التسجيلات الصوتية التي سربها الإعلامي علي فاضل الذي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، لاجتماع دام ساعة تقريباً بين رئيس ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وشخصين آخرين، وما حمله حديثهم من مشروع عسكري للمواجهة مع معظم السياسيين وعلى رأسهم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أطاحت هذه التسريبات بنوري المالكي كمرشّح لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة، بشكل بات أكيداً.
فقد خضع الإطار التنسيقي، على ما يبدو، لوقع التسريبات القوي على الساحة السياسية واضطر إلى الإعلان عن انسحاب المالكي من السباق الحكومي، مع أن الأخير، وفي أول ظهور له بعد حادث تسريب التسجيلات الصوتية نفى استبعاده من سباق الترشيح لمنصب رئاسة الوزراء، قائلاً ان هذا الامر “زاد من إصرار المكونات غير الشيعية” على طرحه لرئاسة الحكومة لضبط الملف الامني والاقتصادي. أما المتحالفون من بقية الأحزاب مع دولة القانون والذين يصل عددهم إلى 70 عضواً، فلا يزالون، بحسب المالكي، مصرين على ترشيحه، إلا أنه استدرك بأنه يميل الى ترشيح شخصية تنتمي إلى الخط الثاني، في محاولة منه لاستباق عزله عن الترشح.
الإطار التنسيقي أعلن في بيان “مهم” كما وصفه، عن اختيار محمد شياع السوداني بالإجماع مرشحاً لرئاسة الوزراء، في رهان على ألا يستفز هذا الاسم مقتدى الصدر. والسوداني يمكن اعتباره “شخصية تنتمي إلى الخط الثاني” كما لمّح المالكي، وهو منشق منذ فترة قصيرة (نحو عام) عن “حزب الدعوة” الذي يترأسه المالكي، وكان ملاصقاً له لسنوات طويلة، وهو ليس مستقلاً، ولا يرضي التشرينيين، وليس معلوماً بعد موقف الصدر من ترشيحه.
التسجيلات التي تسرّبت للمالكي، شكّلت فرصة ذهبية لمقتدى الصدر للإطاحة به، وإعلان المواجهة مع الإطار التنسيقي حتى التخلي عن ترشيح المالكي، وهو ما حصل، بعدما صعّد انصار الصدر عبر كتابة منشورات على بعض جدران وأبواب مكاتب حزب “الدعوة”، وهو ما يعكس الاستعداد في الشارع للمواجهة، على مختلف الصعد، خصوصاً أن الصدر لم يوفر أحداً من خصومه، إذ هاجم فصائل الحشد الشعبي في تغريدات متوالية مطالباً بضرورة تسليم أسلحتهم للحكومة وإعادة هيكلة الحشد.
الباحث في الشأن السياسي علي البيدر يرى أن الوضع يسير نحو المواجهة والاقتتال بين الفرقاء الشيعة ما لم يكن هناك حل لمسألة الحكومة بما يرضي الصدر، خصوصاً بعد تسجيلات المالكي التي خلطت الأوراق.
ويجد البيدر أن الصدر انتهز الفرصة ونجح في عزل المالكي وجعله وحيداً بعد هذه التسريبات، إلا أن حلفاء الاخير لن يتركوه وحيداً، وما يقوم به الإطار ليس إلا بالتنسيق الضمني مع المالكي.
الموسوي قلل من احتمال أن يأخذ القضاء والادعاء العام دورهما في التحقيق في تسجيلات المالكي التي تضمنت معطيات خطيرة، تهدد السلم المجتمعي العراقي.
رد فعل “الحشد الشعبي” جاء واضحاً أيضاً تجاه هذه التسريبات، لكن بشكل مغاير، إذ دعا شبل الزيدي أمين عام “كتائب الامام علي”، وهي إحدى الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي، إلى ترشيح هادي العامري امين عام منظمة بدر الى رئاسة الوزراء درءاً للفتنة، بحسب قوله. لكن الصدر كان واضحاً في وضع “فيتو” على العامري أيضاً، ورفض ترشيحه.
وفي ظل الاحتدام السياسي يجد الكاتب محمد حسن الساعدي أن هناك صعوبة في انتخاب شخصيات عليها الكثير من الملاحظات، مثل المالكي أو العامري، وفق قاعدة “المجرب لا يجرب”، خصوصاً لغرض تشكيل الحكومة وان لا خيار أمام قوى الإطار التنسيقي في الوقت الحالي إلا أن تكون جادة في تشكيل حكومة قوية قادرة على حل المشكلات الاقتصادية، وكسر الجمود السياسي، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون دعم الصدر ومباركته، وهذا ما يجعل من غير المحسوم أن يؤدي ترشيح السوداني إلى كسر جليد التعطيل السياسي الذي يتحكم بمفاصل الوضع السياسي العراقي في ظلّ أشدّ موجات الحرّ التي تضرب البلاد على المستوى المناخي، ومثلها على المستوى الأمني خصوصاً في كردستان على الحدود التركية، حيث يلعب الحزبان الكرديان الرئيسيان دوراً في التعطيل المرتبط بالاتفاق على تسمية رئيس الجمهورية (الكردي). وهذه معضلة ثانية متصلة بالأولى ولا حل لواحدة من دون حلّ الثانية، على ما يبدو.
إقرأوا أيضاً: