fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“من ‘باكو’ إلى ‘بيليم’: هل يتغير المناخ الحقوقي لضمان الحق في بيئة صحية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قبل انعقاد مؤتمر الأطراف في العاصمة الأذربيجانية باكو، دعا خبراء الأمم المتحدة الدول إلى إعطاء الأولوية لحماية حقوق الإنسان، وقالوا إن “العمل المناخي الحالي والمخطط له حتى العام 2030 غير كاف لضمان مناخ آمن للبشرية، بما يتماشى مع حق الجميع في بيئة صحية”، وأضافوا إن ” الخطط الجماعية الحالية تقتصر فقط على تخفيض الانبعاثات بنسبة 2 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بعام 2019، في حين أن هناك حاجة إلى خفض بنسبة 43 في المئة لتجنب فوضى المناخ”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليل الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر”سقطت الأقنعة” في العاصمة الأذربيجانية باكو “وكشفت حكومات الدول الغنية والمتقدمة عن نواياها الحقيقية، بأنها لم تكن تنوي قط الالتزام بأي من تعهداتها بموجب اتفاقية باريس”، بحسب سانجاي فاشت مدير “شبكة العمل المناخي” في جنوب آسيا. 

تؤكد التقارير العلمية فشل مؤتمرات الأطراف المتتالية في تحقيق نتائج ملموسة للحد من التغيرات المناخية وآثارها السلبية. فعلى الرغم من التزام الدول في مؤتمر الأطراف بنسخته الواحد والعشرين “كوب 21” بالحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، أشار تقرير خدمة رصد التغير المناخي التابعة للاتحاد الأوروبي “كوبرنيكوس” إلى أن شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي شهد ارتفاعاً قدره 1.62 درجة مئوية فوق تلك المستويات. 

جاءت شعوب الجنوب إلى محادثات باكو “بحثًا عن قارب نجاة” من أزمة المناخ، لكن كل ما حصلوا عليه لم يكن سوى قطعة خشب للتشبث بها”، وفقاً لـ ماريانا باولي قائدة المناصرة العالمية في منظمة “كريستيان أيد”. ووصف هارجيت سينغ، مدير المشاركة العالمية في مبادرة معاهدة الوقود الأحفوري المفاوضات بأنها حصلت “بالإكراه Coersion” حيث قبلت الدول النامية بـ “صفقة مالية لا ترقى إلى مستوى خطورة أزمة المناخ العالمية”.

حلول زائفة تقوّض الحق في بيئة صحية

حصل ما لا يقل عن 1773 من جماعات الضغط لصالح الوقود الأحفوري و 480 من جماعات الضغط في مجال احتجاز الكربون على حق الوصول إلى قمة “كوب 29″، في حين لا تقدم هذه الحلول تقدماً فعلياً في مجال التغير المناخي، ولا تضمن تمتع شعوب العالم بحق الإنسان بالعيش في بيئة صحية. 

يشكل الوقود الأحفوري أحد أبرز أسباب ارتفاع درجات الحرارة عالمياً، إذ يمثل أكثر من 80٪ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. ريتشارد بيرشهاوس مدير البيئة وحقوق الإنسان في منظمة “هيومن رايتس ووتش” قال: “إن زيادة إنتاج الفحم والنفط والغاز تفاقم الأضرار التي تلحق بصحة الإنسان، وتؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المجتمعات المجاورة لمواقع إنتاج الوقود الأحفوري، وتسرّع من انهيار المناخ العالمي”. ويتسبب الوقود الأحفوري بتلوث الهواء، مما يضر بصحة الإنسان ويزيد من معدل الإصابة بالأمراض كالسرطان، وفقاً لتحقيق سابق لموقع “درج”. وفي سياق التأثيرات الصحية الناجمة عن التغيرات المناخية، أوضح محمد عبد المنعم عضو “لجنة تغير المناخ” لمنطقة البحر المتوسط، في مقابلة مع “درج” إنه “وبفعل التغيرات المناخية، ظهرت حشرات وأمراض جديدة لم تكن موجودة من قبل”. 

على مدى أربعة عقود، كرّس الباحثون والمدافعون عن حقوق الإنسان جهودهم لتعزيز الرابط بين حماية البيئة والحق في الصحة. وتُوّجت هذه الجهود باعتراف مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي 2021 و 2022 بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية. وأنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2021 ولاية المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغير المناخ. جاء ذلك تزامناً مع انعقاد مؤتمر الأطراف السادس والعشرين “كوب ٢٦” لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة غلاسكو في اسكتلندا، التي كانت استجابة قائمة على حقوق الإنسان لمواجهة تغير المناخ.

وقبل انعقاد مؤتمر الأطراف في العاصمة الأذربيجانية باكو،  دعا خبراء الأمم المتحدة الدول إلى إعطاء الأولوية لحماية حقوق الإنسان، وقالوا إن “العمل المناخي الحالي والمخطط له حتى العام 2030 غير كاف لضمان مناخ آمن للبشرية، بما يتماشى مع حق الجميع في بيئة صحية”، وأضافوا إن ” الخطط الجماعية الحالية تقتصر فقط على تخفيض الانبعاثات بنسبة 2 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بعام 2019، في حين أن هناك حاجة إلى خفض بنسبة 43 في المئة لتجنب فوضى المناخ”.

نجحت القمة في تسليط الضوء على التقاطع بين التغير المناخي والصحة، وتم تنظيم عدة لقاءات تناولت هذا الموضوع، حيث أطلقت منظمة الصحة العالمية تقريرها الخاص بـ “كوب 29” حول تغير المناخ والصحة، مشيرة إلى أهمية الصحة كعنصر أساسي في العمل المناخي. وكان الرابط بين التغير المناخي والصحة أحد المواضيع البارزة في جناحات الوفود أو “Delegation Pavilions”. في جناح المملكة المتحدة نظمت جلسة بعنوان “الطريق إلى بيليم: ربط الصحة والعلم والمعرفة التقليدية”. وأكدت هيو شارما وادينغتون الأستاذة المساعدة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM) أنه “علينا أن نستمر في الدفع نحو جعل الصحة محوراً أساسياً للعمل المناخي وتسليط الضوء على الحلول التي تخدم كلاً من الإنسان والكوكب”.

وأشار بنيامين شاختر منسق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، في مقابلة مع “درج”، إلى أنه “من الواضح أن حق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، والمعترف به من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل ولجنة حقوق الطفل، كانت جزءاً أساسياً من مفاوضات هذا العام”، لكن لم تحمل قمة تغير المناخ بنسختها التاسعة والعشرين أي تقدم جدي في حماية حق الإنسان في العيش في بيئة صحية. 

ولفت شاختر إلى أن ” بعض الدول كانت تبذل جهوداً لمقاومة لغة حقوق الإنسان، بل وحتى لغة حقوق الإنسان المتفق عليها سابقاً في المفاوضات”، وتم حذف فقرة كانت تركز على ضمان أن يتوافق التمويل المناخي مع حقوق الإنسان، ويعززها ويحققها في الأسبوع الثاني من مؤتمر الأطراف ” كوب ٢٩”، وفقاً لمركز القانون البيئي الدولي “CIEL”.

ركزت القمة على ما وصفه الناشطون بـ”الحلول الزائفة”. 

في حين تضمن نص الاتفاق خلال مؤتمر الأطراف “كوب 28” في دبي إشارة إلى “التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري”، تجاهل اتفاق باكو هذا الموضوع بشكل كامل. كما ظل صندوق الخسائر والأضرار فارغاً، مما يعكس عجزاً واضحاً في تقديم حلول ملموسة لمواجهة تأثيرات التغير المناخي. من جهة أخرى، أقرت قمة باكو “قواعد لإنشاء نظام دولي لتداول الكربون”، خطوة تم الترويج لها من قبل الدول الكبرى على أنها دليل على ريادتها في مكافحة تغير المناخ، بينما تواصل هذه الدول بيع الأسلحة وتساهم بشكل مباشر أو غير مباشر، في تصعيد “الحرب على المناخ” من خلال النزاعات المسلحة المستمرة في مختلف أنحاء العالم. كما علقت لاتيريزا أندرسون رئيسة العدالة المناخية في منظمة “أكشن إيد” الدولية، قائلة إن نص الاتفاقية “لا يستحق الورق الذي كُتب عليه”.

إرساء عرف دولي ملزم عبر محكمة العدل الدولية

دفع فشل اتفاقية باريس بعدد من الحقوقيين إلى اللجوء إلى المحاكم الدولية لتحديد واجبات الدول بموجب القانون الدولي. ففي آذار/ مارس 2023، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية، برئاسة القاضي نواف سلام، رأياً استشارياً حول مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي لضمان حماية المناخ والبيئة من انبعاثات الغازات الدفيئة، والعواقب القانونية المترتبة على الدول في حال تسببت في ضرر كبير للنظام المناخي. جاء هذا الطلب نتيجة لجهود طلاب من جامعة جنوب المحيط الهادئ وحكومة فانواتو ودول أخرى في قارة أوقيانوسيا.

تعد محكمة العدل الدولية واحدة من ثلاث محاكم دولية طُلب منها إصدار إرشادات بشأن التزامات الدول القانونية لمواجهة أزمة تغير المناخ. ففي أيار/ مايو 2024، أصدرت محكمة القانون الدولي للبحار أول رأي استشاري من محكمة دولية يتعلق بتغير المناخ، حيث أكدت أن انبعاثات الغازات الدفيئة تلوث البيئة البحرية، وشددت على ضرورة أن تتخذ الدول كافة التدابير اللازمة للسيطرة على هذه الانبعاثات. كما يُتوقع أن تصدر محكمة الدول الأميركية لحقوق الإنسان رأيها الاستشاري بشأن الموضوع عينه قريباً.

من المتوقع أن يشكل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عنصراً حاسماً في المفاوضات والعمل المناخي الفعّال والعادل في المستقبل. وفي هذا السياق، يشير الدكتور جاد طعمة في مقابلة مع “درج” إلى أن “رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري قد يكون دافعاً أساسياً للدول نحو إجراء مفاوضات جادة بشأن تطوير الاتفاقيات المتعلقة بتغير المناخ، من خلال توسيع وتوضيح الالتزامات القانونية المفروضة على الدول. فقد تعلن المحكمة بشكل صريح أن كل ما يرتبط بحماية المناخ يشكل جزءاً أساسياً من الاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي تلتزم بها دول العالم”.

تُستخدم الآراء الاستشارية “كأدوات للدبلوماسية الوقائية مما يسهم بشكل رئيسي في الحفاظ على السلام”، وفقاً لمحكمة العدل الدولية. ويوضح طعمة أن “الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ليست ملزمة، لكن تأثيرها قد يتطور ليصبح ملزماً إذا تحولت إلى جزء من العرف الدولي، خاصة إذا تبنّى المجتمع الدولي هذا الرأي كقاعدة دولية غير مكتوبة يتم الاعتراف بها”. ويتفق معه أستاذ فهم القانون العام فيليب ساند، الذي أشار إلى أن آراء المحكمة الاستشارية تساهم في “توضيح القانون الدولي وتطويره”.

“إتفاقية باريس” كدرع قانوني 

لم يُطلب من محكمة العدل الدولية تفسير التزامات الدول بموجب اتفاقيات المناخ. ولكن، في الذكرى التاسعة لاتفاقية باريس، واصلت الدول الملوثة في لاهاي ما بدأته في باكو هذا العام، مستغلةً الاتفاقية لصالحها. حاولت هذه الدول خلال جلسات الاستماع دفع محكمة العدل الدولية إلى الامتناع عن تحديد واجبات إضافية ناتجة عن معاهدات دولية غير اتفاقية المناخ. وحصرت الدول إجاباتها في ما يتعلق باتفاقية باريس لعام 2015، في محاولة للتنصل من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي في تخفيض الأضرار العابرة للحدود الناتجة عن انبعاثات الغازات الدفيئة.

تعارضت حجج بعض الدول المنتجة للنفط مع الآراء القضائية الراسخة التي تؤكد أن معاهدات المناخ تكمل ولا تتعارض مع الالتزامات القانونية القائمة. على سبيل المثال، حاولت دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والصين وكندا القول إن اتفاقيات حقوق الإنسان لا تنطبق على قضايا تغير المناخ. فقد ادّعت بريطانيا، وفقاً لما ذكره دومينيك بالمر وهو ناشط متخصص في العدالة المناخية، أن “اتفاقية باريس تمثل نهاية التزامات الدول بشأن تغير المناخ”، وهو ادّعاء سبق أن رفضته كل من محكمة العدل الدولية لقانون البحار والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية كليماسينوريون ضد سويسرا.

وتعليقاً على جلسات المحكمة، قال سيباستيان دويوك المحامي ومدير “حملة حقوق الإنسان والمناخ” في مركز القانون البيئي الدولي “CIEL”، إن محكمة العدل الدولية شهدت “محاولات من بعض الدول لتقويض حقوق الإنسان والمساءلة المناخية”.

وفقاً لنص اتفاقية باريس، يجب على الدول الكبرى الملوثة والدول الغنية أن تتخذ خطوات لوقف الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقديم التمويل اللازم والدعم التكنولوجي، ومعالجة الخسائر والأضرار. وأشار دويوك إلى أن “أكبر الدول الملوثة، والتي يبلغ عددها 15 دولة، اعتبرت خلال جلسات الاستماع أن اتفاقية باريس تحل محل المعايير الدولية الأخرى، حيث تم الإشارة إليها 792 مرة في الأسبوع الثاني من المناقشات، وهو ضعف عدد الإشارات لكلمة “العدالة” وخمسة أضعاف الإشارة لكلمة “العلم”، كما أوضحت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أن المساهمات المحددة وطنياً “NDCs” تم الإشارة إليها باعتبارها “مساهمات” وليست “التزامات”. في هذا السياق، أكدت لورانس توبيانا مهندسة اتفاقية باريس، قائلة: ‘لا يمكننا السماح لأي أحد باستخدام اتفاقية باريس لتخفيف مسؤولياته المناخية”.

في المقابل، حاولت الدول النامية إيجاد مخرج قانوني من أجل الدفع نحو الحد من التغير المناخي خصوصاً بعد فشل مفاوضات باكو الشهر الماضي. وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، شهدت محكمة العدل الدولية دفاعاً قوياً عن الحق في بيئة نظيفة وصحية. وطالبت العديد من الدول بضرورة إرساء آلية محاسبة عالمية تلزم الدول الملوثة بتحمل مسؤولياتها تجاه الأضرار البيئية. وفي الوقت نفسه، أكدت دول أخرى على أهمية التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري كخطوة أساسية لحماية الحق في بيئة صحية.

هل ستنجح “بيليم”؟

تتجه الأنظار نحو البرازيل باعتبارها الدولة المستضيفة لمؤتمر تغير المناخ العالمي في نسخته الثلاثين، والذي سيُعقد في مدينة “بيليم” العام المقبل. خلال مداولات محكمة العدل الدولية، دعت البرازيل إلى التأكيد أن قرارات مؤتمر الأطراف، خصوصاً تلك المتعلقة بتوفير التمويل من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، تُعتبر بمثابة اتفاقٍ وممارسة لاحقة لتفسير المعاهدات المناخية، استناداً إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. 

ومع ذلك، أشار مركز القانون البيئي الدولي “CIEL” إلى أن “مداخلات البرازيل خلال الجلسات ركزت بشكل أساسي على اتفاقيات الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ”، وأشار المركز إلى أن “هذا التركيز يعني أن المعايير العرفية والمعاهدات الأخرى التي تُلزم الدول، مثل معاهدات حقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لم تحظَ بأي اهتمام في هذه المداولات”.

في يوم الصحة العالمي (18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024) تم إنشاء “ائتلاف استمرارية رئاسات كوب باكو من أجل المناخ والصحة”، وذلك بهدف ضمان استمرار اعتبار الصحة محوراً أساسياً في مناقشات المناخ حتى انعقاد النسخة الثلاثين من مؤتمر الأطراف “كوب 30” في مدينة بيليم. تهدف هذه المبادرة بقيادة مشتركة من المملكة المتحدة، مصر، الإمارات العربية المتحدة، آذربيجان، والبرازيل، وبالشراكة مع منظمة الصحة العالمية إلى توحيد الجهود لدفع المبادرات العالمية في مجال المناخ والصحة.  

استضافة البرازيل مؤتمر الأطراف “كوب 30″، وهي دولة يكرّس دستورها الحقوق البيئية، يضيف بُعداً جديداً للمساءلة في المفاوضات المناخية. ومن المتوقع أن يسهم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في تعزيز مستقبل المفاوضات، لجعلها ضامنة للحق في بيئة صحية. وفقاً لمركز القانون البيئي الدولي، فإن “معاهدة باريس ليست البداية ولا النهاية لواجبات الدول المناخية في مواجهة الأضرار المناخية وتعويضها”. حيث يرى المركز أن “مكافحة تغير المناخ بفعالية تتطلب من الدول الالتزام بما يتجاوز التعهدات الطوعية، وتنفيذ واجباتها بموجب حقوق الإنسان والقانون العرفي”. 

في هذا الإطار، يوضح بنيامين شاختر منسّق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، لـ “درج” أن “حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض، إذ إنها ملزمة قانونياً وتنطبق على جميع الدول”، ويقول شاختر إن “النهج القائم على حقوق الإنسان في العمل المناخي يحقق نتائج أكثر فعالية واستدامة، كما أشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”.

وشدد سانتينو سيفروني مدير قسم الصحة والهجرة في منظمة الصحة العالمية، لـ”درج” على “أهمية إدراج موضوع الصحة كـ”حجة رئيسية” في المناقشات الرسمية وغير الرسمية بشأن التغيرات المناخية في مؤتمر الأطراف”، وأوضح قائلاً: “نحن ندرك تماماً الآثار الصحية الناجمة عن تغير المناخ، ولكن هناك غموضاً كبيراً يحيط بهذا التفاعل المعقد، نظراً لارتباطه بقضايا متعددة الأبعاد”. وأضاف سيفروني: “من الضروري أن يتمكن كلا القطاعين، الصحي والمناخي، من فهم هذا الموضوع بعمق لضمان التنسيق الفعّال، وتضمينه في تصميم الأنظمة، بما يضمن توفير الحق في الصحة للجميع”.

سوف يشكّل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية منعطفاً في المفاوضات في طريقها من باكو إلى بيليم، ووفقاً للدكتور جاد طعمة، فإن من شأن الرأي الاستشاري أن يعزز الضغط الدولي تجاه الدول التي قد تتلكأ في اتخاذ خطوات جادة بشأن التغير المناخي، مما يساهم في توجيه المفاوضات نحو حلول أكثر شمولية وفعالية”.

يُعد تغير المناخ أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، التي قدمت لمحكمة العدل الدولية قائمة بالآثار الصحية المتداخلة للتغير المناخي. وأشارت المنظمة إلى أن تفاقم الأمراض الناتج عن تغير المناخ ساهم في أكثر من 39.5 مليون حالة وفاة خلال عام 2019. ومع التقدم الملحوظ في ربط التغير المناخي بحقوق الإنسان، ولا سيما الاعتراف بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية كجزء من العرف الدولي، يصبح من الضروري إدراج الأضرار الناجمة عن تغير المناخ على حقوق الإنسان ضمن المفاوضات الرسمية.

وفي هذا السياق، أوضح شاختر أن “العمل المناخي لن يكون ناجحاً إذا لم تُخصص الموارد اللازمة للتكيف والتخفيف والخسائر والأضرار”، وقال: “يجب تخصيص هذه الموارد بطريقة تحترم حقوق الأفراد وتحميها، وتضمن لهم سبل الانتصاف الفعّالة عندما يتعرضون للضرر بسبب تغير المناخ أو نتيجة الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ”.

—————

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

مصطفى الدباس- صحافي سوري مقيم في برلين | 04.07.2025

“شهادات حسن السلوك”… سلطة “الجمهور” في سوريا عوضاً عن القضاء!

المطلوب اليوم ليس تصفية حسابات، بل تأسيس مفهوم جديد للعدالة التي لا تخضع للمواقف ولا للولاءات ولا لحجم الأرشيف الثوري، عبر قضاء مستقل، ومؤسسات تحفظ الحقوق والحريات الفردية والكرامة الإنسانية.
28.12.2024
زمن القراءة: 10 minutes

قبل انعقاد مؤتمر الأطراف في العاصمة الأذربيجانية باكو، دعا خبراء الأمم المتحدة الدول إلى إعطاء الأولوية لحماية حقوق الإنسان، وقالوا إن “العمل المناخي الحالي والمخطط له حتى العام 2030 غير كاف لضمان مناخ آمن للبشرية، بما يتماشى مع حق الجميع في بيئة صحية”، وأضافوا إن ” الخطط الجماعية الحالية تقتصر فقط على تخفيض الانبعاثات بنسبة 2 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بعام 2019، في حين أن هناك حاجة إلى خفض بنسبة 43 في المئة لتجنب فوضى المناخ”.

ليل الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر”سقطت الأقنعة” في العاصمة الأذربيجانية باكو “وكشفت حكومات الدول الغنية والمتقدمة عن نواياها الحقيقية، بأنها لم تكن تنوي قط الالتزام بأي من تعهداتها بموجب اتفاقية باريس”، بحسب سانجاي فاشت مدير “شبكة العمل المناخي” في جنوب آسيا. 

تؤكد التقارير العلمية فشل مؤتمرات الأطراف المتتالية في تحقيق نتائج ملموسة للحد من التغيرات المناخية وآثارها السلبية. فعلى الرغم من التزام الدول في مؤتمر الأطراف بنسخته الواحد والعشرين “كوب 21” بالحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، أشار تقرير خدمة رصد التغير المناخي التابعة للاتحاد الأوروبي “كوبرنيكوس” إلى أن شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي شهد ارتفاعاً قدره 1.62 درجة مئوية فوق تلك المستويات. 

جاءت شعوب الجنوب إلى محادثات باكو “بحثًا عن قارب نجاة” من أزمة المناخ، لكن كل ما حصلوا عليه لم يكن سوى قطعة خشب للتشبث بها”، وفقاً لـ ماريانا باولي قائدة المناصرة العالمية في منظمة “كريستيان أيد”. ووصف هارجيت سينغ، مدير المشاركة العالمية في مبادرة معاهدة الوقود الأحفوري المفاوضات بأنها حصلت “بالإكراه Coersion” حيث قبلت الدول النامية بـ “صفقة مالية لا ترقى إلى مستوى خطورة أزمة المناخ العالمية”.

حلول زائفة تقوّض الحق في بيئة صحية

حصل ما لا يقل عن 1773 من جماعات الضغط لصالح الوقود الأحفوري و 480 من جماعات الضغط في مجال احتجاز الكربون على حق الوصول إلى قمة “كوب 29″، في حين لا تقدم هذه الحلول تقدماً فعلياً في مجال التغير المناخي، ولا تضمن تمتع شعوب العالم بحق الإنسان بالعيش في بيئة صحية. 

يشكل الوقود الأحفوري أحد أبرز أسباب ارتفاع درجات الحرارة عالمياً، إذ يمثل أكثر من 80٪ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. ريتشارد بيرشهاوس مدير البيئة وحقوق الإنسان في منظمة “هيومن رايتس ووتش” قال: “إن زيادة إنتاج الفحم والنفط والغاز تفاقم الأضرار التي تلحق بصحة الإنسان، وتؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المجتمعات المجاورة لمواقع إنتاج الوقود الأحفوري، وتسرّع من انهيار المناخ العالمي”. ويتسبب الوقود الأحفوري بتلوث الهواء، مما يضر بصحة الإنسان ويزيد من معدل الإصابة بالأمراض كالسرطان، وفقاً لتحقيق سابق لموقع “درج”. وفي سياق التأثيرات الصحية الناجمة عن التغيرات المناخية، أوضح محمد عبد المنعم عضو “لجنة تغير المناخ” لمنطقة البحر المتوسط، في مقابلة مع “درج” إنه “وبفعل التغيرات المناخية، ظهرت حشرات وأمراض جديدة لم تكن موجودة من قبل”. 

على مدى أربعة عقود، كرّس الباحثون والمدافعون عن حقوق الإنسان جهودهم لتعزيز الرابط بين حماية البيئة والحق في الصحة. وتُوّجت هذه الجهود باعتراف مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي 2021 و 2022 بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية. وأنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2021 ولاية المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغير المناخ. جاء ذلك تزامناً مع انعقاد مؤتمر الأطراف السادس والعشرين “كوب ٢٦” لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة غلاسكو في اسكتلندا، التي كانت استجابة قائمة على حقوق الإنسان لمواجهة تغير المناخ.

وقبل انعقاد مؤتمر الأطراف في العاصمة الأذربيجانية باكو،  دعا خبراء الأمم المتحدة الدول إلى إعطاء الأولوية لحماية حقوق الإنسان، وقالوا إن “العمل المناخي الحالي والمخطط له حتى العام 2030 غير كاف لضمان مناخ آمن للبشرية، بما يتماشى مع حق الجميع في بيئة صحية”، وأضافوا إن ” الخطط الجماعية الحالية تقتصر فقط على تخفيض الانبعاثات بنسبة 2 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بعام 2019، في حين أن هناك حاجة إلى خفض بنسبة 43 في المئة لتجنب فوضى المناخ”.

نجحت القمة في تسليط الضوء على التقاطع بين التغير المناخي والصحة، وتم تنظيم عدة لقاءات تناولت هذا الموضوع، حيث أطلقت منظمة الصحة العالمية تقريرها الخاص بـ “كوب 29” حول تغير المناخ والصحة، مشيرة إلى أهمية الصحة كعنصر أساسي في العمل المناخي. وكان الرابط بين التغير المناخي والصحة أحد المواضيع البارزة في جناحات الوفود أو “Delegation Pavilions”. في جناح المملكة المتحدة نظمت جلسة بعنوان “الطريق إلى بيليم: ربط الصحة والعلم والمعرفة التقليدية”. وأكدت هيو شارما وادينغتون الأستاذة المساعدة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM) أنه “علينا أن نستمر في الدفع نحو جعل الصحة محوراً أساسياً للعمل المناخي وتسليط الضوء على الحلول التي تخدم كلاً من الإنسان والكوكب”.

وأشار بنيامين شاختر منسق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، في مقابلة مع “درج”، إلى أنه “من الواضح أن حق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، والمعترف به من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل ولجنة حقوق الطفل، كانت جزءاً أساسياً من مفاوضات هذا العام”، لكن لم تحمل قمة تغير المناخ بنسختها التاسعة والعشرين أي تقدم جدي في حماية حق الإنسان في العيش في بيئة صحية. 

ولفت شاختر إلى أن ” بعض الدول كانت تبذل جهوداً لمقاومة لغة حقوق الإنسان، بل وحتى لغة حقوق الإنسان المتفق عليها سابقاً في المفاوضات”، وتم حذف فقرة كانت تركز على ضمان أن يتوافق التمويل المناخي مع حقوق الإنسان، ويعززها ويحققها في الأسبوع الثاني من مؤتمر الأطراف ” كوب ٢٩”، وفقاً لمركز القانون البيئي الدولي “CIEL”.

ركزت القمة على ما وصفه الناشطون بـ”الحلول الزائفة”. 

في حين تضمن نص الاتفاق خلال مؤتمر الأطراف “كوب 28” في دبي إشارة إلى “التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري”، تجاهل اتفاق باكو هذا الموضوع بشكل كامل. كما ظل صندوق الخسائر والأضرار فارغاً، مما يعكس عجزاً واضحاً في تقديم حلول ملموسة لمواجهة تأثيرات التغير المناخي. من جهة أخرى، أقرت قمة باكو “قواعد لإنشاء نظام دولي لتداول الكربون”، خطوة تم الترويج لها من قبل الدول الكبرى على أنها دليل على ريادتها في مكافحة تغير المناخ، بينما تواصل هذه الدول بيع الأسلحة وتساهم بشكل مباشر أو غير مباشر، في تصعيد “الحرب على المناخ” من خلال النزاعات المسلحة المستمرة في مختلف أنحاء العالم. كما علقت لاتيريزا أندرسون رئيسة العدالة المناخية في منظمة “أكشن إيد” الدولية، قائلة إن نص الاتفاقية “لا يستحق الورق الذي كُتب عليه”.

إرساء عرف دولي ملزم عبر محكمة العدل الدولية

دفع فشل اتفاقية باريس بعدد من الحقوقيين إلى اللجوء إلى المحاكم الدولية لتحديد واجبات الدول بموجب القانون الدولي. ففي آذار/ مارس 2023، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية، برئاسة القاضي نواف سلام، رأياً استشارياً حول مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي لضمان حماية المناخ والبيئة من انبعاثات الغازات الدفيئة، والعواقب القانونية المترتبة على الدول في حال تسببت في ضرر كبير للنظام المناخي. جاء هذا الطلب نتيجة لجهود طلاب من جامعة جنوب المحيط الهادئ وحكومة فانواتو ودول أخرى في قارة أوقيانوسيا.

تعد محكمة العدل الدولية واحدة من ثلاث محاكم دولية طُلب منها إصدار إرشادات بشأن التزامات الدول القانونية لمواجهة أزمة تغير المناخ. ففي أيار/ مايو 2024، أصدرت محكمة القانون الدولي للبحار أول رأي استشاري من محكمة دولية يتعلق بتغير المناخ، حيث أكدت أن انبعاثات الغازات الدفيئة تلوث البيئة البحرية، وشددت على ضرورة أن تتخذ الدول كافة التدابير اللازمة للسيطرة على هذه الانبعاثات. كما يُتوقع أن تصدر محكمة الدول الأميركية لحقوق الإنسان رأيها الاستشاري بشأن الموضوع عينه قريباً.

من المتوقع أن يشكل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عنصراً حاسماً في المفاوضات والعمل المناخي الفعّال والعادل في المستقبل. وفي هذا السياق، يشير الدكتور جاد طعمة في مقابلة مع “درج” إلى أن “رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري قد يكون دافعاً أساسياً للدول نحو إجراء مفاوضات جادة بشأن تطوير الاتفاقيات المتعلقة بتغير المناخ، من خلال توسيع وتوضيح الالتزامات القانونية المفروضة على الدول. فقد تعلن المحكمة بشكل صريح أن كل ما يرتبط بحماية المناخ يشكل جزءاً أساسياً من الاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي تلتزم بها دول العالم”.

تُستخدم الآراء الاستشارية “كأدوات للدبلوماسية الوقائية مما يسهم بشكل رئيسي في الحفاظ على السلام”، وفقاً لمحكمة العدل الدولية. ويوضح طعمة أن “الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ليست ملزمة، لكن تأثيرها قد يتطور ليصبح ملزماً إذا تحولت إلى جزء من العرف الدولي، خاصة إذا تبنّى المجتمع الدولي هذا الرأي كقاعدة دولية غير مكتوبة يتم الاعتراف بها”. ويتفق معه أستاذ فهم القانون العام فيليب ساند، الذي أشار إلى أن آراء المحكمة الاستشارية تساهم في “توضيح القانون الدولي وتطويره”.

“إتفاقية باريس” كدرع قانوني 

لم يُطلب من محكمة العدل الدولية تفسير التزامات الدول بموجب اتفاقيات المناخ. ولكن، في الذكرى التاسعة لاتفاقية باريس، واصلت الدول الملوثة في لاهاي ما بدأته في باكو هذا العام، مستغلةً الاتفاقية لصالحها. حاولت هذه الدول خلال جلسات الاستماع دفع محكمة العدل الدولية إلى الامتناع عن تحديد واجبات إضافية ناتجة عن معاهدات دولية غير اتفاقية المناخ. وحصرت الدول إجاباتها في ما يتعلق باتفاقية باريس لعام 2015، في محاولة للتنصل من مسؤولياتها بموجب القانون الدولي في تخفيض الأضرار العابرة للحدود الناتجة عن انبعاثات الغازات الدفيئة.

تعارضت حجج بعض الدول المنتجة للنفط مع الآراء القضائية الراسخة التي تؤكد أن معاهدات المناخ تكمل ولا تتعارض مع الالتزامات القانونية القائمة. على سبيل المثال، حاولت دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والصين وكندا القول إن اتفاقيات حقوق الإنسان لا تنطبق على قضايا تغير المناخ. فقد ادّعت بريطانيا، وفقاً لما ذكره دومينيك بالمر وهو ناشط متخصص في العدالة المناخية، أن “اتفاقية باريس تمثل نهاية التزامات الدول بشأن تغير المناخ”، وهو ادّعاء سبق أن رفضته كل من محكمة العدل الدولية لقانون البحار والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية كليماسينوريون ضد سويسرا.

وتعليقاً على جلسات المحكمة، قال سيباستيان دويوك المحامي ومدير “حملة حقوق الإنسان والمناخ” في مركز القانون البيئي الدولي “CIEL”، إن محكمة العدل الدولية شهدت “محاولات من بعض الدول لتقويض حقوق الإنسان والمساءلة المناخية”.

وفقاً لنص اتفاقية باريس، يجب على الدول الكبرى الملوثة والدول الغنية أن تتخذ خطوات لوقف الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقديم التمويل اللازم والدعم التكنولوجي، ومعالجة الخسائر والأضرار. وأشار دويوك إلى أن “أكبر الدول الملوثة، والتي يبلغ عددها 15 دولة، اعتبرت خلال جلسات الاستماع أن اتفاقية باريس تحل محل المعايير الدولية الأخرى، حيث تم الإشارة إليها 792 مرة في الأسبوع الثاني من المناقشات، وهو ضعف عدد الإشارات لكلمة “العدالة” وخمسة أضعاف الإشارة لكلمة “العلم”، كما أوضحت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أن المساهمات المحددة وطنياً “NDCs” تم الإشارة إليها باعتبارها “مساهمات” وليست “التزامات”. في هذا السياق، أكدت لورانس توبيانا مهندسة اتفاقية باريس، قائلة: ‘لا يمكننا السماح لأي أحد باستخدام اتفاقية باريس لتخفيف مسؤولياته المناخية”.

في المقابل، حاولت الدول النامية إيجاد مخرج قانوني من أجل الدفع نحو الحد من التغير المناخي خصوصاً بعد فشل مفاوضات باكو الشهر الماضي. وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، شهدت محكمة العدل الدولية دفاعاً قوياً عن الحق في بيئة نظيفة وصحية. وطالبت العديد من الدول بضرورة إرساء آلية محاسبة عالمية تلزم الدول الملوثة بتحمل مسؤولياتها تجاه الأضرار البيئية. وفي الوقت نفسه، أكدت دول أخرى على أهمية التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري كخطوة أساسية لحماية الحق في بيئة صحية.

هل ستنجح “بيليم”؟

تتجه الأنظار نحو البرازيل باعتبارها الدولة المستضيفة لمؤتمر تغير المناخ العالمي في نسخته الثلاثين، والذي سيُعقد في مدينة “بيليم” العام المقبل. خلال مداولات محكمة العدل الدولية، دعت البرازيل إلى التأكيد أن قرارات مؤتمر الأطراف، خصوصاً تلك المتعلقة بتوفير التمويل من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، تُعتبر بمثابة اتفاقٍ وممارسة لاحقة لتفسير المعاهدات المناخية، استناداً إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. 

ومع ذلك، أشار مركز القانون البيئي الدولي “CIEL” إلى أن “مداخلات البرازيل خلال الجلسات ركزت بشكل أساسي على اتفاقيات الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ”، وأشار المركز إلى أن “هذا التركيز يعني أن المعايير العرفية والمعاهدات الأخرى التي تُلزم الدول، مثل معاهدات حقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لم تحظَ بأي اهتمام في هذه المداولات”.

في يوم الصحة العالمي (18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024) تم إنشاء “ائتلاف استمرارية رئاسات كوب باكو من أجل المناخ والصحة”، وذلك بهدف ضمان استمرار اعتبار الصحة محوراً أساسياً في مناقشات المناخ حتى انعقاد النسخة الثلاثين من مؤتمر الأطراف “كوب 30” في مدينة بيليم. تهدف هذه المبادرة بقيادة مشتركة من المملكة المتحدة، مصر، الإمارات العربية المتحدة، آذربيجان، والبرازيل، وبالشراكة مع منظمة الصحة العالمية إلى توحيد الجهود لدفع المبادرات العالمية في مجال المناخ والصحة.  

استضافة البرازيل مؤتمر الأطراف “كوب 30″، وهي دولة يكرّس دستورها الحقوق البيئية، يضيف بُعداً جديداً للمساءلة في المفاوضات المناخية. ومن المتوقع أن يسهم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في تعزيز مستقبل المفاوضات، لجعلها ضامنة للحق في بيئة صحية. وفقاً لمركز القانون البيئي الدولي، فإن “معاهدة باريس ليست البداية ولا النهاية لواجبات الدول المناخية في مواجهة الأضرار المناخية وتعويضها”. حيث يرى المركز أن “مكافحة تغير المناخ بفعالية تتطلب من الدول الالتزام بما يتجاوز التعهدات الطوعية، وتنفيذ واجباتها بموجب حقوق الإنسان والقانون العرفي”. 

في هذا الإطار، يوضح بنيامين شاختر منسّق فريق “البيئة وتغير المناخ” في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، لـ “درج” أن “حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض، إذ إنها ملزمة قانونياً وتنطبق على جميع الدول”، ويقول شاختر إن “النهج القائم على حقوق الإنسان في العمل المناخي يحقق نتائج أكثر فعالية واستدامة، كما أشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”.

وشدد سانتينو سيفروني مدير قسم الصحة والهجرة في منظمة الصحة العالمية، لـ”درج” على “أهمية إدراج موضوع الصحة كـ”حجة رئيسية” في المناقشات الرسمية وغير الرسمية بشأن التغيرات المناخية في مؤتمر الأطراف”، وأوضح قائلاً: “نحن ندرك تماماً الآثار الصحية الناجمة عن تغير المناخ، ولكن هناك غموضاً كبيراً يحيط بهذا التفاعل المعقد، نظراً لارتباطه بقضايا متعددة الأبعاد”. وأضاف سيفروني: “من الضروري أن يتمكن كلا القطاعين، الصحي والمناخي، من فهم هذا الموضوع بعمق لضمان التنسيق الفعّال، وتضمينه في تصميم الأنظمة، بما يضمن توفير الحق في الصحة للجميع”.

سوف يشكّل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية منعطفاً في المفاوضات في طريقها من باكو إلى بيليم، ووفقاً للدكتور جاد طعمة، فإن من شأن الرأي الاستشاري أن يعزز الضغط الدولي تجاه الدول التي قد تتلكأ في اتخاذ خطوات جادة بشأن التغير المناخي، مما يساهم في توجيه المفاوضات نحو حلول أكثر شمولية وفعالية”.

يُعد تغير المناخ أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، التي قدمت لمحكمة العدل الدولية قائمة بالآثار الصحية المتداخلة للتغير المناخي. وأشارت المنظمة إلى أن تفاقم الأمراض الناتج عن تغير المناخ ساهم في أكثر من 39.5 مليون حالة وفاة خلال عام 2019. ومع التقدم الملحوظ في ربط التغير المناخي بحقوق الإنسان، ولا سيما الاعتراف بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية كجزء من العرف الدولي، يصبح من الضروري إدراج الأضرار الناجمة عن تغير المناخ على حقوق الإنسان ضمن المفاوضات الرسمية.

وفي هذا السياق، أوضح شاختر أن “العمل المناخي لن يكون ناجحاً إذا لم تُخصص الموارد اللازمة للتكيف والتخفيف والخسائر والأضرار”، وقال: “يجب تخصيص هذه الموارد بطريقة تحترم حقوق الأفراد وتحميها، وتضمن لهم سبل الانتصاف الفعّالة عندما يتعرضون للضرر بسبب تغير المناخ أو نتيجة الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ”.

—————

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.