إنها مسألة محيّرة أن يرفض “حزب الله” بوجوه نوّابه العابسة، تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة. لكن هذه المسألة المحيّرة، تبدو في الوقت ذاته نمطاً عادية و”طبيعياً” من سلوك هذا الحزب الذي يعيش على التناقضات المكشوفة منذ تأسيسه. إذ كيف بإمكان حزب مثل حزب الله، الذي يتغنى بشعارات المقاومة والتحرر والسيادة ومكافحة الفساد وسواها من الشعارات الفضفاضة، والتي تبين أنها كلها فارغة، أن يتحالف في الأصل مع نبيه بري بكل ما يمثله من إرث الفساد وسلطة الميليشيا، وعلاقاته المتشابكة مع الولايات المتحدة الأميركية المتّهمة الأولى في لغة الحزب بتغيير وجه لبنان؟!
هذا الحزب الذي استند إلى وثائق “ويكيليكس” لاتهام خصومه بالخيانة، لم يتجرأ على الكشف عن خبايا حلفائه، وعلى رأسهم برّي وحاشيته السياسية. وهو يتعامل اليوم بانتقائية صارخة.
كيف بإمكانه أن يهاجم نواف سلام، الذي يتمتع بسجل حافل من النزاهة والثقافة، ويوجه له تهماً خيالية (بينها تهمة مخترعة شاعت على مواقع التواصل الاجتماعي بأن نواف سلام كان وراء اتفاق السابع عشر من أيار!) بينما يتحالف هذا الحزب ويحمي ويغطي الذين ثبت تورطهم بالفساد وسرقة أموال الناس وتفجير مرفأ بيروت؟
المسألة محيّرة حقاً.
كيف لفريق سياسي دعم وصول شخصيات مثل سعد الحريري ونجيب ميقاتي وحسان دياب، بكل ما حملته حكوماتهم من إخفاقات وارتباطات مشبوهة، أن يرفض تسمية نواف سلام، ويعتبر اختياره “خيانة”؟ هذا الفريق الذي ارتضى بميقاتي رئيساً للحكومة، بكل ما يمثله من صفقات وارتباطات داخلية وخارجية، يجرؤ على الاعتراض على شخصية كسلام، المعروفة باستقلاليتها وسجّلها النظيف.
كيف يمكن لفريق سياسي كانت معظم خياراته خاطئة، لا بل كارثية، حتى في اختيار أقرب حلفائه، وأبسط مثال على ذلك جبران باسيل، أن يقيّم خيارات الآخرين قبل تجربتها، ويحكم على شخص من مستوى نواف سلام، بثقافته وسيرته الذاتية الغنية، بأنه لا يصلح رئيساً للحكومة، فقط لأن حزباً جرّ بلاداً بأسرها إلى حرب مدمرة، لا يزال يحاول بيع الناس سردية أن المقاومة تحميهم، فيما المقاومة إياها تبين أنها غير قادرة حتى على حماية نفسها.
كيف لفريق سياسي دعم وصول شخصيات مثل سعد الحريري ونجيب ميقاتي وحسان دياب، بكل ما حملته حكوماتهم من إخفاقات وارتباطات مشبوهة، أن يرفض تسمية نواف سلام، ويعتبر اختياره “خيانة”؟
كيف يمكن لفريق سياسي واجهته “الثقافية” محمد مرتضى، وواجهته الإعلامية وئام وهاب، أن يعطي ملاحظات على نواف سلام، ويُفلت عليه مسعوري السوشيل ميديا لاتهامه بأقذع الاتهامات، فقط لأنه قبل تسميته رئيساً للحكومة من خارج الطقم السياسي الحاكم؟
كيف يمكن لفريق متهم بقتل رئيس حكومة سابق بقرار من محكمة دولية أن يقبل بقاض في محكمة دولية أخرى رئيساً للحكومة؟
هذا يُسمّى سخرية القدر، وفي رواية أخرى: انتقام العدالة.
هذا الفريق الذي يجاهر علناً بتلقّيه الأوامر والدعم من إيران، لم يتوانَ عن المشاركة في استباحة السيادة اللبنانية بالشراكة مع نظام الأسد لأكثر من ثلاثة عقود. واليوم، يتحدث عن التدخلات الخارجية في الاستشارات النيابية وكأنها فعل غير مسبوق! كيف يمكن له أن ينتقد تدخلات دولية(موجودة ومستنكرة) بينما يعتمد وجوده السياسي والعسكري على تدخلات إقليمية؟
فعلاً محيّر…
كيف يمكن لفريق يقول بكل وقاحة إنه اتفق مع السعودية (ضد التدخل الخارجي؟) على وصول نجيب ميقاتي وليس نواف سلام، أن يعترض على انقلاب الميزان الخارجي ضده، بعد ضغوطات داخلية مارسها نواب التغيير وناشطون وناشطات في حراك تشرين؟
جُرّب هذا الفريق كثيراً في السياسة الداخلية. جُرّب حينما كان منتصراً انتصاراً إلهياً، كيف صرفه نفوذاً متجبراً على اللبنانيين. وكيف اجتاح بسلاحه الداخل في السابع من أيار 2008 اعتراضاً على المس بشبكة الاتصالات الخاصة به، والتي استخدمها نفسها في اغتيال رفيق الحريري قبل 3 سنوات، واستخدمت نفسها مع مرادفاتها للتجسس عليه وقتل قياداته وأمينه العام في نهاية العام 2023، وتكبيده هزيمة تاريخية بسبب الاختراقات الأمنية والاستخبارية والتكنولوجية في قلب بنيته الداخلية.
أوصل هذا الحزب في عزّ سطوته، أسوأ النماذج إلى مراكز القرار، وساهم (مع غيره طبعاً) في إيصال البلاد إلى الحضيض في حالة السلم، قبل التورط في الحرب، التي كشفت أن الاختراقات في هذا الفريق عميقة إلى حدّ لا يمكن فهمه ولا استيعابه، فيما لا يزال جمهور هذا الفريق وأبواقه يلتهون في استسهال اتهام حتى نواف سلام، الذي لاحق بنيامين نتانياهو قضائياً، بالعمالة!
محيّر جداً…
الحزب الذي هشّم لبنان بخياراته المتهورة المربوطة بخيط إلى يد المرشد الأعلى في طهران، يلمّ حجارة من ركام بيوت الناس المهدّمة ويراشق بها نواف سلام!
إقرأوا أيضاً: