fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

ميليشيات إيرانية تطلب رأس “مؤسس بغداد” أبي جعفر المنصور

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن الانتخابات بدأت باكراً، والبعض يطلب رأس أبي جعفر المنصور، سبيلاً للفوز.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان غريباً جداً على حسين سالم، الذي يقطن في العاصمة بغداد، أن يصادف قوة عسكرية من قوات مكافحة الشغب، تحيط بتمثال أبي جعفر المنصور في الكرخ، شمال العاصمة. هذا المنظر ليس مألوفاً، فليس في تلك المنطقة أي ساحة معتمدة للتظاهر، كالتحرير والفردوس، وما إن عبّر عن حيرته أمام ركاب الحافلة التي كان يستقلّها، حتى فهم السبب وراء الإجراءات الأمنية، فقد دعت صفحات على مواقع التواصل إلى هدم التمثال، لأن أصحابها يجدون فيه تمجيداً لمؤسس الدولة العباسية الذي يتهمه كثر من الشيعة بقتل إمامهم السادس جعفر الصادق، عام 148 للهجرة. 

تمثال أبي جعفر المنصور

الحكاية عمرها أكثر من 1300 عام. لكن البعض تستفزه كما لو أنها حدثت قبل ساعات. والنصب، الذي يثير غضب هؤلاء، هو عبارة عن رأس الخليفة المنصور، مؤسس مدينة بغداد، لتكون العاصمة، بحسب المؤرخين، بعدما كانت عاصمة الخليفة في بداية حكمه في منطقة الهاشميات قرب الكوفة وسط العراق.

استغرق بناء مدينة بغداد في عهد المنصور أربع سنوات امتدت من عام 145 إلى 149 هجرية، وحشد لها عدداً كبير من المهندسين والمعماريين، وأحيطت بسور كبير له أربعة بوابات، “باب الشام” مثلاً يقود الى بلاد الشام، وباب الكوفة الى مدينة الكوفة وباب البصرة الى البصرة وباب خراسان نحو بلاد فارس أو خرسان، كما كانت تسمّى آنذاك. وأسس في تلك الحقبة دار الحكمة لأصحاب العلم والمعرفة وكان يهتم بالعلماء، إلا أنه عرف بحسب مؤرخي الشيعة الاثني عشرية بمعاداته أئمتهم، وهم يرون أن الائمة المعصومين الاثني عشر هم أولى بالخلافة على المسلمين وأن المنصور كان سبباً في مقتل الإمام الصادق بدس السم في طعامه.

تمثال أبي جعفر المنصور، المغضوب عليه، نحته خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي الفنان العراقي خالد الرحال في ورشة في منطقة الشيخ عمر وسط بغداد، وهو عبارة عن رأس مصنوع من كتلة نحاسية مغطاة بمادة البناء الخاصة بالنحت، ووُضع على كتلة “كونكريتية” (اسمنتية) بارتفاع مترين وتشرف على صيانته أمانة العاصمة.

المجسم النحاسي الذي يتجاوز عمره الـ40 سنة، بات، بعد دعوات جماعات شيعية متشددة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى إزالته، مادةً إشكالية، ودفع بالمئات إلى المشاركة في حملة لإسقاطه تحت وسم #يسقط_صنم_لمنصور، وتظاهر العشرات أمام التمثال، داعين إلى إزالته لأنه “رمز لاستفزاز المذهب الشيعي”. 

تمثال أبي جعفر المنصور، المغضوب عليه، نحته خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي الفنان العراقي خالد الرحال في ورشة في منطقة الشيخ عمر وسط بغداد.

هذه الدعوات إلى إزالته ليس بجديدة، إذ تعرض التمثال للتفجير عام 2005 من خلال زرع عبوات ناسفة لهدم الكتلة الإسمنتية، فيما سلم الرأس من التفجير، فأعادت أمانة العاصمة بعد عامين تأهيله ورممته ونقلته إلى مكانه الحالي.

الكاتب محمد الطائي يرى أن المجتمع العراقي خليط من طوائف ومذاهب دينية مختلفة ولكل جهة شخصياتها التي “تقدّسها”، “فلا يمكن انتهاك نصب معين قد تعتبره طائفة أخرى استهدافاً لها وهذه الخطوة إن حصلت فهي تعيد العراق الى الوراء، وسيكون مادة للتناحر الطائفي، وإعادة تقسيم بغداد، والانجرار إلى القتل على الهوية كما حدث قبل عام 2009”.

الناشط أحمد السالم يجد أن هذه الدعوات هدفها سياسي وهي محاولة من بعض الأحزاب الشيعية المرتبطة بأجندات خارجية، لاستخدام الورقة الطائفية بعدما وجدت أنها خسرت كل شيء بعد الحراك الاحتجاجي، لا سيما أن جمهورها في مدن وسط العراق وجنوبه، بدأ ينفر منها، و”بهذه الخطوات يحاولون استمالة عواطف الناس وهذا الوتر العاطفي الحساس يمكن أن يستفيدوا منه في الانتخابات المقبلة كما حصل في انتخابات 2005 وما بعدها بداعي أن للشيعة الحكم والأولوية، لأنهم أكثرية، حتى لا يعاد حكم الأقلية كما كان في وقت نظام صدام حسين”. 

فوجئ أبناء مدينة الأعظمية بتطويق القوات الأمنية مرقد أبي حنيفة النعمان، وهو أحد المراقد المقدسة لدى السنة في العراق، ليتضح بعد ذلك أن هناك دعوات لهدمه.

الباحث مناف الموسوي لا يستغرب هذه الدعوات، فهي ليست الأولى ويرى أنها “محاولة للعودة إلى الخطاب الطائفي الذي شاع بعد 2003″، ويعتقد أن “دعوة الإزالة لها ارتباطات وأجندات لدى، بالنسبة إلى معظم المواطنين ولا يتجاوبون معها”.  

وزارة الثقافة في العراق أعلنت أنها لم تأخذ علماً بهذه الدعوات التي تحاول التحشيد لأجل إزالة هذا النصب، ونفى المتحدث الرسمي باسم الوزارة احمد العلياوي وجود أي طلب رسمي أو قرار حول هذا الأمر وما يحصل مجرد اقاويل، مقللاً من شأنها.

النحات أحمد حسن عبّر عن حزنه للعداء الذي يكنّه البعض للفن. وبعيداً من السياسة والطائفية، يرى حسن أن خالد الرحال صرف وقتاً وجهداً كبيرين لإنجاز تحفته، وإزالة التمثال تعني التخلي عن طاقة فنية كبيرة لا يمكن تعويضها. 

الدعوات لم تتوقف عند محاولة إزالة تمثال أبي جعفر المنصور. إذ فوجئ أبناء مدينة الأعظمية يوم 2021/6/12 بتطويق القوات الأمنية مرقد أبي حنيفة النعمان، وهو أحد المراقد المقدسة لدى السنة في العراق، ليتضح بعد ذلك أن هناك دعوات لهدمه.

وجد بغداديون أن هذه التطورات تدعو إلى الحزن والأسى فما يحصل، يعيد الانقسام إلى العاصمة، التي يفترض أن تكون قبلة للجميع، من مختلف الطوائف والمذاهب والديانات. لكن يبدو أن الانتخابات بدأت باكراً، والبعض يطلب رأس أبي جعفر المنصور، سبيلاً للفوز.  

إقرأوا أيضاً:

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
14.06.2021
زمن القراءة: 4 minutes

يبدو أن الانتخابات بدأت باكراً، والبعض يطلب رأس أبي جعفر المنصور، سبيلاً للفوز.

كان غريباً جداً على حسين سالم، الذي يقطن في العاصمة بغداد، أن يصادف قوة عسكرية من قوات مكافحة الشغب، تحيط بتمثال أبي جعفر المنصور في الكرخ، شمال العاصمة. هذا المنظر ليس مألوفاً، فليس في تلك المنطقة أي ساحة معتمدة للتظاهر، كالتحرير والفردوس، وما إن عبّر عن حيرته أمام ركاب الحافلة التي كان يستقلّها، حتى فهم السبب وراء الإجراءات الأمنية، فقد دعت صفحات على مواقع التواصل إلى هدم التمثال، لأن أصحابها يجدون فيه تمجيداً لمؤسس الدولة العباسية الذي يتهمه كثر من الشيعة بقتل إمامهم السادس جعفر الصادق، عام 148 للهجرة. 

تمثال أبي جعفر المنصور

الحكاية عمرها أكثر من 1300 عام. لكن البعض تستفزه كما لو أنها حدثت قبل ساعات. والنصب، الذي يثير غضب هؤلاء، هو عبارة عن رأس الخليفة المنصور، مؤسس مدينة بغداد، لتكون العاصمة، بحسب المؤرخين، بعدما كانت عاصمة الخليفة في بداية حكمه في منطقة الهاشميات قرب الكوفة وسط العراق.

استغرق بناء مدينة بغداد في عهد المنصور أربع سنوات امتدت من عام 145 إلى 149 هجرية، وحشد لها عدداً كبير من المهندسين والمعماريين، وأحيطت بسور كبير له أربعة بوابات، “باب الشام” مثلاً يقود الى بلاد الشام، وباب الكوفة الى مدينة الكوفة وباب البصرة الى البصرة وباب خراسان نحو بلاد فارس أو خرسان، كما كانت تسمّى آنذاك. وأسس في تلك الحقبة دار الحكمة لأصحاب العلم والمعرفة وكان يهتم بالعلماء، إلا أنه عرف بحسب مؤرخي الشيعة الاثني عشرية بمعاداته أئمتهم، وهم يرون أن الائمة المعصومين الاثني عشر هم أولى بالخلافة على المسلمين وأن المنصور كان سبباً في مقتل الإمام الصادق بدس السم في طعامه.

تمثال أبي جعفر المنصور، المغضوب عليه، نحته خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي الفنان العراقي خالد الرحال في ورشة في منطقة الشيخ عمر وسط بغداد، وهو عبارة عن رأس مصنوع من كتلة نحاسية مغطاة بمادة البناء الخاصة بالنحت، ووُضع على كتلة “كونكريتية” (اسمنتية) بارتفاع مترين وتشرف على صيانته أمانة العاصمة.

المجسم النحاسي الذي يتجاوز عمره الـ40 سنة، بات، بعد دعوات جماعات شيعية متشددة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى إزالته، مادةً إشكالية، ودفع بالمئات إلى المشاركة في حملة لإسقاطه تحت وسم #يسقط_صنم_لمنصور، وتظاهر العشرات أمام التمثال، داعين إلى إزالته لأنه “رمز لاستفزاز المذهب الشيعي”. 

تمثال أبي جعفر المنصور، المغضوب عليه، نحته خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي الفنان العراقي خالد الرحال في ورشة في منطقة الشيخ عمر وسط بغداد.

هذه الدعوات إلى إزالته ليس بجديدة، إذ تعرض التمثال للتفجير عام 2005 من خلال زرع عبوات ناسفة لهدم الكتلة الإسمنتية، فيما سلم الرأس من التفجير، فأعادت أمانة العاصمة بعد عامين تأهيله ورممته ونقلته إلى مكانه الحالي.

الكاتب محمد الطائي يرى أن المجتمع العراقي خليط من طوائف ومذاهب دينية مختلفة ولكل جهة شخصياتها التي “تقدّسها”، “فلا يمكن انتهاك نصب معين قد تعتبره طائفة أخرى استهدافاً لها وهذه الخطوة إن حصلت فهي تعيد العراق الى الوراء، وسيكون مادة للتناحر الطائفي، وإعادة تقسيم بغداد، والانجرار إلى القتل على الهوية كما حدث قبل عام 2009”.

الناشط أحمد السالم يجد أن هذه الدعوات هدفها سياسي وهي محاولة من بعض الأحزاب الشيعية المرتبطة بأجندات خارجية، لاستخدام الورقة الطائفية بعدما وجدت أنها خسرت كل شيء بعد الحراك الاحتجاجي، لا سيما أن جمهورها في مدن وسط العراق وجنوبه، بدأ ينفر منها، و”بهذه الخطوات يحاولون استمالة عواطف الناس وهذا الوتر العاطفي الحساس يمكن أن يستفيدوا منه في الانتخابات المقبلة كما حصل في انتخابات 2005 وما بعدها بداعي أن للشيعة الحكم والأولوية، لأنهم أكثرية، حتى لا يعاد حكم الأقلية كما كان في وقت نظام صدام حسين”. 

فوجئ أبناء مدينة الأعظمية بتطويق القوات الأمنية مرقد أبي حنيفة النعمان، وهو أحد المراقد المقدسة لدى السنة في العراق، ليتضح بعد ذلك أن هناك دعوات لهدمه.

الباحث مناف الموسوي لا يستغرب هذه الدعوات، فهي ليست الأولى ويرى أنها “محاولة للعودة إلى الخطاب الطائفي الذي شاع بعد 2003″، ويعتقد أن “دعوة الإزالة لها ارتباطات وأجندات لدى، بالنسبة إلى معظم المواطنين ولا يتجاوبون معها”.  

وزارة الثقافة في العراق أعلنت أنها لم تأخذ علماً بهذه الدعوات التي تحاول التحشيد لأجل إزالة هذا النصب، ونفى المتحدث الرسمي باسم الوزارة احمد العلياوي وجود أي طلب رسمي أو قرار حول هذا الأمر وما يحصل مجرد اقاويل، مقللاً من شأنها.

النحات أحمد حسن عبّر عن حزنه للعداء الذي يكنّه البعض للفن. وبعيداً من السياسة والطائفية، يرى حسن أن خالد الرحال صرف وقتاً وجهداً كبيرين لإنجاز تحفته، وإزالة التمثال تعني التخلي عن طاقة فنية كبيرة لا يمكن تعويضها. 

الدعوات لم تتوقف عند محاولة إزالة تمثال أبي جعفر المنصور. إذ فوجئ أبناء مدينة الأعظمية يوم 2021/6/12 بتطويق القوات الأمنية مرقد أبي حنيفة النعمان، وهو أحد المراقد المقدسة لدى السنة في العراق، ليتضح بعد ذلك أن هناك دعوات لهدمه.

وجد بغداديون أن هذه التطورات تدعو إلى الحزن والأسى فما يحصل، يعيد الانقسام إلى العاصمة، التي يفترض أن تكون قبلة للجميع، من مختلف الطوائف والمذاهب والديانات. لكن يبدو أن الانتخابات بدأت باكراً، والبعض يطلب رأس أبي جعفر المنصور، سبيلاً للفوز.  

إقرأوا أيضاً: