fbpx

“نواقص الأدوية”… صداع مزمن في رأس المريض المصري!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بحسب تصريحات المسؤولين المصريين فإن أزمة الأدوية من المفترض أن تنتهي خلال أيام، لكن حتى الآن ليس هناك بوادر للحل، لتصبح أزمة نواقص الدواء صداعاً مزمناً أصاب رأس المريض المصري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على مدار 3 أشهر أصبح الهم الوحيد لوفاء قدري تأمين دواء الكلى الخاص بوالدتها، الذي رغم ارتفاع سعره عدة مرات، إلا أنه دخل قائمة “نواقص الأدوية”، الأزمة التي تشهدها مصر منذ ما يزيد عن عامين.

تعيش والدة وفاء منذ ما يزيد عن عشرين عاماً مع قصور حاد في وظائف الكلى، وما يحول دون وصولها إلى حالة الفشل الكلوي الكامل التي تستدعي الغسيل هو دواء “كيتوستريل”، الذي ارتفع سعره من 220 جنيهاً إلى 450 جنيهاً في 2016، ثم ارتفع مرة أخرى ليصل سعر العلبة التي تحتوي على 100 قرص إلى 675 جنيهاً، قبل أن يختفي من الصيدليات ليصل إلى 2000 جنيه في السوق السوداء.

تقول وفاء: “والدتي لا يمكنها أن تعيش بدون دواء كيتوستريل فهو الحائل الوحيد بينها وبين دوامة الغسيل الكلوي، وبسبب حالتها المرضية المتقدمة يجب أن تتناول 8 أقراص يومياً، وبذلك تستهلك علبة كل 12 يوم تقريباً، وتحتاج شهرياً إلى 3 علب. كان الأمر لا يشكل أزمة حتى مع زيادة سعره، لكن بعد اختفائه من الصيدليات زاد سعره إلى ما يقرب من 3 أضعاف، مما شكل ضغطاًعلى ميزانية الأسرة”.

اشترت وفاء عبوة عبر الإنترنت لوالدتها حتى لا تتدهور حالتها، بمبلغ 1900 جنيه قرابة 130 دولاراً أي 3 أضعاف السعر الرسمي، بينما اضطر شقيقها إلى شراء شريط واحد يضم 10 أقراص بـ250 جنيهاً من إحدى الصيدليات، أي أن سعر العلبة يصل إلى 1250جنيهاً، قبل أن يدلها أحد الأصدقاء على صيدلية الإسعاف، وهي صيدلية رسمية تابعة ل”هيئة الشراء الموحد”، اشترت منها علبة واحدة من الدواء بالسعر الرسمي، لكنها اضطرت في المقابل إلى الوقوف أمام الصيدلية أكثر من 4 ساعات بسبب الزحمة على الصيدلية.

والدة وفاء ليست الضحية الوحيدة لنقص الأدوية في عائلتها، فابنها الذي لم يتجاوز الـ 5 سنوات عانى أيضاً بسبب نقص المضادات الحيوية عقب إجرائه عملية إزالة اللوزتين واللحمية، وهي عملية بسيطة لكن يتبعها عدة إجراءات أهمها تناول جرعات من المضادات الحيوية لضمان عدم حدوث التهاب.

 وعلى رغم أن الطبيب صرف له 5 أنواع من المضادات الحيوية كبدائل، إلا أن أصناف عائلة المضادات الحيوية كافة، لم تجدها وفاء في أي صيدلية، وبعد الرجوع للطبيب نصحها بشراء عقار “أوجمنتين” المخصص للأطفال، واستطاعت تأمين جرعات الأيام الثلاثة الأولى، لكن بعد محاولتها شراء الدواء مرة أخرى فوجئت أنه صار في عداد النواقص.

النقد الأجنبي والدواء في مصر

يمكن القول إن الدواء والنقد الأجنبي في مصر رفيقان، ففي كل مرة تمر مصر بأزمة في تدبير العملة الأجنبية، يكون الانعكاس الأول أزمة في الدواء، فرغم أن 91% من الأدوية المتداولة في السوق المصرية هي أدوية محلية الصنع، والنسبة الباقية وهي 9% هي أدوية مستوردة، إلا أن 95% من المواد الخام للأدوية لا سيما المادة الفعالة مستوردة، طبقاً لتصريحات وزير الصحة خالد عبد الغفار، لذلك فإن أي خلل في توفير العملة الصعبة ينتج عنه نقص في المواد الخام للأدوية، الأمر الذي ينعكس نقصاً شديداً في الأدوية.

وشهدت مصر منذ منتصف العام الماضي أزمة دولار طاحنة، وصل فيها سعر الدولار في السوق السوداء إلى ما يقرب 70 جنيهاً قبل أن تحرك مصر سعر الصرف في مارس/ آذار 2024، ليستقر سعر الدولار عند نحو 48 جنيهاً، مما أشعل أزمة الدواء.

لا يُعرف توقيت محدد لبداية الأزمة، إلا أنها شملت عدة أدوية حيوية على رأسها “التروكسين” وهو دواء مخصص لمرضى الغدة الدرقية وذلك في يوليو/ تموز 2023، ورغم تأكيدات الحكومة ووزارة الصحة سرعة الوصول إلى حل للأزمة، لم تنته حتى بعد مرور عام وشهرين.

مع تحريك سعر الصرف، وتدبير الدولة احتياجات الشركات من العملة الصعبة، توقع الكثير انتهاء أزمة نواقص الأدوية، إلا أن هذا لم يحدث، حيث زادت الأزمة، وطالبت شركات الأدوية بعد تحريك سعر الصرف، رفع أسعار الأدوية بنحو 50%، وتقدمت بطلبات إلى لجنة التسعير في “هيئة الدواء”، التي استقرت على رفع أسعار الأدوية بنحو 25% إلى 30% بحسب كل مستحضر دوائي، بناء على تصريحات وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار.

سياسة لي الذراع

في إحدى الصيدليات في منطقة الوايلي يجلس الصيدلي مجدي ملاك يراجع طلبيته، التي قرر إرسالها إلى مخزن الأدوية في المنطقة، بعد أن فرض المخزن عليه فاتورة تتجاوز العشرة آلاف جنيه، أي 500 دولار، مقابل الحصول على 6 علب من 5 أصناف دوائية ناقصة كان على رأسها أدوية السكر و”الأمريزول” وحقن “جوانا بيور”.

يقول مجدي لـ “درج” إن “المنظومة كلها تعمل بسياسة لي الذراع، كلما قررت شركة رفع سعر دواء من أدويتها، تقوم بسحبه من السوق أو إيقاف إنتاجه حتى يضج السوق بالشكاوى، بعدها تتقدم بطلب تسعير لرفع سعره، ثم تبدأ بإنتاجه، وهي لعبة قائمة منذ 2016، ورغم أنها لعبة مكررة وقديمة إلا أن الدولة لم تحرك ساكناً، وفي كل مرة تستجيب لشركات الأدوية، أما مخازن الأدوية فتقوم بتحميل الأدوية غير المسحوبة أو التي ليس عليها طلب كثير على الأدوية الناقصة”.

يضيف: “من أجل أن تحصل على عدة علب من الأدوية الناقصة عليك أولاً بشراء أدوية بقيمة محددة، وكل فاتورة ولها كوتا (نسبة) من الأدوية الناقصة حسب قيمتها، وكلما زادت قيمة الفاتورة زاد عدد الأصناف الناقصة وعبواتها المسموح بها، ويدفع ثمن ألعاب المخزن والشركات المريض أولاً، ويليه الطبيب الذي يفقد جزءاً من رأس ماله في كل مرة تقوم الشركات برفع أسعار أدويتها، لأن الصيدلي يشتري ويبيع بالسعر المدون على العلبة، فإذا اشترى اليوم علبتين من الدواء “س” و باعهما حسب السعر المدون على العلبة، ورفعت الشركة سعر الدواء بنسبة 30%، حين يقوم بشراء الدواء نفسه مرة أخرى سيجد أن رأس ماله تآكل بنسبة 30%”.

ومن الوايلي إلى الجيزة لم يختلف الأمر كثيراً في صيدلية محمد الخولي، حيث اضطر إلى شراء فاتورة بـ 5 آلاف جنيه أي 100  دولار، للحصول على عدة علب من دواء خاص بكهرباء المخ المستخدم في حالة الصرع بسبب نقصها الشديد في السوق، ووجود عدة عملاء دائمين للصيدلية يحتاجونه.

 يقول الخولي لـ “درج”: “الصيدلي والمريض تحت رحمة الجميع، تحت رحمة مخازن الأدوية وتحت رحمة الشركات، وكذلك تحت رحمة التضخم الذي يلتهم بسرعة رأس مال الصيدلية، وهو ما دفع بعض الصيادلة للعمل في السوق السوداء للأدوية، وبدلاً من بيعها في الصيدلية بالسعر الرسمي يتم بيعها في السوق السوداء بسعر مضاعف، ويدفع الثمن المريض الذي لا يستطيع الحصول على دوائه”.

بحسب الخولي، فقد عُرض عليه البيع في السوق السوداء لكنه رفض، لأنه يرى المال الذي يأتي من المتاجرة بآلام المرضى هو مال حرام، لكنه في الوقت ذاته يكافح ليبقي على صيدليته، التي تعاني من تآكل رأسمالها على مدار الأيام بسبب أزمة السعرين، فكل علبة دواء تباع بالسعر المدون عليها، وفي صيدليته قد تجد عبوة دواء بسعر، وأخرى مدون عليها سعر جديد، ولذلك الحل من وجهة نظره هو البيع بآخر سعر للدواء في الشركة، ليحفظ الصيدلي رأسماله.

أرباح الشركات

برغم معاناة الصيادلة من أزمة نقص الأدوية وتآكل رأس المال إلا أن الشركات لا تشارك الصيدليات الهم نفسه، فمنذ قرار وزير الصحة رقم 499 لسنة 2012 الخاص بتسعير الدواء، الذي بموجبه تم الربط بين سعر الدواء محلياً و السعر الاسترشادي العالمي للدواء، أصبحت زيادات أسعار الدواء أمراً طبيعياً مع كل تعويم، فتم تحريك أسعار الأدوية في عام 2016 بنسبة 20%، كما جرى تحريك الأسعار مرة أخرى في بداية 2017، ثم مرة ثالثة في 2021، ويتم بصورة دورية النظر في طلبات الشركات لرفع أسعار الأدوية، قبل أن تقرر وزارة الصحة تشكيل لجنة دائمة تجتمع كل 6 شهور للنظر في سعر الأدوية على غرار لجنة تسعير الوقود.

قرارات التسعير تسببت في ارتفاع مبيعات الأدوية في مصر، فقفزت من 63 مليار جنيه عام 2018 إلى 142.5 مليارات جنيه في 2023، وسجل هذا العام طبقاً لتقديرات رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية المصرية، مبيعات الأدوية في مصر خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي ما يتجاوز 65 مليار جنيه، مقارنة بنحو 51 ملياراً في الفترة نفسها من 2023، بنمو يتجاوز 27% عن العام الماضي، متوقعاً أن تصل مبيعات هذا العام إلى 190 مليار جنيه، مقارنة بنحو 155 ملياراً العام الماضي.

“هناك أزمة لا تتعلق بالسوق المصري إنما بما يخرج من السوق المصري”، بهذه العبارة فسر أمين “شعبة الصيدليات” في اتحاد الغرف التجارية المصرية أزمة نواقص الأدوية، قائلاً: “حين نعرف أن إحدى الشركات انخفضت مبيعاتها في مصر، ولكن في الوقت نفسه ارتفعت مبيعاتها في السوق السعودي بنسبة 60%، يجب أن نسأل أين يذهب الدواء المصري؟ ولماذا لا يتم إصدار قرارات تمنع تصدير الدواء مثل السلع الاستراتيجية الأخرى؟ خاصة مع أزمة النواقص الحادة التي يعانيها الشارع المصري”.

في مخزن أدوية في الوايلي يحاول حبشي عبد القادر التوفيق بين حصة أدوية النواقص الموجودة لديه، وبين طلبيات الصيدليات المختلفة، فكمية النواقص المتوفرة لديه أقل من نصف الكميات المطلوبة.

من وجهة نظر حبشي فإن الأزمة تكمن لدى الشركات التي تقوم بإيقاف إنتاج بعض الأدوية لحين رفع سعرها، ويشرح قائلاً: “الشركات تقدم طلب رفع سعر دواء معين، ولكن لأن الطلبات أمام لجنة التسعير كبيرة فإن دورة الطلب قد تصل إلى شهرين أو أكثر، لذلك تقوم الشركة بتعطيش السوق، حتى يأتي الدور على الدواء ويتم تحريك سعره ثم تقوم بإعادة إنتاجه بتشغيلة جديدة، وهكذا تظل أزمة النواقص مستمرة إلى ما لا نهاية”.

ويضيف حبشي: “الكل يتهم المخازن بأنها وراء الأزمة، ولكن المخازن في النهاية ترغب في البيع لتحقيق الربح، لذلك لا يمكن أن تتسبب في الأزمة، لا أنكر أن هناك مخازن تبيع بعض الأدوية في السوق السوداء، لكن لا يمكن أن يكون ذلك وحده سبب الأزمة”.

وبرر حبشي قيام المخازن بتحميل الصيدليات أدوية أخرى للحصول على النواقص، بأنها الوسيلة الوحيدة لحل أزمة توزيع كمية النواقص القليلة أساساً، باختيار الصيدليات التي لديها نسبة مبيعات عالية تستطيع توزيع الأدوية الأخرى.

أزمة الصرف

“نحن ليس لدينا أزمة دواء، إنما أزمة اقتصادية طاحنة أثرت على الاقتصاد بصورة كبيرة، من بينها صناعة الدواء، ولكن الدواء هو سلعة استراتيجية” بهذه العبارة فسر رئيس “المركز المصري للحق في الدواء” محمود فؤاد أزمة نواقص الأدوية.

بحسب فؤاد فإن الأزمة بدأت مع أزمة الصرف، حيث تسببت الأخيرة في توقف استيراد المواد الخام، ومع بدء استيرادها وجدت الشركات نفسها أمام معادلة أن الدواء هو سلعة مسعرة جبرياً، وأسعار المواد الخامة غير مسعرة وتخضع لسعر صرف الدواء، لذلك بدأت بالتوقف عن إنتاج بعض الأدوية، بدأ الأمر أولاً بالأدوية المستوردة، ثم الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الأمراض المزمنة انتهاء بأدوية الأطفال وخوافض الحرارة، وللأسف لم تتعامل الدولة بجدية مع الأزمة إلى أن استفحلت، ودخلت بعدها في التفاوض مع الشركات التي طالبت بتحريك سعر الأدوية”.

يرى فؤاد أن “الدولة قطعت شوطاً كبيراً في المفاوضات مع الشركات ولكن لم يحصل أي طرف من الطرفين على ما يريده، حيث استطاعت الدولة الحفاظ على نسبة 30% زيادة فقط في الأدوية المزمنة، وهو أكثر مما طالب به المهتمون بملف الأدوية، الذين طالبوا بمراعاة الأدوية المنقذة للحياة، والأدوية المزمنة؛ للبعد الاجتماعي، بحيث لا تزيد أكثر من 15-20%، بينما زادت في الأدوية الأخرى من 40% لـ 60%”.

وأشار فؤاد في تصريحاته ل”درج” إلى أنه “من المنتظر خلال أيام رفع سعر كافة الأدوية، وهناك شركات قامت بتعديل تسعيراتها بالفعل، والبعض الآخر ينتظر إخطار تعديل السعر قبل الإنتاج، ولكن الأزمة الأكبر كانت في الأنسولين الذي اختفى من السوق بصورة كبيرة، ولم يعد يُصرف سوى في صيدلية الأسعاف، وقامت الحكومة بتحديد كوتا لكل صيدلية لا تزيد عن 4 علب وهو أمر مرفوض، لأنه ليس متاحاً لكل مريض الوصول إلى صيدلية الإسعاف، خاصة مع الطوابير الطويلة أمام الصيدلية، إلا أنه يمكن القول إن الأزمة أمامها لا يقل عن شهرين، وإن السوق شهد انفراجة بظهور 100 صنف من الأدوية كانت قد اختفت”.

يقترح فؤاد عدة اقتراحات لحل أزمة الدواء بشكل كامل، أهمها تقوية شركات القطاع العام في الدواء حتى لا تتحكم الشركات الخاصة بسوق الدواء هدفاً للربح، وكذلك تحديد سعر دولار جمركي للدواء، واستثناءات في توفير العملة المطلوبة، حتى لا نعود للنقطة صفر كما حدث في 2017، حين اضطرت الدولة للموافقة على تحريك أسعار 3 آلاف صنف دواء في يوم واحد.

صيدلية الإسعاف 

لم تجد نيفين حسين مهرباً من الذهاب إلى صيدلية الإسعاف للحصول على حقن “جونابيور” الخاصة بتأخر الحمل، فالسيدة الأربعينية تحاول الحمل منذ فترة، ووصف لها الطبيب هذه الحقن لأن البديل الخاص منها ليس له الفعالية نفسها، فاتصلت بالخط الساخن الذي أبلغها بوجودها في صيدلية الإسعاف، ولكن لمدة 6 ساعات أمام الصيدلية تعرضت للكثير من المهانة من القائمين على تنظيم الطابور، مما دفعها للانفجار بالبكاء والتشاجر مع الموظف.

تصف نيفين ل”درج” الموقف أمام صيدلية الإسعاف في شارع رمسيس بأنه أكثر موقف مهين تعرضت له في حياتها، ليس لشيء سوى رغبتها في الإنجاب، والشيء الوحيد الذي أنقذها هو دفع النقود لموظف تعاطف معها وأدخلها إلى للصيدلية، وبرغم ذلك لم تنج من تشاجر السيدات في الطابور معها، وكذلك تعنت الموظف الذي رفض صرف الدواء لها بالتركيز المطلوب بذريعة عدم وجوده، وقبلت بالحصول على نصف التركيز المطلوب”.

لم يتوقف الأمر على هذه الصيدلية، فحين اضطرت إلى تناول الدواء مجدداً ذهبت إلى صيدلية الإسعاف، ولكن في منطقة الأميرية لتعيد التجربة نفسها مرة أخرى، علاوة على أنها بعد ساعات من الانتظار وجدت أن الحقن التي تبحث عنها نفذت، وعليها الذهاب مرة أخرى إلى الطبيب للحصول على وصفة طبية مختومة، والانتظار لساعات أخرى في الطابور.

تقول نيفين: “في الوقت الذي انتظرت فيه لساعات أمام الصيدلية، كان هناك العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تضع الإعلانات عن بيع الحقن بـ 4 أضعاف سعرها، وليس لدي أزمة في شرائها، ولكن لا أستطيع أن أضمن أنها غير مغشوشة، كما جرى مع العديد من الأشخاص، من بينهم زوج اشترى الحقن حتى يضمن نجاح عملية الحقن المجهري التي أجرتها زوجته، والتي كلفت عشرات الآف من الجنيهات، وتبين أنها مغشوشة”.

عبر صفحات التواصل الاجتماعي رصدنا في “درج” صفحات لبيع الأدوية بأسعار تزيد عن أسعارها الحقيقية، ومن بينها أدوية “جونا بيور”، وأدوية الكلى وخصوصا فوار الأملاح، وأدوية الضغط والغدة، وهو ما فسره الدكتور محفوظ منصور رئيس “لجنة التصنيع” في نقابة الصيادلة المصريين  ل”درج” بأن “هناك مخازن تقوم بتوريد الأدوية دفترياً للصيدليات، وبيعها عبر صفحات التواصل الاجتماعي بأسعار تفوق عشرة أضعاف أسعارها الأساسية”، مشيراً إلى أن “منظومة تتبع الدواء التي أقرتها الحكومة ستقضي على هذا السوق”.

بحسب تصريحات المسؤولين المصريين فإن أزمة الأدوية من المفترض أن تنتهي خلال أيام، لكن حتى الآن ليس هناك بوادر للحل، لتصبح أزمة نواقص الدواء صداعاً مزمناً أصاب رأس المريض المصري.

26.09.2024
زمن القراءة: 10 minutes

بحسب تصريحات المسؤولين المصريين فإن أزمة الأدوية من المفترض أن تنتهي خلال أيام، لكن حتى الآن ليس هناك بوادر للحل، لتصبح أزمة نواقص الدواء صداعاً مزمناً أصاب رأس المريض المصري.

على مدار 3 أشهر أصبح الهم الوحيد لوفاء قدري تأمين دواء الكلى الخاص بوالدتها، الذي رغم ارتفاع سعره عدة مرات، إلا أنه دخل قائمة “نواقص الأدوية”، الأزمة التي تشهدها مصر منذ ما يزيد عن عامين.

تعيش والدة وفاء منذ ما يزيد عن عشرين عاماً مع قصور حاد في وظائف الكلى، وما يحول دون وصولها إلى حالة الفشل الكلوي الكامل التي تستدعي الغسيل هو دواء “كيتوستريل”، الذي ارتفع سعره من 220 جنيهاً إلى 450 جنيهاً في 2016، ثم ارتفع مرة أخرى ليصل سعر العلبة التي تحتوي على 100 قرص إلى 675 جنيهاً، قبل أن يختفي من الصيدليات ليصل إلى 2000 جنيه في السوق السوداء.

تقول وفاء: “والدتي لا يمكنها أن تعيش بدون دواء كيتوستريل فهو الحائل الوحيد بينها وبين دوامة الغسيل الكلوي، وبسبب حالتها المرضية المتقدمة يجب أن تتناول 8 أقراص يومياً، وبذلك تستهلك علبة كل 12 يوم تقريباً، وتحتاج شهرياً إلى 3 علب. كان الأمر لا يشكل أزمة حتى مع زيادة سعره، لكن بعد اختفائه من الصيدليات زاد سعره إلى ما يقرب من 3 أضعاف، مما شكل ضغطاًعلى ميزانية الأسرة”.

اشترت وفاء عبوة عبر الإنترنت لوالدتها حتى لا تتدهور حالتها، بمبلغ 1900 جنيه قرابة 130 دولاراً أي 3 أضعاف السعر الرسمي، بينما اضطر شقيقها إلى شراء شريط واحد يضم 10 أقراص بـ250 جنيهاً من إحدى الصيدليات، أي أن سعر العلبة يصل إلى 1250جنيهاً، قبل أن يدلها أحد الأصدقاء على صيدلية الإسعاف، وهي صيدلية رسمية تابعة ل”هيئة الشراء الموحد”، اشترت منها علبة واحدة من الدواء بالسعر الرسمي، لكنها اضطرت في المقابل إلى الوقوف أمام الصيدلية أكثر من 4 ساعات بسبب الزحمة على الصيدلية.

والدة وفاء ليست الضحية الوحيدة لنقص الأدوية في عائلتها، فابنها الذي لم يتجاوز الـ 5 سنوات عانى أيضاً بسبب نقص المضادات الحيوية عقب إجرائه عملية إزالة اللوزتين واللحمية، وهي عملية بسيطة لكن يتبعها عدة إجراءات أهمها تناول جرعات من المضادات الحيوية لضمان عدم حدوث التهاب.

 وعلى رغم أن الطبيب صرف له 5 أنواع من المضادات الحيوية كبدائل، إلا أن أصناف عائلة المضادات الحيوية كافة، لم تجدها وفاء في أي صيدلية، وبعد الرجوع للطبيب نصحها بشراء عقار “أوجمنتين” المخصص للأطفال، واستطاعت تأمين جرعات الأيام الثلاثة الأولى، لكن بعد محاولتها شراء الدواء مرة أخرى فوجئت أنه صار في عداد النواقص.

النقد الأجنبي والدواء في مصر

يمكن القول إن الدواء والنقد الأجنبي في مصر رفيقان، ففي كل مرة تمر مصر بأزمة في تدبير العملة الأجنبية، يكون الانعكاس الأول أزمة في الدواء، فرغم أن 91% من الأدوية المتداولة في السوق المصرية هي أدوية محلية الصنع، والنسبة الباقية وهي 9% هي أدوية مستوردة، إلا أن 95% من المواد الخام للأدوية لا سيما المادة الفعالة مستوردة، طبقاً لتصريحات وزير الصحة خالد عبد الغفار، لذلك فإن أي خلل في توفير العملة الصعبة ينتج عنه نقص في المواد الخام للأدوية، الأمر الذي ينعكس نقصاً شديداً في الأدوية.

وشهدت مصر منذ منتصف العام الماضي أزمة دولار طاحنة، وصل فيها سعر الدولار في السوق السوداء إلى ما يقرب 70 جنيهاً قبل أن تحرك مصر سعر الصرف في مارس/ آذار 2024، ليستقر سعر الدولار عند نحو 48 جنيهاً، مما أشعل أزمة الدواء.

لا يُعرف توقيت محدد لبداية الأزمة، إلا أنها شملت عدة أدوية حيوية على رأسها “التروكسين” وهو دواء مخصص لمرضى الغدة الدرقية وذلك في يوليو/ تموز 2023، ورغم تأكيدات الحكومة ووزارة الصحة سرعة الوصول إلى حل للأزمة، لم تنته حتى بعد مرور عام وشهرين.

مع تحريك سعر الصرف، وتدبير الدولة احتياجات الشركات من العملة الصعبة، توقع الكثير انتهاء أزمة نواقص الأدوية، إلا أن هذا لم يحدث، حيث زادت الأزمة، وطالبت شركات الأدوية بعد تحريك سعر الصرف، رفع أسعار الأدوية بنحو 50%، وتقدمت بطلبات إلى لجنة التسعير في “هيئة الدواء”، التي استقرت على رفع أسعار الأدوية بنحو 25% إلى 30% بحسب كل مستحضر دوائي، بناء على تصريحات وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار.

سياسة لي الذراع

في إحدى الصيدليات في منطقة الوايلي يجلس الصيدلي مجدي ملاك يراجع طلبيته، التي قرر إرسالها إلى مخزن الأدوية في المنطقة، بعد أن فرض المخزن عليه فاتورة تتجاوز العشرة آلاف جنيه، أي 500 دولار، مقابل الحصول على 6 علب من 5 أصناف دوائية ناقصة كان على رأسها أدوية السكر و”الأمريزول” وحقن “جوانا بيور”.

يقول مجدي لـ “درج” إن “المنظومة كلها تعمل بسياسة لي الذراع، كلما قررت شركة رفع سعر دواء من أدويتها، تقوم بسحبه من السوق أو إيقاف إنتاجه حتى يضج السوق بالشكاوى، بعدها تتقدم بطلب تسعير لرفع سعره، ثم تبدأ بإنتاجه، وهي لعبة قائمة منذ 2016، ورغم أنها لعبة مكررة وقديمة إلا أن الدولة لم تحرك ساكناً، وفي كل مرة تستجيب لشركات الأدوية، أما مخازن الأدوية فتقوم بتحميل الأدوية غير المسحوبة أو التي ليس عليها طلب كثير على الأدوية الناقصة”.

يضيف: “من أجل أن تحصل على عدة علب من الأدوية الناقصة عليك أولاً بشراء أدوية بقيمة محددة، وكل فاتورة ولها كوتا (نسبة) من الأدوية الناقصة حسب قيمتها، وكلما زادت قيمة الفاتورة زاد عدد الأصناف الناقصة وعبواتها المسموح بها، ويدفع ثمن ألعاب المخزن والشركات المريض أولاً، ويليه الطبيب الذي يفقد جزءاً من رأس ماله في كل مرة تقوم الشركات برفع أسعار أدويتها، لأن الصيدلي يشتري ويبيع بالسعر المدون على العلبة، فإذا اشترى اليوم علبتين من الدواء “س” و باعهما حسب السعر المدون على العلبة، ورفعت الشركة سعر الدواء بنسبة 30%، حين يقوم بشراء الدواء نفسه مرة أخرى سيجد أن رأس ماله تآكل بنسبة 30%”.

ومن الوايلي إلى الجيزة لم يختلف الأمر كثيراً في صيدلية محمد الخولي، حيث اضطر إلى شراء فاتورة بـ 5 آلاف جنيه أي 100  دولار، للحصول على عدة علب من دواء خاص بكهرباء المخ المستخدم في حالة الصرع بسبب نقصها الشديد في السوق، ووجود عدة عملاء دائمين للصيدلية يحتاجونه.

 يقول الخولي لـ “درج”: “الصيدلي والمريض تحت رحمة الجميع، تحت رحمة مخازن الأدوية وتحت رحمة الشركات، وكذلك تحت رحمة التضخم الذي يلتهم بسرعة رأس مال الصيدلية، وهو ما دفع بعض الصيادلة للعمل في السوق السوداء للأدوية، وبدلاً من بيعها في الصيدلية بالسعر الرسمي يتم بيعها في السوق السوداء بسعر مضاعف، ويدفع الثمن المريض الذي لا يستطيع الحصول على دوائه”.

بحسب الخولي، فقد عُرض عليه البيع في السوق السوداء لكنه رفض، لأنه يرى المال الذي يأتي من المتاجرة بآلام المرضى هو مال حرام، لكنه في الوقت ذاته يكافح ليبقي على صيدليته، التي تعاني من تآكل رأسمالها على مدار الأيام بسبب أزمة السعرين، فكل علبة دواء تباع بالسعر المدون عليها، وفي صيدليته قد تجد عبوة دواء بسعر، وأخرى مدون عليها سعر جديد، ولذلك الحل من وجهة نظره هو البيع بآخر سعر للدواء في الشركة، ليحفظ الصيدلي رأسماله.

أرباح الشركات

برغم معاناة الصيادلة من أزمة نقص الأدوية وتآكل رأس المال إلا أن الشركات لا تشارك الصيدليات الهم نفسه، فمنذ قرار وزير الصحة رقم 499 لسنة 2012 الخاص بتسعير الدواء، الذي بموجبه تم الربط بين سعر الدواء محلياً و السعر الاسترشادي العالمي للدواء، أصبحت زيادات أسعار الدواء أمراً طبيعياً مع كل تعويم، فتم تحريك أسعار الأدوية في عام 2016 بنسبة 20%، كما جرى تحريك الأسعار مرة أخرى في بداية 2017، ثم مرة ثالثة في 2021، ويتم بصورة دورية النظر في طلبات الشركات لرفع أسعار الأدوية، قبل أن تقرر وزارة الصحة تشكيل لجنة دائمة تجتمع كل 6 شهور للنظر في سعر الأدوية على غرار لجنة تسعير الوقود.

قرارات التسعير تسببت في ارتفاع مبيعات الأدوية في مصر، فقفزت من 63 مليار جنيه عام 2018 إلى 142.5 مليارات جنيه في 2023، وسجل هذا العام طبقاً لتقديرات رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية المصرية، مبيعات الأدوية في مصر خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي ما يتجاوز 65 مليار جنيه، مقارنة بنحو 51 ملياراً في الفترة نفسها من 2023، بنمو يتجاوز 27% عن العام الماضي، متوقعاً أن تصل مبيعات هذا العام إلى 190 مليار جنيه، مقارنة بنحو 155 ملياراً العام الماضي.

“هناك أزمة لا تتعلق بالسوق المصري إنما بما يخرج من السوق المصري”، بهذه العبارة فسر أمين “شعبة الصيدليات” في اتحاد الغرف التجارية المصرية أزمة نواقص الأدوية، قائلاً: “حين نعرف أن إحدى الشركات انخفضت مبيعاتها في مصر، ولكن في الوقت نفسه ارتفعت مبيعاتها في السوق السعودي بنسبة 60%، يجب أن نسأل أين يذهب الدواء المصري؟ ولماذا لا يتم إصدار قرارات تمنع تصدير الدواء مثل السلع الاستراتيجية الأخرى؟ خاصة مع أزمة النواقص الحادة التي يعانيها الشارع المصري”.

في مخزن أدوية في الوايلي يحاول حبشي عبد القادر التوفيق بين حصة أدوية النواقص الموجودة لديه، وبين طلبيات الصيدليات المختلفة، فكمية النواقص المتوفرة لديه أقل من نصف الكميات المطلوبة.

من وجهة نظر حبشي فإن الأزمة تكمن لدى الشركات التي تقوم بإيقاف إنتاج بعض الأدوية لحين رفع سعرها، ويشرح قائلاً: “الشركات تقدم طلب رفع سعر دواء معين، ولكن لأن الطلبات أمام لجنة التسعير كبيرة فإن دورة الطلب قد تصل إلى شهرين أو أكثر، لذلك تقوم الشركة بتعطيش السوق، حتى يأتي الدور على الدواء ويتم تحريك سعره ثم تقوم بإعادة إنتاجه بتشغيلة جديدة، وهكذا تظل أزمة النواقص مستمرة إلى ما لا نهاية”.

ويضيف حبشي: “الكل يتهم المخازن بأنها وراء الأزمة، ولكن المخازن في النهاية ترغب في البيع لتحقيق الربح، لذلك لا يمكن أن تتسبب في الأزمة، لا أنكر أن هناك مخازن تبيع بعض الأدوية في السوق السوداء، لكن لا يمكن أن يكون ذلك وحده سبب الأزمة”.

وبرر حبشي قيام المخازن بتحميل الصيدليات أدوية أخرى للحصول على النواقص، بأنها الوسيلة الوحيدة لحل أزمة توزيع كمية النواقص القليلة أساساً، باختيار الصيدليات التي لديها نسبة مبيعات عالية تستطيع توزيع الأدوية الأخرى.

أزمة الصرف

“نحن ليس لدينا أزمة دواء، إنما أزمة اقتصادية طاحنة أثرت على الاقتصاد بصورة كبيرة، من بينها صناعة الدواء، ولكن الدواء هو سلعة استراتيجية” بهذه العبارة فسر رئيس “المركز المصري للحق في الدواء” محمود فؤاد أزمة نواقص الأدوية.

بحسب فؤاد فإن الأزمة بدأت مع أزمة الصرف، حيث تسببت الأخيرة في توقف استيراد المواد الخام، ومع بدء استيرادها وجدت الشركات نفسها أمام معادلة أن الدواء هو سلعة مسعرة جبرياً، وأسعار المواد الخامة غير مسعرة وتخضع لسعر صرف الدواء، لذلك بدأت بالتوقف عن إنتاج بعض الأدوية، بدأ الأمر أولاً بالأدوية المستوردة، ثم الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الأمراض المزمنة انتهاء بأدوية الأطفال وخوافض الحرارة، وللأسف لم تتعامل الدولة بجدية مع الأزمة إلى أن استفحلت، ودخلت بعدها في التفاوض مع الشركات التي طالبت بتحريك سعر الأدوية”.

يرى فؤاد أن “الدولة قطعت شوطاً كبيراً في المفاوضات مع الشركات ولكن لم يحصل أي طرف من الطرفين على ما يريده، حيث استطاعت الدولة الحفاظ على نسبة 30% زيادة فقط في الأدوية المزمنة، وهو أكثر مما طالب به المهتمون بملف الأدوية، الذين طالبوا بمراعاة الأدوية المنقذة للحياة، والأدوية المزمنة؛ للبعد الاجتماعي، بحيث لا تزيد أكثر من 15-20%، بينما زادت في الأدوية الأخرى من 40% لـ 60%”.

وأشار فؤاد في تصريحاته ل”درج” إلى أنه “من المنتظر خلال أيام رفع سعر كافة الأدوية، وهناك شركات قامت بتعديل تسعيراتها بالفعل، والبعض الآخر ينتظر إخطار تعديل السعر قبل الإنتاج، ولكن الأزمة الأكبر كانت في الأنسولين الذي اختفى من السوق بصورة كبيرة، ولم يعد يُصرف سوى في صيدلية الأسعاف، وقامت الحكومة بتحديد كوتا لكل صيدلية لا تزيد عن 4 علب وهو أمر مرفوض، لأنه ليس متاحاً لكل مريض الوصول إلى صيدلية الإسعاف، خاصة مع الطوابير الطويلة أمام الصيدلية، إلا أنه يمكن القول إن الأزمة أمامها لا يقل عن شهرين، وإن السوق شهد انفراجة بظهور 100 صنف من الأدوية كانت قد اختفت”.

يقترح فؤاد عدة اقتراحات لحل أزمة الدواء بشكل كامل، أهمها تقوية شركات القطاع العام في الدواء حتى لا تتحكم الشركات الخاصة بسوق الدواء هدفاً للربح، وكذلك تحديد سعر دولار جمركي للدواء، واستثناءات في توفير العملة المطلوبة، حتى لا نعود للنقطة صفر كما حدث في 2017، حين اضطرت الدولة للموافقة على تحريك أسعار 3 آلاف صنف دواء في يوم واحد.

صيدلية الإسعاف 

لم تجد نيفين حسين مهرباً من الذهاب إلى صيدلية الإسعاف للحصول على حقن “جونابيور” الخاصة بتأخر الحمل، فالسيدة الأربعينية تحاول الحمل منذ فترة، ووصف لها الطبيب هذه الحقن لأن البديل الخاص منها ليس له الفعالية نفسها، فاتصلت بالخط الساخن الذي أبلغها بوجودها في صيدلية الإسعاف، ولكن لمدة 6 ساعات أمام الصيدلية تعرضت للكثير من المهانة من القائمين على تنظيم الطابور، مما دفعها للانفجار بالبكاء والتشاجر مع الموظف.

تصف نيفين ل”درج” الموقف أمام صيدلية الإسعاف في شارع رمسيس بأنه أكثر موقف مهين تعرضت له في حياتها، ليس لشيء سوى رغبتها في الإنجاب، والشيء الوحيد الذي أنقذها هو دفع النقود لموظف تعاطف معها وأدخلها إلى للصيدلية، وبرغم ذلك لم تنج من تشاجر السيدات في الطابور معها، وكذلك تعنت الموظف الذي رفض صرف الدواء لها بالتركيز المطلوب بذريعة عدم وجوده، وقبلت بالحصول على نصف التركيز المطلوب”.

لم يتوقف الأمر على هذه الصيدلية، فحين اضطرت إلى تناول الدواء مجدداً ذهبت إلى صيدلية الإسعاف، ولكن في منطقة الأميرية لتعيد التجربة نفسها مرة أخرى، علاوة على أنها بعد ساعات من الانتظار وجدت أن الحقن التي تبحث عنها نفذت، وعليها الذهاب مرة أخرى إلى الطبيب للحصول على وصفة طبية مختومة، والانتظار لساعات أخرى في الطابور.

تقول نيفين: “في الوقت الذي انتظرت فيه لساعات أمام الصيدلية، كان هناك العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تضع الإعلانات عن بيع الحقن بـ 4 أضعاف سعرها، وليس لدي أزمة في شرائها، ولكن لا أستطيع أن أضمن أنها غير مغشوشة، كما جرى مع العديد من الأشخاص، من بينهم زوج اشترى الحقن حتى يضمن نجاح عملية الحقن المجهري التي أجرتها زوجته، والتي كلفت عشرات الآف من الجنيهات، وتبين أنها مغشوشة”.

عبر صفحات التواصل الاجتماعي رصدنا في “درج” صفحات لبيع الأدوية بأسعار تزيد عن أسعارها الحقيقية، ومن بينها أدوية “جونا بيور”، وأدوية الكلى وخصوصا فوار الأملاح، وأدوية الضغط والغدة، وهو ما فسره الدكتور محفوظ منصور رئيس “لجنة التصنيع” في نقابة الصيادلة المصريين  ل”درج” بأن “هناك مخازن تقوم بتوريد الأدوية دفترياً للصيدليات، وبيعها عبر صفحات التواصل الاجتماعي بأسعار تفوق عشرة أضعاف أسعارها الأساسية”، مشيراً إلى أن “منظومة تتبع الدواء التي أقرتها الحكومة ستقضي على هذا السوق”.

بحسب تصريحات المسؤولين المصريين فإن أزمة الأدوية من المفترض أن تنتهي خلال أيام، لكن حتى الآن ليس هناك بوادر للحل، لتصبح أزمة نواقص الدواء صداعاً مزمناً أصاب رأس المريض المصري.