fbpx

هل تُسقط نجاحاتنا نظام الأسد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ننجح ونفرح بنجاحات بعضنا الصغيرة قبل الكبيرة، لأن نظام الأسد علمنا جيداً معنى الخسارة والخوف واليأس، وأي تطور أو نجاح هو كسر لصورته المرعبة التي زرعها داخلنا، أي إنجاز لنا هو انتصار على النظام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من حقّ السوريين التذمر، واليأس والخوف، ففقدان الأمل مخيف لذلك نسمع أحاديث مكررة عن مشقات العيش وقد غدا بعضها مملاً إلا أن هنالك جانباً آخر، لا نتحدث عنه، ربما نخشى تصديقه، تصديق أننا قد نصبح بخير، وأن كثيرين تجاوزوا المأساة بطريقة أو بأخرى.

نجاحاتٌ سوريّة جماعية

كلما سمعنا عن سوريّ حقق نجاحاً ما في الخارج، في أي مجال كان، وينتشر الخبر كالنار في الهشيم بين السوريين في أصقاع الأرض، نشعر بالانتصار والفخر، وكأن الفرح شخصيٌّ جداً، قد يبدو الأمر مستغرباً لغير السوريين، فلماذا كل هذا الاحتفاء بصبية حازت ميدالية في السباحة مع وجود مئات السباحات الممتازات في العالم؟ ولماذا الاحتفاء بكاتب صغير مع وجود آلاف الكتاب والذين قد يكونون أفضل منه بالفعل؟ لماذا نشعر جميعنا كسوريين بالفخر لو وصل أحدنا في بلد لم نزره يوماً إلى منصب عمدة بلدية أو مستشارٍ في أحد القطاعات؟

 الأمر بسيط، لو كنت سورياً عليك الاحتفال بكل إنجاز مهما بدا بسيطاً، فلكثرة ما شعرتَ بالخيبات وباستحالة التقدم، يغدو كل نجاح دليلاً قاطعاً على إمكانية تجاوز الظلام، السوري الناجح لا ينجح بمفرده إنما ينجح مع آلاف من السوريين والسبّاحة التي قطعت مئات الأمتار في المياه لم تقطعها وحدها بل مع آلاف اللاجئين الذين عبروا البحر إلى ضفة الأمان.

تجاوز المأساة ممكن، هذا ما تقوله لنا حكايات النجاح، هذه الحكايات بالنسبة إلى السوريين لا تعني المراحل التي قطعها الناجح وحسب، كالدراسة والاستيقاظ باكراً أو العمل لوقت طويل، قصص نجاح السوريين تعني النجاة من القصف، عبور الحدود والحفاظ على الامل، تختلف قصص نجاح السوريين، إذ يغدو أيَّ تقدمٍ إثباتاً لفشل الديكتاتور في إسقاطنا، وإثباتاً لإمكانية النجاح دون علاقات شخصية أو واسطات أو توصيات، في مكان آخر يمكنك النجاح لأنك تمتلك موهبة ولأنك تستحق التكريم ليس لأن أباك رئيس البلاد أو لأن أحد أقربائك وزيرٌ أو مسؤول أمني!

نريد أعمارنا من النظام، لا نريد الحرية فقط ولا نكتفي بالمعتقلين والمغيبين قسراً، نريد لحظات خسرناها مع أطفالنا، وضحكات لم نتمكن من مشاركتهم إياها.

قصة نجاح الضابط السوري السابق

أراقب وجهه وعينيه، حركات يديه، بعد مضي عشر سنوات في السجون السورية، لو لم يخبرني بأنه كان معتقلاً، ما كنت لأتوقع ذلك، أعده بأنني لن أكتب عن قصته الآن أو اسمه، يريد أن يكون في مأمن، حينها فقط سينشر قصته، قصة مؤلمة لضابط سوري فضّل الإنسانية على الولاء الأعمى، أفي بوعدي، لكنني لا أستطيع إلا المقارنة بين حيواتنا، بين حياته التي خسرها لأنه سمح بتهريب الطعام عبر الحاجز العسكري الذي كان مسؤولاً عنه إلى منطقة محاصرة وبين حياة السوريين التي خسروها لأنهم قرروا البقاء مرة أو منعتهم سوريتهم من المغادرة مرة أخرى.

دخل الضابط الثلاثيني المعتقل في العشرين من العمر وخرج منذ نحو العام، كيف لا يزال صامداً؟ ما الذي يجعل أحدهم يصمد لعشر سنوات في سجون النظام ثم يخرج ليعمل إلى جانب اللاجئين؟ قد تكون الإنسانية هي الجواب الأول لكن بالتأكيد هناك سبب أعمق وأكثر تعقيداً وهو أقرب إلى محاولة مواجهة النظام بأساليب أخرى.

نجا الضابط الثلاثيني لأنه اعتبر ما قام به نجاحاً، إيصال الحليب للأطفال والطعام للعائلات المحاصرة، ودخوله المعتقل إثر وشاية كان مجرد تفصيل، هذا ما أدركته من حديثه إذ إنه تحدث عن الناس الذين تعرف إليهم في حمص أكثر من حديثه عن أساليب التعذيب، تحدث عمَن أنقذهم أو سمح لهم بالخروج من المناطق المحاصرة أكثر من حديثه عن آلام 10 سنين، لقد نجا الضابط السابق بطريقته إذاً، وقصة نجاحه لم تتوقف، سيكون قريباً شاهداً على جرائم النظام في قضية دولية.

إقرأوا أيضاً:

مواجهة نظام الأسد بالنجاح

على رغم ذلك تبقى هناك لحظة مؤلمة، وهي الأقسى، إدراك حقيقة الخسارة، أن تنظر إلى أطفالك بعد خروجك من المعتقل وتجدهم مراهقين، الطفل الرضيع صار عمره عشر سنوات ولديك فتاة مراهقة لها حياتها الخاصة ومشكلاتها، تركتها طفلة مرة، إننا نقيس خسارتنا بالتغيرات حولنا، فالخسارة لا يمكن قياسها على الصعيد الشخصي سوى بمضي الأعوام، لكنك تستطيع القول بعد عشرة أعوام، خرجت ووجدت طفلتي صبية، خرجت ووجدت أبي وقد توفي.

لكن القصة لم تنته هنا، لا تنتهي القصص بعشر سنوات من السجن في معتقلات الأسد، الإجابة هي في ما بعد هذه السنوات، ليست المثالية هي المقصودة هنا، فالجميع خرج يائساً من سوريا، بعدما خسر كثر قدرتهم على التحمل، خسر السوريون منازل وعائلات وأحياء، خسروا ببساطة وطننا، لكن القصص لا تنتهي باللجوء أو السجن أو موت الأحباء، هذا ما ندركه يوماً بعد آخر، على رغم صعوبة تقبّل إمكانية البدء من جديد وامتلاك حياة حقيقية، إذ يبدو أن النظام نجح بطريقة ما في زراعة أفكاره فينا، حياتنا تنتهي تحت حكمه في سوريا، كأننا في سجن دائم، وفقدان الأمل سمة السوريين العامة، كل هذا لم يأتِ من فراغ. تكمن خطورة نظام الأسد، إضافة إلى إجرامه على أرض الواقع، في أنه نظام يتلاعب بعقول الناس، عبر سنوات من التربية والتلقين داخل المدارس والجامعات والفرق الحزبية، نحن شعب لا يصدق أنه يستطيع النجاة من قبضة الأسد، وهنا أساس مأساتنا، صنع النظام لكل سوريّ مأساته.

 أمضى الضابط السابق عشر سنوات في المعتقل بينما أمضى آخرون عشر سنوات في الخارج، في مكان أقرب للسجن الكبير، لا تتشابه خساراتنا قطعاً، فبينما كان أحدهم ينتظر في الطابور، كان الضابط السوري يتلقى السياط وبينما كانت امرأة تبكي في العتمة، كان الضابط السوري يقف في غرفة معتمة بينما يحقق النظام معه. الخسارات ليست واحدة، والأعمار تمضي هنا بأساليب مختلفة، في المعتقل، في الطرقات والملاجئ وعلى الحدود، هل تخيلت يوماً أن يضيع عمرك بين الحدود دون مستقرٍ، في “كامب” مغلق، وفي انتظار إقامة أو قبول ملف لجوئك بينما وفي عالم آخر ينتظر الناس دخول الجامعة أو التخرج أو الصيف للذهاب في إجازة.

نريد أعمارنا من النظام، لا نريد الحرية فقط ولا نكتفي بالمعتقلين والمغيبين قسراً، نريد لحظات خسرناها مع أطفالنا، ضحكات لم نتمكن من مشاركتهم إياها، ولذلك ننجح ونفرح بنجاحات بعضنا الصغيرة قبل الكبيرة، لأن نظام الأسد علمنا جيداً معنى الخسارة والخوف واليأس، وأي تطور أو نجاح هو كسر لصورته المرعبة التي زرعها داخلنا، أي إنجاز لنا هو انتصار على النظام.

إقرأوا أيضاً:

بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 06.09.2024

“هالسيارة مش عم تمشي”… لكنها الحرب في ميس الجبل وليس في “ميس الريم”!

نعم، لقد تأخر الجنوبيون بالاعتراف أن هذه الحرب ليست نزهة، بل نكبة أخرى، وأنهم سوف يتجرعون مراراتها إلى أجل غير معروف، فالقافلة المغادرة، لا تعني سوى أن جنوبهم وليس ميس الجبل وحدها، على وشك فقدان الحياة.
31.05.2022
زمن القراءة: 5 minutes

ننجح ونفرح بنجاحات بعضنا الصغيرة قبل الكبيرة، لأن نظام الأسد علمنا جيداً معنى الخسارة والخوف واليأس، وأي تطور أو نجاح هو كسر لصورته المرعبة التي زرعها داخلنا، أي إنجاز لنا هو انتصار على النظام.

من حقّ السوريين التذمر، واليأس والخوف، ففقدان الأمل مخيف لذلك نسمع أحاديث مكررة عن مشقات العيش وقد غدا بعضها مملاً إلا أن هنالك جانباً آخر، لا نتحدث عنه، ربما نخشى تصديقه، تصديق أننا قد نصبح بخير، وأن كثيرين تجاوزوا المأساة بطريقة أو بأخرى.

نجاحاتٌ سوريّة جماعية

كلما سمعنا عن سوريّ حقق نجاحاً ما في الخارج، في أي مجال كان، وينتشر الخبر كالنار في الهشيم بين السوريين في أصقاع الأرض، نشعر بالانتصار والفخر، وكأن الفرح شخصيٌّ جداً، قد يبدو الأمر مستغرباً لغير السوريين، فلماذا كل هذا الاحتفاء بصبية حازت ميدالية في السباحة مع وجود مئات السباحات الممتازات في العالم؟ ولماذا الاحتفاء بكاتب صغير مع وجود آلاف الكتاب والذين قد يكونون أفضل منه بالفعل؟ لماذا نشعر جميعنا كسوريين بالفخر لو وصل أحدنا في بلد لم نزره يوماً إلى منصب عمدة بلدية أو مستشارٍ في أحد القطاعات؟

 الأمر بسيط، لو كنت سورياً عليك الاحتفال بكل إنجاز مهما بدا بسيطاً، فلكثرة ما شعرتَ بالخيبات وباستحالة التقدم، يغدو كل نجاح دليلاً قاطعاً على إمكانية تجاوز الظلام، السوري الناجح لا ينجح بمفرده إنما ينجح مع آلاف من السوريين والسبّاحة التي قطعت مئات الأمتار في المياه لم تقطعها وحدها بل مع آلاف اللاجئين الذين عبروا البحر إلى ضفة الأمان.

تجاوز المأساة ممكن، هذا ما تقوله لنا حكايات النجاح، هذه الحكايات بالنسبة إلى السوريين لا تعني المراحل التي قطعها الناجح وحسب، كالدراسة والاستيقاظ باكراً أو العمل لوقت طويل، قصص نجاح السوريين تعني النجاة من القصف، عبور الحدود والحفاظ على الامل، تختلف قصص نجاح السوريين، إذ يغدو أيَّ تقدمٍ إثباتاً لفشل الديكتاتور في إسقاطنا، وإثباتاً لإمكانية النجاح دون علاقات شخصية أو واسطات أو توصيات، في مكان آخر يمكنك النجاح لأنك تمتلك موهبة ولأنك تستحق التكريم ليس لأن أباك رئيس البلاد أو لأن أحد أقربائك وزيرٌ أو مسؤول أمني!

نريد أعمارنا من النظام، لا نريد الحرية فقط ولا نكتفي بالمعتقلين والمغيبين قسراً، نريد لحظات خسرناها مع أطفالنا، وضحكات لم نتمكن من مشاركتهم إياها.

قصة نجاح الضابط السوري السابق

أراقب وجهه وعينيه، حركات يديه، بعد مضي عشر سنوات في السجون السورية، لو لم يخبرني بأنه كان معتقلاً، ما كنت لأتوقع ذلك، أعده بأنني لن أكتب عن قصته الآن أو اسمه، يريد أن يكون في مأمن، حينها فقط سينشر قصته، قصة مؤلمة لضابط سوري فضّل الإنسانية على الولاء الأعمى، أفي بوعدي، لكنني لا أستطيع إلا المقارنة بين حيواتنا، بين حياته التي خسرها لأنه سمح بتهريب الطعام عبر الحاجز العسكري الذي كان مسؤولاً عنه إلى منطقة محاصرة وبين حياة السوريين التي خسروها لأنهم قرروا البقاء مرة أو منعتهم سوريتهم من المغادرة مرة أخرى.

دخل الضابط الثلاثيني المعتقل في العشرين من العمر وخرج منذ نحو العام، كيف لا يزال صامداً؟ ما الذي يجعل أحدهم يصمد لعشر سنوات في سجون النظام ثم يخرج ليعمل إلى جانب اللاجئين؟ قد تكون الإنسانية هي الجواب الأول لكن بالتأكيد هناك سبب أعمق وأكثر تعقيداً وهو أقرب إلى محاولة مواجهة النظام بأساليب أخرى.

نجا الضابط الثلاثيني لأنه اعتبر ما قام به نجاحاً، إيصال الحليب للأطفال والطعام للعائلات المحاصرة، ودخوله المعتقل إثر وشاية كان مجرد تفصيل، هذا ما أدركته من حديثه إذ إنه تحدث عن الناس الذين تعرف إليهم في حمص أكثر من حديثه عن أساليب التعذيب، تحدث عمَن أنقذهم أو سمح لهم بالخروج من المناطق المحاصرة أكثر من حديثه عن آلام 10 سنين، لقد نجا الضابط السابق بطريقته إذاً، وقصة نجاحه لم تتوقف، سيكون قريباً شاهداً على جرائم النظام في قضية دولية.

إقرأوا أيضاً:

مواجهة نظام الأسد بالنجاح

على رغم ذلك تبقى هناك لحظة مؤلمة، وهي الأقسى، إدراك حقيقة الخسارة، أن تنظر إلى أطفالك بعد خروجك من المعتقل وتجدهم مراهقين، الطفل الرضيع صار عمره عشر سنوات ولديك فتاة مراهقة لها حياتها الخاصة ومشكلاتها، تركتها طفلة مرة، إننا نقيس خسارتنا بالتغيرات حولنا، فالخسارة لا يمكن قياسها على الصعيد الشخصي سوى بمضي الأعوام، لكنك تستطيع القول بعد عشرة أعوام، خرجت ووجدت طفلتي صبية، خرجت ووجدت أبي وقد توفي.

لكن القصة لم تنته هنا، لا تنتهي القصص بعشر سنوات من السجن في معتقلات الأسد، الإجابة هي في ما بعد هذه السنوات، ليست المثالية هي المقصودة هنا، فالجميع خرج يائساً من سوريا، بعدما خسر كثر قدرتهم على التحمل، خسر السوريون منازل وعائلات وأحياء، خسروا ببساطة وطننا، لكن القصص لا تنتهي باللجوء أو السجن أو موت الأحباء، هذا ما ندركه يوماً بعد آخر، على رغم صعوبة تقبّل إمكانية البدء من جديد وامتلاك حياة حقيقية، إذ يبدو أن النظام نجح بطريقة ما في زراعة أفكاره فينا، حياتنا تنتهي تحت حكمه في سوريا، كأننا في سجن دائم، وفقدان الأمل سمة السوريين العامة، كل هذا لم يأتِ من فراغ. تكمن خطورة نظام الأسد، إضافة إلى إجرامه على أرض الواقع، في أنه نظام يتلاعب بعقول الناس، عبر سنوات من التربية والتلقين داخل المدارس والجامعات والفرق الحزبية، نحن شعب لا يصدق أنه يستطيع النجاة من قبضة الأسد، وهنا أساس مأساتنا، صنع النظام لكل سوريّ مأساته.

 أمضى الضابط السابق عشر سنوات في المعتقل بينما أمضى آخرون عشر سنوات في الخارج، في مكان أقرب للسجن الكبير، لا تتشابه خساراتنا قطعاً، فبينما كان أحدهم ينتظر في الطابور، كان الضابط السوري يتلقى السياط وبينما كانت امرأة تبكي في العتمة، كان الضابط السوري يقف في غرفة معتمة بينما يحقق النظام معه. الخسارات ليست واحدة، والأعمار تمضي هنا بأساليب مختلفة، في المعتقل، في الطرقات والملاجئ وعلى الحدود، هل تخيلت يوماً أن يضيع عمرك بين الحدود دون مستقرٍ، في “كامب” مغلق، وفي انتظار إقامة أو قبول ملف لجوئك بينما وفي عالم آخر ينتظر الناس دخول الجامعة أو التخرج أو الصيف للذهاب في إجازة.

نريد أعمارنا من النظام، لا نريد الحرية فقط ولا نكتفي بالمعتقلين والمغيبين قسراً، نريد لحظات خسرناها مع أطفالنا، ضحكات لم نتمكن من مشاركتهم إياها، ولذلك ننجح ونفرح بنجاحات بعضنا الصغيرة قبل الكبيرة، لأن نظام الأسد علمنا جيداً معنى الخسارة والخوف واليأس، وأي تطور أو نجاح هو كسر لصورته المرعبة التي زرعها داخلنا، أي إنجاز لنا هو انتصار على النظام.

إقرأوا أيضاً: