fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هل غادر بشار الأسد القصر الجمهوري فعلاً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 يبدو جلياً أن أحمد الشرع هو مجرد “طقم عمل” أو قناع مسرحي لـ “أبو محمد الجولاني”، يضعه في المقابلات التلفزيونية والحديث للصحافة الغربية، بينما على الأرض ومع بقية المكونات السورية، يتم تفعيل الوجه الأصلي للسلفي غير “الكيوت” على الإطلاق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كثر من السوريين، وكنت منهم، استبشروا خيراً بفرار الأسد، ظنّاً منهم أن وجوده كشخص كان حائلاً دون قيام دولة المواطنة والتعدّدية، أو على الأقل سيشكل فراره بداية لحلّ قد تحصل معجزة ما ويجترحه السوريون المشتتون،  أو على الأقل تفرضه الدول التي يهمّها الشأن السوري، رعاية لمصالحها أو لمصالح ملحقاتها، لكن سرعان ما بدّدت هذه الأحلام الوردية ممارسات سلطة الأمر الواقع الجديد القديمة، وبدا أن ما يحصل مجرد عرض حلقات قديمة من مسلسل بائس، شاهدناه مراراً ولا نعلم كيفية تبديل القناة، لأن الريموت كونترول في مكان لا تصله أيدينا.

أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أستعجب

بدا الجولاني، أو ” السيد أحمد الشرع” كما تقدّمه الوظيفة الجديدة، سعيداً للغاية، بأطقمه الجديدة وربطات عنقه المختارة بعناية، وبدا للجميع أن شمساً جديدة قد أشرقت على سوريا، الى درجة أن بعض الأصدقاء ممن يكتبون هنا وهناك، في المواقع التي تموّل من الجهة نفسها التي رتّبت مقتلة السوريين، تحدّثوا عن سماء أكثر زرقة وأشجار أكثر خضرة، وحتى الهواء بدا أنظف كما يقولون، خصوصاً حين حُطِّمت التماثيل الكثيرة، والقبيحة، لحافظ الأسد، فيما ظهر وكأن سوريا تغسل عار أكثر من خمسين سنة من الاستبداد، تمهيداً لدخول عهد جديد، لكن…

لم يمض وقت طويل حتى انتحى “علم الثورة” الذي انضوى خلفه الكثير من “مقاتلي الحرية” والفصائل الإسلامية، وظهر العلم الذي يفضّلونه، والذي يمثّل الأيديولوجية التي تحرّكهم، علم “جبهة النصرة”، وفي بعض الأحيان علم “داعش”، (طبعاً تحت ضغط “الجمهور” أزيل العلم لاحقاً وأزيل هو والأناشيد الجهادية من بث التلفزيون السوري).

 يبدو جلياً أن أحمد الشرع هو مجرد “طقم عمل” أو قناع مسرحي لـ “أبو محمد الجولاني”، يضعه في المقابلات التلفزيونية والحديث للصحافة الغربية، بينما على الأرض ومع بقية المكونات السورية، يتم تفعيل الوجه الأصلي للسلفي غير “الكيوت” على الإطلاق.

هذا التلاعب المسرحي المتذاكي، الذي يشبه ما كان يقوم به بشار الأسد، وإن بجدية أكبر وبغير السفسطة السخيفة للأسد الفار، لا ينطلي على أحد، ولن يصدق أحد أن الجولاني وضع أخاه في وزارة الصحة بناء على موهبته الفريدة كطبيب، ووزّع الرتب العسكرية على مطلوبين من جنسيات غير سورية، بناء على مهاراتهم غير المكرّرة كقادة عسكريين، إنما لأن الولاء هو المعيار الأوحد للتعيين، الى درجة أننا نتساءل: من يوجد فعلاً الآن في القصر الجمهوري، بشار الأسد أم الجولاني؟ أو هل غادر بشار الأسد القصر الجمهوري حقاً؟

القناع المسرحي القديم

كانت الأقنعة في المسرح اليوناني من أهم ملحقات “الدور”، وضمّت مجموعة كبيرة من “المشاعر” المتباينة، لإضفاء الحد الأقصى الممكن من التعبير، وبالمجمل تستخدم الأقنعة عندما يراد إضافة مظهر لا يستطيع الممثل، بحكم السن أو الجنس أو المكانة الاجتماعية، إظهاره عبر وجهه العاري، ويحكى أن أول من استخدم القناع (الممثل الروماني روسيوس جالوس) استخدمه لإخفاء عيب في عينه.

لكن القناع الجمهوري السوري في حالة الجولاني أو الشرع يبدو  كقناع مركّب فوق قناع، قناع الجهادي السلفي الذي يتعاون مع أجهزة الاستخبارات التي عمّمته وكبّرته ودعمته لوجستياً ليستولي على السلطة، ثم القناع الجديد: الرئيس العاقل، الذي يرغب في الانتقال بدولته الناشئة إلى حيث يرضى عنها الجميع ولو خسر أكثر من نصف أراضيها.

مشكلة قناع الجولاني الذي يريدنا أن نصدّقه أنه عتيق للغاية، أي قبل أن يتكاثف المسرح ويدخل النص المسرحي إلى تعقيدات أبعد من الجدية والهزال. ما زال قناعاً قبل المسرح، قناعاً بسيط لا يقول أكثر مما رسم على سطحه، قناعاً بلا أبعاد عميقة، لا نفسية ولا وطنية حتى، قناعاً يقول: “الجولاني لمن اعتدى والشرع لمن اهتدى”، ضارباً عرض الحائط بكل القيم “الثورية” التي يمكن أن يبنى عليها نص حقيقي أو سردية تجعل الجمهور يخرج من المسرح وهو راض لأنه دفع ثمن تذكرة دموية خلال أزيد من ثلاث عشرة سنة. 

ومشكلة القناع الأخرى أنه لا يحتمل تأويلاً يمكن أن نختلف عليه، لا يسمح للمشاهد أن يخطئ في قراءته، وربما لن يكون مفاجئاً إذا باغت الناس السيد الرئيس الجديد، بعد انتهاء العرض، في غرفة الملابس، ليجدوا أن بشار الأسد يكمن تحت قناع الشرع.

النسخة المحسّنة

أبو محمد الجولاني، أو أحمد الشرع في النسخة الأكثر “نظافة” للإعلام الخليجي، القائد القادم من خلفية جهادية، وعلى رغم محاولته التنصّل منها في كل خطابه نحو الخارج غير السوري طبعاً، لم يتوان عن وضع “إخوة الجهاد” في المناصب الأكثر حساسية، كوزارة الدفاع ووزارة الخارجية ورئاسة الاستخبارات، ومؤخراً وزارة الدفاع، فبينما يظهر للوفود القادمة من الخارج رغبة في التخلي عن هذا الوجه القبيح، الذي جعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يضعانه ومنظمته على لائحة الإرهاب، وأن سوريا لا تدار بعقلية الفصيل المسلح، لم يستطع أن يضبط الوحش الجائع في داخل منظمته والفصائل المنضوية تحت مسمى هيئة التحرير، فتتالت الانتهاكات القائمة على أساس طائفي، سواء ضد العلويين، “العدو” الأبدي للمنظمات الجهادية السورية، أو ضد المسيحيين “أعداء الملّة”، وما يرد يومياً من أخبار موثقة بالفيديو عن قتل مستمرّ بناء على الهوية الطائفية، والانتهاكات بحق أماكن العبادة.

اثنان وعشرون وزيراً مسلماً جهادياً، بعضهم على قائمة الإرهاب الدولية، ولبعضهم فيديوهات موثقة يرتكبون فيها انتهاكات، اختارهم الجولاني لحكومته الجديدة، ضارباً بعرض الحائط كل ما قاله للوفود الغربية، وللتلفزة التي تحاول “غسله” وتنظيفه من أدران “الإرهاب”، وما إن تمت تسميتهم حتى بدأت بوادر “حرية النصرة” تتوالى: جدل تعديل المناهج الدراسية بما يتناسب مع “الشرع” الإسلامي، انتشار الدعوات العلنية لوضع الحجاب، دعوات لمنع الاختلاط في وسائل النقل والجامعات والمدارس، صرف الموظفين الحكوميين خصوصاً العلويين منهم، وإيقاف صرف الرواتب التقاعدية للعسكريين وذوي الشهداء، الإعدام من دون محاكمة والقتل لمن استطاع إليه سبيلاً… حلّ مجلس الشعب وحلّ الجيش و”هزم الأحزاب وحده”، ثم تنصيب نفسه رئيساً لجمهورية سوريا التي لا تعترف أيديولوجيته أصلاً بحقها في الوجود، وكنا نظنّ أن حافظ الأسد فقط من يفعل ذلك.

ولأننا “لا نحتاج أن نشرب البحر كله لندرك أنه مالح”، كما يقول المثل الإنكليزي، و”المكتوب بيبان من عنوانه”، السوري، فأظن أن كثيراً من السوريين سيندمون على فرحتهم تلك في يوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهم إن لم يقولوها علانية اليوم، لأنهم فرحون حقاً بالخلاص من طغمة الأسد الملعونة، فالأيام المقبلة ستجبرهم على ذلك.

العودة 

لكل بيت، غالباً، رائحة مميزة تختلف عن البيوت الأخرى، أسميها “رائحة الألفة”، قد تكون ببساطة رائحة المنظفات المستخدمة في البيت أو البهارات المحددة المستخدمة بكثرة في الوجبات، لكن هذا يصنع رائحة مميزة لكل منزل، وكذلك المدن، فيقال إنك عندما تنزل في نيودلهي، وبمجرد خروجك من المطار، تشم رائحة “الكاري” الذي يستخدمه الهنود غالباً في وجباتهم التقليدية.

عندما نزلت في باريس للمرة الأولى، ثم خرجت إلى الشارع باحثاً عن القطار الذي سيأخذني إلى وجهتي، أول إحساس انتابني كان الانقباض. ثمة رائحة أليفة وقبيحة في كل مكان. لا أستطيع تفسيرها أو تبيان ماهيتها. لاحقاً عندما دخلت إلى تواليت عمومي عرفتها. كانت رائحة البول. هواء باريس مشبع برائحة النشادر وبول الحيوانات، وهذا ما أقوله للجميع عندما يسألونني عن باريس: إنها قذرة فقط. للأسف، أشعر أن سوريا كذلك الأمر، وأنني عندما أنزل في مطار دمشق، إذا نزلت يوماً ما، ستهب في وجهي رائحة “الشرع” الكريهة فقط.

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
14.02.2025
زمن القراءة: 5 minutes

 يبدو جلياً أن أحمد الشرع هو مجرد “طقم عمل” أو قناع مسرحي لـ “أبو محمد الجولاني”، يضعه في المقابلات التلفزيونية والحديث للصحافة الغربية، بينما على الأرض ومع بقية المكونات السورية، يتم تفعيل الوجه الأصلي للسلفي غير “الكيوت” على الإطلاق.

كثر من السوريين، وكنت منهم، استبشروا خيراً بفرار الأسد، ظنّاً منهم أن وجوده كشخص كان حائلاً دون قيام دولة المواطنة والتعدّدية، أو على الأقل سيشكل فراره بداية لحلّ قد تحصل معجزة ما ويجترحه السوريون المشتتون،  أو على الأقل تفرضه الدول التي يهمّها الشأن السوري، رعاية لمصالحها أو لمصالح ملحقاتها، لكن سرعان ما بدّدت هذه الأحلام الوردية ممارسات سلطة الأمر الواقع الجديد القديمة، وبدا أن ما يحصل مجرد عرض حلقات قديمة من مسلسل بائس، شاهدناه مراراً ولا نعلم كيفية تبديل القناة، لأن الريموت كونترول في مكان لا تصله أيدينا.

أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أستعجب

بدا الجولاني، أو ” السيد أحمد الشرع” كما تقدّمه الوظيفة الجديدة، سعيداً للغاية، بأطقمه الجديدة وربطات عنقه المختارة بعناية، وبدا للجميع أن شمساً جديدة قد أشرقت على سوريا، الى درجة أن بعض الأصدقاء ممن يكتبون هنا وهناك، في المواقع التي تموّل من الجهة نفسها التي رتّبت مقتلة السوريين، تحدّثوا عن سماء أكثر زرقة وأشجار أكثر خضرة، وحتى الهواء بدا أنظف كما يقولون، خصوصاً حين حُطِّمت التماثيل الكثيرة، والقبيحة، لحافظ الأسد، فيما ظهر وكأن سوريا تغسل عار أكثر من خمسين سنة من الاستبداد، تمهيداً لدخول عهد جديد، لكن…

لم يمض وقت طويل حتى انتحى “علم الثورة” الذي انضوى خلفه الكثير من “مقاتلي الحرية” والفصائل الإسلامية، وظهر العلم الذي يفضّلونه، والذي يمثّل الأيديولوجية التي تحرّكهم، علم “جبهة النصرة”، وفي بعض الأحيان علم “داعش”، (طبعاً تحت ضغط “الجمهور” أزيل العلم لاحقاً وأزيل هو والأناشيد الجهادية من بث التلفزيون السوري).

 يبدو جلياً أن أحمد الشرع هو مجرد “طقم عمل” أو قناع مسرحي لـ “أبو محمد الجولاني”، يضعه في المقابلات التلفزيونية والحديث للصحافة الغربية، بينما على الأرض ومع بقية المكونات السورية، يتم تفعيل الوجه الأصلي للسلفي غير “الكيوت” على الإطلاق.

هذا التلاعب المسرحي المتذاكي، الذي يشبه ما كان يقوم به بشار الأسد، وإن بجدية أكبر وبغير السفسطة السخيفة للأسد الفار، لا ينطلي على أحد، ولن يصدق أحد أن الجولاني وضع أخاه في وزارة الصحة بناء على موهبته الفريدة كطبيب، ووزّع الرتب العسكرية على مطلوبين من جنسيات غير سورية، بناء على مهاراتهم غير المكرّرة كقادة عسكريين، إنما لأن الولاء هو المعيار الأوحد للتعيين، الى درجة أننا نتساءل: من يوجد فعلاً الآن في القصر الجمهوري، بشار الأسد أم الجولاني؟ أو هل غادر بشار الأسد القصر الجمهوري حقاً؟

القناع المسرحي القديم

كانت الأقنعة في المسرح اليوناني من أهم ملحقات “الدور”، وضمّت مجموعة كبيرة من “المشاعر” المتباينة، لإضفاء الحد الأقصى الممكن من التعبير، وبالمجمل تستخدم الأقنعة عندما يراد إضافة مظهر لا يستطيع الممثل، بحكم السن أو الجنس أو المكانة الاجتماعية، إظهاره عبر وجهه العاري، ويحكى أن أول من استخدم القناع (الممثل الروماني روسيوس جالوس) استخدمه لإخفاء عيب في عينه.

لكن القناع الجمهوري السوري في حالة الجولاني أو الشرع يبدو  كقناع مركّب فوق قناع، قناع الجهادي السلفي الذي يتعاون مع أجهزة الاستخبارات التي عمّمته وكبّرته ودعمته لوجستياً ليستولي على السلطة، ثم القناع الجديد: الرئيس العاقل، الذي يرغب في الانتقال بدولته الناشئة إلى حيث يرضى عنها الجميع ولو خسر أكثر من نصف أراضيها.

مشكلة قناع الجولاني الذي يريدنا أن نصدّقه أنه عتيق للغاية، أي قبل أن يتكاثف المسرح ويدخل النص المسرحي إلى تعقيدات أبعد من الجدية والهزال. ما زال قناعاً قبل المسرح، قناعاً بسيط لا يقول أكثر مما رسم على سطحه، قناعاً بلا أبعاد عميقة، لا نفسية ولا وطنية حتى، قناعاً يقول: “الجولاني لمن اعتدى والشرع لمن اهتدى”، ضارباً عرض الحائط بكل القيم “الثورية” التي يمكن أن يبنى عليها نص حقيقي أو سردية تجعل الجمهور يخرج من المسرح وهو راض لأنه دفع ثمن تذكرة دموية خلال أزيد من ثلاث عشرة سنة. 

ومشكلة القناع الأخرى أنه لا يحتمل تأويلاً يمكن أن نختلف عليه، لا يسمح للمشاهد أن يخطئ في قراءته، وربما لن يكون مفاجئاً إذا باغت الناس السيد الرئيس الجديد، بعد انتهاء العرض، في غرفة الملابس، ليجدوا أن بشار الأسد يكمن تحت قناع الشرع.

النسخة المحسّنة

أبو محمد الجولاني، أو أحمد الشرع في النسخة الأكثر “نظافة” للإعلام الخليجي، القائد القادم من خلفية جهادية، وعلى رغم محاولته التنصّل منها في كل خطابه نحو الخارج غير السوري طبعاً، لم يتوان عن وضع “إخوة الجهاد” في المناصب الأكثر حساسية، كوزارة الدفاع ووزارة الخارجية ورئاسة الاستخبارات، ومؤخراً وزارة الدفاع، فبينما يظهر للوفود القادمة من الخارج رغبة في التخلي عن هذا الوجه القبيح، الذي جعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يضعانه ومنظمته على لائحة الإرهاب، وأن سوريا لا تدار بعقلية الفصيل المسلح، لم يستطع أن يضبط الوحش الجائع في داخل منظمته والفصائل المنضوية تحت مسمى هيئة التحرير، فتتالت الانتهاكات القائمة على أساس طائفي، سواء ضد العلويين، “العدو” الأبدي للمنظمات الجهادية السورية، أو ضد المسيحيين “أعداء الملّة”، وما يرد يومياً من أخبار موثقة بالفيديو عن قتل مستمرّ بناء على الهوية الطائفية، والانتهاكات بحق أماكن العبادة.

اثنان وعشرون وزيراً مسلماً جهادياً، بعضهم على قائمة الإرهاب الدولية، ولبعضهم فيديوهات موثقة يرتكبون فيها انتهاكات، اختارهم الجولاني لحكومته الجديدة، ضارباً بعرض الحائط كل ما قاله للوفود الغربية، وللتلفزة التي تحاول “غسله” وتنظيفه من أدران “الإرهاب”، وما إن تمت تسميتهم حتى بدأت بوادر “حرية النصرة” تتوالى: جدل تعديل المناهج الدراسية بما يتناسب مع “الشرع” الإسلامي، انتشار الدعوات العلنية لوضع الحجاب، دعوات لمنع الاختلاط في وسائل النقل والجامعات والمدارس، صرف الموظفين الحكوميين خصوصاً العلويين منهم، وإيقاف صرف الرواتب التقاعدية للعسكريين وذوي الشهداء، الإعدام من دون محاكمة والقتل لمن استطاع إليه سبيلاً… حلّ مجلس الشعب وحلّ الجيش و”هزم الأحزاب وحده”، ثم تنصيب نفسه رئيساً لجمهورية سوريا التي لا تعترف أيديولوجيته أصلاً بحقها في الوجود، وكنا نظنّ أن حافظ الأسد فقط من يفعل ذلك.

ولأننا “لا نحتاج أن نشرب البحر كله لندرك أنه مالح”، كما يقول المثل الإنكليزي، و”المكتوب بيبان من عنوانه”، السوري، فأظن أن كثيراً من السوريين سيندمون على فرحتهم تلك في يوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهم إن لم يقولوها علانية اليوم، لأنهم فرحون حقاً بالخلاص من طغمة الأسد الملعونة، فالأيام المقبلة ستجبرهم على ذلك.

العودة 

لكل بيت، غالباً، رائحة مميزة تختلف عن البيوت الأخرى، أسميها “رائحة الألفة”، قد تكون ببساطة رائحة المنظفات المستخدمة في البيت أو البهارات المحددة المستخدمة بكثرة في الوجبات، لكن هذا يصنع رائحة مميزة لكل منزل، وكذلك المدن، فيقال إنك عندما تنزل في نيودلهي، وبمجرد خروجك من المطار، تشم رائحة “الكاري” الذي يستخدمه الهنود غالباً في وجباتهم التقليدية.

عندما نزلت في باريس للمرة الأولى، ثم خرجت إلى الشارع باحثاً عن القطار الذي سيأخذني إلى وجهتي، أول إحساس انتابني كان الانقباض. ثمة رائحة أليفة وقبيحة في كل مكان. لا أستطيع تفسيرها أو تبيان ماهيتها. لاحقاً عندما دخلت إلى تواليت عمومي عرفتها. كانت رائحة البول. هواء باريس مشبع برائحة النشادر وبول الحيوانات، وهذا ما أقوله للجميع عندما يسألونني عن باريس: إنها قذرة فقط. للأسف، أشعر أن سوريا كذلك الأمر، وأنني عندما أنزل في مطار دمشق، إذا نزلت يوماً ما، ستهب في وجهي رائحة “الشرع” الكريهة فقط.