في السابع من شباط/ فبراير، وصلت مورغان أورتاغوس النائبة الخاصة المعينة حديثاً لمبعوث السلام في الشرق الأوسط من قبل إدارة ترامب، إلى لبنان، لتبلّغ اللبنانيين بأن الولايات المتحدة لن تسمح لـ”حزب الله” بأن يكون جزءاً من الحكومة المُشكّلة حديثاً. لم تقدّم مورغان أية كلمات تعزية للضحايا، والنازحين، والمصابين، والمصدومين. كما أنها لم تقدّم أية تطمينات لمن فقدوا وظائفهم بسبب التخفيضات المفاجئة في مساعدات “USAID”، ولا للمجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلّة التي كانت تعتمد بشكل كبير عليها، وتواجه الآن حالة من عدم اليقين القاتم. ببدلة حمراء صارخة و أحمر شفاه متطابق، تماشياً مع السياسات الدموية واللكمات التي يوزعها ترامب يميناً ويساراً، أكّدت مورغان للبنانيين أن لا الديمقراطية ولا الحرية ستنتصر على “إدارة ترامب”.
من القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا، مضت مورغان في إعادة تأكيد الدعم الأميركي الثابت لدولة إسرائيل، متجاهلة التّهم بالإبادة الجماعية التي وجّهتها المحكمة الجنائية الدولية، والتي تعكف إدارة ترامب الآن على معاقبتها، ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. وما يزيد الأمر استفزازاً أن امرأة هي من تُلقي هذه الرسائل القاسية، في منطقة كانت حتى وقت قريب؛ وعلى الرغم من كل شيء، ساحة حرب، وليس لأن النظام الأبوي قد حصر النساء في دور مقدّمات الرعاية العاطفات والحنونات، بل لأنهن يعرفن أكثر من أي شخص آخر معنى أن يكون المرء ضحية ومهمشاً من قِبل نظام بارد وقاسٍ.
لسوء الحظ، في قلب هذا النظام نفسه، أي نظام ترامب، تواجه النساء البيضاوات، على وجه الخصوص، تهماً بالتواطؤ. فبياضهن يضعهن في مرتبة أعلى من غيرهن من الضحايا، لا سيما النساء الملونات، ويكافئهن على “تفوّقهن” عبر منحهن فرصاً أكبر في التوظيف، والقروض، والسكن، وإمكانية الوصول إلى العدالة. كما أن ترامب في خياراته التوظيفية يحرص على أن تكون النساء في بلاطه، يعكسن تماماً النظرة التقليدية للمرأة البيضاء، الجميلة، التقليدية في مقارباتها، التي تعكس صدى أفكاره وسياسته…
إقرأوا أيضاً:
كما أن ترامب، مستنداً إلى “فوقية العرق الأبيض” المبطنة في سياسته، يمجّد ملامح النساء اللواتي يختارهن، بينما يقلّل من شأن ملامح الأخريات. هذا التداخل بين الذكورية والعنصرية يجعل من “جمال” هؤلاء النساء أداة لترسيخ هذه الأنظمة والمعتقدات، وفقًا لعالمة الاجتماع تيسي ماكميلان. فصفة “الجمال” تُمنح فقط للنساء اللواتي يستوفين معايير محددة تتعلّق باللون، والشكل، والحجم—معايير غالبًا ما تعكس النموذج الأبيض الأوروبي.
في الولايات المتحدة، شاركت النساء البيضاوات في هندسة نظام العبودية، كما تُوضح أستاذة التاريخ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ستيفاني جونز-روجرز، لموقع ” Vox”: “كنّ جزءاً من عملية تصميم هذا النظام”، وهو نظام لا يزلن يستفدن منه حتى اليوم، حيث يواصلن لعب دور رئيسي كمجندات وداعيات للقومية البيضاء، وفقاً لما تشرحه سايوارد داربي مؤلفة كتاب” أخوات في الكراهية: النساء الأميركيات في الخطوط الأمامية للقومية البيضاء“. وبالمثل، كانت النساء البيضاوات حاضرات عندما تم تهجير الفلسطينيات من أرضهن، وعندما تُركت النساء في جنوب لبنان بمفردهن لانتشال أبنائهن وأزواجهن من تحت الأنقاض، وعندما أُعطيت النساء الإثيوبيات اليهوديات في إسرائيل موانع حمل من دون موافقتهن.
لم تكتفِ مورغان بالتعهّد بالولاء لدولة إسرائيل، بل بايعت أيضاً النظام الأبوي. فما هي المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، ومساءلة المتحرّشين والمعتدين، بالنسبة إلى شخص يتجاهل مفهوم العدالة برمّته؟ في نهاية المطاف، مورغان أورتاغوس هي نائبة المبعوث الخاص لرئيس يفاخر بـ”الإمساك بالنساء من المهبل”، وواجه على مر السنين العديد من التّهم بسوء السلوك والتحرش الجنسي، وأخبر نائبة الرئيس السابق كامالا هاريس، بأنها “ليست سوداء بما يكفي” (أياً كان معنى ذلك) واتّهم باراك أوباما زوراً بعدم ولادته في الولايات المتحدة.
في Complicit تصف ريا برافو، إحدى ثماني نساء اتّهمن رئيسها السابق الصحافي ومقدّم البرامج الأميركي تشارلي روز، بالتحرش الجنسي؛ كيف أن الرجال الذين يتربّعون على قمة هذه الأنظمة الأبوية والرأسمالية الشرسة، غالباً ما يكونون نرجسيين ومغرورين، مستمدّين قوتهم بشكل أساسي من التصوّر المشوّه للمجتمع حول السلطة. تنبع نرجسيتهم، في كثير من الأحيان، من الإهمال في الطفولة، مما يدفعهم إلى الوحدة والبؤس. ومع ترامب، بصفته بطل الرأسمالية، وهو يشنّ الحروب المالية بلا تمييز ويفرض التعريفات الجمركية على الأعداء والحلفاء على حد سواء، يبقى السؤال إلى أي مدى سيترك الولايات المتحدة وإدارته ونفسه في عزلة؟ وإلى أي حد ستشعر النساء البيضاوات، اللواتي أدرن ظهورهن مراراً لأخواتهن المحتاجات، بالوحدة؟
إقرأوا أيضاً: