fbpx

نصرالله “الواقعي” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وإذا كنا نعاني من أعراض “الانتصارات”، ومن انتقالها من الخطب إلى الشارع على شكل ممارسات ميليشياوية، فإن أعراضاً موازية بدأت تلوح وتتمثل في عجز خصوم الحزب في لبنان عن إنتاج خطاب يتعدى الظلامة التي ألحقتها هيمنة الحزب على بلدهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 لا تشبه “واقعية” أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الذي أعقب رد حزبه على اغتيال القيادي فيه فؤاد شكر، احتفالات جمهور الحزب بـ”النصر” الذي لم يعلن عنه الرجل! ولكلَي الأمرين وظيفة في سياق ما يشهده لبنان من حرب واحتقان. 

خاطب نصرالله بـ”واقعيّته” إسرائيل وأميركا، في حين توجّه جمهور الحزب بالاحتفال إلى الداخل اللبناني، الذي شرعت شرائح واسعة منه بالسخرية من عدم فعالية الرد، ومن اقتصاره على “استهداف مزرعة دجاج”. 

لا تقل الرسالتان أهمية عن بعضهما البعض في عرف الحزب، ذاك أن الأخير لطالما كان “واقعياً” في اشتباكه مع الإسرائيليين، ولطالما أيضاً كان صدامياً ومحتقناً في خطابه الداخلي. 

احتفال بيئة الحزب في “النصر” هو دأب الحزب، ولكنه هذه المرة هو أيضاً نوع من الرد على الشعور الضمني بما خلفته الضربات الإسرائيلية على مدى الأشهر العشرة من خيبات. الاحتفال هو رد هذا الشعور إلى “صدور الأعداء في الوطن”، أما الانفعال الحقيقي فهو ما خلّفته عبارة السيد من مشاعر ارتياح، والتي قال فيها للجنوبيين “يمكنكم أن تعودوا إلى منازلكم”.   

لكنْ، ثمة متغير آخر هذه المرة، يتمثّل في استثمار نصرالله بالخطاب الشعبوي الإسرائيلي الذي رافق الضربات الاستباقية التي شنّتها الطائرات الإسرائيلية على مواقع حزب الله فجر يوم الأحد. فالجيش الإسرائيلي قال إن ضرباته دمرت آلاف منصات الصواريخ! “طلعات جوية للطائرات الحربية استمرت لأكثر من ساعة بقليل، أدت الى تدمير آلاف منصات الصواريخ، وجنّبت ملايين الإسرائيليين احتمالات الاستهداف”؟ هذا ما ورد حرفياً في بيانات الجيش.

يبدو أن حاجة نتانياهو الى بيع الإسرائيليين أوهاماً أملت على القيادة في تل أبيب هذا القدر من الكذب. فـ”آلاف الصواريخ التي دُمّرت” بحسب الرواية الإسرائيلية، لم تكن أكثر من حاجة تل أبيب إلى نصر يشبه النصر الذي لطالما عانينا منه نحن أبناء المجتمعات “المنتصرة” والمفلسة.

التقط نصرالله في خطابه هذيان عدوّه، وقابله بقدر من الواقعية التي وسمت جزءاً كبيراً من خطابه، لولا بعض الإطناب الميداني الذي يبدو أنه من الصعب تفاديه في خطبه. 

قال، والأرجح أنه كان محقاً، إن الرد كان معداً لكي لا يتجاوز عدد الصواريخ الثلاثمئة صاروخ، وأن الأهداف كانت كلها عسكرية، ولم تكن تل أبيب ولا أي من المستعمرات جزءاً من خريطة الرد. 

قد تكون المرة الأولى التي يتضمّن فيها خطاب نصرالله تمييزاً بين المدني والعسكري في إسرائيل. هنا تماماً يمكننا أن نستنتج أن حزب الله، وخلافاً لخطابه الداخلي المحتقن، هو في صدد استدراج تسويات، وأنه على استعداد لكلام تفاوضي واقعي وغير أيديولوجي يبادل فيه استجابته لشروط الاشتباك بعيداً عن المدنيين.

ذهب نصرالله بواقعيته إلى حد الاعتراف بأن الغارات الإسرائيلية فجر يوم الأحد بدأت قبل مباشرة الحزب إطلاق صواريخه ومسيراته. ينطوي هذا الأمر من جهة على اعتراف بخرق سمح للإسرائيليين بمعرفة خطة الحزب، إلا أنه من جهة أخرى يدفعنا إلى تصديق روايته عن حجم الرد الذي كان يعده الحزب، ذاك أننا لم نكن أمام خطاب يبتعد صاحبه عن وقائع حصلت فعلاً.  

كان اللبنانيون، خصوم الحزب وأنصاره، ينتظرون خطاب النصر على ما دأب أمين عام الحزب فعله منذ العام 2006. وفي المقابل، كان من الصعب على خطيب من نوع نصرالله أن يعلن نصراً لا تتوافر أي من عناصره، فترك إعلانه للبيئة وللإعلام، وتولى هو نقل الخطاب إلى سوية سياسية. 

هذا لا يعني طبعاً أن الرجل قدّم المصلحة اللبنانية على المضمون الأيديولوجي والتعبوي، فهو كان سبق أن أطاح بهذا الاحتمال منذ اليوم الأول لـ”حرب الإشغال”، إلا أن الواقعية هنا هي في سياق إقليمي غير لبناني.

الواقعية هي بأن لا يطيح الرد بالموقع التفاوضي الإيراني، وهي في الحسابات المتعلقة بالتفوق العسكري الإسرائيلي، وبما يقف خلف هذا التفوّق من استعداد أميركي لحرب “مساندة” موازية تتولاها قطع الأسطول الأميركي الموجودة في محيط الحرب. 

وإذا كنا نعاني من أعراض “الانتصارات”، ومن انتقالها من الخطب إلى الشارع على شكل ممارسات ميليشياوية، فإن أعراضاً موازية بدأت تلوح وتتمثل في عجز خصوم الحزب في لبنان عن إنتاج خطاب يتعدى الظلامة التي ألحقتها هيمنة الحزب على بلدهم. 

فحزب الله هيمن على لبنان في ظل معادلات داخلية وإقليمية ودولية. والتوجه إلى الحزب بوصفه أداة هيمنة إيرانية فقط، يبقى ناقصاً إذا لم ننتبه إلى أن العالم بدأ يسلّم بأن نصرالله هو صاحب القول الأخير في لبنان. وهذا كان ثمرة مسار طويل من القضم، تواطأت عليه قوى صدرت عن معظم التشكيلات الطائفية اللبنانية. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 13.09.2024

انتخابات الأردن: “الإخوان” هم الإجابة الهاشميّة عن الترانسفير 

وصول "الإخوان المسلمين"، الذين تصنفهم دول خليجية كجماعة إرهابية، إلى البرلمان، يكشف أيضاً عن طبيعة التوتر الصامت بين عمان وبين دول اتفاقات "إبراهام"، التي زادت من مخاوف الأردن الديموغرافية، بفعل عدم ربطها بين السلام وبين حق الفلسطينيين بدولة في الضفة الغربية والقدس. ولا بد والحال هذه من تذكير الدول الإبراهيمية باحتمالات السلام المجاني، و"الإخوان المسلمين"…
26.08.2024
زمن القراءة: 3 minutes

وإذا كنا نعاني من أعراض “الانتصارات”، ومن انتقالها من الخطب إلى الشارع على شكل ممارسات ميليشياوية، فإن أعراضاً موازية بدأت تلوح وتتمثل في عجز خصوم الحزب في لبنان عن إنتاج خطاب يتعدى الظلامة التي ألحقتها هيمنة الحزب على بلدهم.


 لا تشبه “واقعية” أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الذي أعقب رد حزبه على اغتيال القيادي فيه فؤاد شكر، احتفالات جمهور الحزب بـ”النصر” الذي لم يعلن عنه الرجل! ولكلَي الأمرين وظيفة في سياق ما يشهده لبنان من حرب واحتقان. 

خاطب نصرالله بـ”واقعيّته” إسرائيل وأميركا، في حين توجّه جمهور الحزب بالاحتفال إلى الداخل اللبناني، الذي شرعت شرائح واسعة منه بالسخرية من عدم فعالية الرد، ومن اقتصاره على “استهداف مزرعة دجاج”. 

لا تقل الرسالتان أهمية عن بعضهما البعض في عرف الحزب، ذاك أن الأخير لطالما كان “واقعياً” في اشتباكه مع الإسرائيليين، ولطالما أيضاً كان صدامياً ومحتقناً في خطابه الداخلي. 

احتفال بيئة الحزب في “النصر” هو دأب الحزب، ولكنه هذه المرة هو أيضاً نوع من الرد على الشعور الضمني بما خلفته الضربات الإسرائيلية على مدى الأشهر العشرة من خيبات. الاحتفال هو رد هذا الشعور إلى “صدور الأعداء في الوطن”، أما الانفعال الحقيقي فهو ما خلّفته عبارة السيد من مشاعر ارتياح، والتي قال فيها للجنوبيين “يمكنكم أن تعودوا إلى منازلكم”.   

لكنْ، ثمة متغير آخر هذه المرة، يتمثّل في استثمار نصرالله بالخطاب الشعبوي الإسرائيلي الذي رافق الضربات الاستباقية التي شنّتها الطائرات الإسرائيلية على مواقع حزب الله فجر يوم الأحد. فالجيش الإسرائيلي قال إن ضرباته دمرت آلاف منصات الصواريخ! “طلعات جوية للطائرات الحربية استمرت لأكثر من ساعة بقليل، أدت الى تدمير آلاف منصات الصواريخ، وجنّبت ملايين الإسرائيليين احتمالات الاستهداف”؟ هذا ما ورد حرفياً في بيانات الجيش.

يبدو أن حاجة نتانياهو الى بيع الإسرائيليين أوهاماً أملت على القيادة في تل أبيب هذا القدر من الكذب. فـ”آلاف الصواريخ التي دُمّرت” بحسب الرواية الإسرائيلية، لم تكن أكثر من حاجة تل أبيب إلى نصر يشبه النصر الذي لطالما عانينا منه نحن أبناء المجتمعات “المنتصرة” والمفلسة.

التقط نصرالله في خطابه هذيان عدوّه، وقابله بقدر من الواقعية التي وسمت جزءاً كبيراً من خطابه، لولا بعض الإطناب الميداني الذي يبدو أنه من الصعب تفاديه في خطبه. 

قال، والأرجح أنه كان محقاً، إن الرد كان معداً لكي لا يتجاوز عدد الصواريخ الثلاثمئة صاروخ، وأن الأهداف كانت كلها عسكرية، ولم تكن تل أبيب ولا أي من المستعمرات جزءاً من خريطة الرد. 

قد تكون المرة الأولى التي يتضمّن فيها خطاب نصرالله تمييزاً بين المدني والعسكري في إسرائيل. هنا تماماً يمكننا أن نستنتج أن حزب الله، وخلافاً لخطابه الداخلي المحتقن، هو في صدد استدراج تسويات، وأنه على استعداد لكلام تفاوضي واقعي وغير أيديولوجي يبادل فيه استجابته لشروط الاشتباك بعيداً عن المدنيين.

ذهب نصرالله بواقعيته إلى حد الاعتراف بأن الغارات الإسرائيلية فجر يوم الأحد بدأت قبل مباشرة الحزب إطلاق صواريخه ومسيراته. ينطوي هذا الأمر من جهة على اعتراف بخرق سمح للإسرائيليين بمعرفة خطة الحزب، إلا أنه من جهة أخرى يدفعنا إلى تصديق روايته عن حجم الرد الذي كان يعده الحزب، ذاك أننا لم نكن أمام خطاب يبتعد صاحبه عن وقائع حصلت فعلاً.  

كان اللبنانيون، خصوم الحزب وأنصاره، ينتظرون خطاب النصر على ما دأب أمين عام الحزب فعله منذ العام 2006. وفي المقابل، كان من الصعب على خطيب من نوع نصرالله أن يعلن نصراً لا تتوافر أي من عناصره، فترك إعلانه للبيئة وللإعلام، وتولى هو نقل الخطاب إلى سوية سياسية. 

هذا لا يعني طبعاً أن الرجل قدّم المصلحة اللبنانية على المضمون الأيديولوجي والتعبوي، فهو كان سبق أن أطاح بهذا الاحتمال منذ اليوم الأول لـ”حرب الإشغال”، إلا أن الواقعية هنا هي في سياق إقليمي غير لبناني.

الواقعية هي بأن لا يطيح الرد بالموقع التفاوضي الإيراني، وهي في الحسابات المتعلقة بالتفوق العسكري الإسرائيلي، وبما يقف خلف هذا التفوّق من استعداد أميركي لحرب “مساندة” موازية تتولاها قطع الأسطول الأميركي الموجودة في محيط الحرب. 

وإذا كنا نعاني من أعراض “الانتصارات”، ومن انتقالها من الخطب إلى الشارع على شكل ممارسات ميليشياوية، فإن أعراضاً موازية بدأت تلوح وتتمثل في عجز خصوم الحزب في لبنان عن إنتاج خطاب يتعدى الظلامة التي ألحقتها هيمنة الحزب على بلدهم. 

فحزب الله هيمن على لبنان في ظل معادلات داخلية وإقليمية ودولية. والتوجه إلى الحزب بوصفه أداة هيمنة إيرانية فقط، يبقى ناقصاً إذا لم ننتبه إلى أن العالم بدأ يسلّم بأن نصرالله هو صاحب القول الأخير في لبنان. وهذا كان ثمرة مسار طويل من القضم، تواطأت عليه قوى صدرت عن معظم التشكيلات الطائفية اللبنانية.