لم تُكشف تفاصيل التسوية، إذ ظلّت بنود الاتفاق سرية، ما يترك الباب مفتوحًا لاحتمال أن تكون التسوية قد تضمنت سداد كامل الالتزامات المالية، أو جدولتها، أو ربما الحصول على إعفاءات أو تخفيضات في أصل الدين أو الفوائد المستحقة. ويأتي هذا الاتفاق في ظل استمرار بنك “عودة”، كسائر المصارف اللبنانية، في الامتناع عن تسديد أموال المودعين.
وقد صدر الأمر بالتراضي بناءً على اتفاق الأطراف على الشروط المنصوص عليها في اتفاقية تسوية سرية، تحتفظ مكاتب محامي الطرفين بنسخ منها، وذلك قبل أشهر من موعد المحاكمة. ونص القرار القضائي على شطب دعوى المدعين ضد المدعى عليه، وشطب الدعوى المضادة للمدعى عليه ضد المدعين، بالإضافة إلى إلغاء جلسة التحضير للمحاكمة المقررة في 25 تموز/ يوليو 2025، وإلغاء جلسة المحاكمة التي كانت مقررة بين 4 و6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، وكل ذلك بأثر فوري، من دون إصدار أي أمر بشأن المصاريف.
لا بدّ من التذكير هنا، أنّه في أواخر تموز/ يوليو، رفعت مؤسسة التمويل الدولية وصندوقها دعوى ضد بنك عودة لإجباره على سداد حزمة القروض الأصلية البالغة 150 مليون دولار أميركي بالإضافة إلى الفوائد، ويستند هذا الادعاء إلى قروض متأخرة وفوائد متراكمة خلال السنوات الأربع الماضية. ففي عام 2014، حصل بنك عودة على قرضين: الأول بقيمة 37.5 مليون جنيه إسترليني من مؤسسة التمويل الدولية، والثاني بقيمة 112.5 مليون دولار أميركي من صندوق الديون التابع للمؤسسة. وتدعي مؤسسة التمويل الدولية أن البنك لم يدفع الفوائد المستحقة بين عامي 2020 و2024، على رغم وجود اتفاق ينص على السداد الكامل بحلول نيسان/ أبريل 2024. وقد حُددت الفائدة السنوية بنسبة 6.55 في المئة، مع غرامة إضافية بنسبة 2 في المئة على الدفعات المتأخرة، بحسب موقع Business News.
بعدها رفع بنك “عودة” دعوى مضادة. لم يفصح نص المحكمة الإنكليزية عن طبيعة الاتفاق. وفي رد IFC على أسئلة OCCRP قالت المؤسسة: “يمكننا تأكيد أن مؤسسة التمويل الدولية وبنك عودة قد اتفقا على تسوية النزاع المتعلق بقرضين حصل عليهما بنك عودة في عام 2014 من مؤسسة التمويل الدولية وكيان مرتبط بها (ويشار إليهما معًا بـ “مؤسسة التمويل الدولية”)، واللذين استحقا في نيسان/ أبريل 2024. وقد أسفرت هذه التسوية عن سحب دعوى مؤسسة التمويل الدولية ضد بنك عودة في المحاكم الإنكليزية المتعلقة بهذه القروض. لا يمكن تقديم أي تعليقات إضافية حيث إن شروط التسوية سرية”.
في المقابل، لم يرد بنك عودة على أسئلة “درج” حتى نشر هذا التحقيق.
إقرأوا أيضاً:
بيان بنك عودة والدعوى المضادة أمام القضاء البريطاني
في 19 آب/ أغسطس 2024، نشر بنك عودة بيانًا عبر موقعه الرسمي أوضح فيه أنه أُبلغ أخيراً بأن مؤسسة التمويل الدولية (IFC) وصندوقًا تابعًا لها قد تقدما بدعوى أمام المحكمة العليا في إنكلترا للمطالبة بالسداد الكامل لاتفاقيتي قرضين مرؤوسين وُقِّعتا في آذار/ مارس 2014. وأكد البنك في بيانه، أن القروض موضوع النزاع هي قروض مرؤوسة، ومن وجهة نظره، لا يزال القرضان المذكوران مرؤوسين حتى بعد تاريخ استحقاقهما في نيسان/ أبريل 2024.
وأشار البنك إلى أن مؤسسة التمويل الدولية تعلم تمامًا أن لبنان يمر منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بأزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، وصفتها مجموعة البنك الدولي بأنها “واحدة من أسوأ عشر أزمات اقتصادية في العالم، وربما من بين أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية منذ خمسينات القرن التاسع عشر”. ونتيجة لهذه الأزمة، لم يتمكن المودعون في المصارف اللبنانية، بما فيها بنك عودة، والذين لهم أولوية على القروض المرؤوسة الممنوحة لـ IFC، من استرجاع ودائعهم بالدولار الأميركي بشكل حر وغير مقيد.
وفي 27 آذار/ مارس 2024، أصدر المجلس المركزي لمصرف لبنان، وهو أعلى سلطة في البنك المركزي اللبناني، قراراً يقيد سداد القروض المرؤوسة الممنوحة لـ IFC إلى حين صدور قانون لإعادة هيكلة المصارف. كما شدد بنك عودة على أولوية الدائنين الممتازين، مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، وبنك الاستثمار الأوروبي (EIB)، وصندوقين في لوكسمبورغ، الذين يتعين تسوية ديونهم أولاً قبل البدء في سداد أي ديون لمؤسسة التمويل الدولية.
وفق تحقيق لموقع Global Trade Review في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، كان بنك عودة مدينًا لهؤلاء الدائنين الممتازين بمبلغ 154 مليون دولار أميركي قبل إعادة هيكلة ديونه قبل ثلاث سنوات، ولا تزال 79 مليون دولار من هذا المبلغ غير مسدّدة حتى آب/ أغسطس 2024.
أوضح بنك عودة في بيانه أنه، تاريخيًا، حافظ على علاقة عمل ممتازة مع مؤسسة التمويل الدولية، وباستثناء القروض المرؤوسة، أوفى بنك عودة بجميع التزاماته المالية تجاه IFC. كما أشار إلى أن IFC مساهم في كل من بنك عودة وبنك أوديا، الشركة التركية التابعة للبنك، وأنها تلقت حتى الآن أكثر من 66 مليون دولار أميركي كمدفوعات فوائد على القروض المرؤوسة، إضافة إلى توزيعات أرباح كبيرة على مساهمتها في بنك عودة خلال السنوات الماضية. وتوقف بنك عودة عن دفع الفوائد على هذه القروض في عام 2020 فقط بسبب غياب الأرباح الحرة، وهو شرط أساسي لدفع الفوائد.
وعلى رغم ذلك، تصر IFC الآن على السداد الكامل (مع الفوائد) للمبلغ الأساسي للقروض المرؤوسة بكامله، متجاهلة وضعها المرؤوس، وترتيب الأولويات في المطالبات، والقيود التي عبر عنها مصرف لبنان، بل وحتى مهمة وقيم IFC نفسها، بما في ذلك شعارها “النزاهة – نحن نفعل ما هو صحيح”.
وفي ضوء هذه التطورات، تقدّم بنك عودة بدعوى مضادة أمام المحكمة العليا في المملكة المتحدة، معترضًا على مطالب مؤسسة التمويل الدولية بالسداد الفوري لدين يبلغ 234 مليون دولار أميركي. وأكد البنك أن القروض محل النزاع هي قروض مرؤوسة، وأن مصرف لبنان أصدر تعليمات واضحة تمنع سداد هذه القروض إلى حين صدور قانون لإعادة هيكلة المصارف. وفي دفاعه، أقرّ بنك عودة بأنه لم يدفع فوائد لمؤسسة التمويل الدولية خلال السنوات الأربع الماضية كما ينص عليه اتفاق القرض، لكنه ينكر أن عليه أي التزام بذلك بسبب غياب “الأرباح الحرة” نتيجة الأزمة المصرفية. وفي دعواه المضادة، يطلب بنك عودة من المحاكم البريطانية تأكيد تفسيره لعقد القرض، وتحميل مؤسسة التمويل الدولية التكاليف، ومنحه أي تعويضات أخرى تراها المحكمة مناسبة. كما يؤكد أنه في غياب الموافقة المسبقة من مصرف لبنان، لا يحق لمؤسسة التمويل الدولية اتخاذ أي إجراءات لاسترداد المبالغ إلا من خلال إجراءات الإفلاس.
واختتم البنك بيانه بتأكيد قناعته بأن للبنك الدولي وIFC دورًا مهمًا في مساعدة لبنان على الخروج من الأزمات الحادة التي يواجهها حاليًا، لكنه شدد في الوقت نفسه على أنه ليس أمامه خيار سوى الدفاع بقوة عن نفسه ضد مطالبة IFC، حفاظًا على مصالح جميع أصحاب المصلحة فيه، وعلى رأسهم المودعون.
المودعون اللبنانيون ودعاواهم ضد المصارف
منذ اندلاع الأزمة المالية في لبنان عام 2019، رفع الكثير من المودعين دعاوى قضائية ضد المصارف اللبنانية، وعلى رأسها بنك عودة، للمطالبة باسترجاع ودائعهم بالدولار الأميركي.
وعلى رغم هذه الدعاوى، فإن الغالبية الساحقة من المودعين لم يتمكنوا من استرجاع أموالهم بالدولار الأميركي أو تحويلها إلى الخارج، بسبب القيود الصارمة التي فرضتها المصارف اللبنانية، وغياب خطة واضحة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وقرارات مصرف لبنان التي تمنع التحويلات والسحوبات الحرة بالدولار.
منذ عام 2022، رُفعت دعاوى قضائية عدة بقيمة إجمالية تبلغ 280 مليون دولار أميركي تقريبًا، بحسب موقع Business News، من بينها، على سبيل المثال:
في شباط/ فبراير 2022: رفع فاتشي مانوكيان دعوى ضد بنك سوسيتيه جنرال وبنك عودة لامتناعهما عن تحويل أموال من لبنان إلى حساباته في جنيف.
في آب/ أغسطس 2022: رفع برنارد نصيف دعوى ضد بنك عودة بعدما رفض البنك تحويل أكثر من مليون جنيه إسترليني إلى حسابه في بنك HSBC في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى إلغاء شيكات بقيمة 960 ألف جنيه إسترليني و238 ألف يورو.
في حزيران/ يونيو 2023: رفع محمد العيسائي، وهو مواطن سعودي مقيم في لندن وحائز الجنسية البريطانية، دعوى ضد بنك عودة لرفضه تحويل نحو 24 مليون دولار إلى حسابه السويسري خلال فترة الأزمة المصرفية، مطالبًا بفائدة سنوية بنسبة 9 في المئة على المبلغ المتأخر.
وكشفت صحيفة The National أنّ العيسائي فاز بحق عرض قضيته أمام المحكمة العليا البريطانية بعدما ادعى بنك عودة أن المحكمة العليا لا تملك الصلاحية للنظر في النزاع. إلا أنّ القضاء البريطاني اعتبر أنّ المحكمة العليا تملك الصلاحية للنظر في النزاع.
خلفية عن القرض والعلاقة مع مؤسسة التمويل الدولية
في عام 2014، وقّعت مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، العضو في مجموعة البنك الدولي، اتفاقيات لتقديم قروض مرؤوسة بقيمة 150 مليون دولار لمدة 10 سنوات لبنك عودة ش.م.ل، بهدف توسيع قاعدة رأس مال البنك ودعم خطط نموه الإقليمية.
وعندها علّق سمير حنا، الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك عودة، قائلاً: “يسعد بنك عودة تعزيز شراكته مع مؤسسة التمويل الدولية وصندوق رسملة مؤسسة التمويل الدولية. هذا الاستثمار في لبنان يعد إشارة إيجابية إلى صمود البلد وإمكانات نمو المنطقة، ويسلط الضوء على فرص الاستثمارات المستدامة حتى في هذه الأوقات الصعبة”. وأضاف أن هذه الشراكة ستساعد البنك على تعزيز منصته المصرفية الإقليمية، خصوصًا في ما يتعلق بتوسيع الوصول المالي إلى القطاعات غير المخدومة مثل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
إقرأوا أيضاً:













