fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

من إدلب إلى دمشق: كيف تدير حكومة تصريف الأعمال ملف المقاتلين الأجانب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع سقوط الأسد وصعود أحمد الشرع، يبرز خياران أمام الأخير للتعامل مع آلاف المقاتلين الأجانب الذين لا توجد أرقام دقيقة عن أعدادهم، وهما إما التخلي عنهم أو دمجهم في المجتمع، وينذر الخيار الأول بمواجهة عسكرية واقتتال بين هذه الفصائل. أما الثاني فقد لا ينجح على الأقل في المستقبل القريب بسبب الاختلافات الجوهرية بين الأجانب والمجتمع السوري، ويحتاج إلى جهد كبير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ بداية الثورة السورية، استعانت مختلف أطراف الصراع بمقاتلين غير سوريين، فالنظام استنجد بالإيرانيين واللبنانيين والعراقيين والأفغان والروس، ولجأ الأكراد السوريون إلى الأكراد غير السوريين، فيما دعت المعارضة إلى “الجهاد” لاستقطاب المقاتلين الأجانب.

في العقد الأخير وفي سياق نمو الحركات الجهادية ومن بينها جبهة تحرير الشام، كان دور مقاتلين من شمال أفريقيا ووسط آسيا وحتى من الغرب أساسياً في تشكيلات هذه الجماعات المسلّحة. 

بعد خلع النظام، أصدر قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع مرسوماً بترفيع نحو 49 شخصاً إلى رتب عليا في الجيش السوري، بينهم مقاتلون سوريون وضباط منشقّون.

خطوة غير قانونيّة 

أثار قرار أحمد الشرع بترقية مقاتلين أجانب انتقادات واسعة، حتى من الولايات المتحدة الأميركية التي أبدت استياءها من تعيين أجانب في المناصب العسكرية العليا، مشيرة إلى أن ذلك لن يحسّن من سمعة حكام سوريا في واشنطن. كما أثار كلّ من وزيري خارجية فرنسا وألمانيا، جان – نويل بارو وأنالينا بيربوك قضية المقاتلين الأجانب الذين تم تجنيدهم في الجيش خلال لقائهما مع الشرع في 3 كانون الثاني/ يناير بحسب رويترز.

وتبرز في هذه التعيينات مشكلتان أساسيتان، الأولى أن هؤلاء ليسوا سوريين ولم يُمنحوا الجنسية قبل ترقيتهم، والثانية أن بعضهم مصنّف إرهابياً في بلاده الأصلية وفي معظم دول العالم.

وحول قانونية الخطوة التي أقدم عليها الشرع، يقول الباحث والكاتب حسام جزماتي لـ “درج”: “قرار الشرع الأخير ليس فقط غير قانوني، بل أيضاً خطوة لم يكن ينبغي له أن يتخذها حتى لمصلحته الشخصية. فكل الخطاب المعسول الذي يقدمه للأجانب عن بناء مؤسسة جيش شاملة ووطنية لا يقصي أحداً فيها، لا يتوافق مع سلوكيات من هذا النوع”.

واعتبر جزماتي أنه كان من الأجدر بالشرع الاستفادة من ضباط الجيش السابقين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، بالإضافة إلى ضمّ الضباط المنشقين، ما سيجعل المؤسسة شاملة بمعنى الكلمة، وقال: “أن يمنح الشرع رتباً عسكرية لجهاديين يُنظر إليهم قانونياً كأجانب في القانون السوري، من دون حتى حصولهم على الجنسية، ويضعهم في مواقع قيادية داخل مؤسسة الجيش، فهذا قرار خاطئ على جميع المستويات. هذه الخطوة لا تخدم المبادئ التي يدّعي الالتزام بها، ولا مصلحته الشخصية على المدى البعيد”.

عدم قانونيّة مرسوم ترقية المقاتلين الأجانب

مع سقوط الأسد وصعود أحمد الشرع، يبرز خياران أمام الأخير للتعامل مع آلاف المقاتلين الأجانب الذين لا توجد أرقام دقيقة عن أعدادهم، وهما إما التخلي عنهم أو دمجهم في المجتمع، وينذر الخيار الأول بمواجهة عسكرية واقتتال بين هذه الفصائل. أما الثاني فقد لا ينجح على الأقل في المستقبل القريب بسبب الاختلافات الجوهرية بين الأجانب والمجتمع السوري، ويحتاج إلى جهد كبير.

ويرى جزماتي أن “مثل هذه القضايا يجب أن يدار بطريقة منظمة وقانونية. ينبغي طرح الموضوع للنقاش العام ضمن إطار قانوني واضح، مع تنظيم ملفات خاصة بالجنسيات لمعالجة الوضع بشكل منهجي. أما الطريقة الحالية التي تُدار بها الأمور، فهي فوضوية وغير مقبولة. على سبيل المثال، يتم تعيين شخص برتبة عميد في الجيش، ثم نكتشف لاحقاً أنه يحمل جنسية أوزبكية أو جنسية أخرى”.

يتابع جزماتي: “لدينا تجربة مشابهة في البوسنة، حيث شارك مقاتلون إسلاميون إلى جانب المسلمين خلال الصراع. وبعد تفكّك يوغوسلافيا، أثير نقاش حول وضعهم: هل يمكن طرد هؤلاء المقاتلين الذين اعتُبروا إخوة قاتلوا معهم؟ في النهاية، تمت معالجة الأمر من خلال نقاش عام، فتم تجنيسهم والتوصل إلى توافق بشأن وجودهم في المجتمع”.

من جهة أخرى، يبدو أن فكرة المؤسسات شديدة الاختلاف بين مدينة كإدلب وبين بلد كامل، وتطبيق تجربة إدلب على سوريا مستحيل ليس لأن إدلب مدينة صغيرة مقارنة بدولة كاملة، بل لأنها لم تخض تجربة المؤسسات بشكل عميق وحقيقي.

يعلّق جزماتي: “لم يعتد الجولاني احترام القانون في الأصل، وزاد الأمر سوءاً الآن بسبب حالة النشوة الطاغية التي يعيشها بعد الانقلاب الكبير في مكانته. فقد انتقل من كونه شخصاً معزولاً في إدلب، يواجه انتقادات من الحراك الثوري، إلى جالس في قصر الشعب بجماهيرية مفاجئة وكبيرة، إذ يُنسب إليه تحرير سوريا، وبات يُنظر إليه كقائد مؤهل. هذا التحول عزز ثقته بنفسه بشكل مفرط”.

ويرى جزماتي أن الجولاني يكرر نموذج إدلب لكنه يسعى الى توسيعه، يقول: “هو يدير المشهد من خلال أذرع تُنفذ أوامره، لا عبر مؤسسات حقيقية تلتزم بالقوانين وتعمل وفق أطر مستقرة. ما يبدو شكلياً كأنه مؤسسات منظمة ومنضبطة هو في الحقيقة خالٍ من الجوهر المؤسسي. هذه الأذرع تُصمم لتلبية احتياجاته وأوامره وقتما يشاء، لكنها تفتقر تماماً الى العقلية المؤسسية الحقيقية التي تضمن الاستقلالية والالتزام بالقانون”.

حسب تقارير رويترز وAFP، من بين من تمت ترقيتهم ألباني من مقدونيا الشمالية، وطاجيكي، وثلاثة من الإيغور الصينيين. كما تضم الترقيات شخصيات بارزة مثل مختار التركي وأبو حسين الأردني الذي عُيِّن ضابطاً، بالإضافة إلى أبو محمد التركستاني.

ومن بين المقاتلين الأجانب، يُعد الشيشان الذين ينتمون إلى منطقتي الشيشان وشمال القوقاز الأشدّ بأساً، كون المنطقتين شهدتا صراعاً طويلاً ضد الجيش الروسي. 

من جهة أخرى وعلى رغم مرور سنوات على وجودهم في سوريا، لم يندمج جميع الأجانب في المجتمع السوري، مثل الإيغور الذين أنشأوا مجتمعاً صغيراً لهم في قرى جسر الشغور في إدلب.

لماذا أقدم الشرع على هذه الخطوة في وقت مبكر؟

ما حدث من ترقيات سريعة في الرتب أثار تساؤلات حول ما إذا كان الشرع لا يرغب في أن ينقلب هؤلاء عليه، أم أنه يسعى إلى التقرب منهم.

وبحسب رامي عبد الرحمن، مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تضمنت الترقيات شخصيات من الدائرة الضيقة لأحمد الشرع، وتمّ ترفيع اثنين إلى رتبة لواء أحدهما مرهف أبو قصرة، القائد العسكري لهيئة تحرير الشام، والذي يتوقع أن يتولى وزارة الدفاع في الإدارة الجديدة. كما تمّ “ترفيع” خمسة إلى رتبة عميد، والبقية إلى رتبة عقيد.

يقول حسام جزماتي في سؤالنا عن سبب ترقية بعض المقاتلين الأجانب: “يعتمد الجولاني بالفعل على هؤلاء المقاتلين الأجانب بشكل كبير… اعتماده عليهم يأتي باعتبارهم قوة عسكرية يعتمد عليها بشدة، ولأنهم أشخاص يثق بهم، وليس بدافع رد الجميل على مشاركتهم في القتال”.

في هذا السياق، قال آرون زيلين، مؤلف كتاب “عصر الجهادية السياسية: دراسة في هيئة تحرير الشام”، لراديو “أوروبا الحرة”، إن التعيينات لا تشير إلى أن حكام سوريا الجدد بقيادة أحمد الشرع لديهم أي أجندة تتجاوز سوريا. وأضاف الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “إنها محاولة من الجولاني و”هيئة تحرير الشام” لضمان أن هؤلاء الرجال يتبعون أوامر الدولة السورية وليس لديهم نشاط مستقل الآن بعدما انتهت الحرب تقريباً”.

بهذه الطريقة يضمن الشرع ولاء هؤلاء المقاتلين من جهة وعدم عودتهم إلى بلادهم أو أوروبا من جهة أخرى، وبخاصة في ظل مخاوف البلد الأم للمقاتلين الأجانب من عودتهم واستخدام مهاراتهم القتالية ومن ضمنها صنع القنابل والمتفجرات فيها، وهذا يعود بمكاسب للشرع خارجياً وداخلياً، من دون نسيان أن سيطرته في هذه المرحلة على المقاتلين الأجانب أمر شديد الأهمية، ففي عام 2013 وخلال اجتماع للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT) ومعهد T.M.C. Asser، أشار المتحدثون إلى أن تورط المقاتلين الأجانب في الماضي لم يكن يوماً أمراً جانبياً بل أثّر بالمشهد العالمي، فمثلاً أدت الحرب السوفياتية في أفغانستان في الثمانينات إلى تأسيس تنظيم القاعدة، وساهمت حرب العراق في تأسيس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، ما يجعل من المقاتلين الأجانب ورطة حقيقية للشرع ولسوريا القادمة في حال لم تعالج قضيتهم بالطريقة الصحيحة، وبخاصة أن من بين المقاتلين من يؤمن فعلاً بالفكر الجهادي ولا تتوافق أفكاره مع أفكار الدولة واحترام الأقليات.

تجدر الإشارة إلى أن سوريا تختلف عن بلدان أخرى استقطبت مقاتلين أجانب، إذ تكسر الأنماط التقليدية لقدوم هؤلاء، فليس فقط الرجال الشباب هم من يسافرون، بل أيضاً النساء الشابات، وفي بعض الأحيان العائلات، بحسب المصدر السابق.

“داعش” الذي ينتظر في الزاوية

وسط هذه التفاهمات المعلنة وغير المعلنة، يبرز سؤال داعش باعتباره القوة المسلحة الوحيدة تقريباً التي يبدو مستحيلاً دخولها في أي تفاهمات أو نقاشات أو مساومات  مع الإدارة العسكرية الجديدة، وبخاصة بعد مقال نُشر في صحيفة النبأ التابعة للتنظيم بعنوان “سوريا الحرة وسوريا الأسد”، مؤكداً موقفه المعلن سابقاً، وهو اعتباره جميع القوى في سوريا خصوماً له، وأن الحال لم يتغير بعد وصول المعارضة إلى السلطة.
وحمل المقال نقاطاً عدة، أبرزها اعتبار ما حدث في سوريا تفاهماً دولياً بعد الهدنة في لبنان، أفضى إلى إخراج إيران من المشهد في سوريا، وإسقاط الأسد واستبداله بالمعارضة.

وأكد التنظيم أن أسباب هجماته في سوريا لم تنتفِ بسقوط الأسد، معتبراً أن الاحترام الذي أبداه قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع للأقليات، هو سبب مشروع لقتال الجميع (الأقليات وقادة سوريا الجدد)، باعتبارهم “كفاراً”.

يبرز اسم داعش مجدداً مع إعلان وزارة الداخلية السورية في الحكومة المؤقتة عن إحباط عملية تفجير كان التنظيم يخطّط لتنفيذها في مقام “السيدة زينب”.

وقال مدير الإعلام في وحدات حماية الشعب الكردية، سيامند علي، في وقت سابقٍ للحرة، إن المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا تضم 26 سجناً، ويقدر أعداد السجناء فيها بحوالى 12 ألف سجين من عناصر تنظيم داعش من جنسيات مختلفة.

تحتجز الإدارة الذاتية قرابة الـ56 ألف شخص، بينهم 30 ألف طفل في 24 منشأة احتجاز ومخيّمين هما الهول وروج في شمال شرقي سوريا.

على رغم عدم وجود مؤشرات قوية الى عودة داعش، إلا أن عناصره ما زالوا منتشرين في البادية، ويشكل خطر السجناء والمخيمات واقعاً لا يمكن تجاهله، بخاصة مع وجود 30 ألف طفل، على اعتبار نصفهم من الذكور الذين قد يصبحون قادرين على حمل السلاح بعد سنوات. إضافة إلى المقاتلين الأجانب الموالين للشرع، الذين قد لا يتفقون معه دائماً.

يتفاقم الخطر في ظل التعنت الدولي لحل هذه القضية، إذ قدمت الإدارة الذاتية مقترحاً لإنشاء محكمة دولية في آذار/ مارس 2019 وشباط/ فبراير 2020، من دون أي تطور حتى الآن. ومع غياب محكمة دولية متخصصة ومحاكمة جرائم داعش، واعتبار سوريا والعراق خارج نطاق المحكمة الجنائية الدولية، يبدو أن التدخل القضائي الدولي غير مرجح، ما يعني أن أحد أهم الملفات على مستوى العالم متروك للحظ والمصادفة.

14.01.2025
زمن القراءة: 7 minutes

مع سقوط الأسد وصعود أحمد الشرع، يبرز خياران أمام الأخير للتعامل مع آلاف المقاتلين الأجانب الذين لا توجد أرقام دقيقة عن أعدادهم، وهما إما التخلي عنهم أو دمجهم في المجتمع، وينذر الخيار الأول بمواجهة عسكرية واقتتال بين هذه الفصائل. أما الثاني فقد لا ينجح على الأقل في المستقبل القريب بسبب الاختلافات الجوهرية بين الأجانب والمجتمع السوري، ويحتاج إلى جهد كبير.

منذ بداية الثورة السورية، استعانت مختلف أطراف الصراع بمقاتلين غير سوريين، فالنظام استنجد بالإيرانيين واللبنانيين والعراقيين والأفغان والروس، ولجأ الأكراد السوريون إلى الأكراد غير السوريين، فيما دعت المعارضة إلى “الجهاد” لاستقطاب المقاتلين الأجانب.

في العقد الأخير وفي سياق نمو الحركات الجهادية ومن بينها جبهة تحرير الشام، كان دور مقاتلين من شمال أفريقيا ووسط آسيا وحتى من الغرب أساسياً في تشكيلات هذه الجماعات المسلّحة. 

بعد خلع النظام، أصدر قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع مرسوماً بترفيع نحو 49 شخصاً إلى رتب عليا في الجيش السوري، بينهم مقاتلون سوريون وضباط منشقّون.

خطوة غير قانونيّة 

أثار قرار أحمد الشرع بترقية مقاتلين أجانب انتقادات واسعة، حتى من الولايات المتحدة الأميركية التي أبدت استياءها من تعيين أجانب في المناصب العسكرية العليا، مشيرة إلى أن ذلك لن يحسّن من سمعة حكام سوريا في واشنطن. كما أثار كلّ من وزيري خارجية فرنسا وألمانيا، جان – نويل بارو وأنالينا بيربوك قضية المقاتلين الأجانب الذين تم تجنيدهم في الجيش خلال لقائهما مع الشرع في 3 كانون الثاني/ يناير بحسب رويترز.

وتبرز في هذه التعيينات مشكلتان أساسيتان، الأولى أن هؤلاء ليسوا سوريين ولم يُمنحوا الجنسية قبل ترقيتهم، والثانية أن بعضهم مصنّف إرهابياً في بلاده الأصلية وفي معظم دول العالم.

وحول قانونية الخطوة التي أقدم عليها الشرع، يقول الباحث والكاتب حسام جزماتي لـ “درج”: “قرار الشرع الأخير ليس فقط غير قانوني، بل أيضاً خطوة لم يكن ينبغي له أن يتخذها حتى لمصلحته الشخصية. فكل الخطاب المعسول الذي يقدمه للأجانب عن بناء مؤسسة جيش شاملة ووطنية لا يقصي أحداً فيها، لا يتوافق مع سلوكيات من هذا النوع”.

واعتبر جزماتي أنه كان من الأجدر بالشرع الاستفادة من ضباط الجيش السابقين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، بالإضافة إلى ضمّ الضباط المنشقين، ما سيجعل المؤسسة شاملة بمعنى الكلمة، وقال: “أن يمنح الشرع رتباً عسكرية لجهاديين يُنظر إليهم قانونياً كأجانب في القانون السوري، من دون حتى حصولهم على الجنسية، ويضعهم في مواقع قيادية داخل مؤسسة الجيش، فهذا قرار خاطئ على جميع المستويات. هذه الخطوة لا تخدم المبادئ التي يدّعي الالتزام بها، ولا مصلحته الشخصية على المدى البعيد”.

عدم قانونيّة مرسوم ترقية المقاتلين الأجانب

مع سقوط الأسد وصعود أحمد الشرع، يبرز خياران أمام الأخير للتعامل مع آلاف المقاتلين الأجانب الذين لا توجد أرقام دقيقة عن أعدادهم، وهما إما التخلي عنهم أو دمجهم في المجتمع، وينذر الخيار الأول بمواجهة عسكرية واقتتال بين هذه الفصائل. أما الثاني فقد لا ينجح على الأقل في المستقبل القريب بسبب الاختلافات الجوهرية بين الأجانب والمجتمع السوري، ويحتاج إلى جهد كبير.

ويرى جزماتي أن “مثل هذه القضايا يجب أن يدار بطريقة منظمة وقانونية. ينبغي طرح الموضوع للنقاش العام ضمن إطار قانوني واضح، مع تنظيم ملفات خاصة بالجنسيات لمعالجة الوضع بشكل منهجي. أما الطريقة الحالية التي تُدار بها الأمور، فهي فوضوية وغير مقبولة. على سبيل المثال، يتم تعيين شخص برتبة عميد في الجيش، ثم نكتشف لاحقاً أنه يحمل جنسية أوزبكية أو جنسية أخرى”.

يتابع جزماتي: “لدينا تجربة مشابهة في البوسنة، حيث شارك مقاتلون إسلاميون إلى جانب المسلمين خلال الصراع. وبعد تفكّك يوغوسلافيا، أثير نقاش حول وضعهم: هل يمكن طرد هؤلاء المقاتلين الذين اعتُبروا إخوة قاتلوا معهم؟ في النهاية، تمت معالجة الأمر من خلال نقاش عام، فتم تجنيسهم والتوصل إلى توافق بشأن وجودهم في المجتمع”.

من جهة أخرى، يبدو أن فكرة المؤسسات شديدة الاختلاف بين مدينة كإدلب وبين بلد كامل، وتطبيق تجربة إدلب على سوريا مستحيل ليس لأن إدلب مدينة صغيرة مقارنة بدولة كاملة، بل لأنها لم تخض تجربة المؤسسات بشكل عميق وحقيقي.

يعلّق جزماتي: “لم يعتد الجولاني احترام القانون في الأصل، وزاد الأمر سوءاً الآن بسبب حالة النشوة الطاغية التي يعيشها بعد الانقلاب الكبير في مكانته. فقد انتقل من كونه شخصاً معزولاً في إدلب، يواجه انتقادات من الحراك الثوري، إلى جالس في قصر الشعب بجماهيرية مفاجئة وكبيرة، إذ يُنسب إليه تحرير سوريا، وبات يُنظر إليه كقائد مؤهل. هذا التحول عزز ثقته بنفسه بشكل مفرط”.

ويرى جزماتي أن الجولاني يكرر نموذج إدلب لكنه يسعى الى توسيعه، يقول: “هو يدير المشهد من خلال أذرع تُنفذ أوامره، لا عبر مؤسسات حقيقية تلتزم بالقوانين وتعمل وفق أطر مستقرة. ما يبدو شكلياً كأنه مؤسسات منظمة ومنضبطة هو في الحقيقة خالٍ من الجوهر المؤسسي. هذه الأذرع تُصمم لتلبية احتياجاته وأوامره وقتما يشاء، لكنها تفتقر تماماً الى العقلية المؤسسية الحقيقية التي تضمن الاستقلالية والالتزام بالقانون”.

حسب تقارير رويترز وAFP، من بين من تمت ترقيتهم ألباني من مقدونيا الشمالية، وطاجيكي، وثلاثة من الإيغور الصينيين. كما تضم الترقيات شخصيات بارزة مثل مختار التركي وأبو حسين الأردني الذي عُيِّن ضابطاً، بالإضافة إلى أبو محمد التركستاني.

ومن بين المقاتلين الأجانب، يُعد الشيشان الذين ينتمون إلى منطقتي الشيشان وشمال القوقاز الأشدّ بأساً، كون المنطقتين شهدتا صراعاً طويلاً ضد الجيش الروسي. 

من جهة أخرى وعلى رغم مرور سنوات على وجودهم في سوريا، لم يندمج جميع الأجانب في المجتمع السوري، مثل الإيغور الذين أنشأوا مجتمعاً صغيراً لهم في قرى جسر الشغور في إدلب.

لماذا أقدم الشرع على هذه الخطوة في وقت مبكر؟

ما حدث من ترقيات سريعة في الرتب أثار تساؤلات حول ما إذا كان الشرع لا يرغب في أن ينقلب هؤلاء عليه، أم أنه يسعى إلى التقرب منهم.

وبحسب رامي عبد الرحمن، مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تضمنت الترقيات شخصيات من الدائرة الضيقة لأحمد الشرع، وتمّ ترفيع اثنين إلى رتبة لواء أحدهما مرهف أبو قصرة، القائد العسكري لهيئة تحرير الشام، والذي يتوقع أن يتولى وزارة الدفاع في الإدارة الجديدة. كما تمّ “ترفيع” خمسة إلى رتبة عميد، والبقية إلى رتبة عقيد.

يقول حسام جزماتي في سؤالنا عن سبب ترقية بعض المقاتلين الأجانب: “يعتمد الجولاني بالفعل على هؤلاء المقاتلين الأجانب بشكل كبير… اعتماده عليهم يأتي باعتبارهم قوة عسكرية يعتمد عليها بشدة، ولأنهم أشخاص يثق بهم، وليس بدافع رد الجميل على مشاركتهم في القتال”.

في هذا السياق، قال آرون زيلين، مؤلف كتاب “عصر الجهادية السياسية: دراسة في هيئة تحرير الشام”، لراديو “أوروبا الحرة”، إن التعيينات لا تشير إلى أن حكام سوريا الجدد بقيادة أحمد الشرع لديهم أي أجندة تتجاوز سوريا. وأضاف الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “إنها محاولة من الجولاني و”هيئة تحرير الشام” لضمان أن هؤلاء الرجال يتبعون أوامر الدولة السورية وليس لديهم نشاط مستقل الآن بعدما انتهت الحرب تقريباً”.

بهذه الطريقة يضمن الشرع ولاء هؤلاء المقاتلين من جهة وعدم عودتهم إلى بلادهم أو أوروبا من جهة أخرى، وبخاصة في ظل مخاوف البلد الأم للمقاتلين الأجانب من عودتهم واستخدام مهاراتهم القتالية ومن ضمنها صنع القنابل والمتفجرات فيها، وهذا يعود بمكاسب للشرع خارجياً وداخلياً، من دون نسيان أن سيطرته في هذه المرحلة على المقاتلين الأجانب أمر شديد الأهمية، ففي عام 2013 وخلال اجتماع للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT) ومعهد T.M.C. Asser، أشار المتحدثون إلى أن تورط المقاتلين الأجانب في الماضي لم يكن يوماً أمراً جانبياً بل أثّر بالمشهد العالمي، فمثلاً أدت الحرب السوفياتية في أفغانستان في الثمانينات إلى تأسيس تنظيم القاعدة، وساهمت حرب العراق في تأسيس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، ما يجعل من المقاتلين الأجانب ورطة حقيقية للشرع ولسوريا القادمة في حال لم تعالج قضيتهم بالطريقة الصحيحة، وبخاصة أن من بين المقاتلين من يؤمن فعلاً بالفكر الجهادي ولا تتوافق أفكاره مع أفكار الدولة واحترام الأقليات.

تجدر الإشارة إلى أن سوريا تختلف عن بلدان أخرى استقطبت مقاتلين أجانب، إذ تكسر الأنماط التقليدية لقدوم هؤلاء، فليس فقط الرجال الشباب هم من يسافرون، بل أيضاً النساء الشابات، وفي بعض الأحيان العائلات، بحسب المصدر السابق.

“داعش” الذي ينتظر في الزاوية

وسط هذه التفاهمات المعلنة وغير المعلنة، يبرز سؤال داعش باعتباره القوة المسلحة الوحيدة تقريباً التي يبدو مستحيلاً دخولها في أي تفاهمات أو نقاشات أو مساومات  مع الإدارة العسكرية الجديدة، وبخاصة بعد مقال نُشر في صحيفة النبأ التابعة للتنظيم بعنوان “سوريا الحرة وسوريا الأسد”، مؤكداً موقفه المعلن سابقاً، وهو اعتباره جميع القوى في سوريا خصوماً له، وأن الحال لم يتغير بعد وصول المعارضة إلى السلطة.
وحمل المقال نقاطاً عدة، أبرزها اعتبار ما حدث في سوريا تفاهماً دولياً بعد الهدنة في لبنان، أفضى إلى إخراج إيران من المشهد في سوريا، وإسقاط الأسد واستبداله بالمعارضة.

وأكد التنظيم أن أسباب هجماته في سوريا لم تنتفِ بسقوط الأسد، معتبراً أن الاحترام الذي أبداه قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع للأقليات، هو سبب مشروع لقتال الجميع (الأقليات وقادة سوريا الجدد)، باعتبارهم “كفاراً”.

يبرز اسم داعش مجدداً مع إعلان وزارة الداخلية السورية في الحكومة المؤقتة عن إحباط عملية تفجير كان التنظيم يخطّط لتنفيذها في مقام “السيدة زينب”.

وقال مدير الإعلام في وحدات حماية الشعب الكردية، سيامند علي، في وقت سابقٍ للحرة، إن المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا تضم 26 سجناً، ويقدر أعداد السجناء فيها بحوالى 12 ألف سجين من عناصر تنظيم داعش من جنسيات مختلفة.

تحتجز الإدارة الذاتية قرابة الـ56 ألف شخص، بينهم 30 ألف طفل في 24 منشأة احتجاز ومخيّمين هما الهول وروج في شمال شرقي سوريا.

على رغم عدم وجود مؤشرات قوية الى عودة داعش، إلا أن عناصره ما زالوا منتشرين في البادية، ويشكل خطر السجناء والمخيمات واقعاً لا يمكن تجاهله، بخاصة مع وجود 30 ألف طفل، على اعتبار نصفهم من الذكور الذين قد يصبحون قادرين على حمل السلاح بعد سنوات. إضافة إلى المقاتلين الأجانب الموالين للشرع، الذين قد لا يتفقون معه دائماً.

يتفاقم الخطر في ظل التعنت الدولي لحل هذه القضية، إذ قدمت الإدارة الذاتية مقترحاً لإنشاء محكمة دولية في آذار/ مارس 2019 وشباط/ فبراير 2020، من دون أي تطور حتى الآن. ومع غياب محكمة دولية متخصصة ومحاكمة جرائم داعش، واعتبار سوريا والعراق خارج نطاق المحكمة الجنائية الدولية، يبدو أن التدخل القضائي الدولي غير مرجح، ما يعني أن أحد أهم الملفات على مستوى العالم متروك للحظ والمصادفة.