بعدما اتّهمت ميغان ماركل، زوجة الأمير هاري البريطاني، في مقابلة تلفزيونيّة ناريّة مع أوبرا وينفري في آذار/ مارس 2021، العائلة الملكيّة البريطانيّة بالعنصريّة، فُتح هذا النقاش على مصراعيه في المملكة المتّحدة وفي كلّ أرجاء العالم.
فممّا لا شكّ فيه أنّ العالم قطع شوطاً كبيراً في ما يخصّ مواجهة العنصريّة والتعصّب القائم على العرق أو اللون أو الديانة، ولكن المعركة لا تزال في منتصف الطريق وقد تكون أصبحت في مراحل أكثر تعقيداً، لأنّها باتت مبطّنة وغير معلنة. والعنصريّة تفاجئنا من خلف الأبواب المغلقة لتذكّرنا في كل مرّة بأنّها هنا حيّة وباقية ولن تغادرنا قريباً.
ميغان، ابنة الـ39 سنة، تقول إنها كانت ساذجة قبل زواجها عام 2018 ولكن آلت بها الأمور لتفكّر بإيذاء نفسها والانتحار، فيما أكّد زوجها الأمير هاري أنّ عائلته، أي العائلة الملكيّة، لم تساند زوجته في حالتها التفسيّة الصعبة وأنّه كان يخجل من أن يخبرهم بحقيقة وضعها.
ميغان هي ابنة لوالد أبيض وأم داكنة اللون، ما أثار قلق أفراد في العائلة الملكيّة البريطانيّة، وحفيظتهم، من أن يكون حفيدهم أسود اللون فبدأت هذه الأحاديث تتسلل في أروقة القصر الملكي، من دون أي احترام أو رعاية لمشاعر الأميركيّة ميغان التي كانت على وشك الانتحار. وبحسب ميغان، إن ابنها، أرشي، البالغ من العمر اليوم عاماً واحداً، حُرم من لقب الأمير بسبب مخاوف داخل العائلة المالكة بشأن “مدى سواد بشرته عند ولادته”.
قصّة ميغان وهاري تسلّط الضوء على العنصريّة التي من الواضح أنها ما زالت مستفحلة في بريطانيا وحول العالم، إضافة إلى أزمة العائلة الملكيّة البريطانيّة نفسها. وكأنّ هذه العائلة علقت في قرون بعيدة ولم تتمكّن من تحقيق التقدّم الذي تسعى الدول وأبرزها المملكة إلى تحقيقه.
في هذا الإطار، ينتقد الأمير هاري عقلية العائلة الملكيّة التي تعتمد مبدأ: “هكذا هي الحال، لا يمكنك تغييرها، لقد مررنا جميعاً بها”، ولفت إلى خوف العائلة من انقلاب الصحف الشعبيّة ضدّها. ومن هنا يظهر الخطر على مستقبل النظام الملكي المتصدّع في المملكة فـ”يكاد يكون من الحتمي أن تُطرح أسئلة حول استمرار أهمية النظام الملكي البريطاني في القرن الحادي والعشرين”، خصوصاً أنّ المؤسسة “عفا عليها الزمن”، ما أدّى إلى “افتقارها إلى المرونة وجعلها غير قادرة على استيعاب الأشخاص الذين يواجهون تحدّيات هذا القرن”، بحسب الـCNN.
عنصريّة المدارس وسوق العمل وطبعاً الشرطة!
لا تقتصر العنصريّة في بريطانيا على بعض الحوادث والحالات الاستثنائيّة بل هي ظاهرة “مؤسسية” راسخة تبدأ من أعلى الهرم، أي العائلة الملكيّة، وتمتدّ إلى معظم مفاصل الدولة والمجتمع. فاكتشفت دراسة لمؤسسة YMCA البريطانيّة بعنوان “تجربة الشباب الأسود: العنصرية المؤسسية في المملكة المتحدة” (The Young and Black Experience of Institutional Racism in the UK) ، الصادرة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020، أنّ 95 في المئة من الشباب السود في المملكة المتحدة سمعوا أو شاهدوا لغة عنصرية في المدرسة، مع 51 في المئة من الذكور قالوا إنهم سمعوها “طوال الوقت”.
وبحسب الدراسة المرتكزة على مقابلات مع عيّنة عشوائيّة مؤلّفة من 557 شخصاً، من أصحاب البشرة السوداء، بين 16 و30 سنة، يشعر ما يقرب من النصف (49 في المئة) أن العنصرية هي أكبر عقبة أمام التحصيل الأكاديمي، ويقول 50 في المئة إن تصورات المعلمين هي أكبر عائق أمام النجاح التعليمي.
تظهر الدراسة عينها، أنّ الشباب السود لا يثقون بأنّ الشرطة ستتصرّف بنزاهة تجاههم. فـ64 في المئة منهم يشعرون بالقلق من المعاملة غير العادلة من قبل الشرطة، و54 في المئة لا يثقون بأنّ الشرطة تتصرف من دون تحيّز أو تمييز. فيما 55 في المئة من الشباب السود قلقون من أن يتم اتهامهم زوراً بارتكاب جنح أو جرائم وذلك نتيجة ظاهرةThey All Look Alike to Me (كلهم متشابهون بالنسبة إلي).
وعلى رغم تراجع هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة نظراً إلى حملات التوعية التي تُقام في هذا المجال، إلّا أنّ الأدلة البحثية، وفقاً لمقالة بحثيّة بعنوان “العرق والقانون والشرطة: تأملات في قانون العلاقات العرقية” التي أعدّها، عام 2015، ثلاثة أساتذة في جامعتي Kings وLeeds البريطانيّتين، تظهر أنّ الشرطة عموماً لم تفشل في توفير الحماية المتساوية بموجب القانون فحسب، بل هي متّهمة أيضاً- أكثر من أي مؤسسة أخرى- بالتمييز العنصري بشكل متكرّر ومستمر ضدّ المواطنين السود والمقيمين في الجزر البريطانية.
هذه الحوادث المتكرّرة تعيد إلى الأذهان المشارك الكوميدي نبيل عبد الرشيد في برنامج Britain’s Got Talent، وهو مسلم أسود اللون من نيجيريا، سلّط الضوء بسخرية على كيفيّة تعاطي الشرطة البريطانيّة مع الأشخاص ذوي البشرة السوداء والتمييز والعنصريّة على أساس اللون والدين مشيراً إلى التعميمات والصور النمطيّة المنتشرة تجاه ذوي البشرة السوداء والمسلمين في المملكة المتّحدة على أنّهم سارقون أو نشّالون.
مأزق كرة القدم البريطانيّة
ومَن مِن مشاهدي ومحبّي كرة القدم البريطانيّة في أرجاء العالم كلّه لا يستمع للكثير من الخطابات العنصرية في ملاعب كرة القدم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؟ وفي هذا السياق، اعتبر ماركوس راشفورد، لاعب فريقManchester United، أنّ الإساءة العنصرية عبر الإنترنت تظهر “الإنسانية في أسوأ حالاتها” بعدما أصبح آخر نجم في الدوري الإنكليزي الذي يتمّ استهدافه في 2021. فغرّد راشفورد “الإنسانية ووسائل التواصل الاجتماعي في أسوأ حالاتها: نعم أنا رجل أسود وأعيش كل يوم فخوراً بذلك”، مؤكّداً أنّ “لا أحد، ولا تعليق سيجعلني أتأثّر. لذا آسف إذا كنتم تبحثون عن ردّ فعل قوي، فأنتم ببساطة لن تحصلوا عليه هنا”.
وراشفورد ليس اللاعب الوحيد الذي يواجه خطاب كراهية عنصرياً، بل سبقه الكثير من اللاعبين منهم آكسل توانزيبي وأنثوني مارتيال.
ودعا فريق “الشياطين الحمر” أي Manchester United، في أواخر كانون الثاني/ يناير 2021 إلى اتخاذ تدابير أقوى ضد ما وصفهم بـ”الحمقى الأغبياء” الذين ينشرون الإساءات العنصرية بعد استهداف توانزيبي ومارتيال.
ودعا راشفورد وسائل التواصل الاجتماعي إلى بذل المزيد من الجهد في مكافحة الإساءة عبر الإنترنت، قائلاً إن المشكلة “يجب أن تكون سهلة” بالنسبة لعمالقة التكنولوجيا.
وأيّده في هذا الدعوة، مدير الفريق أولي جونار سولشاير، الذي أضاف، “نعلم جميعاً أن هناك حرية تعبير، لكن هذا يتخطى الحدود لما هو غير مقبول. إنه سلوك غير مقبول تماماً في عام 2021 مع الوعي والتعليم. تشعر بالجهل وتشعر بالأسف تجاههم – هذا ما أقوله دائماً. يجب أن نساعدهم وأحياناً نساعدهم من طريق حرمانهم من فرصة التعبير عن أنفسهم، بخاصة عندما يكونون مجهولين”.
فتخوض كرة القدم البريطانيّة معركة داخل ملاعبها وخارجها، وهي معركة أخلاقيّة بحتة، إذ إنّ اللعبة هي مقصد لفئة الشباب وبالتالي من الأولويّة التوعية حول هذا الموضوع ووضع حدّ لردود الفعل العنصريّة التي تعقب أي خسارة.
تترسّخ العنصريّة في كل القطاعات وجوانب المجتمع البريطاني وعلى رغم تسليط الضوء في الفترة الأخيرة على العنصريّة تجاه ذوي البشرة السوداء، إلّا أنّ العنصريّة في المملكة لا تقتصر على اللون فحسب، بل تنسحب أيضاً على الدين والعرق والمهاجرين وغيرهم من الأقليّات. وكل هذا يدلّ على شيء واحد، هو أنّ المعركة الإنسانيّة ما زالت في منتصفها ولن تنتهي قريباً والعدالة ما زالت بعيدة من أن تتحقّق. وبالتالي، وبحسب الباحثة والناشطة الأميركيّة أنجيلا دافيس، “في مجتمع عنصري، لا يكفي أن نكون غير عنصريّين. يجب أن نكون مناهضين للعنصرية”.
إقرأوا أيضاً: