لم تكن تحلم، لونا الشبل، مستشارة الرئيس السوري، بشار الأسد، بمقابلة كتلك التي خصصها لها القسم العربي في قناة “بي بي سي” البريطانية . خلال نصف ساعة في برنامج “بلا قيود” قدمت الشبل بكل أريحية رواية النظام حول مواضيع شملت الموقف من غزو أوكرانيا مروراً بالقصف الإسرائيلي، وصولا للعلاقة مع إيران، في وقت اكتفى فيه المذيع نور الدين زورقي، بتعليقات سريعة، دون أن يزعج ضيفته بمعلومات مضادة أو سردية معارضة، أثناء المقابلة التي صورت في قلب دمشق.
الشبل بررت خلال المقابلة، موقف النظام من غزو أوكرانيا، “بتأييد حق روسيا في الدفاع عن نفسها وأمنها القومي، “وهذا واجب على روسيا وليس حق كفلته المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تسمح للدول للدفاع عن نفسها”. غير أن المستشارة التي درست الأدب الفرنسي، حسب تعريف مقدم البرنامج لها، تفوقت على روسيا نفسها بالبروباغندا، إذ تحدثت أن موسكو “عرضت وثائق تؤكد أن أوكرانيا هي من كان تريد شن العدوان عليها، لو لم تكن هي المبادرة”.
زورقي لم يلفت انتباه ضيفته أن هذه الجزئية لم ترد أصلا في التبريرات الروسية للغزو، التي ركزت على اضطهاد أهالي دونباس. بل ذهب إلى سؤال آخر حول خلفية الموقف السوري، لتجد الشبل فرصة ذهبية للحديث عن “موقف سوريا المبدئي، الذي لا يتخذ بشكل استعجالي، والمبني على القضايا المشتركة بين الدولتين”.
وبعدها، تحدثت عن تطوع السوريين للقتال إلى جانب روسيا، مشيرة إلى أن “الكثير من السوريين أبدوا رغبتهم بالتطوع للمشاركة من باب رد الجميل”، لكنها استدركت: “ليس هناك من داع لوجود متطوعين، وروسيا لم تطلب متطوعين من سوريا”. وأيضا في هذه النقطة لا يعترض زورقي على كلام ضيفته، مع أن موقع “بي بي سي” نفسه كان قد خصص قبل أسبوع موضوعاً عن “المتطوعين السوريين في أوكرانيا”، إذ نقل عن أحدهم قوله “روسيا ترتكب مجزرة في أوكرانيا، وتستغل فقر السوريين الذين لا يجدون ما يسد رمقهم فتعطيهم قدرا صغيرا من المال من أجل القتال إلى جانبها والموت في سبيلها”. صمت المقدم امتد أيضاً إلى الحديث عن الحصار الغربي على روسيا التي نفته المستشارة، مؤكدة أن روسيا هي “من تحاصر أوروبا، بدليل أن مساحتها أكبر بكثير”، مضيفة أن “شعبية الرئيس فلاديمير بوتين تتصاعد فيما شعبية الرئيس جو بايدن تتراجع”.
أما التناقض بين “التحالف” مع روسيا وفي ذات الوقت تنسيق الأخيرة مع إسرائيل لتنفيذ ضربات في سوريا، فقد استسهلت الشبل تبريره عبر استغباء مشاهديها، بالقول “الاتفاقية بين روسيا وسوريا تركز على مساعدة سوريا بمكافحة الإرهاب وليس هناك إشارة لحماية الحدود”، موكدة في حديثها عن إمكانية الرد على تل أبيب، أن النظام يحارب منذ 11 عاما الجماعات المسلحة المدعومة إسرائيل.
هكذا ببساطة تمر هذه البروباغندا الأسدية التي باتت مستهلكة، عبر شاشة “بي بي سي” دون اعتراض، ولو بالحدود الدنيا، عبر القول مثلا إن هناك احتجاجات خرجت ضد النظام قبل دخول البلاد في العنف.
المفارقة أن كلام الشبل عن إسرائيل يتوازى مع كشف صحيفة “إسرائيل هيوم” أن نفتالي بينيت، أوقف مؤخرًا مبادرة إقليمية روّج لها سلفه، بنيامين نتنياهو، لإعادة الأسد، إلى جامعة الدول العربية، مشيرة إلى أن نتنياهو بدأ منذ 2019 بتمرير هذه المبادرة المبنية على فكرة المصالحة الدولية مع انتصار الأسد، مقابل اتفاق القوى معه على انسحاب القوات الإيرانية. ذلك، مع أن مستشارة الأسد نفت وجود نفوذ إيراني في سوريا وتحدثت عن مستشارين، وعندما سألها زورقي عن هذه المسألة ردت بسؤاله أين هو هذا النفوذ؟ ليرتبك ويجيبها تسألينني عن النفوذ الإيراني وإسرائيل تقصف مواقع للجيش السوري. دون أن يخطر له، أن يتحدث عن المليشيات العراقية الموالية لإيران وعن “حزب الله” اللبناني، وعن عمليات شراء العقارات والتغيير الديمغرافي.
كثيرا ما تتهم الـ”بي بي سي” بالتخلي عن الموضوعية في الملف السوري، فهي غالبا ما تكتفي بموالين من دمشق للتعليق على حدث ما، وإن أرادت موقفا معارضا استقبلت ضيفا تركيا، وكأن المعارضة فقط خاضعة لأنقرة فيما النظام مستقل وذو سيادة.
يصر القسم العربي في “بي بي سي” على مواصلة العمل مع مراسل من دمشق غالبا ما يقدم رواية النظام وينجز تقارير حول مسائل معيشية وإنسانية متجاهلا أسباب هذه المسائل والمسؤولين عنها. سياسة “بي بي سي” عربي حيال سوريا، مختلفة تماماً عن سياسة القناة الإنكليزية التي تبدو نسبياً أكثر مهنية وتقدم روايات مختلف الأطراف، وهو ما يرجح أن المتحكمين بالملف السوري في القناة العربية، ينطلقون من أمزجتهم وأهوائهم السياسية، حيث الانحياز أكثر نحو النظام وسرديته كما هو الحال حيال أنظمة عربية أخرى.
كذلك، فإن توقيت المقابلة، يطرح أسئلة إضافية، إذ كيف يمكن لقناة متحمسة جدا للمقاومة الأوكرانية وناقدة بعنف للغزو الروسي، أن تعطي الهواء لنصف ساعة لمستشارة رئيس يجد في الغزو “تصحيحا للتاريخ”، فتسترسل في الحديث عن رواية النظام دون أي اعتراض جدي يفرضه الحد الأدنى من المهنية. وفي هذا السياق، يمكن العودة إلى مقابلات سابقة للشبل أجرتها معها قنوات سورية رسمية، وبمقارنة بسيطة قد يجد المشاهد اعتراضات على كلام المستشارة أكثر من تلك التي مرت بخجل في مقابلة “بي بي سي”، حتى أن الزورقي تراجع عن تسمية غزو بخصوص أوكرانيا، بعد ملاحظة من الشبل، واقترح توسيع الاحتمالات لتشمل الاجتياح والعملية العسكرية، “سمّها ما شئت”، كما قال، لضيفته.
إقرأوا أيضاً: