fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

نوبيات يعانين التنمّر والعنصرية: “يسلخوننا عن وطننا ويعايروننا بلون بشرتنا”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

النوبيون جزء لا يتجزأ من التاريخ المصري، أثروا فيه وتأثروا به، على الرغم من ذلك ما زالوا يتعرضون للتنمر بسبب لون بشرتهم، والتهميش السياسي إذ لا يوحد أي ممثل لهم في البرلمان المصري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“مش ناقص إلا إنتو يا بوابين كمان اللي عايزين تقلبوا البلد، مش كفاية سايبنكم عايشين معانا”. ذُهلت سعاد، وهي مصرية نوبية، عندما سمعت هذه الجملة من صديقها الذي تعرفت عليه منذ سنوات.

انطلقت العبارة من فمه بعد خلاف في الرأي بينهما بشأن قضية عامة، ليتحوّل إلى شخص آخر، يهاجم لونها وعرقها ويسلخها عن موطنها في لحظة. 

حكاية سعاد ليست حادثة معزولة، إذ يشعر كثير من النوبيين بأن هناك من يشكك بمواطنتهم، تقول سعاد: “أكثر ما يحزنني في ما ألاقيه من تنمّر وعنصرية، هو فصلنا كنوبيين عن موطننا، وكأننا أبناء دولة أخرى، نظراً الى أننا أصحاب بشرة سمراء، وكنا نسكن أقصى الجنوب، فاعتبرونا لا ننتمي إلى مصر”.

أصل كلمة “نوبة” يعود إلى اللغة المصرية القديمة، إذ كانت تُعرف النوبة بـ “نبت” أو “نبتو”، والتي تعني الذهب، كون المنطقة النوبية معروفة بمواردها الغنية بالذهب، إذ يعود التاريخ النوبي إلى العصر الحجري، أي أكثر من 15 ألف سنة قبل الميلاد، ونشأت عبر التاريخ حضارات نوبية عريقة منها ما دام لقرون.

من هم النوبيون ؟

يقول الباحث محمد شعبان، “ينقسم النوبيون إلى 3 قبائل، الكنزية والفاديجا والعرب، وتختلف بينها اللهجات. عاشت القبائل الثلاث في منطقتين رئيسيتين، الأولى هي النوبة السفلى، تبدأ من الشلال الأول جنوب أسوان حتى الشلال الثاني جنوب حلفا. أما المنطقة الثانية، فهي النوبة العليا التي تبدأ من الشلال الثاني حتى الشلال السادس، وسط السودان حديثاً”.

 يضيف شعبان إن للنوبيين طبيعة خاصة، إذ كانوا منعزلين عن باقي مصر، وسكنوا الجنوب ولهم خصالهم وخصائصهم وثقافتهم وتراثهم الخاص الممتد عبر التاريخ.

تقول السيدة المصرية النوبية  خديجة عبده التي عايشت فترات الهجرة الحديثة :”كانت البيوت النوبية في منطقة معزولة في أقصى جنوب مصر على ضفاف النهر، وكان السكان يعيشون حياة بسيطة قائمة على الزراعة والرعي والصيد، يحتفظون بتقاليدهم المتوارثة وطقوسهم، التي ترتبط معظمها بالنيل والطبيعة المحيطة، حتى أُجبر النوبيون على التهجير”، 

تصف عبده تهجير النوبيين من النوبة القديمة إلى هضبة كوم أمبو بسبب بناء السد العالي في عهد جمال عبد الناصر قائلة: “كان عبر مراكب نيلية، ولم تكن في القرى الجديدة أي تجهيزات، ولا مياه صالحة ولا صرف صحي، وكانت المنازل لا تزال تحت الإنشاء. ترك النوبيون أموالهم ومنازلهم وأرضهم إلى المجهول، وعقب التهجير توفي عدد من الأهالي نتيجة انتشار الأمراض وعدم توافر الخدمات الصحية”، وتضيف: “كأننا زي السمك اللي بيخرج من ميته بيموت”.

آخر إحصائية حكومية عن النوبيين في عام 2012، وقدرت عددهم بحوالى 85 ألف شخص، يعيشون في قرى التهجير في أسوان، ولم تشمل من سافروا خارج البلاد، والذين يعيشون في محافظات أخرى داخل مصر بخلاف قرى التهجير.

قدر مركز “هردو” لدعم التعبير الرقمي في تقريره “القضية النوبية والحقوق الثقافية”، الصادر في عام 2017، عدد النوبيين بحوالى 4 ملايين نسمة من أصل 94.8 مليون مصري في السنة نفسها. 

النوبيون جزء من تاريخ مصر الحديث لكن دون تمثيل

النوبيون جزء لا يتجزأ من التاريخ المصري، أثروا فيه وتأثروا به، وخرج من بينهم أدباء ومفكرون مثل حجاج أدول وإدريس علي ومحمد خليل قاسم، وشاركوا في الحركة الفنية ووصلوا بالفن المصري إلى العالمية، مثل المطرب والملحن حمزة علاء الدين والمطرب محمد منير والمطرب والملحن على كوبان.

ذكر الكاتب عبد المجيد حسن خليل في كتابه “نوبيون صنعوا التاريخ”، أن لقمان الحكيم أصله نوبي، وكذلك ذو النون المصري “ثوبان بن إبراهيم”، ومن بينهم أيضاً أحمد إدريس صاحب فكرة استخدام اللغة النوبية في المراسلات الحربية، إبان حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل في عام 1973، والذي صرف الرئيس محمد أنور السادات مكافأة له نظير فكرته، وكرمه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال احتفالات ذكرى انتصار أكتوبر الـ44 في عام 2017.  

وعلى رغم كون التاريخ المصري ممتلئاً بالشخصيات النوبية التي أثرت الحياة الفنية والثقافية والسياسية، إلا أنه يوجد ممثل عنهم في البرلمان أو وزير أو محافظ في الوقت الحالي، ما زاد من تهميشهم ودثر ثقافتهم حتى بين المصريين أنفسهم.

مع اختلاط النوبيين بغيرهم في قرى التهجير، أو في أماكن انتقالهم في المحافظات المختلفة، واجهوا قبائل تختلف عنهم في اللون واللغة والجذور، توضح خديجة: “كانوا بيتريقوا علينا عشان كنا بنتكلم عربي مكسر، وبيسمونا عبيد عشان سود، وبرابرة عشان بنتكلم نوبي”.

انتقل التنمر ضد النوبيات إلى الفضاء الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من بين أشهر تلك الوقائع تعرض النوبية شادن مصطفى صابر، الطالبة في قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة القاهرة، إلى موجة من الانتقادات الحادة نتيجة استلامها شهادة تخرجها في الكلية على نغمات أغنية نوبية. وعبرت حينها عن فرحتها بالرقص النوبي خلال مراسم التخرج، ما عرضها لهجوم واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.   

“هل أنتِ مصريّة ؟”

مع نزوح السودانيين إلى الأراضي المصرية، تزايد عدد أصحاب البشرة السمراء في مصر بشكل ملحوظ، بخاصة في بعض المحافظات مثل أسوان والقاهرة والجيزة.

 تروي سعاد موقفاً واجهته ثلاث سودانيات في عربة مترو الأنفاق، إذ تعرضن للسخرية من سيدات بسبب لون بشرتهن، فاتخذن ركناً في العربة ليحتمين به، ولم يصدرن أي رد فعل. وعندما وصلن إلى المحطة المقصودة، فوجئن بشابة تعتدي عليهن بالضرب على ظهورهن، من دون أي تدخل من الموجودين في المترو.

لا يختلف الأمر بين نوبية أو سودانية، تقول دينا شعبان، وهي مصرية نوبية، تعمل مصممة منتجات رقمية. وتضيف أنه يتم توقيفها في لجان الشرطة أثناء ذهابها أو عودتها من العمل، وأول الأسئلة التي توجه إليها “إنتِ مصرية؟”. 

تشير دينا شعبان الى أن سؤال “هل أنت مصريّة” متكرر ويلقيه على مسامعها أغلب الصديقات والأصدقاء الذين تتعرف عليهم حديثاً، وكأن أصحاب البشرة السمراء ليسوا جزءاً من نسيج الشعب المصري.

التنمّر جرح لا يندمل  

تتذكر دينا أول موقف تعرضت له بسبب لون بشرتها، وكانت في الحضانة يومها، قائلة: “كانت إحدى الفتيات تقول لي “يا سودا” من دون أي سبب، لمجرد الأذى فقط”، وتضيف أنها تجاهلت الفتاة آنذاك، لكن ما زالت هذه المواقف محفورة في ذاكرتها حتى الآن رغم مرور السنين.

تقول إيمان محمد، ربة منزل: “لوني قمحاوي بس ابني أسمر، وطول الوقت بسمع من أمهات زملاء ابني في المدرسة عبارات مثل “إيه الشيكولاته دي”، “خطفاه من أفريقيا ده ولا إيه””، في إشارة إلى ابنها، ما يثير غضبها، حتى كادت تتوقف عن إرسال طفلها إلى المدرسة، لكنها بذلك ستحرمه من فرصته في التعليم. 

أطلقت منظمة “يونسيف” بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والمجلس القومي للأمومة والطفولة، أول حملة قومية لحماية الأطفال من التنمر في 2018. وأصدرت الدكتورة عزة العشماوي، الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة حينها، بياناً قالت فيه إن هناك طالباً من بين كل 3 طلاب، تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 15 سنة، يتعرض للتنمر من الأقران، وإن الفتيات يزيد احتمال كونهن ضحايا للتنمر.   

لا يقتصر التعرض للتنمر أو العنصرية على سن معينة، فالعدوى تصيب الجميع صغاراً كانوا أم كباراً. تروي إسراء، ربة منزل، تعرضها لتعدٍّ لفظي بسبب لون بشرتها، قائلة: “عندما أسير في الأسواق العامة أجد شباناً ينادونني باسم “شيكابالا”، لاعب كرة شهير في مصر أسمر البشرة، أو “بكاكا داسا”، اسم لممثلة في فيلم “حبي الوحيد”، وكانت فيه إحدى البطلات سمراء اللون من دولة إفريقية”.

أثر الصورة النمطيّة

تنميط النوبيين في السينما والأدب المصري، يرسخ صورة سلبية عن النوبيّ، بحصره في مهنة البواب أو الخادم، ليكون مصدراً للسخرية تارة على لغته، وتارة أخرى بسبب لون بشرته.

 ولم يقف الوضع عند هذا الحد، بل وصفهم أحمد تيمور في كتابه الأمثال العامية بـ”العبيد”، ما يعد إغفالاً لدور الفن والأدب في ترسيخ المفاهيم في أذهان المتلقي، ودعماً لخطاب الكراهية ضد النوبيين. 

وأرجعت دراسة لـ”مركز حدود للدعم والاستشارات”، الكثير من الانتهاكات التي يتعرض لها النوبيون في الشارع المصري إلى وسائل الإعلام ومحتويات الدراما، التي رسخت صوراً مغلوطة للنوبيين داخل أذهان الجمهور المتلقي، منتقدة الوضع التشريعي، ومعتبرة إياه لا يوفر البيئة المناسبة للقضاء على هذه الممارسات، على الرغم من مصادقة مصر على الاتفاقية الدولية لمناهضة أشكال التمييز العنصري كافة. 

وفي تموز/ يوليو 2020، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، من خلال إضافة مادة جديدة برقم”309 مكرراً ب”، التي أوردت تعريفاً للتنمر؛ وفي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، دخل تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على التشريع الجديد حيز التنفيذ، وأعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم حينها، عن الانتهاء من طباعة كتاب “القيم واحترام الآخر” للصفوف الثلاثة الأولى الابتدائية.

تمّ إنجاز هذا التقرير بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف والمركز الدولي للصحافيين

09.08.2024
زمن القراءة: 6 minutes

النوبيون جزء لا يتجزأ من التاريخ المصري، أثروا فيه وتأثروا به، على الرغم من ذلك ما زالوا يتعرضون للتنمر بسبب لون بشرتهم، والتهميش السياسي إذ لا يوحد أي ممثل لهم في البرلمان المصري.

“مش ناقص إلا إنتو يا بوابين كمان اللي عايزين تقلبوا البلد، مش كفاية سايبنكم عايشين معانا”. ذُهلت سعاد، وهي مصرية نوبية، عندما سمعت هذه الجملة من صديقها الذي تعرفت عليه منذ سنوات.

انطلقت العبارة من فمه بعد خلاف في الرأي بينهما بشأن قضية عامة، ليتحوّل إلى شخص آخر، يهاجم لونها وعرقها ويسلخها عن موطنها في لحظة. 

حكاية سعاد ليست حادثة معزولة، إذ يشعر كثير من النوبيين بأن هناك من يشكك بمواطنتهم، تقول سعاد: “أكثر ما يحزنني في ما ألاقيه من تنمّر وعنصرية، هو فصلنا كنوبيين عن موطننا، وكأننا أبناء دولة أخرى، نظراً الى أننا أصحاب بشرة سمراء، وكنا نسكن أقصى الجنوب، فاعتبرونا لا ننتمي إلى مصر”.

أصل كلمة “نوبة” يعود إلى اللغة المصرية القديمة، إذ كانت تُعرف النوبة بـ “نبت” أو “نبتو”، والتي تعني الذهب، كون المنطقة النوبية معروفة بمواردها الغنية بالذهب، إذ يعود التاريخ النوبي إلى العصر الحجري، أي أكثر من 15 ألف سنة قبل الميلاد، ونشأت عبر التاريخ حضارات نوبية عريقة منها ما دام لقرون.

من هم النوبيون ؟

يقول الباحث محمد شعبان، “ينقسم النوبيون إلى 3 قبائل، الكنزية والفاديجا والعرب، وتختلف بينها اللهجات. عاشت القبائل الثلاث في منطقتين رئيسيتين، الأولى هي النوبة السفلى، تبدأ من الشلال الأول جنوب أسوان حتى الشلال الثاني جنوب حلفا. أما المنطقة الثانية، فهي النوبة العليا التي تبدأ من الشلال الثاني حتى الشلال السادس، وسط السودان حديثاً”.

 يضيف شعبان إن للنوبيين طبيعة خاصة، إذ كانوا منعزلين عن باقي مصر، وسكنوا الجنوب ولهم خصالهم وخصائصهم وثقافتهم وتراثهم الخاص الممتد عبر التاريخ.

تقول السيدة المصرية النوبية  خديجة عبده التي عايشت فترات الهجرة الحديثة :”كانت البيوت النوبية في منطقة معزولة في أقصى جنوب مصر على ضفاف النهر، وكان السكان يعيشون حياة بسيطة قائمة على الزراعة والرعي والصيد، يحتفظون بتقاليدهم المتوارثة وطقوسهم، التي ترتبط معظمها بالنيل والطبيعة المحيطة، حتى أُجبر النوبيون على التهجير”، 

تصف عبده تهجير النوبيين من النوبة القديمة إلى هضبة كوم أمبو بسبب بناء السد العالي في عهد جمال عبد الناصر قائلة: “كان عبر مراكب نيلية، ولم تكن في القرى الجديدة أي تجهيزات، ولا مياه صالحة ولا صرف صحي، وكانت المنازل لا تزال تحت الإنشاء. ترك النوبيون أموالهم ومنازلهم وأرضهم إلى المجهول، وعقب التهجير توفي عدد من الأهالي نتيجة انتشار الأمراض وعدم توافر الخدمات الصحية”، وتضيف: “كأننا زي السمك اللي بيخرج من ميته بيموت”.

آخر إحصائية حكومية عن النوبيين في عام 2012، وقدرت عددهم بحوالى 85 ألف شخص، يعيشون في قرى التهجير في أسوان، ولم تشمل من سافروا خارج البلاد، والذين يعيشون في محافظات أخرى داخل مصر بخلاف قرى التهجير.

قدر مركز “هردو” لدعم التعبير الرقمي في تقريره “القضية النوبية والحقوق الثقافية”، الصادر في عام 2017، عدد النوبيين بحوالى 4 ملايين نسمة من أصل 94.8 مليون مصري في السنة نفسها. 

النوبيون جزء من تاريخ مصر الحديث لكن دون تمثيل

النوبيون جزء لا يتجزأ من التاريخ المصري، أثروا فيه وتأثروا به، وخرج من بينهم أدباء ومفكرون مثل حجاج أدول وإدريس علي ومحمد خليل قاسم، وشاركوا في الحركة الفنية ووصلوا بالفن المصري إلى العالمية، مثل المطرب والملحن حمزة علاء الدين والمطرب محمد منير والمطرب والملحن على كوبان.

ذكر الكاتب عبد المجيد حسن خليل في كتابه “نوبيون صنعوا التاريخ”، أن لقمان الحكيم أصله نوبي، وكذلك ذو النون المصري “ثوبان بن إبراهيم”، ومن بينهم أيضاً أحمد إدريس صاحب فكرة استخدام اللغة النوبية في المراسلات الحربية، إبان حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل في عام 1973، والذي صرف الرئيس محمد أنور السادات مكافأة له نظير فكرته، وكرمه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال احتفالات ذكرى انتصار أكتوبر الـ44 في عام 2017.  

وعلى رغم كون التاريخ المصري ممتلئاً بالشخصيات النوبية التي أثرت الحياة الفنية والثقافية والسياسية، إلا أنه يوجد ممثل عنهم في البرلمان أو وزير أو محافظ في الوقت الحالي، ما زاد من تهميشهم ودثر ثقافتهم حتى بين المصريين أنفسهم.

مع اختلاط النوبيين بغيرهم في قرى التهجير، أو في أماكن انتقالهم في المحافظات المختلفة، واجهوا قبائل تختلف عنهم في اللون واللغة والجذور، توضح خديجة: “كانوا بيتريقوا علينا عشان كنا بنتكلم عربي مكسر، وبيسمونا عبيد عشان سود، وبرابرة عشان بنتكلم نوبي”.

انتقل التنمر ضد النوبيات إلى الفضاء الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من بين أشهر تلك الوقائع تعرض النوبية شادن مصطفى صابر، الطالبة في قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة القاهرة، إلى موجة من الانتقادات الحادة نتيجة استلامها شهادة تخرجها في الكلية على نغمات أغنية نوبية. وعبرت حينها عن فرحتها بالرقص النوبي خلال مراسم التخرج، ما عرضها لهجوم واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.   

“هل أنتِ مصريّة ؟”

مع نزوح السودانيين إلى الأراضي المصرية، تزايد عدد أصحاب البشرة السمراء في مصر بشكل ملحوظ، بخاصة في بعض المحافظات مثل أسوان والقاهرة والجيزة.

 تروي سعاد موقفاً واجهته ثلاث سودانيات في عربة مترو الأنفاق، إذ تعرضن للسخرية من سيدات بسبب لون بشرتهن، فاتخذن ركناً في العربة ليحتمين به، ولم يصدرن أي رد فعل. وعندما وصلن إلى المحطة المقصودة، فوجئن بشابة تعتدي عليهن بالضرب على ظهورهن، من دون أي تدخل من الموجودين في المترو.

لا يختلف الأمر بين نوبية أو سودانية، تقول دينا شعبان، وهي مصرية نوبية، تعمل مصممة منتجات رقمية. وتضيف أنه يتم توقيفها في لجان الشرطة أثناء ذهابها أو عودتها من العمل، وأول الأسئلة التي توجه إليها “إنتِ مصرية؟”. 

تشير دينا شعبان الى أن سؤال “هل أنت مصريّة” متكرر ويلقيه على مسامعها أغلب الصديقات والأصدقاء الذين تتعرف عليهم حديثاً، وكأن أصحاب البشرة السمراء ليسوا جزءاً من نسيج الشعب المصري.

التنمّر جرح لا يندمل  

تتذكر دينا أول موقف تعرضت له بسبب لون بشرتها، وكانت في الحضانة يومها، قائلة: “كانت إحدى الفتيات تقول لي “يا سودا” من دون أي سبب، لمجرد الأذى فقط”، وتضيف أنها تجاهلت الفتاة آنذاك، لكن ما زالت هذه المواقف محفورة في ذاكرتها حتى الآن رغم مرور السنين.

تقول إيمان محمد، ربة منزل: “لوني قمحاوي بس ابني أسمر، وطول الوقت بسمع من أمهات زملاء ابني في المدرسة عبارات مثل “إيه الشيكولاته دي”، “خطفاه من أفريقيا ده ولا إيه””، في إشارة إلى ابنها، ما يثير غضبها، حتى كادت تتوقف عن إرسال طفلها إلى المدرسة، لكنها بذلك ستحرمه من فرصته في التعليم. 

أطلقت منظمة “يونسيف” بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والمجلس القومي للأمومة والطفولة، أول حملة قومية لحماية الأطفال من التنمر في 2018. وأصدرت الدكتورة عزة العشماوي، الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة حينها، بياناً قالت فيه إن هناك طالباً من بين كل 3 طلاب، تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 15 سنة، يتعرض للتنمر من الأقران، وإن الفتيات يزيد احتمال كونهن ضحايا للتنمر.   

لا يقتصر التعرض للتنمر أو العنصرية على سن معينة، فالعدوى تصيب الجميع صغاراً كانوا أم كباراً. تروي إسراء، ربة منزل، تعرضها لتعدٍّ لفظي بسبب لون بشرتها، قائلة: “عندما أسير في الأسواق العامة أجد شباناً ينادونني باسم “شيكابالا”، لاعب كرة شهير في مصر أسمر البشرة، أو “بكاكا داسا”، اسم لممثلة في فيلم “حبي الوحيد”، وكانت فيه إحدى البطلات سمراء اللون من دولة إفريقية”.

أثر الصورة النمطيّة

تنميط النوبيين في السينما والأدب المصري، يرسخ صورة سلبية عن النوبيّ، بحصره في مهنة البواب أو الخادم، ليكون مصدراً للسخرية تارة على لغته، وتارة أخرى بسبب لون بشرته.

 ولم يقف الوضع عند هذا الحد، بل وصفهم أحمد تيمور في كتابه الأمثال العامية بـ”العبيد”، ما يعد إغفالاً لدور الفن والأدب في ترسيخ المفاهيم في أذهان المتلقي، ودعماً لخطاب الكراهية ضد النوبيين. 

وأرجعت دراسة لـ”مركز حدود للدعم والاستشارات”، الكثير من الانتهاكات التي يتعرض لها النوبيون في الشارع المصري إلى وسائل الإعلام ومحتويات الدراما، التي رسخت صوراً مغلوطة للنوبيين داخل أذهان الجمهور المتلقي، منتقدة الوضع التشريعي، ومعتبرة إياه لا يوفر البيئة المناسبة للقضاء على هذه الممارسات، على الرغم من مصادقة مصر على الاتفاقية الدولية لمناهضة أشكال التمييز العنصري كافة. 

وفي تموز/ يوليو 2020، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، من خلال إضافة مادة جديدة برقم”309 مكرراً ب”، التي أوردت تعريفاً للتنمر؛ وفي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، دخل تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على التشريع الجديد حيز التنفيذ، وأعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم حينها، عن الانتهاء من طباعة كتاب “القيم واحترام الآخر” للصفوف الثلاثة الأولى الابتدائية.

تمّ إنجاز هذا التقرير بدعم من معهد التنوع الإعلامي ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف والمركز الدولي للصحافيين

09.08.2024
زمن القراءة: 6 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية