في الأول من حزيران/ يونيو 2017، انقلبت حياة نسرين قادر (30 عاماً) رأساً على عقب، فبعد الانتهاء من عملها اليومي بين الساعة الثامنة والنصف والتاسعة مساءً من ذلك اليوم، كان ينتظرها بالقرب من المكتب الذي كانت تعمل فيه خمسة رجال داخل ميكروباص، لم تؤثر فيهم صرخات نسرين وتوسلاتها بعد اختطافهم لها، واقتادوها إلى مبنى قيد الإنشاء وهي مكبلة اليدين.
تعرضت نسرين خلال ثلاثة أيام للتعذيب الجسدي والنفسي والتحرش الجنسي، ولم يكتفِ المختطِفون بذلك بل التقطوا لها صوراً وهي شبه عارية، بهدف تهديدها مستقبلاً والضغط عليها لتتوقف عن مساعدة النساء المعنفات في قضايا الطلاق والحصول على حقوقهن.
لجأت نسرين، بعد أن تركها الخاطفون، إلى مركز الشرطة لتبلّغ عما تعرضت له، لكنها لم تجد من يصغي لشكواها.
لم تتصالح نسرين مع مواقع التواصل الاجتماعي حتى اللحظة، فقد نشر مختطفوها صوراً لها في تلك المواقع “خسرت كل شيء، لم يقف أحد معي سوى عائلتي، فاللوم فقط على الضحية، وأنا امرأة”.
خسرت نسرين مستقبلها في بنغلاديش، بعد حادثة الاختطاف تلك، ولم تكن تتوقع أن الرجل الذي أحبته وكانت ستُزَف إليه في موعد قريب -آنذاك- سيتخلىّ عنها بسبب إشعاعاتٍ عن اغتصابها تم تداولها في مجتمعها المحيط وعلى مواقع التواصل، فألغى حفل الزفاف وأخبرها بصعوبة الزواج بها.
حاولت نسرين العودة إلى عملها لمتابعة حياتها المهنية، فواجهت قراراً برفض عودتها لسبب جاء صريحاً وواضحاً على لسان مديرها، كونها نسوية ومدافعة عن مجتمع الميم، ما سيسبب العديد من المشاكل لزملائها وزميلاتها في العمل.
“كل شيء تغير، وكان من الصعب أن أبقى هناك، لقد فقدتُ سمعتي في نظر المجتمع، الناس في (داكا) يتحدثون ويتناقلون ما حدث معي دون الاكتراث لوضعي النفسي، كانوا يظنون أنني تعرضت للاغتصاب، ونحن النساء نعيش في مجتمع تلام فيه الضحية ويعتبرون أنه خطأها”.
كان على نسرين أن تغادر بنغلاديش، هرباً من العنف الذي مارسه عليها مجتمع دكا، وللتخلص من قيود عاداته وتقاليده المسلّطة على المرأة، فاتخذت قراراً بالسفر بعيداً عن بلدها بعد إصرار والدتها على ذلك ودعم عائلتها لها، علَّ بداية سعيدة تنتظرها في مكان ما.
“كل شيء تغير، وكان من الصعب أن أبقى هناك، لقد فقدتُ سمعتي في نظر المجتمع، الناس في (داكا) يتحدثون ويتناقلون ما حدث معي دون الاكتراث لوضعي النفسي، كانوا يظنون أنني تعرضت للاغتصاب، ونحن النساء نعيش في مجتمع تلام فيه الضحية ويعتبرون أنه خطأها”.
تختصر نسرين ، محامية وناشطة مدافعة عن حقوق النساء ومجتمع الميم في بنغلادش، جميع أشكال العنف الممارسة على النساء في كافة المجتمعات لتصبّ في النهاية باتجاه لوم الضحية وتوجيه الانتقادات اللاذعة لها، متجاهلين سبب العنف الذي تتعرض له النساء ومن يمارسونه.
في عام 2014 عادت نسرين إلى (داكا) لتمارس مهنة المحاماة، بعد أن أنهت دراستها في كلية القانون في جامعة (نورثمبريا نيوكاسل – Northumbria Newcastle University) وهي ثاني أكبر الجامعات في مدينة نيوكاسل شمال المملكة المتحدة، لكنها تعرضت للعديد من الانتقادات بسبب دعمها المتواصل للنساء المعنفات ومجتمع الميم في الحصول على حقوقهم. تقول “لقد كنت أحاول أن أضمن حقوقهم الأساسية في المجتمع، على سبيل المثال، الوصول إلى التعليم والصحة والعمل والمراكز الدينية.. إلخ”. كما شاركت نسرين في توعية الناس في بلدها فيما يتعلق باحترام حقوق مجتمع الميم وتقبلهم، “إنهم بشر مثلنا.. مثل باقي الجنسين”.
لا يعترف المجتمع في بنغلاديش، مثل كثير من الدول، بزواج المثليين، حيث “يعاقب بالسجن مدى الحياة أو بالسجن المؤبد كل من يقوم طواعية بالجماع ضد نظام الطبيعة مع أي رجل أو امرأة أو حيوان، أو بالسجن مع الأشغال الشاقة أو البسيطة لمدة قد تمتد إلى 10 سنوات، وأيضاً يكون عرضة للغرامة”، وذلك وفقاً للمادة 377 من قانون العقوبات. وعلى الرغم من محاولات عديدة لإلغاء تلك المادة في عامي 2009 و 2013، إلا أن البرلمان البنغالي رفض إلغاءها.
في تشرين الثاني/ أكتوبر 2016، زارت إحدى النساء البنغاليات نسرين في مكتب المحاماة الذي تعمل فيه، وقامت بتوكيلها في قضية (خُلع) ضد زوجها. مارس الزوج وهو عضو في برلمان بنغلاديش، العنف والخيانة ضد زوجته التي لديها طفلتان منه. وعلى الرغم من سلطته في المجتمع والدولة، أكملت نسرين عملها كمحامية بتنفيذ رغبة موكلتها في إنهاء زواجها من رجل حمّلها مسؤولية عدم إنجاب “الولد الذكر” من جهة، ومسؤولية مس رجولته، حسب أعراف مجتمع داكا، بطلبها الخلع منه قانونياً من جهة أخرى.
لم يخطر ببال نسرين أن حياتها ستكون مهددة بالخطر، فبعد فترة وجيزة من كسب الزوجة لقضية الخلع أرسل عضو البرلمان تهديداته للمحامية وحمّلها مسؤولية طلاقه، وانتهت تهديداته بخطفها وتعذيبها والتشهير بها.
إقرأوا أيضاً:
رحلة اللجوء:
لم يكن من السهل على نسرين الحصول على تأشيرة من القنصلية البريطانية في العاصمة الهندية نيودلهي، على الرغم من إتقانها للغة الإنكليزية، وكانت الموافقة على التأشيرة تستغرق من شهرين إلى ثلاثة أشهر على أقل تقدير، ولأن الخوف كان يلاحقها توجهت إلى القنصلية الفرنسية في داكا، واستطاعت خلال أقل من شهر الحصول على تأشيرة توصلها إلى مكان وصفته نسرين بالآمن وبعيداً عمّا عاشته من عنف واعتداءات بحقها في مجتمعها.
بعد وصولها إلى فرنسا في 21 شباط/ فبراير 2018، تقدمت نسرين بطلب لجوء لم تنل الموافقة عليه، بل حصلت على حماية دولية من مكتب حماية اللاجئين وعديمي الجنسية (OFPRA)، والذي يشير في تقريره السنوي الصادر في 21/01/2021 أن طلبات اللجوء لديه وصلت عام 2020 إلى 95600 طلب، وانخفضت بنسبة 28% عن عام 2019. ويشير التقرير أيضاً، إلى تغير تصنيف البلدان الرئيسية لطالبي اللجوء، والتي تم تصنيفها، لأول مرة، على النحو التالي: أفغانستان 10100، وغينيا 5800، وبنغلاديش 5050، في حين انخفضت الطلبات المقدمة من المواطنين الجورجيين والألبانيين بشكل كبير.
تقيم نسرين-الآن- في بيت صغير في ضواحي باريس، انتقلت إليه منذ فترة قصيرة، بعد أن تنقلّت بين عدة بيوت تابعة للسكن الاجتماعي، وتتابع دراستها للغة الفرنسية من خلال دروس استطاعت الانضمام إليها مجاناً. ومنذ وصولها إلى فرنسا لم توقف نشاطها التطوعي ضمن منظمتين تعنيان بمساعدة اللاجئين في باريس، “أنا لاجئة هنا، وأشعر أنني قادرة على مساعدة اللاجئين، وأستطيع أن أشاركهم تجربة لجوئي، وساعد على ذلك عملي كمحامية، أشعر بالسعادة للقيام بذلك”.
على الرغم من أن النساء في بنغلاديش حققن تقدّماً كبيراً في الحصول على حقوقهن، حيث تشير إحصائيات عام 2018 إلى وصول 20.3% من النساء البنغاليات إلى البرلمان، وزيادة فرص تعليمهن، وسن القوانين لحماية حقوقهن، إلا أن المرأة البنغالية لا تزال تحارب من أجل الحصول على حق المساواة مع الرجل، والتخلص من الأعراف المجتمعية التي تفرض قيوداً على الأدوار الجنسانية، منها مقايضة المرأة ولو -بشكل غير صريح- على وارد عملها، والذي يتجلى بفرض بعض العائلات شروطاً على النساء العاملات تضمن حصول العائلة على المال الذي تجنيه المرأة من عملها، وهو ما تشير إليه نسرين (المرأة ليست مستقلة في بنغلاديش).
تمثل النساء والفتيات حوالي ثلث طالبي اللجوء في فرنسا، حسب تقرير نشره المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية في 8 آذار/ مارس 2017، يوضح أن الغالبية العظمى من النساء تقدّمن للجوء بسبب العنف المرتبط بنوع الجنس مثل “تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والزواج القسري، والعنف المنزلي، والاضطهاد بسبب التوجه الجنسي أو المرتبط بالإتجار بالبشر، وكثيراً ما يذكر العنف الجنسي في حالات النزاع المسلح أو في سياق آخر”.
لم تستسلم نسرين لكل ما حدث معها في الماضي، فقد بدأت مطلع هذا العام بإعطاء دروس في القانون عبر الإنترنت، لطلاب من عدة جامعات في المملكة المتحدة، مستغلة إتقانها الإنكليزية وخبرتها العملية والأكاديمية.
“الحياة مختلفة، جيدة في بعض الجوانب وسيئة في بعضها الآخر، ليس لدي الكثير من المشاكل في المنفى، أشعر بالحرية والأمان، وأستطيع الخروج من البيت متى أشاء، لكنني أشتاق إلى عملي وعائلتي في داكا”.
إقرأوا أيضاً: