fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هل شرعنا في بناء ديكتاتوريّة جديدة في سوريا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم نعد نعرف كيف نحبّ. لكننا نعرف من نحب، فعند الضرورة نهتف لقادتنا، عسى أن نردّ عن أنفسنا بعض الأذى، ثم نعود إلى مهامنا العصيبة في تأمين قوت أولادنا. نخرج لنبحث عن لقمة. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يكتب الباحث السوري جورج طرابيشي: ” لا تبدأ الحروب الأهلية حين يكتشف الناس أنهم مختلفون، بل حين ينسون أنّهم قادرون على العيش معاً رغم اختلافهم”.

فهل نحن قادرون على العيش معاً؟

هذا الوشاح الذي يحيط برقبتي، وأعود إلى البيت مسرعة إذا نسيته، يختصر الخوف مما يحدث في الخارج منذ سيطرة هيئة تحرير الشام و”مجاهديها” على دفة الحكم. 

كيف أزيل من رأسي الصورة النمطية التاريخية للإسلاميين وأمضي في حياتي اليومية؟ ليس من السهل التأقلم مع الفكرة. أذكر تلك الإعلامية التي أجرت مقابلة مع الرئيس أحمد الشرع مرسلة وشاحاً على كتفيها على أتم استعداد لتغطي رأسها إذا طُلب منها، لكنها لم تفعل ولم تنجُ من التنمّر، أفهم شعورها. 

 أتأمّل في وجوه الناس في الشارع باحثة عن الفرح الذي أقرأ عنه في منصات التواصل الاجتماعي، فأتوه في تفسير الملامح. هناك حركة غير عادية في المدينة. وتطمينات حكومية عليا وازدحام مروري وفوضى وحرية.

فهم الناس الحرية كلّ على قدر استيعابه ومصالحه. في النهار يفترش الرجال الأرصفة في أكثر الأحياء اكتظاظاً ليبيعوا بضاعة لا يحتاج إليها أحد. وتتحول الساحات إلى ميادين احتجاجات غير معلنة بأصوات باعة غير محترفين. وتصبح الطرقات بازاراً عاماً يشبه القيامة. هذه المدينة صارت لوحة سوريالية قبيحة.

هل تعلمون كيف تُهزم المدن؟

كيف ينخرها العفن سنة وراء سنة حتى تبلغ حد الانهيار ولا تنهار، تبتلع رتابة البؤس، تتقبّل التفاهة موقنة أنه في يوم قادم لا محالة سينتصر المظلومون، سينتفضون من سبات الذلّ والمهانة. المدن تؤمن بقدوم الربيع، تعرف أنه قد يتأخّر ولكنّه لا يخلف موعداً.

انتصرت الثورة وانهزمت المدينة.

نحن أبناء المدينة المهزومة . 

هل تهدي وردة حمراء لجائع؟ 

الحب والجوع ليسا على وفاق غالباً. 

لم نعد نعرف كيف نحبّ. لكننا نعرف من نحب، فعند الضرورة نهتف لقادتنا، عسى أن نردّ عن أنفسنا بعض الأذى، ثم نعود إلى مهامنا العصيبة في تأمين قوت أولادنا. نخرج لنبحث عن لقمة. 

نعيش في الزمن المعلّق بين حقبتين تتباين معالمهما جيداً، لكن بالنسبة إلينا ما زال الجوع يوحد سنين عمرنا. 

 لقد خلّف الأسد الهارب شعباً نصفه جوعى ونصفه الآخر تشرّد أو نُكّل به في محاولاته للمطالبة بحريته، أو قتل في رحلات التيه القاسية بحثاً عن ملجأ غير شرعي. خلّف لنا قبوراً نائية وُضعت فيها الجثث معاً في رحلتها الى الأبدية، أو أصبح الهاربون جزءاً من الدورة الغذائية لوحوش البحر. ومع ذلك يبدو أننا لن نحصل على حريتنا يوماً ما. ملعونة هذه الحرية التي لا سبيل إليها.

ملعونة هذه الأرض التي استقبلت ولادتنا الأولى.

ها نحن أولاء محكومون بالطاعة لأسيادنا الجدد. إننا نتمنى قيام دولة وطنية قوية على أنقاض نظام دكتاتوري حكمنا بالسوط أكثر من ستين عاماً.

لكن الأسياد الجدد استلموا الحكم بطريقة يلفّها الغموض حتى هذه الساعة، مسقطين رئيساً دمّر ما أمكنه تدميره ثم هرب في ليلة مشهودة. الأسياد الجدد جماعة مصنّفة تحت بند “الإرهاب العالمي”، ومع ذلك استقبلتهم الدول الأوروبية بأريحية وضمنتهم الدول العربية بحذر وباركتهم الولايات المتحدة وروسيا.

فما هي الصفقة التي لا نعلم بها؟ وكيف انقلبت المعايير في ليلة واحدة ؟ وما هي الخطة القادمة؟ هل هو التقسيم ؟ في ظل تصعيد المجزرة العلوية في الساحل وتوغلّ إسرائيل في الجنوب وسياحتها اليومية في سمائنا، حتى إننا لا نتمكّن من رفع رؤوسنا فوق كما تشجّعنا الأغنية الشهيرة خوفاً من استفزاز المسيّرات التي تراقبنا ليل نهار؟

ملعونة هذه الأرض التي استقبلت ولادتنا الأولى.

أصبحنا نتلقّى بشائر الإنجازات الحكومية كل يوم عن طريق المؤثرين والإعلاميين المقرّبين للسلطة. فلا إعلام يمثلنا. ونتلقّى أيضاً أنباء خطف وسرقات وقتل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو تواتر الأخبار من لسان الى لسان كما يحدث في المجتمعات الصغيرة. بيوتٌ في دمشق أصحابها مسافرون في عمل أو سياحة تتمّ مصادرتها والاستيلاء عليها ليعود أصحابها ويجدوها مسكونة، فيتابعون الأمن لاسترجاعها بالقانون ويطلب منهم إثبات ملكيتهم لبيتهم الخاص .

  أجزم بأن حكومتنا المنغلقة على نفسها لا تثق بنا، نحن الذين أمضينا أربعة عشر عامّاً تحت حكم رئيسنا الفارّ، متهمّون ضمنياً بالانحياز إليه. لا ندري لعلّنا قصرّنا بتأييد الفئة المؤمنة، ودخلنا متأخرين في دين الله، وذلك بعد فتح مكّة لأننا في حقبة تفسير الأحداث بمنطق التاريخ الإسلامي تفسيراً شرعياً، فما يحدث حولنا يعيدنا إلى الأفلام التاريخية،  الأسماء، التعيينات الحكومية، المحاصصات السياسية والفصل بين النساء والرجال في ساحة الجامع الأموي، وأخيراً منع المحاميات النساء من مرافقة موكليهم الرجال في دائرة النفوس.

 تمارس حكومتنا عزلاً إرادياً محيطة نفسها بأشخاص تثق بهم وتخاف من كل شخص خارج نطاق دائرتها. هذا الخوف والحذر الشديد إنما ينعكسان على كامل مساحة الشعب في سوريا تخوّفاً وشكّاً وتساؤلات لا نهاية لها. شرّع الناس صدورهم لقبول أي حكم يخلصهم من كابوس حكم الأسد، واستقبلوا الفاتحين استقبال الأبطال، ونصّب كل منهم نفسه محامياً للدفاع عنهم مهما فعلوا. حتى إن الأصوات التي تعترض على ممارسة ما، باتت لها مجموعات تقمعها من دون وعي ولا مصلحة، ومن دون أن تسأل نفسها: هل نبني بيدنا دكتاتورية دينية جديدة؟

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
05.05.2025
زمن القراءة: 4 minutes

لم نعد نعرف كيف نحبّ. لكننا نعرف من نحب، فعند الضرورة نهتف لقادتنا، عسى أن نردّ عن أنفسنا بعض الأذى، ثم نعود إلى مهامنا العصيبة في تأمين قوت أولادنا. نخرج لنبحث عن لقمة. 

يكتب الباحث السوري جورج طرابيشي: ” لا تبدأ الحروب الأهلية حين يكتشف الناس أنهم مختلفون، بل حين ينسون أنّهم قادرون على العيش معاً رغم اختلافهم”.

فهل نحن قادرون على العيش معاً؟

هذا الوشاح الذي يحيط برقبتي، وأعود إلى البيت مسرعة إذا نسيته، يختصر الخوف مما يحدث في الخارج منذ سيطرة هيئة تحرير الشام و”مجاهديها” على دفة الحكم. 

كيف أزيل من رأسي الصورة النمطية التاريخية للإسلاميين وأمضي في حياتي اليومية؟ ليس من السهل التأقلم مع الفكرة. أذكر تلك الإعلامية التي أجرت مقابلة مع الرئيس أحمد الشرع مرسلة وشاحاً على كتفيها على أتم استعداد لتغطي رأسها إذا طُلب منها، لكنها لم تفعل ولم تنجُ من التنمّر، أفهم شعورها. 

 أتأمّل في وجوه الناس في الشارع باحثة عن الفرح الذي أقرأ عنه في منصات التواصل الاجتماعي، فأتوه في تفسير الملامح. هناك حركة غير عادية في المدينة. وتطمينات حكومية عليا وازدحام مروري وفوضى وحرية.

فهم الناس الحرية كلّ على قدر استيعابه ومصالحه. في النهار يفترش الرجال الأرصفة في أكثر الأحياء اكتظاظاً ليبيعوا بضاعة لا يحتاج إليها أحد. وتتحول الساحات إلى ميادين احتجاجات غير معلنة بأصوات باعة غير محترفين. وتصبح الطرقات بازاراً عاماً يشبه القيامة. هذه المدينة صارت لوحة سوريالية قبيحة.

هل تعلمون كيف تُهزم المدن؟

كيف ينخرها العفن سنة وراء سنة حتى تبلغ حد الانهيار ولا تنهار، تبتلع رتابة البؤس، تتقبّل التفاهة موقنة أنه في يوم قادم لا محالة سينتصر المظلومون، سينتفضون من سبات الذلّ والمهانة. المدن تؤمن بقدوم الربيع، تعرف أنه قد يتأخّر ولكنّه لا يخلف موعداً.

انتصرت الثورة وانهزمت المدينة.

نحن أبناء المدينة المهزومة . 

هل تهدي وردة حمراء لجائع؟ 

الحب والجوع ليسا على وفاق غالباً. 

لم نعد نعرف كيف نحبّ. لكننا نعرف من نحب، فعند الضرورة نهتف لقادتنا، عسى أن نردّ عن أنفسنا بعض الأذى، ثم نعود إلى مهامنا العصيبة في تأمين قوت أولادنا. نخرج لنبحث عن لقمة. 

نعيش في الزمن المعلّق بين حقبتين تتباين معالمهما جيداً، لكن بالنسبة إلينا ما زال الجوع يوحد سنين عمرنا. 

 لقد خلّف الأسد الهارب شعباً نصفه جوعى ونصفه الآخر تشرّد أو نُكّل به في محاولاته للمطالبة بحريته، أو قتل في رحلات التيه القاسية بحثاً عن ملجأ غير شرعي. خلّف لنا قبوراً نائية وُضعت فيها الجثث معاً في رحلتها الى الأبدية، أو أصبح الهاربون جزءاً من الدورة الغذائية لوحوش البحر. ومع ذلك يبدو أننا لن نحصل على حريتنا يوماً ما. ملعونة هذه الحرية التي لا سبيل إليها.

ملعونة هذه الأرض التي استقبلت ولادتنا الأولى.

ها نحن أولاء محكومون بالطاعة لأسيادنا الجدد. إننا نتمنى قيام دولة وطنية قوية على أنقاض نظام دكتاتوري حكمنا بالسوط أكثر من ستين عاماً.

لكن الأسياد الجدد استلموا الحكم بطريقة يلفّها الغموض حتى هذه الساعة، مسقطين رئيساً دمّر ما أمكنه تدميره ثم هرب في ليلة مشهودة. الأسياد الجدد جماعة مصنّفة تحت بند “الإرهاب العالمي”، ومع ذلك استقبلتهم الدول الأوروبية بأريحية وضمنتهم الدول العربية بحذر وباركتهم الولايات المتحدة وروسيا.

فما هي الصفقة التي لا نعلم بها؟ وكيف انقلبت المعايير في ليلة واحدة ؟ وما هي الخطة القادمة؟ هل هو التقسيم ؟ في ظل تصعيد المجزرة العلوية في الساحل وتوغلّ إسرائيل في الجنوب وسياحتها اليومية في سمائنا، حتى إننا لا نتمكّن من رفع رؤوسنا فوق كما تشجّعنا الأغنية الشهيرة خوفاً من استفزاز المسيّرات التي تراقبنا ليل نهار؟

ملعونة هذه الأرض التي استقبلت ولادتنا الأولى.

أصبحنا نتلقّى بشائر الإنجازات الحكومية كل يوم عن طريق المؤثرين والإعلاميين المقرّبين للسلطة. فلا إعلام يمثلنا. ونتلقّى أيضاً أنباء خطف وسرقات وقتل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو تواتر الأخبار من لسان الى لسان كما يحدث في المجتمعات الصغيرة. بيوتٌ في دمشق أصحابها مسافرون في عمل أو سياحة تتمّ مصادرتها والاستيلاء عليها ليعود أصحابها ويجدوها مسكونة، فيتابعون الأمن لاسترجاعها بالقانون ويطلب منهم إثبات ملكيتهم لبيتهم الخاص .

  أجزم بأن حكومتنا المنغلقة على نفسها لا تثق بنا، نحن الذين أمضينا أربعة عشر عامّاً تحت حكم رئيسنا الفارّ، متهمّون ضمنياً بالانحياز إليه. لا ندري لعلّنا قصرّنا بتأييد الفئة المؤمنة، ودخلنا متأخرين في دين الله، وذلك بعد فتح مكّة لأننا في حقبة تفسير الأحداث بمنطق التاريخ الإسلامي تفسيراً شرعياً، فما يحدث حولنا يعيدنا إلى الأفلام التاريخية،  الأسماء، التعيينات الحكومية، المحاصصات السياسية والفصل بين النساء والرجال في ساحة الجامع الأموي، وأخيراً منع المحاميات النساء من مرافقة موكليهم الرجال في دائرة النفوس.

 تمارس حكومتنا عزلاً إرادياً محيطة نفسها بأشخاص تثق بهم وتخاف من كل شخص خارج نطاق دائرتها. هذا الخوف والحذر الشديد إنما ينعكسان على كامل مساحة الشعب في سوريا تخوّفاً وشكّاً وتساؤلات لا نهاية لها. شرّع الناس صدورهم لقبول أي حكم يخلصهم من كابوس حكم الأسد، واستقبلوا الفاتحين استقبال الأبطال، ونصّب كل منهم نفسه محامياً للدفاع عنهم مهما فعلوا. حتى إن الأصوات التي تعترض على ممارسة ما، باتت لها مجموعات تقمعها من دون وعي ولا مصلحة، ومن دون أن تسأل نفسها: هل نبني بيدنا دكتاتورية دينية جديدة؟

05.05.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية