fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“مواطنة” لحقوق الإنسان: أطراف النزاع في اليمن مارست انتهاكات رغم الهدنة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم الهدنة التي أُعلنت في اليمن منذ نيسان/ أبريل 2022، مارست الأطراف المتنازعة انتهاكات يرتقي بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان عبدالله المساوى، الشاب الثلاثيني الذي نزح مع عائلته الى العاصمة صنعاء، يأمل بألّا تنتهي سنة 2022 إلا وقد عاد إلى منزله الذي تركه هرباً من جحيم الحرب التي نشبت في محيطه وقُتل فيها شقيقه الأكبر قبل ثلاثة أعوام، لكنه لم يستطع العودة، إذ أصبح الانتقال من وإلى “حيس”، المنطقة التي كان يقطنها في الساحل الغربي، مغامرة محفوفة بالأخطار، كونها تشهد معارك مسلّحة منذ نهاية العام الماضي على رغم إعلان هدنة وقف الأعمال القتالية.

يعاني عبدالله، الذي يعيل سبعة أبناء، من بينهم طفل معوّق، إلى جانب والدته وزوجته، من ظروف اقتصادية سيئة بسبب عدم حصوله على فرصة عمل تقيه الحاجة إلى المساعدات المتقطعة التي تقدمها المنظمات الإغاثية للنازحين بين فترة وأخرى.

يرى كثيرون أن قصة عبدالله تختزل المأساة التي يعانيها غالبية اليمنيين بسبب استمرار الهجمات الجوية والبرية، والانتهاكات التي ارتكبتها مختلف أطراف النزاع الحالي في البلاد خلال 2022، الأمر الذي دفع منظمات محلية ودولية الى إصدار تقارير تحذّر فيها من مغبّة استمرار الحرب وتداعياتها الخطيرة.

قُتل في الحرب خلال عام واحد فقط، ما لا يقل عن 388 مدنياً من بينهم 134 طفلاً و19 امرأة، وجُرح فيها ما لا يقل عن 880 مدنياً، من بينهم 383 طفلًا و70 امرأة. كما خربت الحرب بشكل واسع البنية التحتية الحيوية، بما فيها المستشفيات والمدارس والمرافق الخدمية. وفقاً لإحاطة صحافية عن حالة حقوق الإنسان للعام 2022، صدرت عن “مواطنة لحقوق الإنسان”، المنظمة المستقلة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها في اليمن. 

سلطت “مواطنة” الضوء على الانتهاكات التي تمس كرامة الإنسان اليمني، كالقيود على حرية التنقل والسفر بين المدن والقرى والمناطق اليمنية.

تورّط جماعي

تضمنت الإحاطة الصادرة عن “مواطنة”، إحصاءات موثّقة بالمكان والزمان من مختلف المناطق اليمنية طيلة أيام العام الفائت، تفنّد الهجمات الجوية والبرية وهجمات الطائرات المسيرة، وما سببته الألغام والأجسام المتفجرة من كوارث، إضافة إلى مأسي تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاع، مروراً برصد وسائل وأساليب التعذيب والعنف الجنسي، والاعتداءات المتكررة التي استهدفت رموز ومنشآت الرعاية الصحية والمنشآت التعليمية كالمدارس وغيرها. 

كما تضمنت الإحاطة رصد الانتهاكات التي مورست بحق المهاجرين الأفارقة الذين لم يسلموا من تلك الاعتداءات، كما لم يسلموا هم وغيرهم من المواطنين اليمنيين من ممارسات يُمكن وصفها بغير إنسانية، إذ مُنعت عنهم المساعدات والمواد الإغاثية.

سلطت “مواطنة” الضوء على الانتهاكات التي تمس كرامة الإنسان اليمني، كالقيود على حرية التنقل والسفر بين المدن والقرى والمناطق اليمنية، إضافة الى رصدها انتهاكات مورست بحق اليمنيين تتمثل بالاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.

رصدت طواقم عمل “مواطنة” الانتهاكات التي مارستها كل من جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون) المدعومة إيرانياً، وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والقوات التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والقوات المدعومة من الإمارات بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة.

تقول “مواطنة” أن التوثيق والرصد تمّا من خلال تحقيقات وأبحاث ولقاءات أجريت مع متضررين من الحرب في 17 محافظة يمنية، واتفق جميعهم على أن أطراف النزاع كافة متورطة بارتكاب انتهاكات فظيعة يرتقي البعض منها إلى جرائم حرب.

وتضمنت الإحاطة أدلة تؤكد إخفاق جميع أطراف النزاع في تجنيب المدنيين في اليمن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، لا سيما خلال فترة دخول الهدنة حيّز التنفيذ أوائل شهر نيسان/أبريل عام 2022.

تقول الناشطة الحقوقية وداد البدوي: “كان العام 2022 صعباً للغاية على فئات المجتمع كافة وبخاصة النساء والأطفال، حتى خلال فترة الهدنة تفاءل الناس بحدوث انفراجه، لكن ذلك لم يحدث،  إذ تردّت الأوضاع الاقتصادية ما انعكس سلباً على نشاطات المواطنين وحياتهم”.

اعتداءات برية وبحرية وجوية

شهدت محافظات مأرب وشبوة وتعز في مستهل عام 2022، معارك مسلّحة شنّتها جماعة أنصار الله ضد خصومها، ما أدى الى مقتل وجرح كثر من المدنيين، رافق تلك المعارك تزايد الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات التحالف التي استهدفت مدنيين، ما دفع منظمتي “هيومن رايتس ووتش” و”مواطنة” إلى إصدار بيان مشترك وثقتا فيه ثلاث هجمات جوية نفذها التحالف وقعت في أواخر كانون الثاني/يناير 2022، وأدت إلى مقتل نحو 80 مدنياً، بينهم ثلاثة أطفال، وإصابة 156 مدنيّاً بينهم طفلان.

تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بقيادة رشاد العليمي في السابع من نيسان 2022، ليخلف الرئيس السابق هادي، إثر ذلك أعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، عن هدنة لمدة شهرين. تم تمديدها مرتين، آخرها في تشرين الأول/أكتوبر 2022، لكن هجمات التحالف العربي الجوية لم تتوقف كلياً استجابة للهدنة، فوفق إحاطة “مواطنة”، قُتل ما لا يقل عن 110 مدنيين، بينهم 14 طفلاً، وثلاث نساء، وجرح ما لا يقل عن 175 مدنياً، طيلة أيام عام 2022.

لم تتوقف الهجمات بالطائرات المسيرة التي نفذتها جماعة أنصار الله، إذ أدت 13 هجمة إلى مقتل تسعة مدنيين من بينهم خمسة أطفال، وجـرح ما لا يقـل عـن 33 مدنيّاً، من بينهـم 20 طفلًا وخمس نساء.

استمرت هجمات مختلف أطراف النزاع البرية خلال فترة الهدنة، ما خلّف قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، ووفق ما وثقته “مواطنة” من إحصاءات شملت الأضرار الناتجة من الهجمات البرية خلال العام 2022، فقد أدت 53 هجمة برية الى مقتل 43 مدنياً من بينهم 15 طفلاً وثماني نساء، وجرح ما لا يقل عن 150 مدنياً، بينهم 79 طفلاً و16 امرأة. 

حمّلت “مواطنة” جماعة الحوثيين المسؤولية في 23 واقعة، فيما حمّلت قوات حرس الحدود السعودي مسؤولية 10 وقائع، والقوات المشتركة واقعتين، بينما ارتكبت القوات الحكومية سبع وقائع، وقوات المجلس الجنوبي الانتقالي ثماني وقائع، وقوات دفاع شبوة واقعة واحدة. 

شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2022 تصعيداً في وتيرة المعارك للمرة الأولى منذ بدء الحرب، إذ هجمت طائرات تابعة لجماعة أنصار الله على بواخر بالقرب من ميناء الضبة النفطي في حضرموت وميناء قنا بشبوة، آنذاك ربط المبعوث الأممي  غروندبرغ بين تلك الهجمات وبطء وتيرة جمع التبرعات لإنقاذ سفينة “صافر” التي تحمل نحو 1.14 مليون برميل من النفط الخام الخفيف في ميناء الحديدة.

إنهاك الصحافيين 

قُتل الطفل نجيب محفوظ (17 عاماً) في السادس من نيسان 2022، إثر انفجار مقذوف من مخلفات الحرب في منطقة الحوك بمحافظة الحديدة، كان بجانب الطفل سبعة من أقاربه من بينهم الصحافي أنور أحمد الطيب 30 عاماً، والذي تعرض لإصابة خطيرة.

ارتفعت وقائع انفجار الألغام والأجسام المتفجرة بشكل متزايد خلال العام 2022 في الحديدة ومختلف المناطق التي شهدت معارك ضارية، إذ وصلت الى ما يقارب 122 واقعة انفجار لغم، ما أدى إلى مقتل قرابة 82 مدنياً من بينهم 31 طفلاً وامرأتان، وجرح 148 مدنيّاً من بينهم 86 طفلاً وثماني نساء، كما وثقت “مواطنة” قرابة 94 واقعة أجسام متفجرة أودت بحياة 50 مدنياً، من بينهم 36 طفلاً وأربع نساء، وتسببت بوقوع 191 جريحاً مدنيّاً بينهم 109 أطفال و14 امرأة. ووفقاً لـ”مواطنة”، فإن “جماعة أنصار الله” تتحمل مسؤولية جميع وقائع الألغام التي رُصدت، باستثناء سبع وقائع لم تستطع “مواطنة” تحديد الطرف المنتهك فيها.

 يقول أنور الطيب، الصحافي المصاب بانفجار اللغم: “نجوت من الموت بأعجوبة، لم أكن أتخيل أني كدت أفقد حياتي بسبب الألغام التي كنت أحذر المواطنين من أخطارها، يبدو أننا معشر الصحافيين لن نذوق طعم الراحة خلال الحرب التي أنهكتنا”.

واصلت الحرب إنهاك الصحافيين اليمنيين، إذ وثّقت “مواطنة” أربع وقائع طاولت 10 صحافيين وعاملين في مجال الصحافة خلال العام 2022. كما اعتقلت قوات العمالقة في شبوة سبعة صحافيّين، فيما اعتقلت القوات الحكومية صحافيين اثنين، وقوات “جماعة أنصار الله” صحافيّاً واحداً، إلى جانب استمرارها باحتجاز أربعة صحافيين تعسفياً.

انتهاكات بحق المرأة والطفل

أصدرت “مواطنة” و15 منظمة أخرى في آب/أغسطس 2022، بياناً مشتركاً لمطالبة جماعة الحوثي بفتح الطرق الحيوية في تعز فوراً، ليستعيد المدنيون والمدنيات حرية التنقل، لكن المفاوضات بين الجماعة وخصومها لم تحرز أي تقدم، بالتالي لم تُفتح الطرق، وفي ملف تبادل الأسرى لم تحرز أطراف النزاع أيّ تقدّمٍ يُذكر، واستمرت وقائع تقييد حرية تنقل المدنيين في مناطق يمنية مختلفة في العام 2022، إذ وثقت “مواطنة” سبع وقائع تتحمل “جماعة أنصار الله” مسؤوليتها، إضافة إلى تحمّل القوات الحكومية مسؤولية احتجاز تعسفي طاولت 35 مدنيّاً فيما اعتقل المجلس الانتقالي الجنوبي 44 مدنيّاً، أما القوات المشتركة على الساحل الغربي فمسؤولة عن اعتقال 15 مدنيّاً. كما اعتقلت عناصر مسلحة تنتمي إلى تنظيم “القاعدة” ثلاثة مدنيين.

الأطفال والنساء هم الفئة الأكثر ضعفاً في الصراع، إذ لم يسلموا من الانتهاكات التي طاولت المدنيين في اليمن خلال العام 2022، فقد وثّقت “مواطنة” مقتل أربعة أطفال وامرأة من إجمالي 58 ضحيةً من المدنيين تم تعذيبهم في مراكز للاحتجاز من أطراف النزاع. كما عملت الأخيرة على تجنيد واستخدام ما لا يقل عن 83 طفلاً، من بينهم ثلاث فتيات على الأقل.

كما وثقت “مواطنة” وقائع عنفٍ جنسي لـ18 ضحية، تعرضوا للاغتصاب من مختلف أطراف النزاع في اليمن، من بينهم تسع فتيات وثلاثة فتيان وامرأة بالغة، إضافة الى توثيق محاولة اغتصاب لثلاث فتيات وفتيين اثنين أصيب أحدهما بطلق ناري بسبب رفضه. بالإضافة الى وقائع اختفاء قسري لـ 160 ضحية مدنية، حدثت خلال العام الماضي، من بينهم 13 طفلاً وأربع نساء. وأوضحت “مواطنة” أن جماعة الحوثي تتحمل مسؤولية إخفاء 53 مدنيّاً، وقوات المجلس الانتقالي 38 مدنيًّا، والقوات الحكومية والقوات الموالية لها 32 مدنيّاً. أما القوات المشتركة في الساحل الغربي، فتتحمل مسؤولية إخفاء 13 مدنيّاً، بينما أخفت قوات دفاع شبوة تسعة مدنيين، وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات ثمانية مدنيين، بينما أقدمت قوات النخبة الحضرمية على إخفاء ثلاث ضحايا مدنيين، واغتصبت عصابات التهريب والإتجار بالبشر أربعة مهاجرين وأخفتهم.

حتى المدارس التي من المفترض أن تكون ملاذاً آمنا لأولئك الأطفال، لم تسلم أيضاً من الاعتداءات، حيث رُصد ما لا يقل عن 106 اعتداءات. كما لم تسلم المنشآت الصحية من القصف الجوي والبري والاعتداء على العاملين في مستشفيات ومراكز صحية في محافظات صنعاء وشبوة والحديدة والجوف، والتي تم رصدها من “مواطنة” بنحو 35 واقعة.

دعوات للمساءلة والمحاسبة

أدى إنهاء ولاية فريق الخبراء البارزين الخاص باليمن، إلى غياب آليات المساءلة الدولية المستقلة، مما زاد من تكريس سياسة إفلات المنتهكين من العقاب، وجعل إمكان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا بعيد المنال. وعن ذلك، يلفت أسامة الفقيه، مدير المناصرة في “مواطنة” لحقوق الإنسان، إلى أن “استمرار الوضع المتردي لحقوق الإنسان في اليمن هو إحدى نتائج سياسة الإفلات من العقاب التي تورط في تعزيزها المجتمع الدولي”. ويقول الفقيه: “يجب أن تؤدي الدول دوراً إيجابياً في تعزيز المساءلة الجنائية الدولية بدل من أن تقف متفرجة”.

تشاطره الرأي المحامية والناشطة هدى الصراري، قائلة: “حين لا تتحمل المسؤولية عن أفعالك الخاصة، ولا تحاسب حكومتك على التعذيب الذي ارتكبته، فإنها ستواصل ارتكابه بطريقة أو بأخرى”.

خلصت الإحاطة الصحافية التي أصدرتها “مواطنة” والناتجة من إجراء أكثر من 2183 مقابلة باللغة العربية مع ضحايا، وذوي ضحايا، وشهود عيان، وعاملين في المجال الطبي والإنساني عن حالة حقوق الإنسان في اليمن للعام 2022، إلى ضرورة حث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى سرعة تشكيل آلية تحقيق جنائية دولية مستقلة خاصة باليمن، تختص ولايتها بتوثيق انتهاكات أطراف النزاع، ورفع التقارير العلنية، وجمع الأدلة وحفظها وتحليلها، وبناء ملفات للقيام بإجراءات التقاضي الجنائي مستقبلًا.

وطالبت “مواطنة” أطراف النزاع بإزالة العقبات وتكثيف الجهود للتوصل الى اتفاق يُمدد الهدنة التي انتهت مطلع تشرين الأول 2022، والعمل على الوقف النهائي للعمليات العسكرية والعدائية، ودفع رواتب موظفي وموظفات الخدمة المدنية، وفتح الطُرق.

19.01.2023
زمن القراءة: 8 minutes

على رغم الهدنة التي أُعلنت في اليمن منذ نيسان/ أبريل 2022، مارست الأطراف المتنازعة انتهاكات يرتقي بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة.

كان عبدالله المساوى، الشاب الثلاثيني الذي نزح مع عائلته الى العاصمة صنعاء، يأمل بألّا تنتهي سنة 2022 إلا وقد عاد إلى منزله الذي تركه هرباً من جحيم الحرب التي نشبت في محيطه وقُتل فيها شقيقه الأكبر قبل ثلاثة أعوام، لكنه لم يستطع العودة، إذ أصبح الانتقال من وإلى “حيس”، المنطقة التي كان يقطنها في الساحل الغربي، مغامرة محفوفة بالأخطار، كونها تشهد معارك مسلّحة منذ نهاية العام الماضي على رغم إعلان هدنة وقف الأعمال القتالية.

يعاني عبدالله، الذي يعيل سبعة أبناء، من بينهم طفل معوّق، إلى جانب والدته وزوجته، من ظروف اقتصادية سيئة بسبب عدم حصوله على فرصة عمل تقيه الحاجة إلى المساعدات المتقطعة التي تقدمها المنظمات الإغاثية للنازحين بين فترة وأخرى.

يرى كثيرون أن قصة عبدالله تختزل المأساة التي يعانيها غالبية اليمنيين بسبب استمرار الهجمات الجوية والبرية، والانتهاكات التي ارتكبتها مختلف أطراف النزاع الحالي في البلاد خلال 2022، الأمر الذي دفع منظمات محلية ودولية الى إصدار تقارير تحذّر فيها من مغبّة استمرار الحرب وتداعياتها الخطيرة.

قُتل في الحرب خلال عام واحد فقط، ما لا يقل عن 388 مدنياً من بينهم 134 طفلاً و19 امرأة، وجُرح فيها ما لا يقل عن 880 مدنياً، من بينهم 383 طفلًا و70 امرأة. كما خربت الحرب بشكل واسع البنية التحتية الحيوية، بما فيها المستشفيات والمدارس والمرافق الخدمية. وفقاً لإحاطة صحافية عن حالة حقوق الإنسان للعام 2022، صدرت عن “مواطنة لحقوق الإنسان”، المنظمة المستقلة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها في اليمن. 

سلطت “مواطنة” الضوء على الانتهاكات التي تمس كرامة الإنسان اليمني، كالقيود على حرية التنقل والسفر بين المدن والقرى والمناطق اليمنية.

تورّط جماعي

تضمنت الإحاطة الصادرة عن “مواطنة”، إحصاءات موثّقة بالمكان والزمان من مختلف المناطق اليمنية طيلة أيام العام الفائت، تفنّد الهجمات الجوية والبرية وهجمات الطائرات المسيرة، وما سببته الألغام والأجسام المتفجرة من كوارث، إضافة إلى مأسي تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاع، مروراً برصد وسائل وأساليب التعذيب والعنف الجنسي، والاعتداءات المتكررة التي استهدفت رموز ومنشآت الرعاية الصحية والمنشآت التعليمية كالمدارس وغيرها. 

كما تضمنت الإحاطة رصد الانتهاكات التي مورست بحق المهاجرين الأفارقة الذين لم يسلموا من تلك الاعتداءات، كما لم يسلموا هم وغيرهم من المواطنين اليمنيين من ممارسات يُمكن وصفها بغير إنسانية، إذ مُنعت عنهم المساعدات والمواد الإغاثية.

سلطت “مواطنة” الضوء على الانتهاكات التي تمس كرامة الإنسان اليمني، كالقيود على حرية التنقل والسفر بين المدن والقرى والمناطق اليمنية، إضافة الى رصدها انتهاكات مورست بحق اليمنيين تتمثل بالاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.

رصدت طواقم عمل “مواطنة” الانتهاكات التي مارستها كل من جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون) المدعومة إيرانياً، وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والقوات التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والقوات المدعومة من الإمارات بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة.

تقول “مواطنة” أن التوثيق والرصد تمّا من خلال تحقيقات وأبحاث ولقاءات أجريت مع متضررين من الحرب في 17 محافظة يمنية، واتفق جميعهم على أن أطراف النزاع كافة متورطة بارتكاب انتهاكات فظيعة يرتقي البعض منها إلى جرائم حرب.

وتضمنت الإحاطة أدلة تؤكد إخفاق جميع أطراف النزاع في تجنيب المدنيين في اليمن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، لا سيما خلال فترة دخول الهدنة حيّز التنفيذ أوائل شهر نيسان/أبريل عام 2022.

تقول الناشطة الحقوقية وداد البدوي: “كان العام 2022 صعباً للغاية على فئات المجتمع كافة وبخاصة النساء والأطفال، حتى خلال فترة الهدنة تفاءل الناس بحدوث انفراجه، لكن ذلك لم يحدث،  إذ تردّت الأوضاع الاقتصادية ما انعكس سلباً على نشاطات المواطنين وحياتهم”.

اعتداءات برية وبحرية وجوية

شهدت محافظات مأرب وشبوة وتعز في مستهل عام 2022، معارك مسلّحة شنّتها جماعة أنصار الله ضد خصومها، ما أدى الى مقتل وجرح كثر من المدنيين، رافق تلك المعارك تزايد الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات التحالف التي استهدفت مدنيين، ما دفع منظمتي “هيومن رايتس ووتش” و”مواطنة” إلى إصدار بيان مشترك وثقتا فيه ثلاث هجمات جوية نفذها التحالف وقعت في أواخر كانون الثاني/يناير 2022، وأدت إلى مقتل نحو 80 مدنياً، بينهم ثلاثة أطفال، وإصابة 156 مدنيّاً بينهم طفلان.

تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بقيادة رشاد العليمي في السابع من نيسان 2022، ليخلف الرئيس السابق هادي، إثر ذلك أعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، عن هدنة لمدة شهرين. تم تمديدها مرتين، آخرها في تشرين الأول/أكتوبر 2022، لكن هجمات التحالف العربي الجوية لم تتوقف كلياً استجابة للهدنة، فوفق إحاطة “مواطنة”، قُتل ما لا يقل عن 110 مدنيين، بينهم 14 طفلاً، وثلاث نساء، وجرح ما لا يقل عن 175 مدنياً، طيلة أيام عام 2022.

لم تتوقف الهجمات بالطائرات المسيرة التي نفذتها جماعة أنصار الله، إذ أدت 13 هجمة إلى مقتل تسعة مدنيين من بينهم خمسة أطفال، وجـرح ما لا يقـل عـن 33 مدنيّاً، من بينهـم 20 طفلًا وخمس نساء.

استمرت هجمات مختلف أطراف النزاع البرية خلال فترة الهدنة، ما خلّف قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، ووفق ما وثقته “مواطنة” من إحصاءات شملت الأضرار الناتجة من الهجمات البرية خلال العام 2022، فقد أدت 53 هجمة برية الى مقتل 43 مدنياً من بينهم 15 طفلاً وثماني نساء، وجرح ما لا يقل عن 150 مدنياً، بينهم 79 طفلاً و16 امرأة. 

حمّلت “مواطنة” جماعة الحوثيين المسؤولية في 23 واقعة، فيما حمّلت قوات حرس الحدود السعودي مسؤولية 10 وقائع، والقوات المشتركة واقعتين، بينما ارتكبت القوات الحكومية سبع وقائع، وقوات المجلس الجنوبي الانتقالي ثماني وقائع، وقوات دفاع شبوة واقعة واحدة. 

شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2022 تصعيداً في وتيرة المعارك للمرة الأولى منذ بدء الحرب، إذ هجمت طائرات تابعة لجماعة أنصار الله على بواخر بالقرب من ميناء الضبة النفطي في حضرموت وميناء قنا بشبوة، آنذاك ربط المبعوث الأممي  غروندبرغ بين تلك الهجمات وبطء وتيرة جمع التبرعات لإنقاذ سفينة “صافر” التي تحمل نحو 1.14 مليون برميل من النفط الخام الخفيف في ميناء الحديدة.

إنهاك الصحافيين 

قُتل الطفل نجيب محفوظ (17 عاماً) في السادس من نيسان 2022، إثر انفجار مقذوف من مخلفات الحرب في منطقة الحوك بمحافظة الحديدة، كان بجانب الطفل سبعة من أقاربه من بينهم الصحافي أنور أحمد الطيب 30 عاماً، والذي تعرض لإصابة خطيرة.

ارتفعت وقائع انفجار الألغام والأجسام المتفجرة بشكل متزايد خلال العام 2022 في الحديدة ومختلف المناطق التي شهدت معارك ضارية، إذ وصلت الى ما يقارب 122 واقعة انفجار لغم، ما أدى إلى مقتل قرابة 82 مدنياً من بينهم 31 طفلاً وامرأتان، وجرح 148 مدنيّاً من بينهم 86 طفلاً وثماني نساء، كما وثقت “مواطنة” قرابة 94 واقعة أجسام متفجرة أودت بحياة 50 مدنياً، من بينهم 36 طفلاً وأربع نساء، وتسببت بوقوع 191 جريحاً مدنيّاً بينهم 109 أطفال و14 امرأة. ووفقاً لـ”مواطنة”، فإن “جماعة أنصار الله” تتحمل مسؤولية جميع وقائع الألغام التي رُصدت، باستثناء سبع وقائع لم تستطع “مواطنة” تحديد الطرف المنتهك فيها.

 يقول أنور الطيب، الصحافي المصاب بانفجار اللغم: “نجوت من الموت بأعجوبة، لم أكن أتخيل أني كدت أفقد حياتي بسبب الألغام التي كنت أحذر المواطنين من أخطارها، يبدو أننا معشر الصحافيين لن نذوق طعم الراحة خلال الحرب التي أنهكتنا”.

واصلت الحرب إنهاك الصحافيين اليمنيين، إذ وثّقت “مواطنة” أربع وقائع طاولت 10 صحافيين وعاملين في مجال الصحافة خلال العام 2022. كما اعتقلت قوات العمالقة في شبوة سبعة صحافيّين، فيما اعتقلت القوات الحكومية صحافيين اثنين، وقوات “جماعة أنصار الله” صحافيّاً واحداً، إلى جانب استمرارها باحتجاز أربعة صحافيين تعسفياً.

انتهاكات بحق المرأة والطفل

أصدرت “مواطنة” و15 منظمة أخرى في آب/أغسطس 2022، بياناً مشتركاً لمطالبة جماعة الحوثي بفتح الطرق الحيوية في تعز فوراً، ليستعيد المدنيون والمدنيات حرية التنقل، لكن المفاوضات بين الجماعة وخصومها لم تحرز أي تقدم، بالتالي لم تُفتح الطرق، وفي ملف تبادل الأسرى لم تحرز أطراف النزاع أيّ تقدّمٍ يُذكر، واستمرت وقائع تقييد حرية تنقل المدنيين في مناطق يمنية مختلفة في العام 2022، إذ وثقت “مواطنة” سبع وقائع تتحمل “جماعة أنصار الله” مسؤوليتها، إضافة إلى تحمّل القوات الحكومية مسؤولية احتجاز تعسفي طاولت 35 مدنيّاً فيما اعتقل المجلس الانتقالي الجنوبي 44 مدنيّاً، أما القوات المشتركة على الساحل الغربي فمسؤولة عن اعتقال 15 مدنيّاً. كما اعتقلت عناصر مسلحة تنتمي إلى تنظيم “القاعدة” ثلاثة مدنيين.

الأطفال والنساء هم الفئة الأكثر ضعفاً في الصراع، إذ لم يسلموا من الانتهاكات التي طاولت المدنيين في اليمن خلال العام 2022، فقد وثّقت “مواطنة” مقتل أربعة أطفال وامرأة من إجمالي 58 ضحيةً من المدنيين تم تعذيبهم في مراكز للاحتجاز من أطراف النزاع. كما عملت الأخيرة على تجنيد واستخدام ما لا يقل عن 83 طفلاً، من بينهم ثلاث فتيات على الأقل.

كما وثقت “مواطنة” وقائع عنفٍ جنسي لـ18 ضحية، تعرضوا للاغتصاب من مختلف أطراف النزاع في اليمن، من بينهم تسع فتيات وثلاثة فتيان وامرأة بالغة، إضافة الى توثيق محاولة اغتصاب لثلاث فتيات وفتيين اثنين أصيب أحدهما بطلق ناري بسبب رفضه. بالإضافة الى وقائع اختفاء قسري لـ 160 ضحية مدنية، حدثت خلال العام الماضي، من بينهم 13 طفلاً وأربع نساء. وأوضحت “مواطنة” أن جماعة الحوثي تتحمل مسؤولية إخفاء 53 مدنيّاً، وقوات المجلس الانتقالي 38 مدنيًّا، والقوات الحكومية والقوات الموالية لها 32 مدنيّاً. أما القوات المشتركة في الساحل الغربي، فتتحمل مسؤولية إخفاء 13 مدنيّاً، بينما أخفت قوات دفاع شبوة تسعة مدنيين، وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات ثمانية مدنيين، بينما أقدمت قوات النخبة الحضرمية على إخفاء ثلاث ضحايا مدنيين، واغتصبت عصابات التهريب والإتجار بالبشر أربعة مهاجرين وأخفتهم.

حتى المدارس التي من المفترض أن تكون ملاذاً آمنا لأولئك الأطفال، لم تسلم أيضاً من الاعتداءات، حيث رُصد ما لا يقل عن 106 اعتداءات. كما لم تسلم المنشآت الصحية من القصف الجوي والبري والاعتداء على العاملين في مستشفيات ومراكز صحية في محافظات صنعاء وشبوة والحديدة والجوف، والتي تم رصدها من “مواطنة” بنحو 35 واقعة.

دعوات للمساءلة والمحاسبة

أدى إنهاء ولاية فريق الخبراء البارزين الخاص باليمن، إلى غياب آليات المساءلة الدولية المستقلة، مما زاد من تكريس سياسة إفلات المنتهكين من العقاب، وجعل إمكان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا بعيد المنال. وعن ذلك، يلفت أسامة الفقيه، مدير المناصرة في “مواطنة” لحقوق الإنسان، إلى أن “استمرار الوضع المتردي لحقوق الإنسان في اليمن هو إحدى نتائج سياسة الإفلات من العقاب التي تورط في تعزيزها المجتمع الدولي”. ويقول الفقيه: “يجب أن تؤدي الدول دوراً إيجابياً في تعزيز المساءلة الجنائية الدولية بدل من أن تقف متفرجة”.

تشاطره الرأي المحامية والناشطة هدى الصراري، قائلة: “حين لا تتحمل المسؤولية عن أفعالك الخاصة، ولا تحاسب حكومتك على التعذيب الذي ارتكبته، فإنها ستواصل ارتكابه بطريقة أو بأخرى”.

خلصت الإحاطة الصحافية التي أصدرتها “مواطنة” والناتجة من إجراء أكثر من 2183 مقابلة باللغة العربية مع ضحايا، وذوي ضحايا، وشهود عيان، وعاملين في المجال الطبي والإنساني عن حالة حقوق الإنسان في اليمن للعام 2022، إلى ضرورة حث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى سرعة تشكيل آلية تحقيق جنائية دولية مستقلة خاصة باليمن، تختص ولايتها بتوثيق انتهاكات أطراف النزاع، ورفع التقارير العلنية، وجمع الأدلة وحفظها وتحليلها، وبناء ملفات للقيام بإجراءات التقاضي الجنائي مستقبلًا.

وطالبت “مواطنة” أطراف النزاع بإزالة العقبات وتكثيف الجهود للتوصل الى اتفاق يُمدد الهدنة التي انتهت مطلع تشرين الأول 2022، والعمل على الوقف النهائي للعمليات العسكرية والعدائية، ودفع رواتب موظفي وموظفات الخدمة المدنية، وفتح الطُرق.