fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“هبة” تصل إلى لبنان… ضيف ثقيل
على جيوب خاوية وبيوت باردة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حديث الطقس في هذا الشتاء يبدو أهم ما في يوميات اللبنانيين في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، التي تجعل الصقيع حملاً أكبر من قدرتهم على التحمّل، لصعوبة تأمين التدفئة مع التقنين الكهربائي الحاد وغلاء أسعار الوقود. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حين كنا صغاراً، كانت أخبار العواصف الثلجية تفرحنا، إذ نعد أنفسنا بيوم عطلة أو يومين، إذ كنا نسكن في قرية متوسطة العلو شمال لبنان.  للثلج عادات وتقاليد في قرانا الجبلية، من خبز ساخن على الصاج، ومناقيش في الفرن، وكستناء ونبيذ (للكبار فقط)، “وكعك غط” كما يقال في اللغة المحلية.

لكننا لم نعد صغاراً ولم تعد العواصف مصدراً لحميمية عائلية تغبطنا.

الآن، تصل الى لبنان “هبة” وهي عاصفة ثلجية قوية، ويتوقع أن تلامس الثلوج المناطق الجبلية التي تعلو عن 600 متر عن سطح البحر، لتخلف بعدها موجة صقيع وجليد كبيرة.

حديث الطقس في هذا الشتاء يبدو أهم ما في يوميات اللبنانيين في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، التي تجعل الصقيع حملاً أكبر من قدرتهم على التحمّل، لصعوبة تأمين التدفئة مع التقنين الكهربائي الحاد وغلاء أسعار الوقود. 

عائلات كثيرة لا سيما في القرى النائية، استغلت وصول الشتاء لتوقف تشغيل البرادات، لتخفيف فاتورة المولد الخاص الذي يعمل على العداد، لكن ماذا يفعل هؤلاء في طريق البحث عن الدفء في ظل درجات الحرارة المتدنية؟

في الصيف الماضي، ومع اشتداد حدة الأزمة الاقتصادية، وغياب الدولارات الكافية للاستيراد، عانى اللبنانيون من شح كبير في مادتي البنزين والمازوت. انتشرت مشاهد النائمين على الشرفات وأسطح المباني بسبب شدة الحر، مع تقنين الكهرباء وعدم توفر المازوت لدى أصحاب المولدات. بعد حين تم أزمة مادة المازوت من حيث المبدأ، إلا أنها ما زالت صعبة المنال لا سيما بالنسبة إلى الفقراء ومحدودي الدخل، فسعر تنكة المازوت يبلغ نحو 360 ألف ليرة، وهو مبلغ كبير جداً مقارنة بمداخيل معظم العائلات التي فقدت قيمتها الشرائية أصلاً. ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة إلى سكان الجبال والمخيمات.

يشعرني الثلج لحظة تساقطه بالكثير من الأمل والفرح، ويعيدني الى ذكريات الماضي، تجمّعنا حول صوبيا الحطب إلى جانب أمي وهي تخبز المناقيش والكعك، وخروجنا للعب في البرد القارس، ثم عودتنا مسرعين لأخذ قسط من الدفء بجانب الحطب المشتعل داخل الصوبيا. لكن الأمور تغيرت كثيراً، وإن كنا نستطيع الى يومنا هذا تأمين الحطب في منزلنا من الأرض والشجر حولنا، إلا أن كثيرين في المناطق الجبلية لم يستطيعوا هذا العام تأمين الحطب أو المازوت للتدفئة بسبب غلاء هذه المواد، وانقطاع كهرباء الدولة بشكل كلي في الأرياف، مقابل فاتورة المولدات الخاصة التي تتجاوز في أحيان كثيرة دخل العائلة. 

إقرأوا أيضاً:

عائلات كثيرة لا سيما في القرى النائية، استغلت وصول الشتاء لتوقف تشغيل البرادات، لتخفيف فاتورة المولد الخاص الذي يعمل على العداد، لكن ماذا يفعل هؤلاء في طريق البحث عن الدفء في ظل درجات الحرارة المتدنية؟

في دردشة مع أحد العمال السودانيين الذي يعمل في بيروت، يقول “عم نموت من البرد، شو قولك مطولة العاصفة”، ويروي كيف يعيش مع زملائه من دون اشتراك، بسبب عدم استطاعتهم تحمل التكلفة، وكيف أن العاصفة تعيق تحركاته، هو الذي يأتي إلى عمله على دراجة هوائية للتوفير، ما يعرّضه للبرد والتبلل تحت المطر.

وتتفاقم المعاناة في مخيمات اللجوء الباردة وغير المجهزة، وقد انتشر فيديو  لعجوز سورية تعيش في مخيم في عرسال التي تكسوها الثلوج الآن، وكانت النيران قد أحرقت يديها وهي تحاول تدفئة أحفادها الصغار، يختصر هذا الفيديو معاناة آلاف اللاجئين في الجبال الباردة، فهذه الجدة كانت أمام خيارين، أن تحرق يديها بالنار، أو يحرق البرد أيدي صغارها.

كان يمكن أن تمر “هبة” مرور عاصفة عادية نختبئ منها في بيوتنا الدافئة، لو أن من سرق 40 مليار دولار من أجل التغذية الكهربائية، قد أضاء البلاد بالفعل، ولو أن من سمح بتهريب المازوت المدعوم الى النظام السوري، ترك لشعبه القليل منه للشتاء، أو من راكم ثروات المصارف على حساب قيمة الليرة اللبنانية، قد ترك ولو جزءاً من مدخرات الناس كي يشتروا بعض الحطب والمازوت، ولو ليومين فقط، حتى تمر “هبة” عائدة إلى المرتفعات القطبية البعيدة.

إقرأوا أيضاً:

19.01.2022
زمن القراءة: 3 minutes

حديث الطقس في هذا الشتاء يبدو أهم ما في يوميات اللبنانيين في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، التي تجعل الصقيع حملاً أكبر من قدرتهم على التحمّل، لصعوبة تأمين التدفئة مع التقنين الكهربائي الحاد وغلاء أسعار الوقود. 

حين كنا صغاراً، كانت أخبار العواصف الثلجية تفرحنا، إذ نعد أنفسنا بيوم عطلة أو يومين، إذ كنا نسكن في قرية متوسطة العلو شمال لبنان.  للثلج عادات وتقاليد في قرانا الجبلية، من خبز ساخن على الصاج، ومناقيش في الفرن، وكستناء ونبيذ (للكبار فقط)، “وكعك غط” كما يقال في اللغة المحلية.

لكننا لم نعد صغاراً ولم تعد العواصف مصدراً لحميمية عائلية تغبطنا.

الآن، تصل الى لبنان “هبة” وهي عاصفة ثلجية قوية، ويتوقع أن تلامس الثلوج المناطق الجبلية التي تعلو عن 600 متر عن سطح البحر، لتخلف بعدها موجة صقيع وجليد كبيرة.

حديث الطقس في هذا الشتاء يبدو أهم ما في يوميات اللبنانيين في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، التي تجعل الصقيع حملاً أكبر من قدرتهم على التحمّل، لصعوبة تأمين التدفئة مع التقنين الكهربائي الحاد وغلاء أسعار الوقود. 

عائلات كثيرة لا سيما في القرى النائية، استغلت وصول الشتاء لتوقف تشغيل البرادات، لتخفيف فاتورة المولد الخاص الذي يعمل على العداد، لكن ماذا يفعل هؤلاء في طريق البحث عن الدفء في ظل درجات الحرارة المتدنية؟

في الصيف الماضي، ومع اشتداد حدة الأزمة الاقتصادية، وغياب الدولارات الكافية للاستيراد، عانى اللبنانيون من شح كبير في مادتي البنزين والمازوت. انتشرت مشاهد النائمين على الشرفات وأسطح المباني بسبب شدة الحر، مع تقنين الكهرباء وعدم توفر المازوت لدى أصحاب المولدات. بعد حين تم أزمة مادة المازوت من حيث المبدأ، إلا أنها ما زالت صعبة المنال لا سيما بالنسبة إلى الفقراء ومحدودي الدخل، فسعر تنكة المازوت يبلغ نحو 360 ألف ليرة، وهو مبلغ كبير جداً مقارنة بمداخيل معظم العائلات التي فقدت قيمتها الشرائية أصلاً. ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة إلى سكان الجبال والمخيمات.

يشعرني الثلج لحظة تساقطه بالكثير من الأمل والفرح، ويعيدني الى ذكريات الماضي، تجمّعنا حول صوبيا الحطب إلى جانب أمي وهي تخبز المناقيش والكعك، وخروجنا للعب في البرد القارس، ثم عودتنا مسرعين لأخذ قسط من الدفء بجانب الحطب المشتعل داخل الصوبيا. لكن الأمور تغيرت كثيراً، وإن كنا نستطيع الى يومنا هذا تأمين الحطب في منزلنا من الأرض والشجر حولنا، إلا أن كثيرين في المناطق الجبلية لم يستطيعوا هذا العام تأمين الحطب أو المازوت للتدفئة بسبب غلاء هذه المواد، وانقطاع كهرباء الدولة بشكل كلي في الأرياف، مقابل فاتورة المولدات الخاصة التي تتجاوز في أحيان كثيرة دخل العائلة. 

إقرأوا أيضاً:

عائلات كثيرة لا سيما في القرى النائية، استغلت وصول الشتاء لتوقف تشغيل البرادات، لتخفيف فاتورة المولد الخاص الذي يعمل على العداد، لكن ماذا يفعل هؤلاء في طريق البحث عن الدفء في ظل درجات الحرارة المتدنية؟

في دردشة مع أحد العمال السودانيين الذي يعمل في بيروت، يقول “عم نموت من البرد، شو قولك مطولة العاصفة”، ويروي كيف يعيش مع زملائه من دون اشتراك، بسبب عدم استطاعتهم تحمل التكلفة، وكيف أن العاصفة تعيق تحركاته، هو الذي يأتي إلى عمله على دراجة هوائية للتوفير، ما يعرّضه للبرد والتبلل تحت المطر.

وتتفاقم المعاناة في مخيمات اللجوء الباردة وغير المجهزة، وقد انتشر فيديو  لعجوز سورية تعيش في مخيم في عرسال التي تكسوها الثلوج الآن، وكانت النيران قد أحرقت يديها وهي تحاول تدفئة أحفادها الصغار، يختصر هذا الفيديو معاناة آلاف اللاجئين في الجبال الباردة، فهذه الجدة كانت أمام خيارين، أن تحرق يديها بالنار، أو يحرق البرد أيدي صغارها.

كان يمكن أن تمر “هبة” مرور عاصفة عادية نختبئ منها في بيوتنا الدافئة، لو أن من سرق 40 مليار دولار من أجل التغذية الكهربائية، قد أضاء البلاد بالفعل، ولو أن من سمح بتهريب المازوت المدعوم الى النظام السوري، ترك لشعبه القليل منه للشتاء، أو من راكم ثروات المصارف على حساب قيمة الليرة اللبنانية، قد ترك ولو جزءاً من مدخرات الناس كي يشتروا بعض الحطب والمازوت، ولو ليومين فقط، حتى تمر “هبة” عائدة إلى المرتفعات القطبية البعيدة.

إقرأوا أيضاً: