توضح سلسلة من الملفات المدوية التي تتناولها وزارة العدل الأميركية أن روسيا دولة مارقة فيما يتعلق بالجرائم الإلكترونية. تحتاج الولايات المتحدة الآن إلى نظام ذي مصداقية لاتخاذ إجراءات في هذا الصدد، ومعاقبة روسيا على أخطائها.
لنتأمل فيما عرفناه عن التهم الجنائية التي وجهتها وزارة العدل ضد “المسؤول الرئيسي” المعروف باسم مصنع متصيدي روسيا الإلكترونيين، ونعني عمليات التأثير المعلوماتي عبر الإنترنت التي تديرها وكالة أبحاث الإنترنت الكائنة في مدينة سان بطرسبرغ.
أظهرت لائحة الاتهام أن روسيا -بدلاً من توبيخها بسبب مذكرة الاتهام التفصيلية التي قدمها المستشار الخاص روبرت مولر في فبراير/شباط والتي توضح أنشطتها الإجرامية- استمرت في نشر الدعاية الكاذبة عبر الإنترنت حول هذا الاتهام تحديداً، بإطلاق التغريدات ووضع المنشورات المتعلقة باتهامات مولر سلباً وإيجاباً، لنشر الخلاف السياسي في الولايات المتحدة وإثارته. أخبر وزير الدفاع جيمس ماتيس منتدى ريغان للدفاع الوطني في مدينة سيمي فالي بولاية كاليفورنيا لاحقاً، أن فلاديمير بوتين “حاول ثانيةً تشويه سمعة انتخاباتنا الشهر الماضي، وإننا نرى مجهوداً متواصلاً على طول هذه الجبهات”.
في أكتوبر/تشرين الأول، وُجه اتهام رسمي مكون من 37 صفحة ضد إلينا أليكسيفنا خوسياينوفا بزعم مشاركتها في “مشروع لاختا Lakhta” وهو نشاط تموله الأقلية الروسية الحاكمة لنشر الأفكار والعادات والمنشورات عبر الإنترنت لإذكاء الجدل السياسي، وتم هذا الأمر بالتزامن مع تحذير مماثل أطلقه مدير الاستخبارات الوطنية. تأتي هذه الاتهامات في أعقاب اتهامات مساوية في الأهمية وجهها مسؤولون من كل من المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة هذا الخريف ضد روسيا وضباط الاستخبارات لديها بشأن مخطط إجرامي لاستهداف الوكالات والمسؤولين وحتى الرياضيين الأبرياء في جميع أنحاء العالم ممن يناهضون تعاطي المنشطات، وذلك كنوع من الانتقام بسبب فضيحة تعاطي المنشطات في روسيا وفيما يبدو لإرهاب المسؤولين الذين يجبرون روسيا على الالتزام بقواعد تكافؤ الفرص. هناك دلائل جديدة أيضاً على تدخل روسيا في قضايا أجنبية أخرى مثل الاستفتاء الأخير في مقدونيا الذي هدف إلى تسهيل تقبل تلك البلاد في أوروبا.
في بعض الأحيان، بدا أن كل أسبوع من هذا العام قد حمل أخباراً جديدة حول قيام بوتين بدور بغيض في حفل الإنترنت العالمي. شهد هذا الخريف أيضاً تقريراً جديداً من شركة FireEye، الأمنية خلص إلى أن الشفرة المستخدمة في الهجوم على إحدى محطات البتروكيماويات السعودية مصدرها هو معهد مملوك للدولة في موسكو.
بالإضافة إلى ذلك، اتضح بشكل أكبر أن “مشكلة الجريمة الإلكترونية العالمية” هي فعلياً “مشكلة روسيا” في المقام الأول، إذ أن الخدمات الاستخبارية والحكومة الفاسدة لدى بوتين يقدمان التغطية والحماية لأكبر الجرائم المنظمة العابرة للقارات ولمرتكبيّ الجرائم الإلكترونية وللخطط وللاحتيال الذي يكلف المستهلكين من الغرب ملايين الدولارات. في وقت سابق من هذا العام، حطمت وزارة العدل إحدى حلقات الجريمة الإلكترونية التي تتخذ من روسيا مقراً لها وتتخذ شعاراً لفظياً هو “نثق بالاحتيال”.
اتضح بشكل أكبر أن “مشكلة الجريمة الإلكترونية العالمية” هي فعلياً “مشكلة روسيا” في المقام الأول
اتهمت وزارة العدل 36 شخصاً، يعيش العديد منهم في روسيا، حيث لا تطالهم يد القانون، كما أوجزت الوزارة خطة سرقوا بها أكثر من نصف مليار دولار. وليس هذا المثال الوحيد هذا العام، فقد أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي الأسبوع الماضي أنه قد فكك حلقتين أخريين من حلقات الجريمة الإلكترونية ووجه الاتهام إلى ثمانية أشخاص -سبعة منهم روسيون- بإدارة مخطط للاحتيال من خلال الإعلانات عبر الإنترنت يقدر عائده بعدة ملايين. (قُبض على ثلاثة من هؤلاء المتهمين خارج البلاد في الدول الصديقة التي تحترم سيادة القانون: ماليزيا وبلغاريا وإستونيا).
إن البحث عن مرتكبي الجرائم الإلكترونية والعمليات الاستخبارية وإعلانها للجميع شعبتان من استراتيجية ثلاثية لتغيير السلوك. في الأعوام الأخيرة، تحسنّا فعلاً في الشعبتين الأوليين. وفي الواقع، رغم أن هذه القضايا كانت مختبئة داخل أدراج الحكومة لأعوام، فإننا ننشرها الآن في الصحف بشكل روتيني. في هذا الخريف، أعلن وكيل المدعي العام رود روزنشتاين أن وزارة العدل كانت تغير من منهجها نحو القضايا المتعلقة بالتدخل في الانتخابات، بحيث يكون التصرف التلقائي الآن هو الإعلان عن هذه القضايا بأسرع وقت ممكن. تزامن التغيير مع الاتهام الرسمي ضد خوسياينوفا، بما يوضح أن الهجوم على انتخاباتنا هو مشكلة حالية وليس مجرد مشكلة نظرية.
قال روزنشتاين في وقت سابق هذا العام، “إن الكشف عن المخططات للجمهور هو وسيلة مهمة لإضعافها وإبطالها”. إن الإعلان عن مثل هذه الاتهامات يساعدنا على أن نكون مستهلكين أكثر مرونةً وذكاءً للمحتوى الموجود عبر الإنترنت، لقد نجحت هجمات روسيا في عام 2016 إلى حد ما لأننا لم نكن نتوقعها ولأن الناس لم يساورهم الشك بما يكفي فيما يتعلق باستهلاك المعلومات عبر الإنترنت. أما اليوم، فإننا بالطبع ندرك جيداً جداً أن الصور والمنشورات الموجودة عبر الإنترنت يمكنها أن تكون من عمل المتصيدين والبرامج الآلية الأجنبية عبر الإنترنت.
رغم أن التوجه نحو الإجراء الذي يعضده الجمهور هو خطوة أولى جيدة، فهي ليست كافية. فإن أكثر ما نحتاج إليه هو الجزء الثالث المحير من الاستراتيجية: إجبار روسيا على دفع تكلفة تُثنيها عن ممارسة هذا النشاط. ينبغي على الولايات المتحدة التحرك نحو اتخاذ إجراء ثأري آلي، مع ضمان عدم وقوع مثل هذه الاستجابة في فخ السياسة المتحيزة أو البيروقراطية في بيئة المعلومات سريعة التحرك الموجودة اليوم.
وقد ذُكر أنه قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني مباشرةً أخطرت القيادة الإلكترونية الأميركية مخترقي المواقع الروس بشكل سري بأنها تطاردهم، محذرة إياهم من أن الولايات المتحدة تراقب الأمر وأنه إذا استمرت هذه الإجراءات، فمن المرجح أن يتلقوا عقاباً شخصياً، مثل الاتهامات أو العقوبات الأميركية. رغم أن العقوبات والاتهامات الموجهة لمرتكبي هذه الجرائم تجعل سفر هؤلاء المستهدفين خارج البلاد التي يقيمون بها ومشاركتهم في عمل مصرفي أو تجارة عالمية أمراً مستحيلاً، ولكن للحد من الاحتمالات، يمكننا فعل المزيد.
ينبغي علينا أن نفكر في بناء المزيد من “مفاتيح الطوارئ” في جهودنا لمواجهة التأثير الأجنبي، مثل آليات الإطلاق الذاتي التي يمكن من خلالها -عند التعرف على الجهود الأجنبية وتوجيه الاتهامات المتعلقة بها- وضع سلطات جديدة مسؤولة عن تنفيذ الجزاءات وتعزيز إنفاق حكومتنا على جهود بناء الديمقراطية التي تتصدى إلى حملات التأثير الروسية. قد يؤدي ذلك إلى تفكير روسيا أكثر من مرة في قيمة استثمار ما يقرب من 30 مليون دولار أميركي، وهو المبلغ المزعوم إنفاقه على مشروع Lakhta، إذا كان القيام بهذا من شأنه أن يدفع بعقوبات صارمة جديدة بالإضافة إلى مضاعفة الاستثمار الأميركي بمقدار خمسة أضعاف أو عشرة أضعاف في المؤسسات أو المنظمات غير الهادفة للربح مثل شبكة Voice of America الإذاعية ومحطة Radio Free Europe، التي تبث أخباراً حرة ومستقلة باللغة الروسية.
غالباً ما تقع ردود الأفعال على هذه الحوادث في أفخاخ الخلافات السياسية والجمود البيروقراطي، لذا فمن شأن مفاتيح الطوارئ هذه كسر الجمود بإعداد رد فعلنا مقدماً، وتوجيه تحذير لبوتين بأنه إذا استخلص مجتمع الاستخبارات الأميركية أن أي دولة قد استهدفت انتخاباتنا، سواءً من خلال عمليات التأثير عبر الإنترنت أو الهجمات المباشرة على أنظمة التصويت، فإن هذا التقييم سوف يدفع بعقوبات تلقائية ضد رئيس الدولة شخصياً بالإضافة إلى عقوبات ضد الشخصيات ذات المناصب العليا في الحكومة والاستخبارات أو رجال الأعمال الأجانب. ثمة طريقة تتسم بالمصداقية يُمكن اتباعها كي يعيد بوتين تقييم تحليل التكلفة والربح الخاص بالهجوم على ديمقراطيتنا، وهي الإعلان مقدماً أننا سوف نستهدف ثروته الشخصية بالعقوبات أو أن حلفاءه الأقوياء من الأقلية سوف يقضون وقتاً عصيباً أثناء عطلاتهم على اليخوت الفارهة في البحر المتوسط.
أخيراً، إن أعظم نقطة قوة لدينا هي أنه بقدر ما يسعى بوتين إلى إضعاف الغرب، فإن نخبته الحاكمة ومن يساعدونه من رجال الأعمال وحتى اقتصاد بلاده يعتمدون جميعاً على الغرب كي يكسبوا قوتهم. إذا استجاب العالم بصورة متضافرة ومتسقة، يمكننا رفع التكاليف وجعل العالم أكثر أمناً للجميع.
هذا المقال مترجم عن موقع theatlantic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.