“نحن لم نؤذِ أحداً حتى تتم أذيتنا والتمثيل فينا، توقعتُ كل شيء، أن يخرج هزيلاً أو أن يقتلعوا إحدى عينيه، لكن لم أتوقع أن يفعلوا هكذا به”، بحرقة بالغة تصف والدة وسيم صيام، وهو من ضحايا مجزرة التضامن، صدمتها حين شاهدت ابنها يُعدم، بعد اكتشافها هويته في الفيديو المسرب.
تعرفت عائلة وسيم صيام إليه خلال عملية إعدامه مع عشرات الضحايا في مجزرة التضامن، وهو فلسطيني سوري من سكان مخيم اليرموك، متزوج وله ابنتان وحياة عادية أسوة بجميع الذين سقطوا في ذاك اليوم، وهو ما يتناقض مع رواية النظام الذي يروّج فكرة أن ما فعله يندرج ضمن مشروعه لمحاربة الإرهاب.

خرج لنقل الطحين ولم يعد
وسيم خرج في ذلك اليوم للعمل ونقل الطحين إلى أحد مخابز حي الزاهرة، اتصلت به زوجته طالبة أن يجلب أسطوانة غاز لكنه لم يعد ولم تسمع العائلة عنه شيئاً من حينها… وسيم هو شهادة دامغة على كذب ادعاءات النظام، فمن قُتل لم يكن مسلحاً أو إرهابياً، بل مدني صودف مروره في الشارع، أو ينتمي لمنطقة دعمت الحراك أو شاركت في تظاهرات… إنها أسباب كافية للقتل من وجهة نظر النظام.
“وسيم شعره ناعم يرده إلى الخلف وله وجه لطيف”، هكذا تصف الأم الحزينة ابنها… بتنا جميعاً نعرف وسيم الآن إذ نشرت العائلة صوراً له بالبدلة الرسمية وبابتسامة لطيفة، مطالبة الجميع بتذكر وسيم من خلال هذه الصور وليس بصوره الأخيرة في المجزرة.
بدأ بعض الأهل يتحدثون الى الإعلام خارج سوريا، ومع كل حديث لأهالي ضحية جديدة ستكتمل الحكايات والصورة. نعم لقد خرجت قصة وسيم إلى العلن وبقيت 287 قصة مطمورة مع أصحابها في حي التضامن، إلا أن قصة وسيم بداية لظهور أسماء الضحايا وحكاياتهم، ما يشكل إدانة إضافية للنظام، بصفته نفّذ مجزرة بأبرياء لا دخل لهم بصراعه المفترض مع الإرهاب.
بحزن عميق تستغرب الأم كيف فعلوا ما فعلوه بابنها: “بشوف نملة بالطريق ما بيقدر يدعس عليها كيف عملوا هيك فيهن ما بعرف، قد ما كان الإنسان عدوه ما بيسخا يعمل فيه هيك”، ما تبرير النظام وعناصره أمام هذه الأم؟ هل هناك أي تبرير يمكن أن يجعل الجريمة منطقية؟ بالتأكيد لا، سبقت الأم النظام بالإجابة حين قالت: “حتى لو كان عدواً لا يمكن فعل ذلك به”.
النظام يدافع عن فلسطين بقصف الفلسطينيين
فيما ما زال نظام الأسد يؤكد دعمه القضية الفلسطينية، فإنه يعدم المدنيين الفلسطينيين في سوريا، فحي مخيم اليرموك مثلاً والذي يضم أكبر عددٍ من الفلسطينيين هو واحد من أكثر الأحياء التي تعرضت للقصف والحصار في مفارقة غريبة لجدية نظام الأسد في حماية الفلسطينيين! إذ تسبب بتشريدهم مرة ثانية وحرمانهم منازلهم، يقول والد وسيم المكلوم: “هذا الدمار والطيران الذي قصف الجوامع والأهالي وقذائف الهاون ليلاً نهاراً 15 ساعة، التدمير والطيران والهليكوبتر، أهذه هي القضية الفلسطينية!”، كان النظام يعتقل أبناء المخيم من مدخله ويضعهم في ميكروباصات، وكلما امتلأ ميكروباص ذهب بالمعتقلين ليأتي غيره، بعيداً عن أي معايير أخلاقية أو إنسانية. يقول والد وسيم: “أهل المخيم يعلمون أن أولادهم ذهبوا ولم يعودوا، كنا نقف في الصف كالغنم، ليهينونا على باب المخيم”.
يبدو أن النظام وإسرائيل تساويا في أفعالهما ضد الفلسطينيين، وبينما يحاصر الإسرائيلي غزة، فقد قامت قوات النظام السوري بمحاصرة مخيم اليرموك لأشهر ومنعت عنه الأغذية.
إقرأوا أيضاً:
أمجد يوسف القاتل الصغير
لطالما أوصى وسيم والدته ببناته في حال تعرّض لمكروه، بنات وسيم كبرن دون أن يعرفن شيئاً عن والدهن، كشف الحقيقة والمطالبة بالعدالة اليوم من مسؤولية الجميع، أمُّ وسيم تنتظر العدالة كما آلاف الأمهات، المرأة التي علّمت لـ38 سنة في المدارس السوريّة قالت: “قديش خادمة الوطن، هالوطن ما خدمني، دبحولي ابني”.
حتى اليوم لم يصدر النظام أي بيان حول المجزرة ولم يحاول حتى تبرير ما حصل، يعلم أنه خارج الحساب مسبقاً، وبعيداً من طريقة النظام في التعامل مع هذا النوع من القضايا لا يمكن اعتبار ما حصل في حي التضامن مجرد خطأ فرديّ، ولا يمكن فصله عن النظام السوري بأي حال، في الفيديو ليس أمجد يوسف ونجيب الحلبي وحدهما من يقومان بالجريمة، هناك أيضاً حوالى 11 من العناصر الآخرين لم يتم التعرف إليهم حتى الآن، أمجد ليس المجرم الوحيد لكنه نفذ المهمة، ولا شك في أن له شركاء ومحرضين ومصفّقين، بقيادة رأس النظام.
كثر من عناصر النظام هربوا إلى أوروبا بعد عامي 2013 و2014، اللذين شهدا ارتكاب مجازر فظيعة في حي التضامن وسواه، أي أن القتلة يعيشون اليوم في أوروبا كأن شيئاً لم يكن، وبذلك أصبح الجلاد والضحية لاجئين في بلاد الآخرين…
إقرأوا أيضاً: