fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هل الترويج للنظام الغذائي النباتي من أشكال الاستعمار؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تبدو الدعوات الحديثة إلى النظام الغذائي النباتي رد فعل على ما يحدث من مخاطر بيئية، أكثر من كون النظام النباتي نظاماً غذائياً يناسب نوعية الأرض وصحة الانسان وأنماط هطول الأمطار لا سيما إذا كنا جميعاً نأكل حقاً من الأرض المحيطة بنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يأتي الجدل الدائر حول ما إذا كان النظام الغذائي النباتي أفضل للكوكب على رأس أولويات كثيرين مع ازدياد أخبار ندرة المياه وتغير المناخ وإزالة الغابات سوءاً يوماً بعد يوم.

وطرحت سارة تابر، وهي عالمة زراعية في الولايات المتحدة ومستشارة في مجال تربية الأحياء المائية وسلامة الأغذية الدفيئة (المسببة للاحتباس الحراري)، زاوية أخرى للنقاش في هذا الشأن، فأوضحت، في تغريدة لها على موقع “تويتر”، أن الحجة القائلة إن النظرية النباتية أو النظام الغذائي النباتي “أفضل” نظام غذائي عالمياً تعد شكلاً من أشكال التفكير الاستعماري، قائلة، “دعونا نعود إلى الوراء”.

وبدأت حديثها، “اعتادت ثقافات كثيرة على أنظمة غذائية تحتوي على قليل من اللحوم أو لا تحتوي عليها إطلاقاً مثل حضارات وادي نهر الغانج في الهند، ومصر القديمة (قدماء المصريين)، والصين، وجزء كبير من أوروبا في وقت مبكر وغيرها، فالشيء المشترك بين هذه الحضارات، أنها كلها مناطق رطبة جداً، حيث تنمو بسهولة النباتات التي يمكن أن يأكلها الإنسان”.

من ناحية أخرى، تبنت ثقافات أخرى نظاماً غذائياً يتكون في معظمه أو حتى كله من الحيوانات، مثل البدو والمغول وشعب الماساي والإنويت (الإسكيمو) وغيرهم. فما المشترك إذاً بين هذه الحضارات، سوى أنها أماكن جافة جداً أو باردة جداً، فضلاً عن أن النباتات التي تنمو هناك ضئيلة جداً وقاسية، أو قد لا توجد نباتات على الإطلاق.

ووفقاً لما تشير إليه تابر، فإن البشر لا يستطيعون سوى هضم أجزاء معينة من النبات مثل الأوراق والسيقان العطرية، أو الفاكهة، أو الجذور الخزّنة للطاقة كما في نبات الجزر، بينما لا تصلح الأجزاء الصلبة  للأكل. واستطردت أنه من دون الري المكثف، تصبح النباتات “الوحيدة” التي تنمو في المناطق الجافة مكونة كلها من أجزاء لا يستطيع البشر هضمها؛ إذ تتكون في معظمها من السليلوز وسيقان صلبة وأوراق ليفية مغطاة بالشمع والشعر والأشواك، وغيرها، ما يفسر وصفنا هذه المناطق بالإنكليزية “scrub”  أي (فَرْك)، ما يعني أن الإنسان لا يمكنه استخدام هذه النباتات الطبيعية سوى بفرك الأواني لتنظيفها

وهذا يوضح سبب أن الشعوب التي تعيش في الصحاري، والأراضي العشبية الجافة ليست نباتية، وإلا لكان الناس هناك ماتوا جوعاً، فهم حافظوا، على مقربة منهم، على الحيوانات التي يمكنها هضم النباتات التي تنمو في هذه المناطق، مثل فصيلة الحيوانات المجترة.

وتمتاز الثدييات المجترة الكبيرة مثل الأبقار والماعز والثيران الموجودة في جبال الهملايا بجهاز هضمي متخصص بمعدة متعددة الحجرات تقوم بتخمير خلاصة السليلوز الصلب كي يتحول إلى مغذيات بإمكان الحيوانات الاستفادة منها. ولا يستطيع البشر فعل ذلك، لذا اعتمدت  المجتمعات التقليدية التي تعيش في مناطق جافة وقاحلة نسبياً على تلك الحيوانات من أجل البقاء.

وتزعم  تابر أن فرضية الاستدامة الدائمة للنظام الغذائي النباتي نابعة من منظور متمحور حول أوروبا، حيث تجعل الأراضي المحدودة والمياه الفائضة من السهل نسبياً زراعة المحاصيل الغذائية وتقليل تكريس مساحات شاسعة من الأراضي لرعي الأبقار.

ويبدو العكس صحيحاً، في أجزاء أخرى من العالم، فعلى سبيل المثال، كما تقول تابر، في صحراء تشيهواهوا في غرب تكساس وشمال المكسيك، “تلزم زراعة فدان من المحاصيل الصالحة للاستهلاك البشري كمية مياه تساوي ألف ضعف عما يتطلبه الأمر لزراعة فدان من العشب البري يكفي الأبقار”.

ويبدو منطقياً التأقلم مع طبيعة الأرض في الأماكن حيث مساحات محدودة من الأراضي ومياه فائضة بزراعة المحاصيل وأكلها، فيما يظهر التأقلم في الأماكن حيث أراض كثيرة وكميات محدودة من المياه في تربية وأكل الحيوانات المُجترة.

ومن المثير للاهتمام بالنسبة إلي، حقاً، أن الحوار الدائر حول النباتيين والبيئة يرتكز بشدة على افتراضات، تفيد بأن كل مكان في العالم فيه أرض محدودة وموارد فائضة.

فهل تعرف ما المنطقة التي ينطبق عليها هذا الوصف بشكلٍ جيد؟ إنها شمال غربي أوروبا.

ويُنظر إلى النظام الغذائي المنخفض/ الخالي من اللحوم، من نواح كثيرة، باعتباره الطريقة الوحيدة المستدامة من بقايا الاستعمار، إذ وُجدت طريقة زراعة جيدة في شمال غربي أوروبا، وسط افتراضات بضرورة تعميمها على مستوى العالم ومحاولة تطبيقها في الأماكن التي لا تناسبها بتاتاً.

 

تتركز حجة تابر، بشكل حصري، على استخدام المياه والاستفادة المثلى منها لمصلحة أنواع الأراضي المحلية، فوفقاً لتوم جيمس، مراسل وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية، فإن معظم الناس في البلدان الصناعية يحصلون على لحومهم من أسواق عالمية كُبرى، ما يعني أن نوع الأرض المحلية لا علاقة له بما يأكلونه في الواقع.

رد توم جيمس على تغريدة سارة تابر، “لم أسمع قط بأحد يجادل بأن النباتيين ذوي الدوافع البيئية يجب أن يبدأوا برعاة الماشية مع السكان الأصليين، فوجهة نظرك بأن مثل هذه الدعوى استعمارية رائعة، إلا أنه من الخداع القول إن هذا السيناريو مجرد قضية هامشية”.

وفي تغريدة أخرى، كتب: “إذا كنّا نتحدث عن استدامة عالمية، فآكلي اللحوم، وفقاً للإحصاءات، هم من المقيمين في المدن ممن يستهلكون لحم الخنزير والدجاج (وبعض اللحم البقري) المُربى في مزارع”.

علاوة على ذلك، فإن تربية الحيوانات التقليدية ليست القاعدة في هذه الأيام، كما أن صناعة اللحوم الحديثة تعتمد على كثير من الممارسات غير المستدامة، فعلى سبيل المثال، تزيد مزارع تربية الماشية حالياً من مشكلة إزالة الغابات، إذ يرتبط حوالى 80 في المئة من معدل إزالة الغابات الحالي في غابات الأمازون المطيرة بتربية الماشية”.

لا تأخذ دعوى تابر أيضاً في الاعتبار الجوانب الأخرى للاختيارات الغذائية السليمة بيئياً، على سبيل المثال، فإن كثير من اللحم البقري الذي يأكله الأميركي العادي ​​يأتي من مزارع الماشية الضخمة التي تعتمد على الأعلاف المنتجة زراعياً، لا الأراضي العشبية البرية (الماشية تتغذى على الأراضي العشبية، بالطبع، فهي مصدر لحوم الماشية البرية). وتتسبب تغذية الماشية بمعدلات زائدة في انبعاث كميات هائلة ملوثة من أراضي الماشية تضر بالمياه المُحيطة، ما يلوث بدوره إمدادات المياه المحلية ويساهم في انتشار الطحالب السامة.

ومن العدل، القول إن الحجج البيئية للنباتيين لا تتركز عادةً على عرقلة الثقافات المحلية، كما أشارت آني لويري، الصحافية في مجلة “أتلانتيك”، في تغريدة لها على “توتير”، فكتبت ساخرة، “هذا النقاش المدهش الذي يستخدم المعرفة الزراعية والرياضيات البحتة يُظهر المركزية الأوروبية السرية لنظرية النباتية الحديثة”.

واستطردت “أعني هنا وأوروبا؟، نعم إنها مركزية أوروبية على رغم أن الهنود تحوي معظم النباتيين وأقوى ثقافة نباتية في النظام الغذائي، أليس كذلك؟، فأنا أشعر بأن معظم النباتيين يعترضون على الزراعة الحرفية في بلدهم، لا عادات تناول الطعام عند شعب  الماساي”.

 

لكن لا تزال لوجهة نظر تابر وجاهتها،  فإذا استخدمنا الأرض بالطرائق الأكثر عقلانية (نربي الماشية في الأراضي العشبية وحسب)، وأكلنا مما ننتج محلياً، لن يُصبح النظام الغذائي النباتي هو الخيار الأكثر استدامة في كل مكان.

حاولت إحدى الدراسات عام 2016 تحديد نوعية النظام الغذائي الأنسب لإطعام معظم الناس، من منظور استخدام الأرض البحت. ووجدت الدراسة أن أسلوب الحياة الأكثر كفاءة في استخدام الأراضي يتمثل في النظام الغذائي النباتي المحتوي على منتجات الألبان، يليه نظام غذائي نباتي يشمل منتجات الألبان والبيض.

ثم بعد ذلك جاء النظام الغذائي الأكثر كفاءة الذي لا يزيد فيه غذاء الشخص من اللحوم عن 20 في المئة، يليه في المرتبة الخامسة بالقائمة، النظام الغذائي النباتي بالكامل. بعبارة أخرى، يعتبر تناول اللحم أو القليل منه أكثر فعالية، بينما يعد منع تناول المنتجات الحيوانية تماماً، خياراً ليس ذات فاعلية كبيرة.

تعني كفاءة استخدام الأراضي، في هذه الحالة، استخدام الأراضي الزراعية المتاحة بأكبر كفاءة ممكنة لإطعام معظم الناس، وفقاً لما أشار إليه تشايس بوردي، مراسل الغذاء في “كوارتز”، في هذه الدراسة:

يحتاج المستهلك الأميركي العادي إلى أكثر من 2.5 دونماً (أكثر من مساحة ملعبي كرة قدم) من الأرض كل عام للحفاظ على نظامه الغذائي الحالي. وينخفض ​​هذا العدد بشكل كبير مع تقليل استهلاك اللحوم وإضافة مزيد من الخضراوات.

وتستخدم ثلاثة من النظم الغذائية النباتية التي تمت دراستها أقل من نصف دونم من الأرض للشخص الواحد كل عام، ما يتيح مزيد من الأراضي لإطعام كثير من الناس.

ولكن مرة أخرى، توصّلت تلك الدراسة إلى هذه النتائج من طريق افتراض ظروف جغرافية موحدة (عولمة) العالم، في حين أن حجة تابر، تستند إلى أن البحث عن حل واحد يناسب الجميع لا يمكن أن ينجح أبداً. ففي الواقع، وبحسب قولها، إن تجاهل الظروف المحلية أحد أشكال التفكير الاستعماري، وإن ما حدث مع الانتشار الواسع للغذاء الغربي، سواء بشكل واسع أو ضئيل التأثير، حل محل كثير من تقاليد الطعام المحلية، وساهم في صعود النظام الغذائي المعتمد على اللحوم المستزرعة غير المستدامة.

من العدل أن نقول إن الدعوة البيئية الحديثة إلى النظام النباتي رد فعل على ما يحدث، أكثر من كونها نظاماً غذائياً يناسب نوعية الأرض وأنماط هطول الأمطار في المنطقة، لا سيما إذا كنا جميعاً نأكل حقاً من الأرض المحيطة بنا.

هذا المقال مترجم qz.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

08.07.2018
زمن القراءة: 6 minutes

تبدو الدعوات الحديثة إلى النظام الغذائي النباتي رد فعل على ما يحدث من مخاطر بيئية، أكثر من كون النظام النباتي نظاماً غذائياً يناسب نوعية الأرض وصحة الانسان وأنماط هطول الأمطار لا سيما إذا كنا جميعاً نأكل حقاً من الأرض المحيطة بنا.

يأتي الجدل الدائر حول ما إذا كان النظام الغذائي النباتي أفضل للكوكب على رأس أولويات كثيرين مع ازدياد أخبار ندرة المياه وتغير المناخ وإزالة الغابات سوءاً يوماً بعد يوم.

وطرحت سارة تابر، وهي عالمة زراعية في الولايات المتحدة ومستشارة في مجال تربية الأحياء المائية وسلامة الأغذية الدفيئة (المسببة للاحتباس الحراري)، زاوية أخرى للنقاش في هذا الشأن، فأوضحت، في تغريدة لها على موقع “تويتر”، أن الحجة القائلة إن النظرية النباتية أو النظام الغذائي النباتي “أفضل” نظام غذائي عالمياً تعد شكلاً من أشكال التفكير الاستعماري، قائلة، “دعونا نعود إلى الوراء”.

وبدأت حديثها، “اعتادت ثقافات كثيرة على أنظمة غذائية تحتوي على قليل من اللحوم أو لا تحتوي عليها إطلاقاً مثل حضارات وادي نهر الغانج في الهند، ومصر القديمة (قدماء المصريين)، والصين، وجزء كبير من أوروبا في وقت مبكر وغيرها، فالشيء المشترك بين هذه الحضارات، أنها كلها مناطق رطبة جداً، حيث تنمو بسهولة النباتات التي يمكن أن يأكلها الإنسان”.

من ناحية أخرى، تبنت ثقافات أخرى نظاماً غذائياً يتكون في معظمه أو حتى كله من الحيوانات، مثل البدو والمغول وشعب الماساي والإنويت (الإسكيمو) وغيرهم. فما المشترك إذاً بين هذه الحضارات، سوى أنها أماكن جافة جداً أو باردة جداً، فضلاً عن أن النباتات التي تنمو هناك ضئيلة جداً وقاسية، أو قد لا توجد نباتات على الإطلاق.

ووفقاً لما تشير إليه تابر، فإن البشر لا يستطيعون سوى هضم أجزاء معينة من النبات مثل الأوراق والسيقان العطرية، أو الفاكهة، أو الجذور الخزّنة للطاقة كما في نبات الجزر، بينما لا تصلح الأجزاء الصلبة  للأكل. واستطردت أنه من دون الري المكثف، تصبح النباتات “الوحيدة” التي تنمو في المناطق الجافة مكونة كلها من أجزاء لا يستطيع البشر هضمها؛ إذ تتكون في معظمها من السليلوز وسيقان صلبة وأوراق ليفية مغطاة بالشمع والشعر والأشواك، وغيرها، ما يفسر وصفنا هذه المناطق بالإنكليزية “scrub”  أي (فَرْك)، ما يعني أن الإنسان لا يمكنه استخدام هذه النباتات الطبيعية سوى بفرك الأواني لتنظيفها

وهذا يوضح سبب أن الشعوب التي تعيش في الصحاري، والأراضي العشبية الجافة ليست نباتية، وإلا لكان الناس هناك ماتوا جوعاً، فهم حافظوا، على مقربة منهم، على الحيوانات التي يمكنها هضم النباتات التي تنمو في هذه المناطق، مثل فصيلة الحيوانات المجترة.

وتمتاز الثدييات المجترة الكبيرة مثل الأبقار والماعز والثيران الموجودة في جبال الهملايا بجهاز هضمي متخصص بمعدة متعددة الحجرات تقوم بتخمير خلاصة السليلوز الصلب كي يتحول إلى مغذيات بإمكان الحيوانات الاستفادة منها. ولا يستطيع البشر فعل ذلك، لذا اعتمدت  المجتمعات التقليدية التي تعيش في مناطق جافة وقاحلة نسبياً على تلك الحيوانات من أجل البقاء.

وتزعم  تابر أن فرضية الاستدامة الدائمة للنظام الغذائي النباتي نابعة من منظور متمحور حول أوروبا، حيث تجعل الأراضي المحدودة والمياه الفائضة من السهل نسبياً زراعة المحاصيل الغذائية وتقليل تكريس مساحات شاسعة من الأراضي لرعي الأبقار.

ويبدو العكس صحيحاً، في أجزاء أخرى من العالم، فعلى سبيل المثال، كما تقول تابر، في صحراء تشيهواهوا في غرب تكساس وشمال المكسيك، “تلزم زراعة فدان من المحاصيل الصالحة للاستهلاك البشري كمية مياه تساوي ألف ضعف عما يتطلبه الأمر لزراعة فدان من العشب البري يكفي الأبقار”.

ويبدو منطقياً التأقلم مع طبيعة الأرض في الأماكن حيث مساحات محدودة من الأراضي ومياه فائضة بزراعة المحاصيل وأكلها، فيما يظهر التأقلم في الأماكن حيث أراض كثيرة وكميات محدودة من المياه في تربية وأكل الحيوانات المُجترة.

ومن المثير للاهتمام بالنسبة إلي، حقاً، أن الحوار الدائر حول النباتيين والبيئة يرتكز بشدة على افتراضات، تفيد بأن كل مكان في العالم فيه أرض محدودة وموارد فائضة.

فهل تعرف ما المنطقة التي ينطبق عليها هذا الوصف بشكلٍ جيد؟ إنها شمال غربي أوروبا.

ويُنظر إلى النظام الغذائي المنخفض/ الخالي من اللحوم، من نواح كثيرة، باعتباره الطريقة الوحيدة المستدامة من بقايا الاستعمار، إذ وُجدت طريقة زراعة جيدة في شمال غربي أوروبا، وسط افتراضات بضرورة تعميمها على مستوى العالم ومحاولة تطبيقها في الأماكن التي لا تناسبها بتاتاً.

 

تتركز حجة تابر، بشكل حصري، على استخدام المياه والاستفادة المثلى منها لمصلحة أنواع الأراضي المحلية، فوفقاً لتوم جيمس، مراسل وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية، فإن معظم الناس في البلدان الصناعية يحصلون على لحومهم من أسواق عالمية كُبرى، ما يعني أن نوع الأرض المحلية لا علاقة له بما يأكلونه في الواقع.

رد توم جيمس على تغريدة سارة تابر، “لم أسمع قط بأحد يجادل بأن النباتيين ذوي الدوافع البيئية يجب أن يبدأوا برعاة الماشية مع السكان الأصليين، فوجهة نظرك بأن مثل هذه الدعوى استعمارية رائعة، إلا أنه من الخداع القول إن هذا السيناريو مجرد قضية هامشية”.

وفي تغريدة أخرى، كتب: “إذا كنّا نتحدث عن استدامة عالمية، فآكلي اللحوم، وفقاً للإحصاءات، هم من المقيمين في المدن ممن يستهلكون لحم الخنزير والدجاج (وبعض اللحم البقري) المُربى في مزارع”.

علاوة على ذلك، فإن تربية الحيوانات التقليدية ليست القاعدة في هذه الأيام، كما أن صناعة اللحوم الحديثة تعتمد على كثير من الممارسات غير المستدامة، فعلى سبيل المثال، تزيد مزارع تربية الماشية حالياً من مشكلة إزالة الغابات، إذ يرتبط حوالى 80 في المئة من معدل إزالة الغابات الحالي في غابات الأمازون المطيرة بتربية الماشية”.

لا تأخذ دعوى تابر أيضاً في الاعتبار الجوانب الأخرى للاختيارات الغذائية السليمة بيئياً، على سبيل المثال، فإن كثير من اللحم البقري الذي يأكله الأميركي العادي ​​يأتي من مزارع الماشية الضخمة التي تعتمد على الأعلاف المنتجة زراعياً، لا الأراضي العشبية البرية (الماشية تتغذى على الأراضي العشبية، بالطبع، فهي مصدر لحوم الماشية البرية). وتتسبب تغذية الماشية بمعدلات زائدة في انبعاث كميات هائلة ملوثة من أراضي الماشية تضر بالمياه المُحيطة، ما يلوث بدوره إمدادات المياه المحلية ويساهم في انتشار الطحالب السامة.

ومن العدل، القول إن الحجج البيئية للنباتيين لا تتركز عادةً على عرقلة الثقافات المحلية، كما أشارت آني لويري، الصحافية في مجلة “أتلانتيك”، في تغريدة لها على “توتير”، فكتبت ساخرة، “هذا النقاش المدهش الذي يستخدم المعرفة الزراعية والرياضيات البحتة يُظهر المركزية الأوروبية السرية لنظرية النباتية الحديثة”.

واستطردت “أعني هنا وأوروبا؟، نعم إنها مركزية أوروبية على رغم أن الهنود تحوي معظم النباتيين وأقوى ثقافة نباتية في النظام الغذائي، أليس كذلك؟، فأنا أشعر بأن معظم النباتيين يعترضون على الزراعة الحرفية في بلدهم، لا عادات تناول الطعام عند شعب  الماساي”.

 

لكن لا تزال لوجهة نظر تابر وجاهتها،  فإذا استخدمنا الأرض بالطرائق الأكثر عقلانية (نربي الماشية في الأراضي العشبية وحسب)، وأكلنا مما ننتج محلياً، لن يُصبح النظام الغذائي النباتي هو الخيار الأكثر استدامة في كل مكان.

حاولت إحدى الدراسات عام 2016 تحديد نوعية النظام الغذائي الأنسب لإطعام معظم الناس، من منظور استخدام الأرض البحت. ووجدت الدراسة أن أسلوب الحياة الأكثر كفاءة في استخدام الأراضي يتمثل في النظام الغذائي النباتي المحتوي على منتجات الألبان، يليه نظام غذائي نباتي يشمل منتجات الألبان والبيض.

ثم بعد ذلك جاء النظام الغذائي الأكثر كفاءة الذي لا يزيد فيه غذاء الشخص من اللحوم عن 20 في المئة، يليه في المرتبة الخامسة بالقائمة، النظام الغذائي النباتي بالكامل. بعبارة أخرى، يعتبر تناول اللحم أو القليل منه أكثر فعالية، بينما يعد منع تناول المنتجات الحيوانية تماماً، خياراً ليس ذات فاعلية كبيرة.

تعني كفاءة استخدام الأراضي، في هذه الحالة، استخدام الأراضي الزراعية المتاحة بأكبر كفاءة ممكنة لإطعام معظم الناس، وفقاً لما أشار إليه تشايس بوردي، مراسل الغذاء في “كوارتز”، في هذه الدراسة:

يحتاج المستهلك الأميركي العادي إلى أكثر من 2.5 دونماً (أكثر من مساحة ملعبي كرة قدم) من الأرض كل عام للحفاظ على نظامه الغذائي الحالي. وينخفض ​​هذا العدد بشكل كبير مع تقليل استهلاك اللحوم وإضافة مزيد من الخضراوات.

وتستخدم ثلاثة من النظم الغذائية النباتية التي تمت دراستها أقل من نصف دونم من الأرض للشخص الواحد كل عام، ما يتيح مزيد من الأراضي لإطعام كثير من الناس.

ولكن مرة أخرى، توصّلت تلك الدراسة إلى هذه النتائج من طريق افتراض ظروف جغرافية موحدة (عولمة) العالم، في حين أن حجة تابر، تستند إلى أن البحث عن حل واحد يناسب الجميع لا يمكن أن ينجح أبداً. ففي الواقع، وبحسب قولها، إن تجاهل الظروف المحلية أحد أشكال التفكير الاستعماري، وإن ما حدث مع الانتشار الواسع للغذاء الغربي، سواء بشكل واسع أو ضئيل التأثير، حل محل كثير من تقاليد الطعام المحلية، وساهم في صعود النظام الغذائي المعتمد على اللحوم المستزرعة غير المستدامة.

من العدل أن نقول إن الدعوة البيئية الحديثة إلى النظام النباتي رد فعل على ما يحدث، أكثر من كونها نظاماً غذائياً يناسب نوعية الأرض وأنماط هطول الأمطار في المنطقة، لا سيما إذا كنا جميعاً نأكل حقاً من الأرض المحيطة بنا.

هذا المقال مترجم qz.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي