واصل النظام الجزائري بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، دعمه نظام بشار الأسد الدكتاتوري حتى اللحظات الأخيرة لسقوطه، في مواجهة ما أسماهم بـ”الجماعات الإرهابية”، التي تهدد سيادة سوريا ووحدتها وحرمة أراضيها وأمنها واستقرارها.
وكان النظام الجزائري واحداً من الأنظمة القليلة، التي تأسّفت على إطاحة الدكتاتور السوري، حتى إنه ظل صامتاً تجاه التغيّرات الحاصلة في بلاد الشام لأسابيع طويلة، إلى أن اضطر للقبول بالأمر الواقع وإيفاد مبعوث إلى دمشق للقاء القيادة الجديدة.
مقاتلون في صفوف قوات الأسد
أكّد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، بعدما استقبله الرئيس السوري أحمد الشرع، استعداد بلاده لتطوير تعاونها الثنائي مع سوريا، لا سيما في ميدان الطاقة والتعاون التجاري والاستثمار وإعادة الإعمار، وهي النغمة نفسها التي سمعناها من وزراء عرب زاروا دمشق في الفترة الأخيرة.
لكن يبدو أن زيارة مبعوث الرئيس الجزائري الخاص إلى دمشق، تناولت مسألة أخرى مهمة تشغل بال نظام تبون، وهي المقاتلون الجزائريون في سوريا، ولا نتحدّث هنا عن المقاتلين في صفوف قوى الثورة التي أطاحت نظام الأسد، بل نتحدّث عن المقاتلين الذين شاركوا إلى جانب الأسد.
يوجد عدد من المقاتلين الجزائريين الذين وقفوا إلى جانب الثوار، لكن النظام الجزائري لم يتحدّث عنهم، ولا يريد عودتهم إلى البلاد، حتى وإن كان الهدف من عودتهم محاكمتهم، ذلك أنه يريد التخلّص منهم، إلا أنه في المقابل أرسل مبعوثاً خاصاً للحديث عن المقاتلين في صفوف نظام الأسد.
ومع سقوط نظام بشار الأسد بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، برزت إلى الساحة مجدداً مسألة المقاتلين الأجانب في صفوف قواته، ومنهم المقاتلون الجزائريون، إذ أشارت تقارير صحافية إلى محاصرة قوى الثورة نحو 500 مقاتل جزائري، ومقاتلين من جبهة “البوليساريو” الانفصالية في مدينة حلب.
وعقب سيطرة قوى المعارضة المسلّحة على المدينة، تمكّنت مجموعات من القبض على هؤلاء المقاتلين، واقتادتهم إلى السجون لمحاسبتهم ومحاكمتهم في وقت لاحق، إلى جانب مقاتلين أجانب آخرين. ولم تعقّب السلطات الجزائرية حينها على هذه الأخبار، واختارت الصمت، هي التي كانت تردّ على أي اتّهام موجّه إليها.
الشرع يرفض التسليم؟
تحدّث الموفد الجزائري إلى دمشق عن طبيعة العلاقات المستقبلية بين البلدين، لكنه ركّز على مسألة المقاتلين وفق ما أكّدته التقارير الإعلامية، وطالب بتسليمهم إلى بلادهم، إلا أن الإدارة السورية الجديدة بقيادة الشرع رفضت الطلب.
تقول تقارير إعلامية محلية ودولية، إن الرئيس السوري أبلغ المسؤول الجزائري رفض بلاده تسليم المقاتلين الجزائريين، وإنهم سيخضعون للمحاكمة إلى جانب بقايا “فلول نظام الأسد”، الذين تم القبض عليهم خلال العمليات الأخيرة، التي أدّت إلى سقوط “جزار دمشق”.
بالعودة إلى تقارير إعلامية سابقة، نرى أن مسألة المقاتلين الجزائريين في صفوف قوات الأسد، برزت إلى الساحة سنة 2015 مع احتدام القتال في البلاد، وفي أيار/ مايو 2016، أعلن الجيش السوري مقتل أول جزائري كان يحارب في صفوف قوات بشار الأسد.
آنذاك، نقلت مصادر لصحيفة “الشروق” الجزائرية الداعمة للنظام، مقتل الجزائري حسين بن عيسى المكنّى بـ”أبي عدي” في معارك داريا في ريف دمشق، التي سجّلت حضوراً مبكراً وقوياً في الثورة السورية ضد النظام الحاكم.
ونشط الجزائري بن عيسى ضمن “الحرس القومي العربي”، الذي يتزعّمه اللبناني أسعد حمود، الملقب بـ”الحاج ذو الفقار”، وهي مجموعة تقاتل إلى جانب قوات النظام، وشارك القائد الميداني الجزائري في معارك كثيرة ضد فصائل المعارضة السورية.
ولم يكن بن عيسى الجزائري الوحيد في تلك المعارك، بل كان إلى جانبه جزائريون آخرون يقاتلون في صفوف قوات الأسد، وقد تورّط عدد منهم في المجازر التي ارتُكبت بحقّ المدنيين العزّل في داريا وغيرها من المدن السورية.
وتحوّل عدد من الجزائريين من مساندة نظام بشار في الفضاء الافتراضي ووسائل الإعلام، إلى حمل السلاح والتوجّه إلى سوريا وقتال المدنيين المطالبين بالتغيير والتحوّل السياسي الديمقراطي، بعدما استطاع زبانية النظام إغراءهم لينضمّوا إلى ميليشيات ترفع شعارات القومية العربية.
ويضم “الحرس القومي العربي” الذي يتكوّن من 4 مجموعات: “كتيبة محمد البراهمي” المنسوبة إلى رئيس “التيار الشعبي” في تونس الذي اغتيل سنة 2013، و”كتيبة وديع حداد” المنسوبة إلى قائد العمليات الخارجية في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، و”كتيبة حيدر العاملي” المنسوبة إلى حسين أسعد حمود عضو “تجمّع اللجان والروابط الشعبية”، و”كتيبة جول جمال” المنسوبة إلى الضابط السوري الذي قُتل في مصر خلال العدوان الثلاثي، إضافة إلى مئات المقاتلين العرب من جنسيات مختلفة.
يُذكر أن نظام الأسد عمل منذ بداية الاحتجاجات المطالبة بسقوطه سنة 2011، على جلب مرتزقة من الخارج وتشكيل ميليشيات تقاتل المدنيين، إلى جانب القوات النظامية والمليشيات الطائفية متعددة الأسماء والجنسيات.
وعلى رغم حديث وسائل إعلام سورية ودولية عن رفض القيادة السورية تسليم المقاتلين الجزائريين إلى بلادهم، اختار النظام مواصلة الصمت تجاه هذه القضية وعدم الخوض فيها، وهو ما يزيد من تأكيد صحة هذه التقارير.
إقرأوا أيضاً:
إيران ومقاتلو البوليساريو
ووفقاً لما تم رصده، فقد نُقل المقاتلون الجزائريون إلى سوريا بمساعدة إيران، التي تمتلك علاقات قوية مع النظام الجزائري، وعناصر “البوليساريو” التي تنشط قرب الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”. وساهمت المخابرات الإيرانية في إقناع عدد مهم من الجزائريين، بخاصة من عناصر “البوليساريو”، بالالتحاق بقوات النظام لمساندة الأسد في حربه ضد المدنيين السوريين.
وعلى رغم عمل هؤلاء المرتزقة تحت قيادة جيش النظام، فإنهم يتلقّون الدعم والتمويل المباشر من قيادات في “الحرس الثوري” الإيراني، وقيادات في “حزب الله” اللبناني، ويخضعون للتدريب تحت إشرافهم، ما جعلهم أداة في يد طهران لتنفيذ أجنداتها في سوريا والمنطقة.
كان النظام الجزائري يعلم يقيناً انضمام عدد من الجزائريين للقتال في صفوف قوات الأسد، إلا أنه لم يمانع ذلك، فنظام تبون ومن قبله الراحل بوتفليقة كانا حريصين على استمرار حكم عائلة الأسد، على رغم المجازر الكثيرة التي ارتُكبت في حق الشعب السوري.
الصحراء الغربية والخليج وسوريا!
لم تدعم الجزائر نظام المخلوع بشار الأسد بالمقاتلين فقط، فقد كان هناك دعم اقتصادي وسياسي ودبلوماسي أيضاً، فالمهم عند قيادة الجزائر بقاء الأسد في الحكم، وإن كلّف ذلك إبادة السوريين وتدمير المدن والقرى وحرق الأخضر واليابس.
وكانت الجزائر من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية متقدّمة مع نظام بشار الأسد خلال السنوات الأخيرة، ودعمت عودته إلى جامعة الدول العربية سنة 2023، بعد أكثر من عقد على تعليق عضوية سوريا في الجامعة.
ويأتي الدعم الجزائري لنظام الأسد نكاية بدول الخليج التي تدعم المغرب، فكل من يدعم المغرب تقف الجزائر ضده، حتى تضمن أصواتاً إضافية مساندة لها ولطرحها، في ما يخص قضية الصحراء الغربية.
كما يأتي هذا الدعم في إطار معاداة الجزائر للربيع العربي، فالنظام الجزائري يرى أن سقوط نظام الأسد يعني نجاح الربيع العربي، وهذا النجاح يهدد عرش الجنرالات في الجزائر، لذلك لا بد من دعم الجزار السوري بالقوة.
بسقوط نظام بشار الأسد، فقدت الجزائر حليفاً قوياً في المنطقة العربية، لكنها تبحث الآن عن ترتيب العلاقات مع القيادة الجديدة، علّها تحافظ على تحالفها القديم على رغم تغير النظام، فالمهم عندها الآن ألا تخسر أوراقاً إضافية تُضعف مكانتها الإقليمية المتهلهلة.
إقرأوا أيضاً: