fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هجمة مرتدة للنظام المصري لاسترداد السيطرة على النقابات المهنية 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“نتيجة طبيعية للوضع السياسي” بهذا العبارة فسر الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، محاولة الدولة السيطرة على النقابات، كونها “المتنفس الوحيد لأي تجمع على الساحة، سواء السياسية أو الاجتماعية، خاصة بعد تمكن الدولة من تفريغ الأحزاب من داخلها

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شكل فوز الصحافي المصري المعارض خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين في انتخابات نقابة الصحافة المصرية، التي جرت في مارس/آذار من العام الماضي، هزة أولية للنظام المصري في مجال سيطرته على النقابات المهنية.

علاوة على فوزه، أزاح البلشي منافسه خالد الميري المدعوم من النظام ومن جهازه الإعلامي ضمناً، وقد ظهر دعم الميري من خلال قيادات شركة “المتحدة للخدمات الإعلامية” المملوكة من جهاز “سيادي” مصري، وكان من بين مظاهره  لقاء رئيس تحرير “قناة القاهرة الإخبارية” أحمد الطاهري على فضائية “أكسترا نيوز”.

في الشهر نفسه، فوجئ النظام بالضربة الثانية، وذلك بعد تصويت الجمعية العمومية لنقابة المهندسين، بمشاركة قرابة 3500 مهندس، على قرارات نقيب المهندسين طارق النبرواي، فأطاح التصويت بعدد من ممثلي حزب “مستقبل وطن” المقرب من النظام ومن الأمانة العامة للنقابة، وأزاح بالتالي، قبضة الحزب التي حاولت تعطيل عمل النقيب، عن هيئة المكتب الخاصة بالنقابة.

كان النبراوي قد انتزع منصب النقيب في انتخابات عام 2022 من براثن  الحزب المقرب من النظام، وقد جاء الرد حينها على هذه النتيجة باقتحام مجموعة من “البلطجية”، قاعة فرز الأصوات يوم 30 مايو/آيار من العام ذاته، الأمر الذي تم رفضه بأغلبية ساحقة من قبل الجمعية العمومية.

هاتان الضربتان كانتا الأقوى في ملف النقابات، الذي تسيطر عليه الدولة بشكل شبه كامل منذ 30 يونيو/حزيران 2013، مما دفعها إلى تنظيم هجمة مرتدة على عدة نقابات من بينها المهندسين، مع ضمان عدم خروج النقابات الواقعة تحت السيطرة مثل المحامين وأطباء الأسنان.

انسحابات في الأسنان

رغم أنه كان من المقرر أن تجري انتخابات نقابة الأسنان في شهر مارس/آذار الماضي، لكن اللجنة المشرفة على الانتخابات أعلنت تأجيلها، لتزامنها مع شهر رمضان، ليصبح موعدها في 26 أبريل/ نيسان الماضي، وقد شهدت مرحلة الترشح عملية من التبديل والتوفيق، تصب في صالح النقيب الفائز إيهاب هيكل.

ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي تم فتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي، ومن بين المناصب التي شهدت تنافساً، منصب النقيب الذي سجل 6 أسماء مرشحين، أحدهم ترشح في اللحظات الأخيرة، هو العميد الأسبق لكلية طب أسنان قصر العيني هشام عبد الحكم.

من بين الأسماء الستة، كان هناك 4 مرشحين يملكون فرصة الفوز، الأول هو النقيب الحالي إيهاب هيكل، ونقيب الدقهلية وأمين المهنيين في حزب “مستقبل وطن” عن المحافظة حاتم الجندي، ووكيل النقابة العامة الأسبق محمد بيومي، وعضو مجلس النقابة وأمينها العام الأسبق محمد بدوي، والأخير هو المرشح المعارض، ويملك فرصاً كبيرة في الفوز، نظراً لانقسام كتلة أطباء الأسنان الداعمين لمرشحي الدولة بين هيكل وحاتم وبيومي.

وقد فوجئ أطباء الأسنان، قبل إغلاق باب الترشح، بانسحاب الجندي وترشحه إلى منصب نقيب الدقهلية، تلاه إعلان اعتزاله العمل النقابي، في بيان على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ليحصل على ترضية قبيل الانتخابات، بإعلانه رئيساً لمجلس إدارة استاد المنصورة، فيما انسحب بيومي واكتفى بالترشح إلى منصب نقيب القاهرة، لينحصر التنافس بين عبد الحكم وبدوي وهيكل.

بحسب مصدر داخل النقابة فضل عدم ذكر اسمه، فإن ضغوطاً مورست على كل من الجندي وبيومي للانسحاب، تلافياً لتشتيت أصوات كتلة الدولة، لا سيما وأن الجندي لديه كتلة كبيرة داخل النقابات الفرعية، في مقابل الأصوات الغاضبة التي ستصب لصالح بدوي ونكاية بهيكل، مما سيزيد فرصة فوز الأول، وهو السيناريو ذاته الذي حصل في نقابة الصحافيين.

في المقابل، وبحسب نفس المصدر تم الضغط على عبد الحكم للترشح، ليستقطب الأصوات الغاضبة بدلاً من ذهابها إلى بدوي بحسب المصدر، وهو سبب ترشحه في اللحظات الأخيرة، بعد تمديد فترة فتح باب الترشح في اليوم الأخير حتى الساعة الخامسة، بحجة شكاوى من انقطاع التيار الكهربائي في بعض النقابات الفرعية.

عملية التبديل والتوفيق أتت ثمارها بالفعل، حيث فاز النقيب الحكومي هيكل على منافسه، الذي يمثل المعارضة، بفارق ضئيل للغاية لا يزيد على 650 صوتاً، في معركة كانت الأشرس في تاريخ النقابة.

التيار الأكثر قرباً في المحامين

أما نقابة المحامين، فلا تختلف كثيراً عن نقابة أطباء الأسنان، فالانتخابات التي شهدتها في شهر مارس/آذار السابق، كان من المفترض أن تجري بوجود 3 مرشحين، لديهم جميعاً فرص الفوز بمقعد النقيب، الأول النقيب الحالي عبد الحليم علام، الذي فاز بدورة ثانية بفارق كبير عن أقرب منافسيه، وهو النقيب الأسبق سامح عاشور، أما الثالث فهو النقيب الأسبق حمدي خليفة.

وكان من المتوقع أن تنخفض فرص فوز علام بصورة كبيرة، في حال عدم انسحاب خليفة، الذي ينتمي لمدرسة الإصلاح نفسها، إلا أنه قبل أقل من أسبوعين من إجراء الانتخابات، فوجئ جموع المحامين بإعلان خليفة انسحابه من السباق الانتخابي.

برر خليفة انسحابه بالقول إنه لم يعتد “العمل في مناخ من الصراعات الذي يسيطر على انتخابات النقابة”، ولذلك آثر الانسحاب، مشيرا إلى أن “العملية الانتخابية والمناخ الانتخابي، لم يعودا بالجمال الذي كانا عليه في الماضي”.

بحسب مصدر داخل لجنة حريات النقابة، فإن انسحاب خليفة جاء نتيجة ترتيبات لضمان فوز علام الأقرب للنظام على منافسه عاشور، علماً أن خليفة يعتبر مرشحاً حكومياً أيضاً، وتزكيه خصومته مع جماعة “الإخوان”، لكنه ليس الأقرب للنظام، وذلك بسبب أيدولوجيته القومية التي تسيطر على مواقفه في العديد من القضايا المصيرية، ومنها موقفه من قضية تيران وصنافير، الذي كان مفصلاً في علاقته مع النظام، لذلك كان علام هو المرشح الأوفر حظاً، كونه يمثل التيار الخدمي. 

وكان عاشور قد اتخذ موقفاً مضاداً لموقف الدولة في قضية تيران وصنافير، حيث أكد في أكثر من مناسبة، مصرية الجزيرتين اللتين تنازلت عنهما مصر للمملكة العربية السعودية، وفق اتفاقية لترسيم الحدود بين الدولتين، كما ترأس هيئة الدفاع عن المحامين الذين تم القبض عليهم إثر الاحتجاجات على الاتفاقية.

راهن عاشور على عدة كتل تصويتية، كان أهمها كتلة محامي مسقط رأسه في محافظة سوهاج، بالإضافة إلى محاولته كسر كتلة علام، بافتتاح مكتب في محافظة الإسكندرية التي ينتمي لها، أما الكتلة الأكبر فكانت المحامين الحقوقيين، التي كانت رهانه الخاسر، لأن غالبية أعضائها تعاملت مع الانتخابات على أساس أن الاثنين لا فارق بينهما، وكانت كتلة عاشور يمكن أن ترجح فقط في حال وجود منافس من كتلة الإصلاح يأخذ من رصيد علام.

ويرى ياسر سعد المحامي الحقوقي والمرشح السابق إلى عضوية مجلس نقابة المحامين، أن “التنافس على منصب النقيب كان محصوراً في وجهين يمثلان الدولة، ولا فارق بينهما، وفضل المحامون الوجه الخدمي، وعلام من التيار الذي يرفع شعار الخدمات”، وهذا يمثل رؤية الدولة التي تنظر إلى النقابات على أنها نوادٍ لخدمة المنتمين لها، مادياً واجتماعياً، من دون أي دور سياسي أو حتى تقديم الخدمات المتعلقة بضمان أداء المحامين لعملهم وحمايتهم.

وعقب فوز علام، وضعته وزارة الداخلية في أول اختبار حقيقي مع جموع المحامين، بعد الاعتداء على أحد المحامين أمام محكمة في محلة مصر الجديدة في القاهرة، كما إلى واقعة أخرى في محكمة جنايات المنصورة، تعدى فيها أحد القضاة لفظياً على محامي بالنقض، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن علام اكتفى تعليقاً على الواقعتين بإصدار بيان، قال فيهما إن “مجلس النقابة يتابع عن كثب تحقيقات النيابة في واقعة  مصر الجديدة، وتشكيل لجنة للتحقيق في واقعة المنصورة”.

تغييرات على مستوى القاعدة

أما نقابة المهندسين، فقام النظام بهجمة مرتدة عليها، مثلت أولى الضربات لسيطرته على النقابات العامة، وذلك من خلال سيطرة أعضاء النقابة المنتمين لحزب “مستقبل وطن” على لجنة الانتخابات، بحسب مصدر في #تحالف_30_مايو، الذي تم تشكيله عقب واقعة اقتحام الجمعية العمومية للنقابة.

لم تشهد انتخابات التجديد النصفي في النقابة، إقبالاً كثيفاً من قبل المهندسين، وذلك لعدة أسباب، أولها أن التنافس فيها لا ينصب على مقعد النقيب، إنما على مجالس شعب النقابة السبعة، لذلك فهي ليست انتخابات جاذبة لجموع المهندسين، أما السبب الثاني فهو حالة الإحباط التي تسيطر على المهندسين، لعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية ضد المتهمين باقتحام الجمعية العمومية العام الماضي.

المعركة في نقابة المهندسين تنحصر في كتلتين، الأولى تحالف 30 مايو، أما الكتلة الثانية فهي حزب “مستقبل وطن” الذي يمثل الدولة، ويعتبر اللواء يسري الديب عضو الحزب المقرب من النظام والأمين العام السابق للنقابة هو الممثل الرسمي لها، فضلاً عن أنه مدير ملف سيطرة الدولة على النقابة.

في معركة انتخابات التجديد النصفي، اتبع الديب أسلوب التغيير من القاعدة، فأزاح بعض الوجوه المتهمة بأزمة اقتحام النقابة، وقام بدفع أسماء جديدة؛ حتى لو لم يكن لها تاريخ نقابي، مستعيناً بكتلة حزب “النور السلفي” لاستكمال القوائم، والحصول على دعم “التيار الإسلامي السلفي” داخل النقابة، وفاز أغلب المرشحين على قوائم الديب، حاصدين مقاعد الشعب السبعة، وتم ترقيتهم في انتخابات الشعب الداخلية لعضوية المجلس الأعلى للنقابة، الذي تتكون منه الأمانة العامة للنقابة وهيئة مكتب النقابة، وهي الجهة المسؤولة عن تسيير العمل اليومي داخل النقابة، بحسب المصدر.

لم يكن التغيير من القاعدة هو الأسلوب الوحيد المتبع، فعبر صفحات المرشحين ومجموعات المهتمين بنقابة المهندسين، كان الحديث الأبرز هو عن سيطرة المحسوبين على الديب، والشبهات التي دارت حول استبعاد المهندس هاني العتال المرشح لعضوية مجلس شعبة مدني فوق السن دون مبرر، مما اضطره اللجوء إلى القضاء الإداري.

المتنفس الوحيد

“نتيجة طبيعية للوضع السياسي” بهذا العبارة فسر الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، محاولة الدولة السيطرة على النقابات، كونها “المتنفس الوحيد لأي تجمع على الساحة، سواء السياسية أو الاجتماعية، خاصة بعد تمكن الدولة من تفريغ الأحزاب من داخلها، فلم يبقَ على الساحة سوى الاحزاب التابعة للنظام، بينما الأحزاب المعارضة محبوسة داخل مقراتها”.

بحسب السيد فإن “الأنظمة السياسية المصرية المتعاقبة حرصت على السيطرة على النقابات المهنية منذ بداية عملها، فمثلاً نظام عبد الناصر جعل عضوية الاتحاد الاشتراكي شرطاً لعضوية النقابات المهنية، من ضمنها نقابة الصحافة، ليضمن عدم خروج أعضائها عن الكيان السياسي الوحيد الموجود في مصر، أما السادات، فقد مثلت الأزمة الاقتصادية وكذلك اتفاقية كامب ديفيد، أسباباً لاشتباك النقابات؛ وعلى رأسها المحامين والصحافيين معه، وانتهى الاشتباك باعتقالات سبتمبر التي أوقفت الحياة السياسية في مصر بالكامل، ولم تتنفس النقابات الصعداء إلا في الفترة الأولى من حكم مبارك، قبل أن تبدأ محاولاته بالسيطرة على النقابات في معركة مع جماعة “الإخوان”، حين فطنت الجماعة لأهمية حضورها داخل النقابات مبكراً، وكان ضمن هذه المحاولات، إصدار القانون رقم 100 لسنة 1995، الذي فتح الباب لفرض الحراسة على عدد من النقابات”.

29.05.2024
زمن القراءة: 7 minutes

“نتيجة طبيعية للوضع السياسي” بهذا العبارة فسر الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، محاولة الدولة السيطرة على النقابات، كونها “المتنفس الوحيد لأي تجمع على الساحة، سواء السياسية أو الاجتماعية، خاصة بعد تمكن الدولة من تفريغ الأحزاب من داخلها


شكل فوز الصحافي المصري المعارض خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين في انتخابات نقابة الصحافة المصرية، التي جرت في مارس/آذار من العام الماضي، هزة أولية للنظام المصري في مجال سيطرته على النقابات المهنية.

علاوة على فوزه، أزاح البلشي منافسه خالد الميري المدعوم من النظام ومن جهازه الإعلامي ضمناً، وقد ظهر دعم الميري من خلال قيادات شركة “المتحدة للخدمات الإعلامية” المملوكة من جهاز “سيادي” مصري، وكان من بين مظاهره  لقاء رئيس تحرير “قناة القاهرة الإخبارية” أحمد الطاهري على فضائية “أكسترا نيوز”.

في الشهر نفسه، فوجئ النظام بالضربة الثانية، وذلك بعد تصويت الجمعية العمومية لنقابة المهندسين، بمشاركة قرابة 3500 مهندس، على قرارات نقيب المهندسين طارق النبرواي، فأطاح التصويت بعدد من ممثلي حزب “مستقبل وطن” المقرب من النظام ومن الأمانة العامة للنقابة، وأزاح بالتالي، قبضة الحزب التي حاولت تعطيل عمل النقيب، عن هيئة المكتب الخاصة بالنقابة.

كان النبراوي قد انتزع منصب النقيب في انتخابات عام 2022 من براثن  الحزب المقرب من النظام، وقد جاء الرد حينها على هذه النتيجة باقتحام مجموعة من “البلطجية”، قاعة فرز الأصوات يوم 30 مايو/آيار من العام ذاته، الأمر الذي تم رفضه بأغلبية ساحقة من قبل الجمعية العمومية.

هاتان الضربتان كانتا الأقوى في ملف النقابات، الذي تسيطر عليه الدولة بشكل شبه كامل منذ 30 يونيو/حزيران 2013، مما دفعها إلى تنظيم هجمة مرتدة على عدة نقابات من بينها المهندسين، مع ضمان عدم خروج النقابات الواقعة تحت السيطرة مثل المحامين وأطباء الأسنان.

انسحابات في الأسنان

رغم أنه كان من المقرر أن تجري انتخابات نقابة الأسنان في شهر مارس/آذار الماضي، لكن اللجنة المشرفة على الانتخابات أعلنت تأجيلها، لتزامنها مع شهر رمضان، ليصبح موعدها في 26 أبريل/ نيسان الماضي، وقد شهدت مرحلة الترشح عملية من التبديل والتوفيق، تصب في صالح النقيب الفائز إيهاب هيكل.

ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي تم فتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي، ومن بين المناصب التي شهدت تنافساً، منصب النقيب الذي سجل 6 أسماء مرشحين، أحدهم ترشح في اللحظات الأخيرة، هو العميد الأسبق لكلية طب أسنان قصر العيني هشام عبد الحكم.

من بين الأسماء الستة، كان هناك 4 مرشحين يملكون فرصة الفوز، الأول هو النقيب الحالي إيهاب هيكل، ونقيب الدقهلية وأمين المهنيين في حزب “مستقبل وطن” عن المحافظة حاتم الجندي، ووكيل النقابة العامة الأسبق محمد بيومي، وعضو مجلس النقابة وأمينها العام الأسبق محمد بدوي، والأخير هو المرشح المعارض، ويملك فرصاً كبيرة في الفوز، نظراً لانقسام كتلة أطباء الأسنان الداعمين لمرشحي الدولة بين هيكل وحاتم وبيومي.

وقد فوجئ أطباء الأسنان، قبل إغلاق باب الترشح، بانسحاب الجندي وترشحه إلى منصب نقيب الدقهلية، تلاه إعلان اعتزاله العمل النقابي، في بيان على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ليحصل على ترضية قبيل الانتخابات، بإعلانه رئيساً لمجلس إدارة استاد المنصورة، فيما انسحب بيومي واكتفى بالترشح إلى منصب نقيب القاهرة، لينحصر التنافس بين عبد الحكم وبدوي وهيكل.

بحسب مصدر داخل النقابة فضل عدم ذكر اسمه، فإن ضغوطاً مورست على كل من الجندي وبيومي للانسحاب، تلافياً لتشتيت أصوات كتلة الدولة، لا سيما وأن الجندي لديه كتلة كبيرة داخل النقابات الفرعية، في مقابل الأصوات الغاضبة التي ستصب لصالح بدوي ونكاية بهيكل، مما سيزيد فرصة فوز الأول، وهو السيناريو ذاته الذي حصل في نقابة الصحافيين.

في المقابل، وبحسب نفس المصدر تم الضغط على عبد الحكم للترشح، ليستقطب الأصوات الغاضبة بدلاً من ذهابها إلى بدوي بحسب المصدر، وهو سبب ترشحه في اللحظات الأخيرة، بعد تمديد فترة فتح باب الترشح في اليوم الأخير حتى الساعة الخامسة، بحجة شكاوى من انقطاع التيار الكهربائي في بعض النقابات الفرعية.

عملية التبديل والتوفيق أتت ثمارها بالفعل، حيث فاز النقيب الحكومي هيكل على منافسه، الذي يمثل المعارضة، بفارق ضئيل للغاية لا يزيد على 650 صوتاً، في معركة كانت الأشرس في تاريخ النقابة.

التيار الأكثر قرباً في المحامين

أما نقابة المحامين، فلا تختلف كثيراً عن نقابة أطباء الأسنان، فالانتخابات التي شهدتها في شهر مارس/آذار السابق، كان من المفترض أن تجري بوجود 3 مرشحين، لديهم جميعاً فرص الفوز بمقعد النقيب، الأول النقيب الحالي عبد الحليم علام، الذي فاز بدورة ثانية بفارق كبير عن أقرب منافسيه، وهو النقيب الأسبق سامح عاشور، أما الثالث فهو النقيب الأسبق حمدي خليفة.

وكان من المتوقع أن تنخفض فرص فوز علام بصورة كبيرة، في حال عدم انسحاب خليفة، الذي ينتمي لمدرسة الإصلاح نفسها، إلا أنه قبل أقل من أسبوعين من إجراء الانتخابات، فوجئ جموع المحامين بإعلان خليفة انسحابه من السباق الانتخابي.

برر خليفة انسحابه بالقول إنه لم يعتد “العمل في مناخ من الصراعات الذي يسيطر على انتخابات النقابة”، ولذلك آثر الانسحاب، مشيرا إلى أن “العملية الانتخابية والمناخ الانتخابي، لم يعودا بالجمال الذي كانا عليه في الماضي”.

بحسب مصدر داخل لجنة حريات النقابة، فإن انسحاب خليفة جاء نتيجة ترتيبات لضمان فوز علام الأقرب للنظام على منافسه عاشور، علماً أن خليفة يعتبر مرشحاً حكومياً أيضاً، وتزكيه خصومته مع جماعة “الإخوان”، لكنه ليس الأقرب للنظام، وذلك بسبب أيدولوجيته القومية التي تسيطر على مواقفه في العديد من القضايا المصيرية، ومنها موقفه من قضية تيران وصنافير، الذي كان مفصلاً في علاقته مع النظام، لذلك كان علام هو المرشح الأوفر حظاً، كونه يمثل التيار الخدمي. 

وكان عاشور قد اتخذ موقفاً مضاداً لموقف الدولة في قضية تيران وصنافير، حيث أكد في أكثر من مناسبة، مصرية الجزيرتين اللتين تنازلت عنهما مصر للمملكة العربية السعودية، وفق اتفاقية لترسيم الحدود بين الدولتين، كما ترأس هيئة الدفاع عن المحامين الذين تم القبض عليهم إثر الاحتجاجات على الاتفاقية.

راهن عاشور على عدة كتل تصويتية، كان أهمها كتلة محامي مسقط رأسه في محافظة سوهاج، بالإضافة إلى محاولته كسر كتلة علام، بافتتاح مكتب في محافظة الإسكندرية التي ينتمي لها، أما الكتلة الأكبر فكانت المحامين الحقوقيين، التي كانت رهانه الخاسر، لأن غالبية أعضائها تعاملت مع الانتخابات على أساس أن الاثنين لا فارق بينهما، وكانت كتلة عاشور يمكن أن ترجح فقط في حال وجود منافس من كتلة الإصلاح يأخذ من رصيد علام.

ويرى ياسر سعد المحامي الحقوقي والمرشح السابق إلى عضوية مجلس نقابة المحامين، أن “التنافس على منصب النقيب كان محصوراً في وجهين يمثلان الدولة، ولا فارق بينهما، وفضل المحامون الوجه الخدمي، وعلام من التيار الذي يرفع شعار الخدمات”، وهذا يمثل رؤية الدولة التي تنظر إلى النقابات على أنها نوادٍ لخدمة المنتمين لها، مادياً واجتماعياً، من دون أي دور سياسي أو حتى تقديم الخدمات المتعلقة بضمان أداء المحامين لعملهم وحمايتهم.

وعقب فوز علام، وضعته وزارة الداخلية في أول اختبار حقيقي مع جموع المحامين، بعد الاعتداء على أحد المحامين أمام محكمة في محلة مصر الجديدة في القاهرة، كما إلى واقعة أخرى في محكمة جنايات المنصورة، تعدى فيها أحد القضاة لفظياً على محامي بالنقض، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن علام اكتفى تعليقاً على الواقعتين بإصدار بيان، قال فيهما إن “مجلس النقابة يتابع عن كثب تحقيقات النيابة في واقعة  مصر الجديدة، وتشكيل لجنة للتحقيق في واقعة المنصورة”.

تغييرات على مستوى القاعدة

أما نقابة المهندسين، فقام النظام بهجمة مرتدة عليها، مثلت أولى الضربات لسيطرته على النقابات العامة، وذلك من خلال سيطرة أعضاء النقابة المنتمين لحزب “مستقبل وطن” على لجنة الانتخابات، بحسب مصدر في #تحالف_30_مايو، الذي تم تشكيله عقب واقعة اقتحام الجمعية العمومية للنقابة.

لم تشهد انتخابات التجديد النصفي في النقابة، إقبالاً كثيفاً من قبل المهندسين، وذلك لعدة أسباب، أولها أن التنافس فيها لا ينصب على مقعد النقيب، إنما على مجالس شعب النقابة السبعة، لذلك فهي ليست انتخابات جاذبة لجموع المهندسين، أما السبب الثاني فهو حالة الإحباط التي تسيطر على المهندسين، لعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية ضد المتهمين باقتحام الجمعية العمومية العام الماضي.

المعركة في نقابة المهندسين تنحصر في كتلتين، الأولى تحالف 30 مايو، أما الكتلة الثانية فهي حزب “مستقبل وطن” الذي يمثل الدولة، ويعتبر اللواء يسري الديب عضو الحزب المقرب من النظام والأمين العام السابق للنقابة هو الممثل الرسمي لها، فضلاً عن أنه مدير ملف سيطرة الدولة على النقابة.

في معركة انتخابات التجديد النصفي، اتبع الديب أسلوب التغيير من القاعدة، فأزاح بعض الوجوه المتهمة بأزمة اقتحام النقابة، وقام بدفع أسماء جديدة؛ حتى لو لم يكن لها تاريخ نقابي، مستعيناً بكتلة حزب “النور السلفي” لاستكمال القوائم، والحصول على دعم “التيار الإسلامي السلفي” داخل النقابة، وفاز أغلب المرشحين على قوائم الديب، حاصدين مقاعد الشعب السبعة، وتم ترقيتهم في انتخابات الشعب الداخلية لعضوية المجلس الأعلى للنقابة، الذي تتكون منه الأمانة العامة للنقابة وهيئة مكتب النقابة، وهي الجهة المسؤولة عن تسيير العمل اليومي داخل النقابة، بحسب المصدر.

لم يكن التغيير من القاعدة هو الأسلوب الوحيد المتبع، فعبر صفحات المرشحين ومجموعات المهتمين بنقابة المهندسين، كان الحديث الأبرز هو عن سيطرة المحسوبين على الديب، والشبهات التي دارت حول استبعاد المهندس هاني العتال المرشح لعضوية مجلس شعبة مدني فوق السن دون مبرر، مما اضطره اللجوء إلى القضاء الإداري.

المتنفس الوحيد

“نتيجة طبيعية للوضع السياسي” بهذا العبارة فسر الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، محاولة الدولة السيطرة على النقابات، كونها “المتنفس الوحيد لأي تجمع على الساحة، سواء السياسية أو الاجتماعية، خاصة بعد تمكن الدولة من تفريغ الأحزاب من داخلها، فلم يبقَ على الساحة سوى الاحزاب التابعة للنظام، بينما الأحزاب المعارضة محبوسة داخل مقراتها”.

بحسب السيد فإن “الأنظمة السياسية المصرية المتعاقبة حرصت على السيطرة على النقابات المهنية منذ بداية عملها، فمثلاً نظام عبد الناصر جعل عضوية الاتحاد الاشتراكي شرطاً لعضوية النقابات المهنية، من ضمنها نقابة الصحافة، ليضمن عدم خروج أعضائها عن الكيان السياسي الوحيد الموجود في مصر، أما السادات، فقد مثلت الأزمة الاقتصادية وكذلك اتفاقية كامب ديفيد، أسباباً لاشتباك النقابات؛ وعلى رأسها المحامين والصحافيين معه، وانتهى الاشتباك باعتقالات سبتمبر التي أوقفت الحياة السياسية في مصر بالكامل، ولم تتنفس النقابات الصعداء إلا في الفترة الأولى من حكم مبارك، قبل أن تبدأ محاولاته بالسيطرة على النقابات في معركة مع جماعة “الإخوان”، حين فطنت الجماعة لأهمية حضورها داخل النقابات مبكراً، وكان ضمن هذه المحاولات، إصدار القانون رقم 100 لسنة 1995، الذي فتح الباب لفرض الحراسة على عدد من النقابات”.