفاتها في اليمن، ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية والسلام، خاصة أنها نجحت من خلال تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن” في إيصال الصوت إلى المجتمع الدولي.

فدعم المجتمع الدولي لهذه الجهود ضروري لضمان استدامة التقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان، وفق ما تؤكده منظمة “سام” والمنظمات الحقوقية اليمنية المنضوية في تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن”.

وخلال الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتحت البند العاشر المتعلق بتعزيز القدرات التقنية، قدمت، أنجيلا المعمري المدافعة عن حقوق الإنسان وعضوة “تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن”، مداخلة أكدت فيها الحاجة الماسة إلى إجراءات دولية عاجلة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في اليمن.

وسلّط التحالف، الذي يضم عشر منظمات مجتمع مدني يمنية، الضوء على التدهور الحاد للوضع الحقوقي في البلاد، منتقداً تقاعس المجتمع الدولي عن التصدي للانتهاكات المستمرة. 

ودعا التحالف الدول إلى تكثيف الجهود للإفراج عن جميع المحتجزين تعسفياً، وتعزيز الدعم المقدم للمجتمع المدني، مع التشديد على أن تعزيز القدرات التقنية فقط، لا يكفي لمواجهة الأزمة.

وأكدت المعمري “أهمية إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة، تركز على المساءلة الجنائية، بهدف وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب التي تهيمن على المشهد”. 

وشددت التوصيات المقدمة على ضرورة إصدار تقارير تفصيلية عن العدالة الانتقالية من قبل الأمم المتحدة، بما يشمل مفوضية حقوق الإنسان والمبعوث الخاص، على أن تكون هذه التقارير قائمة على حقوق الإنسان وتركز على الضحايا. 

كما دعت المعمري في مداخلتها إلى “ضمان إدماج الضحايا والناجين في أي عملية سلام أو تسوية تفاوضية، مع العمل على تحقيق العدالة لهم وضمان حصولهم على التعويضات المناسبة”.

وختم التحالف مداخلته بالدعوة إلى “الالتزام بالمعايير الدولية لتحقيق العدالة والمساءلة، وإشراك الضحايا في صنع القرار، الذي يُعدّ حجر الأساس لضمان سلام مستدام في اليمن”.

تعزيز ثقافة العدالة الانتقالية

ويقع على المجتمع اليمني مهمة تعزيز ثقافة العدالة الانتقالية والمساءلة، فتحقيق السلام يتطلب معالجة جذور الصراع، وضمان العدالة للضحايا والمجتمعات المتضررة. وهذا يتطلب جهوداً تبدأ من الأفراد العاديين، وصولاً إلى المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، خاصة الناشطة في مجال ملاحقة المتورطين في تلك الانتهاكات.

وقضية اليمن اليوم هي حقوقية بامتياز، تتطلب التفافاً محلياً ودولياً حول مبادئ العدالة الانتقالية والسلام. وتحقيق هذا الهدف يحتاج إلى تكامل الجهود والتعاون الصادق بين جميع الأطراف، والعمل الحثيث على توفير بيئة تعزز من حقوق الإنسان وتدعم العدالة الانتقالية.

ويبدو مسار تحقيق العدالة الانتقالية والسلام في اليمن، والموازنة بينهما، لا يزال طويلاً ومعقداً، إلا أن جهود المنظمات الحقوقية وتحالفات المجتمع المدني، مثل تحالف “ميثاق العدالة من أجل اليمن”، تشكل نقطة محورية في النضال الإنساني في ظل هذا النزاع المعقد.

وتسعى هذه الكيانات لرصد الانتهاكات والدفاع عن حقوق الضحايا، واضعة العدالة الانتقالية شرطاً أساسياً لتحقيق المصالحة. فالتدخلات الخارجية ومصالح الأطراف المتصارعة تعقد هذا المسار، لكن التحالفات، مثل ميثاق العدالة من أجل اليمن، تظل ركيزة للتغيير. 

واليمن اليوم بحاجة إلى التزام محلي ودولي لتجسيد هذه المطالب، وتحويلها إلى واقع يدعم مستقبلاً أكثر عدالة وسلاماً للضحايا وللأجيال القادمة.