بنيامين نتانياهو خاطبنا بالأمس نحن اللبنانيين، وقرر أن يهدينا المجزرة! أرسل جندياً إلى مارون الراس، البلدة اللبنانية الحدودية، وغرس فيها علماً ووزّع الصورة على كل العالم. الرجل الذي قتل أكثر من أربعين ألف فلسطيني ونحو ثلاثة آلاف لبناني، حتى الآن، توجه إلينا بالأمس، وقال إنه يقتلنا من أجلنا ومن أجل مستقبلنا. غمز من قناة خصومتنا لحزب الله، وقال إنها فرصتنا لكي نموت على يد “رجل الأرغون” المنبعث من الجليل.
لا أيها المحتل، لن نؤجل خصومتنا مع حزب الله، لكن من يقاتلك في مارون الراس يصدّ عنا محتلاً. إنها اللحظة التي نصوغ فيها المسافة الواضحة بين ما يربطنا بحزب الله من خصومة، وبين أن نميز وجه المحتل الذي غرس علمه في صدورنا على تلك الهضبة.
نعم، نعرف أن جلاوزة الممانعة ينتظرون “نصراً” لكي يفقأوا أعيننا به، لا لكي يصدوا محتلاً لطالما خاطبهم في وجهنا، لكن المجزرة المتنقلة لا تنتظرنا حتى نتجنب مصيرنا. المشهد هناك على الحدود شديد الوضوح. محتل يغرس علمه على هضبتنا، ومقاتل يحاول صده. والمشهد هنا واضح أيضاً. حزب صادر حقنا في أن نقرر أو لا نقرر، وهو حمى منظومة فساد سطت على مستقبل ثلاثة أجيال منا.
نحتاج إلى قدر من السذاجة لكي لا نربط بين المشهدين، لكنها السذاجة الضرورية في لحظة الاحتلال، والسذاجة التي لا تستقيم إنسانيتنا من دونها. فالرجل الذي خاطبنا هو نتانياهو، صاحب “عقيدة المجزرة”. الأمر لا يحتاج إلى تمييز، وإلى أكثر من سذاجة، هي سذاجة الضحية، وسذاجة من أذهلته الإبادة.
ثم إننا حيال من يقول لنا إنه يريد أن يهدينا وطناً، بعد أن يقتلنا، وطناً لا يزيد عن مقبرة، ولا يقل عن مستعمرة. مذهل فعلاً هذا الخطاب الذي توجه به إلينا. ملخّص عما ينتظرنا إذا ما تحقق لهذا الرجل ما يريد.
نحن في موقع شديد التعقيد، فبين محتل غرس علمه في صدورنا، وبين ممانع ينتظر نصراً علينا، ليس أمامنا سوى أن نراهن على مقاتل هناك يحاول صد المحتل، وعلى بلد يتسع لخصومة مع حزب أذاب حدود بلدنا وحوّله إلى ساحة وإلى محمية لغيرنا.
نعم لسنا بخير، وما ينتظرنا مظلم وحالك، المسافة صفر تلك التي تفصلنا عن المجزرة، صارت أيضاً تفصلنا عن وجه المحتل. علينا أن نستعد وأن نفكر في طريق لا نشيح عبره أنظارنا عن حقيقة السنوات المرة مع حزب الله، وألا نسقط في الفخ الذي ينصبه لنا محتل أطل علينا بالأمس وبيده عرض مغرٍ لإبادتنا.
ليس ما يجري على الحدود وحده ما يصيبنا، فها نحن في بيروت نشهد على حرب لم يسبق أن اختبرنا الحقيقة الإبادية لمن يرتكبها، فاستهداف الأبرياء هو جزء من “عقيدة المجزرة”، وحين يقول الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بأنه قتل عنصراً من حزب الله في غارة على منزله، لا يذكر أنه قتل معه أطفالاً ونساء، ذاك أن هؤلاء هم “خسائر جانبية”. وليس ذلك مجرد واقعة من وقائع الحرب، إنما هو دأب متواصل وممنهج وله وظيفته في سياق “الهدية” التي يعرضها علينا رجل “الأراغون” الجديد. فقتل العائلات هو واقعة يومية حصلت على امتداد خريطة الحرب. والمرعب هنا هو أنها جزء من العقيدة القتالية التي أرساها نتانياهو في غزة، ونقلها إلى لبنان، وتتمثل في أن “اجتثاث العدو” يقتضي تعقب أثره في عائلته، وأن بيئته هي “عدو موضوعي” ربما عاد وانبعث فيها.
ما عرضه علينا بيبي في الأمس ليس مجرد هدية مسمومة، والموت الذي رافق كلمته لم يكن مغلفاً بادعاء آخر، فهل من شيء أوضح من صورة جندي يغرس علمه في أرض بلد آخر. ما شهدناه في مارون الراس ليس أقل من احتلال، وما شهدناه في الوقت نفسه في الغبيري في ضاحية بيروت ليس أقل من مجزرة. على هذا النحو يجب أن نستقبل خطاب نتانياهو الموجه إلينا.
إقرأوا أيضاً: