fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

نتانياهو في الكونغرس: كل هذا التصفيق كل هذه الصفاقة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثمة إيمان عميق لدى هؤلاء بأن نتانياهو بطلهم الذي يخوض حربهم في الشرق الأوسط. هؤلاء صفقوا لتسعة أشهر متصلة من قتل وجرح عشرات الآلاف، وللتدمير والتهجير والتجويع وسحق كل مقومات حياة الفلسطينيين، فقط لأنهم فلسطينيون. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليس غريباً على الكونغرس الأميركي أن يتحوّل إلى سيرك، ولا على أعضائه أن يصيروا زمرةً من المعاتيه المصفّقين المهللين للمهرّج وهو يتحفهم ببهلوانياته. لكنهم هذه المرّة تفوقوا أنفسهم وعلى كل الذين مرّوا قبلهم.

اختبر المهرّج جمهور هذا السيرك وعرفه. ساذج وبسيط وإرضاؤه سهل. ليس عليه أن يجتهد. كل المطلوب منه تقليد الرؤساء الأميركيين في خطابات الاتحاد. دفق من العواطف “الوطنية” ومديح الديموقراطية والتحضر والتهويل من البربرية الآتية من الشرق والتذكير بعلاقة الأبوّة المَرَضية بين أميركا وإسرائيل، والتي تبدو اضطراباً يحتاج فهمه إلى تحليل في علم النفس وليس في علم السياسة والتاريخ. 

بين فينة وأخرى، وكما يجلب الرؤساء الأميركيون جنوداً “أبطالاً”، لا أحد يعلم لماذا كانوا يقاتلون في النصف الثاني من الكرة الأرضية، يجلب بنيامين نتانياهو في حقائبه عيّنات متنوعة من جنود جيشه لينالوا حصتهم أيضاً من التهليل ودموع التأثر.

وبينما يكذب بيبي أكثر مما يتنفس، وصولاً إلى أن يقول ألا قتلى مدنيين في غزة، يزداد التصفيق وقوفاً، ولو أن هناك أشجاراً في القاعة لتسلّقوها من شدة انفعالهم. وبالتوازي ينهار معدل ذكائهم، حتى إذا ما انتهى المهرّج من وصلته، بات وعي أكثرهم ذكاء يساوي وعي دجاجة.

على الأرجح أنهم فاجأوا حتى نتانياهو. لم يكن ينتظر من هؤلاء أن يستقبلوه كمجرم الحرب الذي هو عليه، ولا كضيف بات ثقيل الظل على خزانتهم كما حال الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولا حتى كرئيس أميركي ينقسمون حوله وقد يصفقون له حيناً ويعترضون بالصمت حيناً آخر. هو يعرف أن خصومه في الكونغرس قاطعوا خطابه، وأن الحاضرين جميعاً، ما عدا تلك الفلسطينية وكوفيتها، من أنصاره وأنصار حربه الهمجية في غزة.

 فوجئ بيبي بالديموقراطية العريقة تحتفي به بكل هذه الصفاقة من لحظة دخوله القاعة إلى لحظة خروجه محمولاً على الأكف الملتهبة الحمراء من شدة التصفيق. بدا نتانياهو وهو يختال بينهم تماماً كالرفيق القائد كيم جونغ أون، وبدوا وهم يصبون بعيونهم الباكية إليه ضباط جيشه في جمهورية أميركا الشعبية.

ساعة التصفيق الطويلة في السيرك لم تكن مضحكة، على الرغم من المشهد الهزلي للمهرّج ودجاجاته. ثمة ما هو أبعد من الاحتفاء بالدولة الصديقة أو التملّق للدولة واللوبيات الداعمة لها في أميركا، والتي تعرف جيداً أين تصرف أموالها في أي وكل انتخابات أميركية. 

ثمة إيمان عميق لدى هؤلاء بأن نتانياهو بطلهم الذي يخوض حربهم في الشرق الأوسط. هؤلاء صفقوا لتسعة أشهر متصلة من قتل وجرح عشرات الآلاف، وللتدمير والتهجير والتجويع وسحق كل مقومات حياة الفلسطينيين، فقط لأنهم فلسطينيون. 

هؤلاء يعرفون تماماً لمن يصفقون وضد من يصفقون. عطشهم الى الانتقام لم يرتوِ بعد ولن يرتوي. هذه صورتهم عن العرب وهذا ما يريدون من بطلهم أن يفعل من أجلهم. والكذّاب لم يكذب مرة واحدة فقط، حين قال لهم إنه يخوض الحرب نيابة عنهم، لأنه يفعل ذلك، وهي، في الصميم، جزمتهم هذه التي بها يخوض نتانياهو الوحول، وقد أخذ استراحة محارب ليأتي إليهم مطالباً برد الجميل عن كل القذارة التي غرق فيها لأجلهم، وقد ردوا الجميل بأحسن منه.

تبقى تلك الفلسطينية بكوفيتها، وحدها، كما وصف محمود درويش ابن أمه. رشيدة طليب، وسط زوابع ريش الدجاج المتطاير في الفضاء، كانت صامتةً هادئة تحدق في عيني قاتلها. تقول له إنه مهما قتل ومهما نال من ثناء على عدد قتلاه، سيظل هناك من يحدق في عينيه. دائماً سيجد من يحدق في عينيه، ودائماً سيجبن القاتل عن رفع عينيه في وجه قتيله.   

26.07.2024
زمن القراءة: 3 minutes

ثمة إيمان عميق لدى هؤلاء بأن نتانياهو بطلهم الذي يخوض حربهم في الشرق الأوسط. هؤلاء صفقوا لتسعة أشهر متصلة من قتل وجرح عشرات الآلاف، وللتدمير والتهجير والتجويع وسحق كل مقومات حياة الفلسطينيين، فقط لأنهم فلسطينيون. 

ليس غريباً على الكونغرس الأميركي أن يتحوّل إلى سيرك، ولا على أعضائه أن يصيروا زمرةً من المعاتيه المصفّقين المهللين للمهرّج وهو يتحفهم ببهلوانياته. لكنهم هذه المرّة تفوقوا أنفسهم وعلى كل الذين مرّوا قبلهم.

اختبر المهرّج جمهور هذا السيرك وعرفه. ساذج وبسيط وإرضاؤه سهل. ليس عليه أن يجتهد. كل المطلوب منه تقليد الرؤساء الأميركيين في خطابات الاتحاد. دفق من العواطف “الوطنية” ومديح الديموقراطية والتحضر والتهويل من البربرية الآتية من الشرق والتذكير بعلاقة الأبوّة المَرَضية بين أميركا وإسرائيل، والتي تبدو اضطراباً يحتاج فهمه إلى تحليل في علم النفس وليس في علم السياسة والتاريخ. 

بين فينة وأخرى، وكما يجلب الرؤساء الأميركيون جنوداً “أبطالاً”، لا أحد يعلم لماذا كانوا يقاتلون في النصف الثاني من الكرة الأرضية، يجلب بنيامين نتانياهو في حقائبه عيّنات متنوعة من جنود جيشه لينالوا حصتهم أيضاً من التهليل ودموع التأثر.

وبينما يكذب بيبي أكثر مما يتنفس، وصولاً إلى أن يقول ألا قتلى مدنيين في غزة، يزداد التصفيق وقوفاً، ولو أن هناك أشجاراً في القاعة لتسلّقوها من شدة انفعالهم. وبالتوازي ينهار معدل ذكائهم، حتى إذا ما انتهى المهرّج من وصلته، بات وعي أكثرهم ذكاء يساوي وعي دجاجة.

على الأرجح أنهم فاجأوا حتى نتانياهو. لم يكن ينتظر من هؤلاء أن يستقبلوه كمجرم الحرب الذي هو عليه، ولا كضيف بات ثقيل الظل على خزانتهم كما حال الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولا حتى كرئيس أميركي ينقسمون حوله وقد يصفقون له حيناً ويعترضون بالصمت حيناً آخر. هو يعرف أن خصومه في الكونغرس قاطعوا خطابه، وأن الحاضرين جميعاً، ما عدا تلك الفلسطينية وكوفيتها، من أنصاره وأنصار حربه الهمجية في غزة.

 فوجئ بيبي بالديموقراطية العريقة تحتفي به بكل هذه الصفاقة من لحظة دخوله القاعة إلى لحظة خروجه محمولاً على الأكف الملتهبة الحمراء من شدة التصفيق. بدا نتانياهو وهو يختال بينهم تماماً كالرفيق القائد كيم جونغ أون، وبدوا وهم يصبون بعيونهم الباكية إليه ضباط جيشه في جمهورية أميركا الشعبية.

ساعة التصفيق الطويلة في السيرك لم تكن مضحكة، على الرغم من المشهد الهزلي للمهرّج ودجاجاته. ثمة ما هو أبعد من الاحتفاء بالدولة الصديقة أو التملّق للدولة واللوبيات الداعمة لها في أميركا، والتي تعرف جيداً أين تصرف أموالها في أي وكل انتخابات أميركية. 

ثمة إيمان عميق لدى هؤلاء بأن نتانياهو بطلهم الذي يخوض حربهم في الشرق الأوسط. هؤلاء صفقوا لتسعة أشهر متصلة من قتل وجرح عشرات الآلاف، وللتدمير والتهجير والتجويع وسحق كل مقومات حياة الفلسطينيين، فقط لأنهم فلسطينيون. 

هؤلاء يعرفون تماماً لمن يصفقون وضد من يصفقون. عطشهم الى الانتقام لم يرتوِ بعد ولن يرتوي. هذه صورتهم عن العرب وهذا ما يريدون من بطلهم أن يفعل من أجلهم. والكذّاب لم يكذب مرة واحدة فقط، حين قال لهم إنه يخوض الحرب نيابة عنهم، لأنه يفعل ذلك، وهي، في الصميم، جزمتهم هذه التي بها يخوض نتانياهو الوحول، وقد أخذ استراحة محارب ليأتي إليهم مطالباً برد الجميل عن كل القذارة التي غرق فيها لأجلهم، وقد ردوا الجميل بأحسن منه.

تبقى تلك الفلسطينية بكوفيتها، وحدها، كما وصف محمود درويش ابن أمه. رشيدة طليب، وسط زوابع ريش الدجاج المتطاير في الفضاء، كانت صامتةً هادئة تحدق في عيني قاتلها. تقول له إنه مهما قتل ومهما نال من ثناء على عدد قتلاه، سيظل هناك من يحدق في عينيه. دائماً سيجد من يحدق في عينيه، ودائماً سيجبن القاتل عن رفع عينيه في وجه قتيله.