fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

من وزارة التسامح إلى شرطي القمع: كيف تحوّلت الإمارات إلى قوة ضاربة في المنطقة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن الإمارات مستمرة في لعب دور شرطي المنطقة، غير مكترثة بتداعيات أفعالها على سمعتها الدولية أو على علاقاتها مع دول الجوار، ومع استمرار هذا النهج، فإن المنطقة مهيأة لمزيد من التحولات السياسية، إذ تسعى الدول العربية إلى إعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها من الدور الإماراتي الذي بات مكشوفاً للجميع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أسست دولة الإمارات في العام 2016 وزارة للتسامح، في خطوة رمزية اعتبرت الحكومة حينها أنها تهدف الى تعزيز قيم التعايش واحترام الآخر، لكن الواقع الذي تجلى في العقد الأخير هو نقيض هذه الصورة الساذجة تماماً.

باتت الإمارات اليوم واحدة من أكثر الدول إثارة للقلق في الشرق الأوسط بسبب أدوارها الإقليمية المتزايدة التي تعتمد على القمع والتدخل في شؤون الدول الأخرى بذريعة الأمن الإقليمي، الى درجة بلغت حد التعاون مع ميليشيات مسلّحة في اليمن والسودان متّهمة بارتكاب مجازر وانتهاكات متعددة.

كان يُنظر إلى إيران كقوة إقليمية تستخدم الميليشيات والجماعات المسلحة التابعة لها لتحقيق أهدافها، اختارت الإمارات أدوات مشابهة وأكثر تنوعاً، بما في ذلك المال والدبلوماسية السرية والتأثير الإعلامي والتكنولوجي ولوبيات الضغط في العواصم الكبرى. هذه الأدوات جعلت دور الإمارات أكثر تأثيراً، لكنها في الوقت ذاته أثارت حفيظة الكثيرين بعد تصاعد النفوذ الإماراتي الخفي والمعلن في الكثير من الأزمات.

حديثاً، برز الدور الإماراتي بشكل صادم عندما فرضت الإمارة نفوذها من خلال الضغط على السلطات اللبنانية لتسليم الشاعر عبدالرحمن القرضاوي المواطن المصري- التركي، خطوة لا قانونية ولا دستورية وأثارت مخاوف انتقادات واسعة، إذ أظهرت الإمارات عدم اكتراثها بتداعيات هذه الخطوة على سمعتها الدولية. 

لا تركيا ولا قطر استطاعتا إيقاف هذا المشهد أو إدانته لتظهر الإمارات كصاحبة الكلمة العليا في المنطقة، بخاصة في ظل تحالفها المتين مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

دور الإمارات في الثورات العربية

بداية الشرارة للتحولات التي شهدتها الإمارات بدأت خلال فترة الربيع العربي وانطلاق الاحتجاجات التي أثارت قلق الإمارة ومخاوفها من ارتداد هذه الانتفاضات عليها، فأبدت تحفظاتها على الثورات وانتقدت الدور القطري حينها. سريعاً ما انتظمت الإمارات في سياق ما سمي بـ”الثورات المضادة”، فسعت الى التأثير إعلاميا أو سياسياً أو أمنياً في الدول التي شهدت ثورات، مستخدمة نفوذها المالي والسياسي.

في تونس، عززت الإمارات نفوذها عبر دعم نظام الرئيس قيس سعيد، الذي اتخذ إجراءات تقوض مكتسبات الثورة التونسية، إذ جمّد البرلمان وعزّز سلطته ونفوذه الشخصي عبر إزاحة معارضيه وكم أفواه الصحافة والناقدين. وفي مصر، كان الدور الإماراتي واضحاً في تقديم الدعم المالي والسياسي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أتى إلى الحكم بعد انقلاب عسكري، مقوياً نفوذ المؤسسة العسكرية في مختلف المجالات خصوصاً تقويض مجالات حرية التعبير والتظاهر. 

وعلى رغم هذه المساعدات، تعاني مصر من انهيار اقتصادي غير مسبوق، إذ لم تُترجم هذه الصفقات المالية إلى تحسين أوضاع الشعب المصري بل إلى مزيد من تمكين السيسي.

أما في السودان، فقد ساهمت التدخلات الإماراتية في تعقيد الوضع السياسي والإنساني، إذ دعمت أطرافاً متصارعة ما أدى إلى إطالة أمد الأزمة هناك. وفي غزة، لا تزال تداعيات صفقات التطبيع الخليجي مع إسرائيل تلقي بظلالها على القطاع المحاصر، بخاصة مع عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الذي كان من أبرز داعمي هذه الصفقات وعراب اتفاقيات أبراهام.

وفي اليمن، لعبت الإمارات دوراً محورياً في الحرب، إذ لم يقتصر تدخلها على الجانب العسكري فقط، بل ركزت على السيطرة على الجنوب من خلال دعم الانفصاليين، تاركة السعودية في مواجهة استنزاف طويل مع الحوثيين. ولم تخفِ الإمارات رغبتها في بسط سيطرتها على جزيرة سقطرى، التي حولتها إلى وجهة سياحية تحت سيطرتها المباشرة.

حادثة اعتقال القرضاوي البعيدة تماماً من المواثيق الدولية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حادثة اعتقال عاصم غفور قبل أكثر من عامين، المحامي الأميركي لجمال خاشقجي، أثناء عبوره مطار دبي، حيث احتُجز لأسابيع عدة قبل الإفراج عنه. 

تحوّل الإمارات إلى شرطي المنطقة

على مدى العقد الماضي، أصبحت الإمارات القوة الإقليمية التي تزاحم السعودية على دورها التقليدي كقائد للعالم العربي والإسلامي. برز محمد بن زايد كزعيم قوي في المنطقة، ونجح في التأثير على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إذ يعتقد أنه لعب دوراً بارز في دفع بن سلمان الى اتخاذ خطوات خطيرة مثل خوض الحرب في اليمن وقيادة حملة المقاطعة ضد قطر.

لكن التأثير الإماراتي على بن سلمان لم يكن مقتصراً على الملفات الخارجية فقط، بل امتد إلى الداخل السعودي. تؤكد تقارير ومعلومات سياسية أن بن زايد كان مدركاً أن استقرار حكم بن سلمان يعتمد على إضعاف خصومه الداخليين، ولذلك شجعه على القيام بحملة اعتقالات واسعة طاولت الكثير من الأمراء والوزراء، أبرزهم وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، الذي كان يُنظر إليه كأحد أبرز المنافسين لبن سلمان والواقفين في وجه القوة السياسية الإماراتية وعدائه غير المعلن لبن زايد تحديداً. كما شملت حملة الاعتقالات شخصيات بارزة مثل عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، وأقرب مستشاريه.

حملة اعتقالات “الريتز كارلتون” عام 2017 كانت خطوة محورية في تعزيز سيطرة بن سلمان على الحكم، لكنها جعلته في الوقت ذاته أكثر اعتماداً على “توجيهات” محمد بن زايد، بعدما أزاح من حوله جميع المستشارين ذوي الخبرة والكفاءة. هذه الحملة أدت إلى عزل بن سلمان عن الأصوات التي كانت توازن قراراته أو تقوده لآداء أكثر تماشياً مع المصالح السعودية، ما جعله عرضة للتأثير الإماراتي بشكل أكبر.

بوادر تصدّع العلاقات الإماراتية – السعودية

في الآونة الأخيرة، وبينما بدأت تظهر بوادر تصدع في العلاقات بين السعودية والإمارات، أفرجت السعودية عن عدد من المعتقلين الذين كانوا يُعتبرون خصوماً وهميين لبن سلمان وسياساته كما يبدو من إقناع بن زايد له، وهو ما يشير إلى إدراك متأخر من بن سلمان للأخطاء التي ارتكبها تحت تأثير بن زايد.

 أبرز هذه الإفراجات كان خروج محمد القحطاني، الناشط الحقوقي البارز، بعد 12 عاماً من السجن، وعلى رغم أن القحطاني كان معتقلاً قبل حكم الملك سلمان وابنه، إلا أنه واجه ظروفاً قاسية خلال السنوات الأخيرة في سجنه وتم الإفراج عنه بعد عامين من انتهاء تنفيذ حكمه، وهي خطوة لافتة تشير إلى محاولة السعودية إصلاح بعض الأخطاء السابقة مع بقاء أسماء مهمة وعلى رأسهم الداعيتان سلمان العودة و عوض القرني.

هذه الإفراجات تزامنت مع تدهور العلاقات بين السعودية والإمارات، إذ بدأت الرياض في إعادة تقييم تحالفاتها الإقليمية، بما في ذلك استعادة العلاقات مع قطر وتقليل الاعتماد على الإمارات. ورغم ذلك، فإن إصلاح هذه الأخطاء يتطلب وقتاً طويلاً وتضحيات كبيرة.

استمرار القمع الإماراتي عبر الحدود

على رغم بوادر التوتر مع السعودية، يبدو أن الإمارات ماضية في تعزيز نفوذها غير آبهة بالانتقادات. حادثة اعتقال عبد الرحمن القرضاوي من السلطات الإماراتية هي مثال واضح على ذلك، إذ استلمته الإمارات من السلطات اللبنانية في خطوة أثارت استياءً واسعاً. 

ولعلّه من الساخر أن أقول إنه لو كانت العلاقات بين السعودية والإمارات لا تزال متينة، لربما دفعت الإمارات بن سلمان إلى تنفيذ عملية اعتقال مماثلة، ما كان سيُبقي صورتها أقل عنفاً على الصعيد الإقليمي والدولي. لكن مع تصدع العلاقات، لم تتردد الإمارات في تحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الخطوة القمعية.

حادثة اعتقال القرضاوي البعيدة تماماً من المواثيق الدولية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حادثة اعتقال عاصم غفور قبل أكثر من عامين، المحامي الأميركي لجمال خاشقجي، أثناء عبوره مطار دبي، حيث احتُجز لأسابيع عدة قبل الإفراج عنه. 

هذه الحوادث المتكررة تعكس سياسة إماراتية قمعية عابرة للحدود، تُظهر مدى تغلغل نفوذها في المنطقة، وعلى رغم من أنها تبدو غريبة أو حتى جديدة للبعض، إلا أن المتابع لملف الإمارات الحقوقي يدرك تماماً وحشية سجونها ومدى قمعها.

أخيراً، يبدو أن الإمارات مستمرة في لعب دور شرطي المنطقة، غير مكترثة بتداعيات أفعالها على سمعتها الدولية أو على علاقاتها مع دول الجوار، ومع استمرار هذا النهج، فإن المنطقة مهيأة لمزيد من التحولات السياسية، إذ تسعى الدول العربية إلى إعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها من الدور الإماراتي الذي بات مكشوفاً للجميع.

سمر فيصل - صحافية سعودية
المملكة العربية السعودية
13.01.2025
زمن القراءة: 5 minutes

يبدو أن الإمارات مستمرة في لعب دور شرطي المنطقة، غير مكترثة بتداعيات أفعالها على سمعتها الدولية أو على علاقاتها مع دول الجوار، ومع استمرار هذا النهج، فإن المنطقة مهيأة لمزيد من التحولات السياسية، إذ تسعى الدول العربية إلى إعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها من الدور الإماراتي الذي بات مكشوفاً للجميع.

أسست دولة الإمارات في العام 2016 وزارة للتسامح، في خطوة رمزية اعتبرت الحكومة حينها أنها تهدف الى تعزيز قيم التعايش واحترام الآخر، لكن الواقع الذي تجلى في العقد الأخير هو نقيض هذه الصورة الساذجة تماماً.

باتت الإمارات اليوم واحدة من أكثر الدول إثارة للقلق في الشرق الأوسط بسبب أدوارها الإقليمية المتزايدة التي تعتمد على القمع والتدخل في شؤون الدول الأخرى بذريعة الأمن الإقليمي، الى درجة بلغت حد التعاون مع ميليشيات مسلّحة في اليمن والسودان متّهمة بارتكاب مجازر وانتهاكات متعددة.

كان يُنظر إلى إيران كقوة إقليمية تستخدم الميليشيات والجماعات المسلحة التابعة لها لتحقيق أهدافها، اختارت الإمارات أدوات مشابهة وأكثر تنوعاً، بما في ذلك المال والدبلوماسية السرية والتأثير الإعلامي والتكنولوجي ولوبيات الضغط في العواصم الكبرى. هذه الأدوات جعلت دور الإمارات أكثر تأثيراً، لكنها في الوقت ذاته أثارت حفيظة الكثيرين بعد تصاعد النفوذ الإماراتي الخفي والمعلن في الكثير من الأزمات.

حديثاً، برز الدور الإماراتي بشكل صادم عندما فرضت الإمارة نفوذها من خلال الضغط على السلطات اللبنانية لتسليم الشاعر عبدالرحمن القرضاوي المواطن المصري- التركي، خطوة لا قانونية ولا دستورية وأثارت مخاوف انتقادات واسعة، إذ أظهرت الإمارات عدم اكتراثها بتداعيات هذه الخطوة على سمعتها الدولية. 

لا تركيا ولا قطر استطاعتا إيقاف هذا المشهد أو إدانته لتظهر الإمارات كصاحبة الكلمة العليا في المنطقة، بخاصة في ظل تحالفها المتين مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

دور الإمارات في الثورات العربية

بداية الشرارة للتحولات التي شهدتها الإمارات بدأت خلال فترة الربيع العربي وانطلاق الاحتجاجات التي أثارت قلق الإمارة ومخاوفها من ارتداد هذه الانتفاضات عليها، فأبدت تحفظاتها على الثورات وانتقدت الدور القطري حينها. سريعاً ما انتظمت الإمارات في سياق ما سمي بـ”الثورات المضادة”، فسعت الى التأثير إعلاميا أو سياسياً أو أمنياً في الدول التي شهدت ثورات، مستخدمة نفوذها المالي والسياسي.

في تونس، عززت الإمارات نفوذها عبر دعم نظام الرئيس قيس سعيد، الذي اتخذ إجراءات تقوض مكتسبات الثورة التونسية، إذ جمّد البرلمان وعزّز سلطته ونفوذه الشخصي عبر إزاحة معارضيه وكم أفواه الصحافة والناقدين. وفي مصر، كان الدور الإماراتي واضحاً في تقديم الدعم المالي والسياسي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أتى إلى الحكم بعد انقلاب عسكري، مقوياً نفوذ المؤسسة العسكرية في مختلف المجالات خصوصاً تقويض مجالات حرية التعبير والتظاهر. 

وعلى رغم هذه المساعدات، تعاني مصر من انهيار اقتصادي غير مسبوق، إذ لم تُترجم هذه الصفقات المالية إلى تحسين أوضاع الشعب المصري بل إلى مزيد من تمكين السيسي.

أما في السودان، فقد ساهمت التدخلات الإماراتية في تعقيد الوضع السياسي والإنساني، إذ دعمت أطرافاً متصارعة ما أدى إلى إطالة أمد الأزمة هناك. وفي غزة، لا تزال تداعيات صفقات التطبيع الخليجي مع إسرائيل تلقي بظلالها على القطاع المحاصر، بخاصة مع عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الذي كان من أبرز داعمي هذه الصفقات وعراب اتفاقيات أبراهام.

وفي اليمن، لعبت الإمارات دوراً محورياً في الحرب، إذ لم يقتصر تدخلها على الجانب العسكري فقط، بل ركزت على السيطرة على الجنوب من خلال دعم الانفصاليين، تاركة السعودية في مواجهة استنزاف طويل مع الحوثيين. ولم تخفِ الإمارات رغبتها في بسط سيطرتها على جزيرة سقطرى، التي حولتها إلى وجهة سياحية تحت سيطرتها المباشرة.

حادثة اعتقال القرضاوي البعيدة تماماً من المواثيق الدولية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حادثة اعتقال عاصم غفور قبل أكثر من عامين، المحامي الأميركي لجمال خاشقجي، أثناء عبوره مطار دبي، حيث احتُجز لأسابيع عدة قبل الإفراج عنه. 

تحوّل الإمارات إلى شرطي المنطقة

على مدى العقد الماضي، أصبحت الإمارات القوة الإقليمية التي تزاحم السعودية على دورها التقليدي كقائد للعالم العربي والإسلامي. برز محمد بن زايد كزعيم قوي في المنطقة، ونجح في التأثير على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إذ يعتقد أنه لعب دوراً بارز في دفع بن سلمان الى اتخاذ خطوات خطيرة مثل خوض الحرب في اليمن وقيادة حملة المقاطعة ضد قطر.

لكن التأثير الإماراتي على بن سلمان لم يكن مقتصراً على الملفات الخارجية فقط، بل امتد إلى الداخل السعودي. تؤكد تقارير ومعلومات سياسية أن بن زايد كان مدركاً أن استقرار حكم بن سلمان يعتمد على إضعاف خصومه الداخليين، ولذلك شجعه على القيام بحملة اعتقالات واسعة طاولت الكثير من الأمراء والوزراء، أبرزهم وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، الذي كان يُنظر إليه كأحد أبرز المنافسين لبن سلمان والواقفين في وجه القوة السياسية الإماراتية وعدائه غير المعلن لبن زايد تحديداً. كما شملت حملة الاعتقالات شخصيات بارزة مثل عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، وأقرب مستشاريه.

حملة اعتقالات “الريتز كارلتون” عام 2017 كانت خطوة محورية في تعزيز سيطرة بن سلمان على الحكم، لكنها جعلته في الوقت ذاته أكثر اعتماداً على “توجيهات” محمد بن زايد، بعدما أزاح من حوله جميع المستشارين ذوي الخبرة والكفاءة. هذه الحملة أدت إلى عزل بن سلمان عن الأصوات التي كانت توازن قراراته أو تقوده لآداء أكثر تماشياً مع المصالح السعودية، ما جعله عرضة للتأثير الإماراتي بشكل أكبر.

بوادر تصدّع العلاقات الإماراتية – السعودية

في الآونة الأخيرة، وبينما بدأت تظهر بوادر تصدع في العلاقات بين السعودية والإمارات، أفرجت السعودية عن عدد من المعتقلين الذين كانوا يُعتبرون خصوماً وهميين لبن سلمان وسياساته كما يبدو من إقناع بن زايد له، وهو ما يشير إلى إدراك متأخر من بن سلمان للأخطاء التي ارتكبها تحت تأثير بن زايد.

 أبرز هذه الإفراجات كان خروج محمد القحطاني، الناشط الحقوقي البارز، بعد 12 عاماً من السجن، وعلى رغم أن القحطاني كان معتقلاً قبل حكم الملك سلمان وابنه، إلا أنه واجه ظروفاً قاسية خلال السنوات الأخيرة في سجنه وتم الإفراج عنه بعد عامين من انتهاء تنفيذ حكمه، وهي خطوة لافتة تشير إلى محاولة السعودية إصلاح بعض الأخطاء السابقة مع بقاء أسماء مهمة وعلى رأسهم الداعيتان سلمان العودة و عوض القرني.

هذه الإفراجات تزامنت مع تدهور العلاقات بين السعودية والإمارات، إذ بدأت الرياض في إعادة تقييم تحالفاتها الإقليمية، بما في ذلك استعادة العلاقات مع قطر وتقليل الاعتماد على الإمارات. ورغم ذلك، فإن إصلاح هذه الأخطاء يتطلب وقتاً طويلاً وتضحيات كبيرة.

استمرار القمع الإماراتي عبر الحدود

على رغم بوادر التوتر مع السعودية، يبدو أن الإمارات ماضية في تعزيز نفوذها غير آبهة بالانتقادات. حادثة اعتقال عبد الرحمن القرضاوي من السلطات الإماراتية هي مثال واضح على ذلك، إذ استلمته الإمارات من السلطات اللبنانية في خطوة أثارت استياءً واسعاً. 

ولعلّه من الساخر أن أقول إنه لو كانت العلاقات بين السعودية والإمارات لا تزال متينة، لربما دفعت الإمارات بن سلمان إلى تنفيذ عملية اعتقال مماثلة، ما كان سيُبقي صورتها أقل عنفاً على الصعيد الإقليمي والدولي. لكن مع تصدع العلاقات، لم تتردد الإمارات في تحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الخطوة القمعية.

حادثة اعتقال القرضاوي البعيدة تماماً من المواثيق الدولية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حادثة اعتقال عاصم غفور قبل أكثر من عامين، المحامي الأميركي لجمال خاشقجي، أثناء عبوره مطار دبي، حيث احتُجز لأسابيع عدة قبل الإفراج عنه. 

هذه الحوادث المتكررة تعكس سياسة إماراتية قمعية عابرة للحدود، تُظهر مدى تغلغل نفوذها في المنطقة، وعلى رغم من أنها تبدو غريبة أو حتى جديدة للبعض، إلا أن المتابع لملف الإمارات الحقوقي يدرك تماماً وحشية سجونها ومدى قمعها.

أخيراً، يبدو أن الإمارات مستمرة في لعب دور شرطي المنطقة، غير مكترثة بتداعيات أفعالها على سمعتها الدولية أو على علاقاتها مع دول الجوار، ومع استمرار هذا النهج، فإن المنطقة مهيأة لمزيد من التحولات السياسية، إذ تسعى الدول العربية إلى إعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها من الدور الإماراتي الذي بات مكشوفاً للجميع.