fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

نظام الأسد يصعّد ضد المدنيين شمال سوريا… أما الجنوب فمفتوح أمام إسرائيل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن قراءة موقف بشار الأسد سوى بمرارة مصحوبة بسخرية، ولا نتحدث عن كم الجرائم الهائلة المرتكبة في سوريا بسببه ولأجله وباسمه، بل أيضاً عجزه عن الدفاع عن آخر ورقة تكسبه شرعية ما أمام مؤيديه، وهي “الحرب مع إسرائيل”، لكن الطائرات الإسرائيلية تقصف أينما تريد في سوريا، وإلى الآن، لا رد، سوى استهداف المدنيين بإدلب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يحالف الحظ الطفلة جنى (5 سنوات) والطفل عبدالمهيمن ( 12 عاماً) بأن يكونا مثل أقرانهم بالعالم، أطفال يذهبون الى المدرسة ثم يعودون إلى منازلهم لكتابة الوظائف ثم اللعب، فذنبهم الوحيد أنهم سوريون يسكنون محافظة إدلب، لكن هل هذا مبرر لتتمزق أجسادهم الغضة بصواريخ قوات النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين وميليشيا حزب الله؟!

ساعات قليلة فصلت بين مقتل الطفلة جنى في منطقة جبل الزاوية بقذيفة من مدفعية النظام، ومقتل الطفل عبدالمهيمين أثناء عمله بمنشرة خشب بمحيط إدلب بصاروخ من طائرة حربية روسية. 

جنى وعبدالمهيمين كانا أصغر الضحايا من أصل 11 مدنياً قتلوا بنيران قوات النظام والطائرات الحربية الروسية في مجزرة مروعة استمرت على مدى 48 ساعة متواصلة من القصف الجوي والأرضي على عدد من البلدات والقرى في محافظة إدلب السورية، إضافة الى أكثر من  30 إصابة بجروح متفاوتة الخطورة بحسب الدفاع المدني السوري. 

استهداف كل ما ينبض بالحياة

رصدت كاميرات الصحافيين في شمال غربي سوريا  في صباح يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، سرباً من الطائرات الحربية الروسية في حركة غير اعتيادية شملت محافظة إدلب بكاملها، لتعقبها قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية بطلعات طائرات متتالية قصفت إحداها بعدد من الصواريخ شديدة الانفجار محطة كهرباء الكيلاني قرب بلدة دركوش، أفضت إلى خروج المحطة عن الخدمة بشكل فوري جراء الدمار الواسع الذي لحق بها، وبالتالي انقطاع التيار الكهربائي عن المناطق التي تغذيها الشركة بحسب بيان شركة كهرباء Green Energy.

 في حين قالت وزارة الزراعة في إدلب إن استهداف الطائرات الحربية الروسية لمحطة كهرباء الكيلاني، والتي تغذي محطة مياه عين الزرقا، أدى الى خروج الأخيرة عن الخدمة، وهي المحطة الرئيسية التي تغذي منطقة سهل الروج بمياه الري، ما يعني أن آلاف الدونمات المزروعة بالزراعات المروية مهددة بالعطش الطويل الأمد.

من جهته، قال الدفاع المدني السوري لمراسل “درج” من المكان المستهدف، إن القصف الجوي الروسي لمحطة كهرباء الكيلاني تسبّب بإصابة عاملين بجروح متوسطة الشدة، فيما عملت فرقه على تبريد المحطة التي خرجت كلياً عن الخدمة.

مجزرة مستمرّة ليومين

توقفت طلعات الطائرات الحربية الروسية في ذلك اليوم بعد تنفيذها 20 عملية قصف طاولت بلدات عدة في ريفَي حماة وإدلب الغربيين. 

يقول الناشط الميداني فريد المحلول، “يبدو أن عدد الإصابات جراء الغارات الروسية على إدلب لم يعجب ميليشيات إيران وحزب الله المتمركزة بريف حلب الغربي، لتعمل تلك الميليشيات بعد نحو 24 ساعة  على استهداف مدينة الأتاراب بسلاح المدفعية، ما تسبب بمقتل مدني وإصابة 8 آخرين، بينهم طفلان وشابة وامرأة بجروح بعضها خطر،  بعد يوم آخر من القصف الجوي الروسي لمنازل المدنيين في إدلب .

 وفي 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قصفت قوات النظام وحلفاؤها بسلاح المدفعية الثقيلة، منازل المدنيين في قرية معربليت في جبل الزاوية جنوب إدلب، كان من بين تلك المنازل منزل الطفلة جنى حجوز (5 سنوات) التي فارقت الحياة متأثرة بجراحها، إضافة الى إصابة عدد من المدنيين. 

لم يكن يوم الخميس كباقي الأيام التي مرت على السكان بشمال غربي سوريا بحسب الناشط أحمد العلي، إذ استفاقوا على أسراب متتابعة من الطائرات الحربية الروسية تجوب بشكل متواصل سماء المحافظة وسط حالة هلع وخوف، حتى شارفت شمس ذلك النهار على المغيب. بيد أن إجرام نظام الأسد وحلفائه اختار أن تكون الليلة أقسى من النهار وأكثر ألماً على السكان المدنيين.

انتهى يوم الخميس بحصيلة مقتل وإصابة 40 مدنياً، بينهم 14 طفلاً، بقصف من الطائرات الحربية الروسية، طاول منشرة أخشاب ومشغلاً لتصنيع الأثاث بمحيط مدينة إدلب. 

ساعات طويلة أمضتها فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في انتشال جثامين الضحايا والمصابين من تحت أنقاض مبنى المنشرة التي يعمل فيها أكثر من 50 مدنياً بين طفل وبالغ.

وبثت صفحات الدفاع المدني على وسائل التواصل، مقطع فيديو وصفه متابعون بالمؤلم لعمليات الإنقاذ والبحث عن مفقودين بين ركام المبنى المستهدف. 

وقال الدفاع المدني في بيان نشره على صفحاته في وسائل التواصل، إن الطائرات الحربية الروسية شنت غارتين متتاليتين بـ 6 صواريخ شديدة الانفجار ورشة تصنيع مفروشات أدت إلى مقتل 10 أشخاص، بينهم طفل، وإصابة 32 آخرين،  10 منهم أطفال.

لم تكن مناطق محافظة حلب الخارجة عن سيطرة قوات النظام بمنأى عما يحدث في إدلب، إذ وثّق ناشطون إصابة عدد من طلاب ومعلمي مدرسة قرية محسنلي في منطقة جرابلس شمال شرقي محافظة حلب، بسبب قصف من قوات سوريا الديمقراطية طاول المدرسة أثناء وجود الطلاب فيها، إضافة الى مستوصف القرية. 

وأكدت فرق الدفاع المدني السوري إصابة 4 طلاب ومعلم وإمرأة إثر قصف صاروخي مصدره مناطق السيطرة المشتركة لقوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية، استهدف مدرسة ومستوصف قرية المحسنلي في ريف جرابلس.

أين بشار الأسد و ماذا عن “القسم الدستوريّ”؟!

تزامنت الأيام الدامية في شمال غربي سوريا نتيجة الهجمة العنيفة من قوات النظام وحلفائها على المدنيين، مع توغل إسرائيلي علني في الأراضي السورية من دون حراك من جيش النظام لمواجهة ذلك الاحتلال الصريح لمزيد من الأراضي السورية، وسط غياب شبه تام للقوات الروسية المنتشرة بكثرة في محافظة القنيطرة. 

وبحسب مصادر مطّلعة وما نقلت وسائل إعلامية ووكالات أنباء عالمية، فإن يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر2024 شهد توغلاً برياً لقوة إسرائيلية في الأراضي السورية، مصحوبة بعربات مصفحة، داخل الأراضي السورية قرب بلدة “كودنة”، بجانب تل الأحمر الغربي في ريف القنيطرة  الجنوبي، وجرفت بعض الأراضي الزراعية فيها.

وأوضحت المصادر أن عملية التجريف تمت على امتداد 500 متر بعرض ألف متر أخرى، ثم ضمتها إلى الجانب الإسـرائيلي عبر وضع شريط شائك.

استبقت إسرائيل عملية التوغل البري بمئات الطلعات الجوية وقصف أهداف ضمن مناطق سيطرة النظام، كان آخرها في حي المزة الدمشقي بالقرب من منزل بشار الأسد وكبار أركان حكمه ووزارة الدفاع والأفرع الأمنية التي تعج بمئات آلاف المعتقلين بحسب الناشط الحقوقي صفوان العلي، إذ يجدر بتلك الوزارة وأفرعها الأمنية البحث عن آليات الرد وإيقاف التوغل البري الإسرائيلي، بدل اعتقال السوريين وتغييبهم وتحديد أماكن تجمع المدنيين في شمال غربي سوريا وقصفها بأشد أنواع الصواريخ. 

يعتبر المحامي والخبير بالقانون الدولي عبد الناصر حوشان، بشار الأسد “خائناً” بما يتماشى مع الدستور السوري وأحكامه، إذ تنص المادة 7  من الدستور السوري على أن يكون القسم الدستوري: (أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية).

بشار الأسد لم يلتزم بأي واحدة من بنود القسم، بل يمكن اتهامه بـ”الخيانة” وفق المادة 117 من الدستور التي تنص على أن “رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية، وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل، وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا”.

تبدو قراءة المادة الدستورية ساخرة، خصوصاً بعد عام 2011، وسماح بشار الأسد بالتدخل الروسي والإيراني، وغياب القرار الوطني، لكن ولو تناسينا كل هذا، وغياب دور مجلس الشعب وباقي المؤسسات الدستوريّة، التوغل الإسرائيلي نفسه من المفترض أن يؤدي إلى تحرك من نوع ما، ومن دونه بشار الأسد “خائن”.

يرى حوشان أن قصف إسرائيل واستهدافها المواقع العسكرية والمدنية في سوريا يعتبران انتهاكاً فاضحاً للسيادة الوطنية، بالإضافة إلى خرق إسرائيل اتفاقية الهدنة وفض الاشتباك ودخولها الأراضي السورية وتجريفها على مرأى ومسمع من بشار الأسد وأركان نظامه السياسيين والعسكريين، وباعتباره “رئيساً” للبلاد هو من يتحمّل المسؤولية.

الأسد الذي يتحرك بحذر شديد خوفاً على ما تبقى له من سيطرة على سوريا، تخلى حتى مهامه في الدفاع عن “الأمن القومي السوريّ” الذي يبيح له إعلان الحرب ضد إسرائيل استناداً الى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية أو إصدار الأوامر العسكرية باعتباره قائداً للجيش والقوات المسلحة، يمكن أن يضعه في خانة المتهمين بـ”الخيانة العظمى”.

ووفقاً لتعريف الفقه العربي لجريمة الخيانة العظمي، فهي (الإهمال الخطير في أداء المهام الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية أو خرق أو انتهاك الدستور، على أن يترك تقدير ما إذا كان الفعل مكوناً لهذه الجريمة من عدمه إلى الجهة المختصة باتهامه ومحاكمته).

يشير حوشان الى أنه يدخل ضمن مفهوم جريمة الخيانة العظمى،كل فعل يرتكبه رئيس الدولة عن قصد أو بفعل إهمال جسيم من شأنه المساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو يعرض مصالح الدولة العليا للخطر أو يشكل إخلالاً جسيماً بواجباته الدستورية، وهو ما ينطبق على بشار الأسد، وحيث أن أعضاء مجلس الشعب قد تخلوا عن واجبهم في ملاحقة بشار الأسد بجريمة الخيانة العظمى لعمالتهم وشراكتهم في هذه الجريمة، وحيث أن هذا الأمر يعتبر خروجاً عن التفويض أو الوكالة التي منحها الشعب لهؤلاء، الأمر الذي يجعلهم شركاء في جريمة الخيانة العظمى، ويقتضي محاكمتهم جميعاً مع بشار الأسد عن هذه الجريمة.

لا يمكن قراءة موقف بشار الأسد سوى بمرارة مصحوبة بسخرية، ولا نتحدث عن كم الجرائم الهائلة المرتكبة في سوريا بسببه ولأجله وباسمه، بل أيضاً عجزه عن الدفاع عن آخر ورقة تكسبه شرعية ما أمام مؤيديه، وهي “الحرب مع إسرائيل”، لكن الطائرات الإسرائيلية تقصف أينما تريد في سوريا، وإلى الآن، لا رد، سوى استهداف المدنيين بإدلب.

عمّار المأمون - كاتب سوري | 17.05.2025

“سوريا الجديدة”: هذيان “الديمقراطيين” وسحر “البراغماتية” الشائن!

الحكومة المؤقتة في سوريا لم تُتح مساحة للسياسة، لا قانون لتنظيم الأحزاب، لا نقابات مستقلّة منتخبة، أما الفضاءات العامّة فتُهدَّد ضمن منطق "فائض القوّة"، فالسلطة تمتلك القدرة على تحريك جموع غاضبة، مستعدّة للقتال، بعضها مسلّح، وبعضها يرفع هتافات إبادية.
24.10.2024
زمن القراءة: 7 minutes

لا يمكن قراءة موقف بشار الأسد سوى بمرارة مصحوبة بسخرية، ولا نتحدث عن كم الجرائم الهائلة المرتكبة في سوريا بسببه ولأجله وباسمه، بل أيضاً عجزه عن الدفاع عن آخر ورقة تكسبه شرعية ما أمام مؤيديه، وهي “الحرب مع إسرائيل”، لكن الطائرات الإسرائيلية تقصف أينما تريد في سوريا، وإلى الآن، لا رد، سوى استهداف المدنيين بإدلب.

لم يحالف الحظ الطفلة جنى (5 سنوات) والطفل عبدالمهيمن ( 12 عاماً) بأن يكونا مثل أقرانهم بالعالم، أطفال يذهبون الى المدرسة ثم يعودون إلى منازلهم لكتابة الوظائف ثم اللعب، فذنبهم الوحيد أنهم سوريون يسكنون محافظة إدلب، لكن هل هذا مبرر لتتمزق أجسادهم الغضة بصواريخ قوات النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين وميليشيا حزب الله؟!

ساعات قليلة فصلت بين مقتل الطفلة جنى في منطقة جبل الزاوية بقذيفة من مدفعية النظام، ومقتل الطفل عبدالمهيمين أثناء عمله بمنشرة خشب بمحيط إدلب بصاروخ من طائرة حربية روسية. 

جنى وعبدالمهيمين كانا أصغر الضحايا من أصل 11 مدنياً قتلوا بنيران قوات النظام والطائرات الحربية الروسية في مجزرة مروعة استمرت على مدى 48 ساعة متواصلة من القصف الجوي والأرضي على عدد من البلدات والقرى في محافظة إدلب السورية، إضافة الى أكثر من  30 إصابة بجروح متفاوتة الخطورة بحسب الدفاع المدني السوري. 

استهداف كل ما ينبض بالحياة

رصدت كاميرات الصحافيين في شمال غربي سوريا  في صباح يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، سرباً من الطائرات الحربية الروسية في حركة غير اعتيادية شملت محافظة إدلب بكاملها، لتعقبها قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية بطلعات طائرات متتالية قصفت إحداها بعدد من الصواريخ شديدة الانفجار محطة كهرباء الكيلاني قرب بلدة دركوش، أفضت إلى خروج المحطة عن الخدمة بشكل فوري جراء الدمار الواسع الذي لحق بها، وبالتالي انقطاع التيار الكهربائي عن المناطق التي تغذيها الشركة بحسب بيان شركة كهرباء Green Energy.

 في حين قالت وزارة الزراعة في إدلب إن استهداف الطائرات الحربية الروسية لمحطة كهرباء الكيلاني، والتي تغذي محطة مياه عين الزرقا، أدى الى خروج الأخيرة عن الخدمة، وهي المحطة الرئيسية التي تغذي منطقة سهل الروج بمياه الري، ما يعني أن آلاف الدونمات المزروعة بالزراعات المروية مهددة بالعطش الطويل الأمد.

من جهته، قال الدفاع المدني السوري لمراسل “درج” من المكان المستهدف، إن القصف الجوي الروسي لمحطة كهرباء الكيلاني تسبّب بإصابة عاملين بجروح متوسطة الشدة، فيما عملت فرقه على تبريد المحطة التي خرجت كلياً عن الخدمة.

مجزرة مستمرّة ليومين

توقفت طلعات الطائرات الحربية الروسية في ذلك اليوم بعد تنفيذها 20 عملية قصف طاولت بلدات عدة في ريفَي حماة وإدلب الغربيين. 

يقول الناشط الميداني فريد المحلول، “يبدو أن عدد الإصابات جراء الغارات الروسية على إدلب لم يعجب ميليشيات إيران وحزب الله المتمركزة بريف حلب الغربي، لتعمل تلك الميليشيات بعد نحو 24 ساعة  على استهداف مدينة الأتاراب بسلاح المدفعية، ما تسبب بمقتل مدني وإصابة 8 آخرين، بينهم طفلان وشابة وامرأة بجروح بعضها خطر،  بعد يوم آخر من القصف الجوي الروسي لمنازل المدنيين في إدلب .

 وفي 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قصفت قوات النظام وحلفاؤها بسلاح المدفعية الثقيلة، منازل المدنيين في قرية معربليت في جبل الزاوية جنوب إدلب، كان من بين تلك المنازل منزل الطفلة جنى حجوز (5 سنوات) التي فارقت الحياة متأثرة بجراحها، إضافة الى إصابة عدد من المدنيين. 

لم يكن يوم الخميس كباقي الأيام التي مرت على السكان بشمال غربي سوريا بحسب الناشط أحمد العلي، إذ استفاقوا على أسراب متتابعة من الطائرات الحربية الروسية تجوب بشكل متواصل سماء المحافظة وسط حالة هلع وخوف، حتى شارفت شمس ذلك النهار على المغيب. بيد أن إجرام نظام الأسد وحلفائه اختار أن تكون الليلة أقسى من النهار وأكثر ألماً على السكان المدنيين.

انتهى يوم الخميس بحصيلة مقتل وإصابة 40 مدنياً، بينهم 14 طفلاً، بقصف من الطائرات الحربية الروسية، طاول منشرة أخشاب ومشغلاً لتصنيع الأثاث بمحيط مدينة إدلب. 

ساعات طويلة أمضتها فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في انتشال جثامين الضحايا والمصابين من تحت أنقاض مبنى المنشرة التي يعمل فيها أكثر من 50 مدنياً بين طفل وبالغ.

وبثت صفحات الدفاع المدني على وسائل التواصل، مقطع فيديو وصفه متابعون بالمؤلم لعمليات الإنقاذ والبحث عن مفقودين بين ركام المبنى المستهدف. 

وقال الدفاع المدني في بيان نشره على صفحاته في وسائل التواصل، إن الطائرات الحربية الروسية شنت غارتين متتاليتين بـ 6 صواريخ شديدة الانفجار ورشة تصنيع مفروشات أدت إلى مقتل 10 أشخاص، بينهم طفل، وإصابة 32 آخرين،  10 منهم أطفال.

لم تكن مناطق محافظة حلب الخارجة عن سيطرة قوات النظام بمنأى عما يحدث في إدلب، إذ وثّق ناشطون إصابة عدد من طلاب ومعلمي مدرسة قرية محسنلي في منطقة جرابلس شمال شرقي محافظة حلب، بسبب قصف من قوات سوريا الديمقراطية طاول المدرسة أثناء وجود الطلاب فيها، إضافة الى مستوصف القرية. 

وأكدت فرق الدفاع المدني السوري إصابة 4 طلاب ومعلم وإمرأة إثر قصف صاروخي مصدره مناطق السيطرة المشتركة لقوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية، استهدف مدرسة ومستوصف قرية المحسنلي في ريف جرابلس.

أين بشار الأسد و ماذا عن “القسم الدستوريّ”؟!

تزامنت الأيام الدامية في شمال غربي سوريا نتيجة الهجمة العنيفة من قوات النظام وحلفائها على المدنيين، مع توغل إسرائيلي علني في الأراضي السورية من دون حراك من جيش النظام لمواجهة ذلك الاحتلال الصريح لمزيد من الأراضي السورية، وسط غياب شبه تام للقوات الروسية المنتشرة بكثرة في محافظة القنيطرة. 

وبحسب مصادر مطّلعة وما نقلت وسائل إعلامية ووكالات أنباء عالمية، فإن يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر2024 شهد توغلاً برياً لقوة إسرائيلية في الأراضي السورية، مصحوبة بعربات مصفحة، داخل الأراضي السورية قرب بلدة “كودنة”، بجانب تل الأحمر الغربي في ريف القنيطرة  الجنوبي، وجرفت بعض الأراضي الزراعية فيها.

وأوضحت المصادر أن عملية التجريف تمت على امتداد 500 متر بعرض ألف متر أخرى، ثم ضمتها إلى الجانب الإسـرائيلي عبر وضع شريط شائك.

استبقت إسرائيل عملية التوغل البري بمئات الطلعات الجوية وقصف أهداف ضمن مناطق سيطرة النظام، كان آخرها في حي المزة الدمشقي بالقرب من منزل بشار الأسد وكبار أركان حكمه ووزارة الدفاع والأفرع الأمنية التي تعج بمئات آلاف المعتقلين بحسب الناشط الحقوقي صفوان العلي، إذ يجدر بتلك الوزارة وأفرعها الأمنية البحث عن آليات الرد وإيقاف التوغل البري الإسرائيلي، بدل اعتقال السوريين وتغييبهم وتحديد أماكن تجمع المدنيين في شمال غربي سوريا وقصفها بأشد أنواع الصواريخ. 

يعتبر المحامي والخبير بالقانون الدولي عبد الناصر حوشان، بشار الأسد “خائناً” بما يتماشى مع الدستور السوري وأحكامه، إذ تنص المادة 7  من الدستور السوري على أن يكون القسم الدستوري: (أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية).

بشار الأسد لم يلتزم بأي واحدة من بنود القسم، بل يمكن اتهامه بـ”الخيانة” وفق المادة 117 من الدستور التي تنص على أن “رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية، وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل، وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا”.

تبدو قراءة المادة الدستورية ساخرة، خصوصاً بعد عام 2011، وسماح بشار الأسد بالتدخل الروسي والإيراني، وغياب القرار الوطني، لكن ولو تناسينا كل هذا، وغياب دور مجلس الشعب وباقي المؤسسات الدستوريّة، التوغل الإسرائيلي نفسه من المفترض أن يؤدي إلى تحرك من نوع ما، ومن دونه بشار الأسد “خائن”.

يرى حوشان أن قصف إسرائيل واستهدافها المواقع العسكرية والمدنية في سوريا يعتبران انتهاكاً فاضحاً للسيادة الوطنية، بالإضافة إلى خرق إسرائيل اتفاقية الهدنة وفض الاشتباك ودخولها الأراضي السورية وتجريفها على مرأى ومسمع من بشار الأسد وأركان نظامه السياسيين والعسكريين، وباعتباره “رئيساً” للبلاد هو من يتحمّل المسؤولية.

الأسد الذي يتحرك بحذر شديد خوفاً على ما تبقى له من سيطرة على سوريا، تخلى حتى مهامه في الدفاع عن “الأمن القومي السوريّ” الذي يبيح له إعلان الحرب ضد إسرائيل استناداً الى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية أو إصدار الأوامر العسكرية باعتباره قائداً للجيش والقوات المسلحة، يمكن أن يضعه في خانة المتهمين بـ”الخيانة العظمى”.

ووفقاً لتعريف الفقه العربي لجريمة الخيانة العظمي، فهي (الإهمال الخطير في أداء المهام الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية أو خرق أو انتهاك الدستور، على أن يترك تقدير ما إذا كان الفعل مكوناً لهذه الجريمة من عدمه إلى الجهة المختصة باتهامه ومحاكمته).

يشير حوشان الى أنه يدخل ضمن مفهوم جريمة الخيانة العظمى،كل فعل يرتكبه رئيس الدولة عن قصد أو بفعل إهمال جسيم من شأنه المساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو يعرض مصالح الدولة العليا للخطر أو يشكل إخلالاً جسيماً بواجباته الدستورية، وهو ما ينطبق على بشار الأسد، وحيث أن أعضاء مجلس الشعب قد تخلوا عن واجبهم في ملاحقة بشار الأسد بجريمة الخيانة العظمى لعمالتهم وشراكتهم في هذه الجريمة، وحيث أن هذا الأمر يعتبر خروجاً عن التفويض أو الوكالة التي منحها الشعب لهؤلاء، الأمر الذي يجعلهم شركاء في جريمة الخيانة العظمى، ويقتضي محاكمتهم جميعاً مع بشار الأسد عن هذه الجريمة.

لا يمكن قراءة موقف بشار الأسد سوى بمرارة مصحوبة بسخرية، ولا نتحدث عن كم الجرائم الهائلة المرتكبة في سوريا بسببه ولأجله وباسمه، بل أيضاً عجزه عن الدفاع عن آخر ورقة تكسبه شرعية ما أمام مؤيديه، وهي “الحرب مع إسرائيل”، لكن الطائرات الإسرائيلية تقصف أينما تريد في سوريا، وإلى الآن، لا رد، سوى استهداف المدنيين بإدلب.

24.10.2024
زمن القراءة: 7 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية