موجة جديدة شرسة يشنها “كوفيد- 19” على العالم، وتأتي مصحوبة بارتفاع سريع بأعداد إصابات المتحور “أوميكرون”. لكن في المقابل، تشير دلائل علمية إلى أن سرعة انتشاره هذه ليست مقرونة بتزايد في أعداد الإصابات الشديدة أو حتى الوفيات. إذاً على ما يبدو “أوميكرون” أقل خطراً من غيره، والسر يكمن في عدم تفضيله “المكوث” في الرئتين. عوامل تدفعنا إلى التفاؤل بقرب الخروج من نفق الوباء الذي كنا قد دخلناه أواخر عام 2019.
“أوميكرون” أقل ضرراً بالرئتين
يشهد العالم حالياً ارتفاعاً سريعاً وغير مسبوق في أعداد الإصابات بـ”كوفيد- 19″، بخاصة بعد احتفالات عيدي الميلاد ورأس السنة، التي أدت إلى زحمة واختلاط كبير بين الناس.
في الأسابيع القليلة الماضية، أي منذ الإعلان عن رصد “أوميكرون” من جنوب أفريقيا، والعلماء يراقبون عن كثب كيفية انتشار المتحور في بقاع مختلفة من العالم، ويعملون على جمع البيانات لتكوين صورة أوضح عن المتحور المستجد ودوره في الموجة الجديدة والارتفاع الكبير في الإصابات.
المعطيات العلمية الأخيرة تؤكد أن “أوميكرون” من الأشد عدوى وانتشاراً دون شك، وهذا ما تعكسه الأرقام بوضوح كما أنه أكثر قدرة على التهرب المناعي ولكنه يبدو أقل خطورة من “دلتا” والمتحورات الأخرى التي سبقته، بحسب بيانات الأطباء والمستشفيات حول العالم.

في الواقع، حقيقة أن جزءاً كبيراً من المجتمع قد اكتسب خلال العامين الماضيين وحتى اللحظة نوعاً من المناعة ضد “كوفيد- 19″، إما عبر الإصابة الفعلية بالفايروس أو التلقيح أو الاثنين معاً، صعب عملياً تحديد ما إذا ساهمت هذه العوامل في تقليل مضاعفات الإصابة أو ما إذا كان الفايروس عبر “أوميكرون” قد أصبح بالفعل أقل خطورة. لكن دراسات من أماكن مختلفة حول العالم بدأت بالفعل تكشف الصورة بشكل أوضح. فقد بيّنت دراسات أن “أوميكرون” يصيب الشعب الهوائية العلوية بشكل أكثر فعالية، لكنه يبدو أقل ضرراً بالنسبة إلى نسيج الرئتين. وبما أن مخاطر الإصابة بـ”كوفيد-19″ والتي تطرح احتمال الوفاة بشكل كبير بإصابة الرئتين وخطر نقص الأوكسجين وتندب الأنسجة الرئوية وغيره، فإن تفضيل أوميكرون المكوث والتكاثر في الجهاز التنفسي العلوي مع هجوم أقل على النسيج الرئوي، قد يفسر سرعة انتشاره وقلة الوفيات بسببه، مقارنة بالمتحورات الأخرى.
لدينا الكثير لنتعلمه بعد عن “أوميكرون” وكيفية عمله، لكن المعطيات العلمية حتى الآن مبشرة.
“لا أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان”
عنوان عريض أطلقته “منظمة الصحة العالمية” للفت الانتباه إلى أهمية توزيع اللقاحات بشكل عادل حول العالم كخطوة أساسية لمكافحة الوباء.
وإن كان “أوميكرون” أقل خطورة في مسألة الوفيات، إلا أن ذلك لا ينفي تهديده حياة المصابين وإن بنسب أقل، بخاصة في حالة الأشخاص الذين لم يسبق أن أصيبوا بـ”كوفيد- 19″، أو لم يتلقوا اللقاح بعد. والقصة هنا ليست في الحماية من الإصابة، بقدر أهمية الحماية من المضاعفات الخطيرة للإصابة في حال حصولها عبر تعريف الجهاز المناعي على الفايروس المسؤول. وبالتالي فإن الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح بعد، ما زالوا عرضة لمضاعفات الإصابة التي يمكن أن تصل بالمصاب إلى الموت في أحيان كثيرة. وهذا ما نراه بالفعل على أرض الواقع، إذ أعلن مستشار “منظمة الصحة العالمية” بروس ايلوارد أن 80 في المئة من الإصابات الخطيرة التي تصل إلى العناية المركزة أو الوفاة، هي لمصابين لم يسبق أن تلقوا لقاح “كوفيد- 19”. على ألا ننسى أيضاً أن “أوميكرون” حتماً ليس المتحور الوحيد في التداول حالياً، فـ”دلتا” ما زال في موجوداً أيضاً وبشكل كبير.
في هذا الإطار، حذرت “منظمة الصحة العالمية” من تصنيف “أوميكرون” على أنه “طفيف” إذ إن الفايروس ما زال يحصد الأرواح، وأعداد الوفيات جراء الإصابة بـ”كوفيد- 19″ ما زالت مرتفعة، بخاصة في الدول حيث نسب التلقيح ما زالت ضعيفة، إما بسبب رفض مجتمعي أو بسبب سوء توزيع اللقاحات العالمي، ودعت المنظمة إلى عدالة عالمية في توزيع اللقاحات وإلى تسهيل الوصول إليها.

وداعاً لـ”كورونا”
تفشي “أوميكرون” السريع في المجتمع يمكن أن يكون مؤشراً إيجابياً وربما بداية النهاية لـ”كوفيد- 19″، بوصفه وباء عالمياً. ربما يسأل البعض الآن، كيف ذلك؟
سرعة العدوى وانتشار “أوميكرون” بالطريقة غير المسبوقة التي نشهدها حالياً خصوصاً بعد رفع معظم القيود الاجتماعية أو تخفيفها في الكثير من دول العالم، ستترتب عنهما، إصابة فئات كبيرة من المجتمع الذي كان اكتسب قسم منه بالفعل بعض المناعة، جراء التلقيح أو اصابة سابقة. اللافت أيضاً أننا نرى ارتفاعاً في أعداد الإصابات في الفئات الشابة واليافعة. ما يعني مناعةً مجتمعية أعلى، بخاصة أن الدراسات الأخيرة أشارت إلى أن الجهاز المناعي بعد الإصابة الفعلية قادر على توفير حماية من الإصابات الشديدة، عبر خلايا مناعية تسمى الخلايا التائية أو T cells، حتى وإن تلاشت الأجسام المضادة مع الوقت. المثير أن هذه المناعة لا تقف عند متحور معين، بل هي قادرة على محاربة متحورات مختلفة من الفايروس. طبعاً علينا أن نأخذ في الاعتبار ظهور متحورات جديدة وهذا شيء متوقع من دون شك، ولكن الرهان على تكفل اللقاحات بذلك، عال ومهم.
ربما إذاً بعد انحسار موجة “أوميكرون” الحالية، والتي لن تمر خفيفة، سنكون أمام واقع وبائي جديد بحيث ينتهي عصر “كوفيد- 19″، كوباء، ويبدأ التعامل معه كما فايروسات أخرى تعايشنا معها كالإنفلونزا أو فايروسات “كورونا” الأخرى المسببة للرشح. طبعاً مع أهمية حماية الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة عبر التلقيح الدوري إذا ما تطلب الأمر.
ولكن لكي نصل إلى هذه المرحلة، من الضروري ضمان توزيع عادل وشامل للقاحات، بخاصة بين الفئات الأكثر عرضة لمضاعفات الإصابة بـ”كوفيد- 19″ من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة أو ذوي المناعة الضعيفة. فعلينا ألا ننسى أن دولاً مثل تلك الأفريقية ما زالت نسب التلقيح فيها أقل من 10 في المئة، أي أن أكثر من 90 في المئة من السكان غير ملقّحين وبالتالي يفتقدون دفاعات مناعية ضرورية.
أما في لبنان، بحسب الأرقام الرسمية فإن 70 في المئة من البالغين لم يتلقوا اللقاح بعد. طبعاً موجة “كورونا” الحالية ستمر ثقيلة، بخاصة في ظل قطاع صحي متهالك أصلاً في لبنان، إذ تضاعفت أعداد الإصابات بشكل سريع جداً في الأيام الأخيرة حتى قاربت الثمانية آلاف حالة جديدة يومية. على أرض الواقع العدد دون شك أعلى من ذلك في ما وصفه وزير الصحة اللبناني بـ”تسونامي”، فماذا تنتظر عزيزي القارئ للمسارعة إلى أقرب مركز تلقيح لحماية نفسك ومجتمعك؟
إقرأوا أيضاً: