وسام عدنان
نشرت وكالة رويترز في 7 أبريل/ نيسان 2025 تقريراً نقل تأكيد قادة ست فصائل عراقية مسلحة مدعومة من إيران، هي (حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء وحركة أنصار الله الأوفياء) الموافقة على نزع السلاح لتجنب “خطر تصاعد الصراع مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.
وباستثناء بيان مقتضب أصدرته كتائب حزب الله/العراق، نفت فيه ما أوردته رويترز على لسان قيادي فيها، مشيرة إلى أنه “لا يمت لثوابتنا ومواقفنا بصلة”، فإن اتجاه تلك الفصائل وفقاً لتصريحات مسؤولين عراقيين ماض نحو عدم التصعيد، بل وحتى القبول بنزع السلاح.
وهذا تحديداً ما أقره مستشار رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الصميدعي، في حديث متلفز بُثّ في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وهو “نوع من الاستجابة” لتهديد الولايات المتحدة الأميركية للحكومة العراقية بتفكيك الفصائل المسلحة، “وإلا فإن ذلك سيُفرض بالقوة”.
وذكر أن العراق “لم يعد قادراً على لعب دور القوة الضاربة لمحور المقاومة، في ظل تراجع حزب الله في لبنان والتغيرات الإقليمية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد”.
تصريحات الصميدعي اعتبرتها أوساط سياسية محلية تمهيداً لحل ميليشيا الحشد الشعبي التي أُسِّست بفتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني في 2014 لمواجهة تمدد داعش الذي سيطر على محافظات في غرب البلاد، وأنها أي تلك التصريحات، قد لا تتعلق فقط بفصائل مسلحة تستظل بالحشد وهي بالأصل مرتبطة بإيران.
لاحقاً، أكدت الحكومة العراقية عبر وزير الخارجية، فؤاد حسين، ما كشفه الصميدعي، إذ ذكر في مقابلة مع رويترز نشرت يوم 15 كانون الثاني/ يناير 2025، أن السلاح خارج إطار الدولة “غير مقبول”، وأن بغداد “تبذل جهوداً لإقناع الجماعات المسلحة التي حاربت القوات الأميركية وأطلقت الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، بالاندماج ضمن مؤسسات الدولة”.
وإزاء ذلك، يتردد سؤالان في الشارع العراقي يتعلقان بمدى استعداد الإطار التنسيقي الحاكم، الذي تمتلك معظم أطرافه ألوية وفصائل داخل الحشد الشعبي، للقبول بالشروط الأميركية؟ لا سيما أن بعضاً من تلك الفصائل هي ذاتها التي خاضت مواجهات خارج الحدود تحت شعار “وحدة جبهة الساحات”،
بالتنسيق مع أنصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان وحركة حماس وسرايا القدس في فلسطين، وذلك بعد العملية العسكرية التي أطلقتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي استهدفت بها إسرائيل بعملية مفاجئة وشاملة عبر هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة فضلاً عن الهجوم البري.
رسالة التفكيك
على الأرض، تشير مصادر محلية في محافظات عدة غرب العراق، ولا سيما نينوى، حيث تنشط فصائل شيعية مسلحة، إلى انسحاب عناصرها من نقاط تفتيش عدة كانت ترابط فيها منذ مطلع نيسان/ أبريل 2025، في خطوة تبدو أنها محاولة لتجنب الظهور أو التخفيف منه.
ولكن هل يعني هذا بالفعل أن تلك الفصائل تمضي بالتدريج نحو الانسحاب ومن ثم نزع السلاح والتفكيك؟ يجيب عن ذلك مصدر سياسي في الإطار التنسيقي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، فأكد أن الحكومة العراقية وافقت مبدئيا على ما أسماه “شروط التفكيك”.
ويلخصها بـ”اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة في تفكيك سلاح الفصائل المسلحة وحل الحشد الشعبي، وإدماج جنوده في تشكيلات وزارة الدفاع العراقية”.
ويشير إلى دعوة واشنطن بغداد الى اتخاذ خطوات سريعة لمعالجة “مخازن الأسلحة، ومصانع الصواريخ والطائرات المسيرة التابعة للفصائل”، وأنها قدمت صوراً جوية ومعلومات استخباراتية تفصيلية خاصة بتلك المواقع.
ويلفت المصدر إلى أن الإطار التنسيقي الحاكم وافق مبدئياً على هذه الشروط باستثناء حل الحشد الشعبي، مع أن الجانب الأميركي لا يفرق بين الاثنين، الحشد والفصائل، وبناءً على ذلك يقول إن أطرافاً داخل الإطار “اقترحت تحويل الحشد من هيئة مستقلة إلى مديرية تابعة لوزارة الدفاع، مع ضمان استمرار ممارسة الفصائل العمل السياسي وعدم إقصاء الأحزاب المرتبطة بتلك الفصائل من المناصب السياسية والإدارية”.
كما يذكر المصدر أن الحكومة العراقية طالبت بمهلة سنة كاملة لتنفيذ تلك الشروط، بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية وفقاً للاتفاق الذي تم توقيعه بين واشنطن وبغداد في أيلول/ سبتمبر 2024، والذي يفترض أن يتم على مرحلتين، الأولى في سبتمبر 2025، والثانية في أواخر عام 2026. ويستدرك: “الحكومة أضافت شرطاً أساسيا وهو عدم استهداف البلاد بأي عمل عسكري خلال العام 2025، وهو ما دعمته الوساطة السعودية والأردنية” على حد زعمه.
ويؤكد المصدر أن الجانب الأميركي أصر على تنفيذ شروطه كما هي قبل نهاية شهر نيسان/ أبريل 2025، وهدد في حال عدم تنفيذ التفكيك فإن العراق “سيعد مهدداً للمصالح الأميركية والدول الحليفة في الخليج”.
وفي ما يتعلق بشروط الفصائل المسلحة التي قدمتها للحكومة العراقية مقابل تسليم سلاحها، يقول قيادي في الحشد الشعبي، رفض هو الآخر الكشف عن هويته، إن أبرزها: “عدم ملاحقة قياداتها أو فرض عقوبات اقتصادية أو عسكرية على مصالحها السياسية والاقتصادية”.
ويشير إلى أن عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، تمتلك تمثيلاً في هيئة الحشد الشعبي من خلال ترؤسها قيادة عمليات صلاح الدين، التي تضم ألوية 41، 42، 43، و50 والتي يتقاضى عناصرها رواتبهم من الميزانية العامة. ويكشف عن امتلاك العصائب أجنحة عسكرية خارج هيئة الحشد الشعبي، تصفها بـ”المقاومة العقائدية التي لا تخضع لهيئة الحشد أو القائد العام للقوات المسلحة”.
ويذكر أن كتائب سيد الشهداء بزعامة أبو آلاء الولائي، لديها اللواء 14 في الحشد الشعبي، بينما تمتلك كتائب حزب الله ألوية في الحشد هي الأخرى، وهي ألوية 45، 46، و47، وتترأس قيادة عمليات الجزيرة التابعة للحشد، ولديها فصائل تسميها مقاومة إسلامية، والحال نفسها بالنسبة الى حركة النجباء، التي لديها اللواء 12، وفقاً لما يذكره القيادي في الحشد.
ويؤكد القيادي في الحشد، أن أعداد العناصر المسلحة في كل لواء بالحشد الشعبي تتراوح ما بين 1000 إلى 2500 عنصر، وجميعهم يتقاضون رواتب من الدولة العراقية، ومع ذلك يتم استخدامهم لتحقيق “غايات سياسية أو زجهم في صراعات عسكرية، بما يخالف تعليمات هيئة الحشد الشعبي وتوجيهاتها”.
ويلفت إلى أن رئيس الوزراء يواجه تحديات داخل الإطار التنسيقي نفسه، “يوجد انقسام حاد بين مؤيدي موقفه بشأن حصر سلاح الفصائل، مثل عمار الحكيم وحيدر العبادي، وبين أطراف أخرى ترفض هذا الاتجاه”.
ويقول إن السوداني طلب في زيارته الأخيرة في كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى السعودية والأردن، فهم ما يحصل خلف الكواليس والتوجهات الأميركية بشأن العراق، وقد تلقى في البلدين توصيات بالذهاب إلى إيران لتسوية مسألة الفصائل المسلحة، وأنه توجه بالفعل إلى طهران في 7 كانون الثاني/ يناير 2025 لحل هذا الملف، بحسب تأكيد القيادي في الحشد.
ويكشف عن إخراج الفصائل المسلحة أسلحتها من بغداد “قبيل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، في 20 كانون الثاني 2025، تحسباً لأي تصعيد محتمل، ورفعت من مستوى الحيطة والحذر في صفوفها استعداداً للمواجهة.
ويضيف مستدركاً: “لكن بعد خطاب لترامب والتطمينات التي حصل عليها العراق من بعض الدول، بدأت الفصائل تدرك أن الوضع قابل للتفاوض، وأن هنالك فرصاً للحوار المباشر أو غير المباشر وفق شروط معينة”.
في مطلع كانون الثاني 2025، كشف عمار الحكيم، القيادي البارز في الإطار التنسيقي الشيعي، في جلسة حوارية بمحافظة النجف، أنه تلقى معلومات من واشنطن تشير إلى أن الفصائل المسلحة ستتعرض للاستهداف.
وقال: “هنالك موقف سيُتخذ ضد الفصائل، لكن هذا الاستهداف لا يتعلق بكونهم جزءاً من الإطار التنسيقي”.
شروط التسليم
المتحث باسم كتائب سيد الشهداء، كاظم الفرطوسي، أبدى استياءه من تداول معلومات بشأن مفاوضات تجريها الحكومة العراقية مع الفصائل المسلحة بشأن تسليم أسلحتها، نافياً ذلك بشدة، ومؤكداً رفضه تسليم السلاح ما لم تغادر القوات الأميركية العراق بنحو نهائي وكامل.
وقال الفرطوسي إن “المقاومة ليست جزءاً من الحشد”، أي أن الفصائل المسلحة التي تعلن عداءها للقوات الأميركية ليست خاضعة للحشد الشعبي. وأضاف: “الفرق الجوهري بين هيئة الحشد التي تتبع القائد العام للقوات المسلحة، وبين المقاومة التي قامت أساساً لمواجهة المحتل، أن الأخيرة لا تقتصر مهمتها على العمل العسكري فحسب، بل تمتد أنشطتها إلى مجالات شعبية واجتماعية”.
وعاد للتأكيد: “لن نسلم سلاحنا للدولة إلا إذا كانت هناك ضمانات حقيقية بعدم عودة الاحتلال الأميركي، وإذا تحقق هذا الشرط، فإن الفصائل ستكون مستعدة لتسليم سلاحها، شرط أن يكون ذلك في إطار ضمان أمن البلد واستقلاله”.
وأشار إلى أن الحديث عن تقديم مغريات أو منح مناصب للفصائل مقابل التخلي عن سلاحها، هو “فكرة معيبة”على حد تعبيره. أما عن ربط قرار الفصائل العراقية بإيران، فقد عد الفرطوسي، الحديث عن ذلك “محاولة لسلب سيادة العراق ومقاومته، لأن التنسيق مع إيران لا يعني التبعية، بل هو دعم ومساندة من دولة صديقة”، مستدركاً “المقاومة عراقية بحتة”.
عضو المكتب السياسي لحركة النجباء، حيدر اللامي، يؤكد ما ذهب إليه المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء، إذ ينفي هو أيضاً وجود مفاوضات مع الحكومة العراقية بشأن تسليم “سلاح المقاومة”، ويقول:”السلاح ليس موضوعاً قابلاً للنقاش بل هو جزء من العقل الاستراتيجي للمقاومة، وبالتالي حتى لو تم تسليم السلاح، فإننا قادرون في أي لحظة على تصنيع طائرات مسيرة وصواريخ لمواجهة الاحتلال الأميركي”.
ويُذكّر الحكومة العراقية بدور الفصائل المسلحة قائلاً: “سلاح المقاومة لم يكن يوماً عائقاً أمام الحكومة، بل كان الضامن للاستقرار السياسي، خصوصاً في مواجهة تهديدات تنظيم داعش، والآن لا بد من بقاء سلاح المقاومة بسبب وجود القوات الأميركية غير الشرعي”.
ويتابع: “لا بد من وجود قوات رديفة للقوات الأمنية متمثلة بفصائل المقاومة للحفاظ على النظام السياسي، ونحن نعمل ضمن مظلة الدولة”.
أما نائب الأمين العام لحركة الأوفياء، الشيخ طاهر العبادي، فقد ذكر في تصريحات صحافية في 30 كانون الثاني/ يناير 2025 أن “المقاومة لن تلقي سلاحها أو تنخرط ضمن القوات الأمنية”، مشيراً إلى أن ارتباطها العقائدي والديني يجعل دمجها في مؤسسات الدولة “أمراً معقداً”.
وكشف العبادي عن تهديدات أميركية طاولت شخصيات بارزة في الإطار التنسيقي، من بينهم القياديان نوري المالكي وحيدر العبادي، وأن واشنطن أبلغت رئيس الوزراء العراقي بإمكانية تنفيذ ضربات عسكرية أميركية وإسرائيلية ضد مواقع الفصائل ومخازن أسلحتها داخل العراق.
القيادي في حركة الأوفياء، محمد البياتي، يقول إن الخشية ليست مما يأتي عبر الحدود بل “من أحداث قد تقع داخل العراق”، مؤكداً بذلك أهمية بقاء الفصائل المسلحة العراقية لحماية الأمن الداخلي للبلاد، وكغيره من قادة الفصائل المسلحة، يقول وعد القدو، وهو نائب وقيادي في اللواء 30 الشبكي الشيعي: “الحشد الشعبي لن يُحل، مهما كان الثمن ولو اضطررنا لدفع دماء العراقيين جميعا”.
إقرأوا أيضاً:
تفسيرات متناقضة لدعوة النجف
قبل وصول الرسالة الأميركية للحكومة بشأن الحشد الشعبي وسلاح الفصائل، وجه المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، دعوة واضحة لحصر السلاح بيد الدولة العراقية، وتعزيز سلطة القانون ومنع أي تدخلات خارجية، وكان ذلك خلال لقائه بممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة (يونامي) محمد الحسان.
وفي تفسير لهذا الموقف، ذكر نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، أن دعوة المرجعية استهدفت بنحو مباشر سلاح الفصائل المسلحة، وأنها تؤيد “حل الفصائل التي تمتلك الصواريخ والطائرات المسيرة، مما يستوجب الالتزام بتوجيهاتها”.
ويفرق الأعرجي، بين تلك الفصائل المسلحة والحشد الشعبي بقوله: “الحشد الشعبي مؤسسة عراقية تأسست بقرار عراقي، ولا يستطيع أحد حلها كما تروج بعض الأصوات، لكن موضوع الفصائل المسلحة مختلف، ويجب معالجته داخلياً ضمن الإطار الوطني”.
ومع إقراره بدور وصفه بالمهم لتلك الفصائل خلال المرحلة الفائتة، إلا أنه يرى أن العراق في المرحلة الحالية لايحتاج إلى وجودها لأن استمرارها “بات يشكل قلقاً لدول المنطقة وليس فقط للولايات المتحدة”. ويقترح حلاً وسطاً يتمثل بشراء الدولة الأسلحة التي تمتلكها الفصائل.
ووفقاً للأعرجي المعروف بقربه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فإن بعضاً من القوى السياسية “تمتلك فصائل مسلحة، ما يجعل الأمر بالغ الحساسية، إلا أن السوداني جاد في معالجة هذا الملف بطريقة وطنية وبقرار عراقي خالص بعيداً من أي ضغوط أو إملاءات خارجية”.
ويؤكد أن غالبية قادة الإطار التنسيقي يدعمون توجه السوداني في حل الفصائل، ما يسهل مهمته في إعادة هيكلة المشهد الأمني. ويرى أن الوضع في العراق سيظل مستقراً حتى موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، ويستبعد بشدة حدوث ضربات أميركية.
ويتحدث الأعرجي عن آلية لحل الفصائل المسلحة ستعتمدها الحكومة العراقية في خطتها، متمثلة بإدراجها ضمن الحشد الشعبي: “ما يمنحها شرعية قانونية تحت إشراف الدولة”.
وخلافاً لما أفاد به الأعرجي بخصوص دعوة المرجعية الشيعية، يقول عضو مجلس النواب والقيادي في الإطار التنسيقي عامر الفايز، إنها كانت تقصد “السلاح المنفلت”، ويوضح: “أي سلاح العشائر وبعض الأحزاب السياسية، وليس سلاح المقاومة”، ويقصد بالمقاومة الفصائل المسلّحة.
ويكشف الفايز عن رسالة قال إن الإطار التنسيقي أوصلها إلى قادة الفصائل، تضمنت عدم استعداد العراق لخوض مواجهة عسكرية واسعة النطاق قد تشترك فيها قوى دولية وإقليمية، وذكر أن الفصائل أبدت تفهمها لهذا الموقف، وأكدت أنها لن تكون الطرف المبادر بالتصعيد، لكنها في الوقت نفسه لن تتردد في الدفاع عن نفسها إذا تعرضت لأي استهداف، على حد قوله.
ويعبر القيادي في ائتلاف دولة القانون، حيدر اللامي، عن موقفه الثابت تجاه فصائل المقاومة، بقوله إن “المقاومة العراقية ليست ظاهرة عابرة بل هي أمر استثنائي نشأ على أرض العراق في ظروف خاصة ولن يتم حلها إلا في حال استقرار الوضع بشكل طبيعي”.
ويضيف: “أي طرف يرغب في التدخل في شؤون المقاومة يجب أن يذهب مباشرة إلى قادة الفصائل المسلحة للتفاهم معهم ووضع شروطهم إذا كانوا يرغبون في حل هذه الفصائل، ولا يمكن لأميركا أن تملي علينا ما يجب علينا فعله”.
القرار في طهران
وسط الجدل المتصاعد بشأن مصير الفصائل وسلاحها، يرى الخبير الأمني أحمد الشريفي، أن إيران قد تكون وراء دفع الفصائل العراقية نحو نزع سلاحها، لأنها تسعى الى الحفاظ على مواقع الفصائل السياسية في العراق.
ويؤكد الشريفي أن “حصر السلاح بيد الدولة كان أحد الشروط الدولية والتعهدات التي التزم بها رئيس الوزراء السوداني خلال تشكيل حكومته، إلى جانب ضمان عدم التعرض للمصالح الأميركية في العراق”.
وفي حال تم الاتفاق بين الإطار التنسيقي (الذي يضم فصائل مسلحة) على نزع السلاح بشكل سياسي بناءً على رأي المرجعية الشيعية، فقد يتم حل الفصائل سلمياً. لكن إذا تعذر ذلك، فلا يستبعد الشريفي أن يتم اللجوء إلى عمليات عسكرية خاصة، مثل الضربات الجوية، لفرض نزع السلاح بالقوة وفرض الاستقرار.
لكن العميد المتقاعد إحسان القيسون، يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن قرار حل الفصائل ليس بيد بغداد، بل هو في طهران، وأشار إلى أن هناك ما يقرب من 18 فصيلاً عسكرياً ولائياً في العراق “جميعها تتلقى الأوامر حصرياً من إيران، وعلى رأسها كتائب سيد الشهداء، وحركة النجباء، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، التي تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ”.
ويضيف القيسون، أن هذه الفصائل لا تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء)، بل تتلقى تعليماتها مباشرة من قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاني، ويؤكد “لهذا، فإن قراراً بحل هذه الفصائل أو دمجها لا يمكن أن يصدر من بغداد، وإنما يجب أن يأتي من طهران، حيث ترتبط هذه الجماعات عقائدياً بالنظام الإيراني”.
ويعتقد القيسون، أن إيران قد تتخلى عن الفصائل العراقية إذا شعرت بأن نظامها في طهران مهدد، ويستدرك: “سبق لطهران أن ضحت بحلفائها عندما واجهت ضغوطًا دولية، مثلما حدث مع بعض قادة حزب الله، وحماس، والنظام السوري بقيادة بشار الأسد”. وبناءً على ذلك، هو لا يستبعد أن “تستخدم إيران الفصائل العراقية كورقة تفاوضية أو حتى ككبش فداء إذا اقتضت الظروف ذلك”.
وفقًا للنائب السابق ظافر العاني، فإن زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني السرية إلى بغداد في 5 كانون الثاني/ يناير 2025، التي سبقت زيارة السوداني إلى طهران، كان هدفها مناقشة مستقبل الفصائل المسلحة، ويرى أن “إيران للا تزال تجد في هذه الفصائل درعاً مهماً لمصالحها الإقليمية، بخاصة في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية”.
ويشير إلى أن بقاء هذه الفصائل خارج إطار الدولة قد يعرض العراق إلى عقوبات اقتصادية ومالية قاسية، وربما حتى إجراءات عسكرية لفرض الأمر الواقع.
في 27 آذار/ مارس 2025، صرح السفير الإيراني لدى بغداد، محمد كاظم آل صادق، خلال لقاء تلفزيوني، بأن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وجه رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي تضمنت طلباً بحل الحشد الشعبي والفصائل المسلحة في العراق.
وفي سياق متصل، وجهت وزارة الخارجية الأميركية، في 24 آذار/ مارس 2025، دعوة صريحة للحكومة العراقية بضرورة فرض سيطرتها على جميع الفصائل المسلحة داخل أراضيها، مشددةً على أهمية أن يكون القرار الأمني والعسكري عراقياً خالصاً، بعيداً من أي نفوذ خارجي، بما في ذلك النفوذ الإيراني.
وعلى الرغم من توالي التصريحات والمواقف الرسمية بشأن السلاح خارج الدولة، التزمت الفصائل العراقية حالة من الصمت السياسي والميداني، إذ انسحبت من سوريا قبيل إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وسبق ذلك وقف لهجماتها ضد إسرائيل قبل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. ووسط هذه التطورات، يبقى مستقبل هذه الفصائل مرهوناً بالتصعيد أو التسويات السياسية.
أُنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية