fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

موسكو وطهران: اتفاقية لتعويض خسارة سوريا 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا شك في أن هناك الكثير من الاستحقاقات الداخلية والخارجية أمام روسيا وإيران، أغلبها له علاقة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ وإن أنكرتا ذلك، لذلك سعتا إلى إبرام هذه الاتفاقية، وأسرعتا في توقيعها رسمياً قبل تسلم الأخير مقاليد السلطة بثلاثة أيام، وحرصتا على جعلها غير مستفزة بأي شكل من الأشكال للإدارة الأميركية أو لترامب بالتحديد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وقّع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان اتفاقية تعاون وشراكة استراتيجية في موسكو في 17 كانون الثاني/ يناير الحالي، شملت “التعاون الاقتصادي والتجاري في مجال الطاقة والبيئة، فضلاً عن القضايا المتعلقة بالدفاع والأمن”.  

وادّعت طهران أن الاتفاقية لا تهدف إلى إنشاء تحالف عسكري مع موسكو، برغم أنه جاء في إعلان الاتفاقية أن التعاون بين موسكو وطهران في مجال الدفاع والأمن سيكون أولوية.

منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، لم تغامر طهران في إرسال جنود إيرانيين للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، وظلت حذرة أيضاً من إرسال مقاتلين من قواتها الوكيلة من أصول أفغانية وباكستانية وعراقية ممن يعيشون على أراضيها، لكن هذا الحذر لم ينسحب على التعاون العسكري مع موسكو، فالجيش الروسي يستخدم في حربه ضد أوكرانيا، طائرات بدون طيار إيرانية الصنع من نوع “شاهد”، ولهذا لن تضيف الاتفاقية شيئاً مهماً إلى التعاون العسكري، سوى أنها ستضاعف حجمه ونوعه. في المقابل، سوف تستمر موسكو في الإشراف على صناعة الصواريخ الإيرانية وتطويرها كما تفعل، ومن المتوقع أن تزوّد طهران بالمختصين وببعض التقنيات اللازمة لتطوير طموحها النووي.

النقطة الأكثر أهمية التي لحظتها الاتفاقية، هي ممر النقل الدولي الذي يربط ميناء سانت بيتربرغ في روسيا بميناء مومباي في الهند، وما بين المدينتين من معابر برية وبحرية تمر في جزء كبير منها في الأراضي الإيرانية وفي بحر قزوين والجهة الإيرانية من الخليج العربي. 

هذا الممر التجاري مهم جداً بالنسبة إلى روسيا، بما يملكه من حيوية اقتصادية وبما يتمتع به من جغرافية مترامية، ومن المؤكد أن اتفاقية التعاون بشقها الاقتصادي، ستؤدي إلى تحسين بنيته التحتية، التي تعاني من أضرار مزمنة بحسب المتابعين، مما سينعش الوضع الاقتصادي للدول الواقعة على جانبيه، وعلى رأسها إيران.

لكن الأهم من توقيع الاتفاقية هو توقيتها، أولاً، لأنها ظهرت في وقت تواجه فيه الدولتان الصديقتان (روسيا وإيران) عقوبات دولية قاسية، تأثرت بها إلى حد كبير علاقاتهما التجارية، وحتى السياسية في بعض الأحيان. إنما بفضل التوتر بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، عادت واستقرت العلاقة بينهما، وأصبحتا أكثر تقارباً من ذي قبل، وظهر هذا التقارب على شكل هذه الاتفاقية، التي تسعى إلى إنشاء نظام جديد له ثقل سياسي واقتصادي وأمني بمواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة.

وعن هذا كتب وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أن “إيران وروسيا تعملان على إنشاء نظام جديد إنطلاقاً من مسؤوليتهما التاريخية”، فيما أكد نظيره الروسي سيرغي لافروف أن واحداً من أهداف هذه الاتفاقية، هو “إنشاء قدرة دفاعية موثوقة”. 

ثانياً، لأن توقيع الاتفاقية حصل قبل ثلاثة أيام من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وكأن طرفيها (روسيا وإيران) أرادا إرسال إشارات إلى من يهمه الأمر، عن قيام تحالف دولي جديد في “الشرق”، برغم أن كلاهما سارع إلى نفي أن يكون موعد التوقيع له علاقة بتنصيب ترامب، وأن التوقيت كان مجرد مصادفة لا تحوي أية رسائل ولا تحتمل أية تكهنات.

أمر آخر أكثر أهمية دفع بالدولتين الصديقتين إلى ترتيب هذه الاتفاقية، هو سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. هناك جو داخلي إيراني يزعم أن الحكومة السورية سقطت، لأن حليفتيها إيران وروسيا لم تدافعا عنها، ووقفتا على حياد من الأحداث والتغييرات المفاجئة التي شهدتها خلال 11 يوماً، وربما انسحبتا إلى قواعدهما أو خارج البلاد، لتسهّلا تقدّم قوات المعارضة، وهذا كله بناء على نصائح دولية، وهما الآن تحاولان الالتفاف على هذه الخسارة الاستراتيجية وملء الفراغ الذي تركته سوريا، بابتداع هذا النوع من الاتفاقيات، لتبدوَا متماسكتين ومسيطرتين.

بعد هروب الأسد فقدت روسيا نفوذها في سوريا، وهذا سيؤثر على نفوذها في المنطقة لاحقاً، إضافة إلى أن مسألة احتفاظها بقواعدها ومطاراتها العسكرية في سوريا باتت مسألة وقت، ورهناً بالتفاهمات الدولية حول سوريا التي لم تتضح بشكلها الكامل والنهائي بعد، كما أن خروج إيران النهائي من سوريا وانكفاءها في لبنان بعد هزيمة “حزب الله” في “حرب الإسناد”، سيؤثران حتماً على نفوذها في المنطقة، وعلى تحكمها بالحدود اللبنانية الجنوبية والقرار السياسي اللبناني الداخلي، في هذه الحال، بدت الاتفاقية إنقاذاً للطرفين، وانتشالاً لهما من قاع “الهزيمة” التي مُنيا بها في سوريا.

لا شك في أن هناك الكثير من الاستحقاقات الداخلية والخارجية أمام روسيا وإيران، أغلبها له علاقة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ وإن أنكرتا ذلك، لذلك سعتا إلى إبرام هذه الاتفاقية، وأسرعتا في توقيعها رسمياً قبل تسلم الأخير مقاليد السلطة بثلاثة أيام، وحرصتا على جعلها غير مستفزة بأي شكل من الأشكال للإدارة الأميركية أو لترامب بالتحديد، فهما تدركان العواقب الوخيمة لاستفزاز من هذا النوع، وتعرفان أنه يتعارض مع مصالحهما الوطنية والاستراتيجية، خصوصاً أن ترامب لم يأتِ بعد على ذكر طبيعة العلاقة المستقبلية، أو كيف ستكون طريقة التعاطي مع موسكو وطهران، في عهده.

27.01.2025
زمن القراءة: 4 minutes

لا شك في أن هناك الكثير من الاستحقاقات الداخلية والخارجية أمام روسيا وإيران، أغلبها له علاقة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ وإن أنكرتا ذلك، لذلك سعتا إلى إبرام هذه الاتفاقية، وأسرعتا في توقيعها رسمياً قبل تسلم الأخير مقاليد السلطة بثلاثة أيام، وحرصتا على جعلها غير مستفزة بأي شكل من الأشكال للإدارة الأميركية أو لترامب بالتحديد.

وقّع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان اتفاقية تعاون وشراكة استراتيجية في موسكو في 17 كانون الثاني/ يناير الحالي، شملت “التعاون الاقتصادي والتجاري في مجال الطاقة والبيئة، فضلاً عن القضايا المتعلقة بالدفاع والأمن”.  

وادّعت طهران أن الاتفاقية لا تهدف إلى إنشاء تحالف عسكري مع موسكو، برغم أنه جاء في إعلان الاتفاقية أن التعاون بين موسكو وطهران في مجال الدفاع والأمن سيكون أولوية.

منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، لم تغامر طهران في إرسال جنود إيرانيين للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، وظلت حذرة أيضاً من إرسال مقاتلين من قواتها الوكيلة من أصول أفغانية وباكستانية وعراقية ممن يعيشون على أراضيها، لكن هذا الحذر لم ينسحب على التعاون العسكري مع موسكو، فالجيش الروسي يستخدم في حربه ضد أوكرانيا، طائرات بدون طيار إيرانية الصنع من نوع “شاهد”، ولهذا لن تضيف الاتفاقية شيئاً مهماً إلى التعاون العسكري، سوى أنها ستضاعف حجمه ونوعه. في المقابل، سوف تستمر موسكو في الإشراف على صناعة الصواريخ الإيرانية وتطويرها كما تفعل، ومن المتوقع أن تزوّد طهران بالمختصين وببعض التقنيات اللازمة لتطوير طموحها النووي.

النقطة الأكثر أهمية التي لحظتها الاتفاقية، هي ممر النقل الدولي الذي يربط ميناء سانت بيتربرغ في روسيا بميناء مومباي في الهند، وما بين المدينتين من معابر برية وبحرية تمر في جزء كبير منها في الأراضي الإيرانية وفي بحر قزوين والجهة الإيرانية من الخليج العربي. 

هذا الممر التجاري مهم جداً بالنسبة إلى روسيا، بما يملكه من حيوية اقتصادية وبما يتمتع به من جغرافية مترامية، ومن المؤكد أن اتفاقية التعاون بشقها الاقتصادي، ستؤدي إلى تحسين بنيته التحتية، التي تعاني من أضرار مزمنة بحسب المتابعين، مما سينعش الوضع الاقتصادي للدول الواقعة على جانبيه، وعلى رأسها إيران.

لكن الأهم من توقيع الاتفاقية هو توقيتها، أولاً، لأنها ظهرت في وقت تواجه فيه الدولتان الصديقتان (روسيا وإيران) عقوبات دولية قاسية، تأثرت بها إلى حد كبير علاقاتهما التجارية، وحتى السياسية في بعض الأحيان. إنما بفضل التوتر بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، عادت واستقرت العلاقة بينهما، وأصبحتا أكثر تقارباً من ذي قبل، وظهر هذا التقارب على شكل هذه الاتفاقية، التي تسعى إلى إنشاء نظام جديد له ثقل سياسي واقتصادي وأمني بمواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة.

وعن هذا كتب وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أن “إيران وروسيا تعملان على إنشاء نظام جديد إنطلاقاً من مسؤوليتهما التاريخية”، فيما أكد نظيره الروسي سيرغي لافروف أن واحداً من أهداف هذه الاتفاقية، هو “إنشاء قدرة دفاعية موثوقة”. 

ثانياً، لأن توقيع الاتفاقية حصل قبل ثلاثة أيام من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وكأن طرفيها (روسيا وإيران) أرادا إرسال إشارات إلى من يهمه الأمر، عن قيام تحالف دولي جديد في “الشرق”، برغم أن كلاهما سارع إلى نفي أن يكون موعد التوقيع له علاقة بتنصيب ترامب، وأن التوقيت كان مجرد مصادفة لا تحوي أية رسائل ولا تحتمل أية تكهنات.

أمر آخر أكثر أهمية دفع بالدولتين الصديقتين إلى ترتيب هذه الاتفاقية، هو سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. هناك جو داخلي إيراني يزعم أن الحكومة السورية سقطت، لأن حليفتيها إيران وروسيا لم تدافعا عنها، ووقفتا على حياد من الأحداث والتغييرات المفاجئة التي شهدتها خلال 11 يوماً، وربما انسحبتا إلى قواعدهما أو خارج البلاد، لتسهّلا تقدّم قوات المعارضة، وهذا كله بناء على نصائح دولية، وهما الآن تحاولان الالتفاف على هذه الخسارة الاستراتيجية وملء الفراغ الذي تركته سوريا، بابتداع هذا النوع من الاتفاقيات، لتبدوَا متماسكتين ومسيطرتين.

بعد هروب الأسد فقدت روسيا نفوذها في سوريا، وهذا سيؤثر على نفوذها في المنطقة لاحقاً، إضافة إلى أن مسألة احتفاظها بقواعدها ومطاراتها العسكرية في سوريا باتت مسألة وقت، ورهناً بالتفاهمات الدولية حول سوريا التي لم تتضح بشكلها الكامل والنهائي بعد، كما أن خروج إيران النهائي من سوريا وانكفاءها في لبنان بعد هزيمة “حزب الله” في “حرب الإسناد”، سيؤثران حتماً على نفوذها في المنطقة، وعلى تحكمها بالحدود اللبنانية الجنوبية والقرار السياسي اللبناني الداخلي، في هذه الحال، بدت الاتفاقية إنقاذاً للطرفين، وانتشالاً لهما من قاع “الهزيمة” التي مُنيا بها في سوريا.

لا شك في أن هناك الكثير من الاستحقاقات الداخلية والخارجية أمام روسيا وإيران، أغلبها له علاقة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ وإن أنكرتا ذلك، لذلك سعتا إلى إبرام هذه الاتفاقية، وأسرعتا في توقيعها رسمياً قبل تسلم الأخير مقاليد السلطة بثلاثة أيام، وحرصتا على جعلها غير مستفزة بأي شكل من الأشكال للإدارة الأميركية أو لترامب بالتحديد، فهما تدركان العواقب الوخيمة لاستفزاز من هذا النوع، وتعرفان أنه يتعارض مع مصالحهما الوطنية والاستراتيجية، خصوصاً أن ترامب لم يأتِ بعد على ذكر طبيعة العلاقة المستقبلية، أو كيف ستكون طريقة التعاطي مع موسكو وطهران، في عهده.

27.01.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
روما تتسلّم “شعلة” التفاوض من مسقط
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.04.2025
لبنان في متاهة السلاح
طارق اسماعيل - كاتب لبناني | 19.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية