ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هل نعجز قريباً عن عدّ نجوم السماء؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أنَّ تلوّث الهواء بلغ مستوى غير مسبوق في تاريخ الأرض وغلافها الجوي، متجاوزًا قدرة حدود الكوكب على الاحتمال. هذا الواقع سيحول دون رؤية ما اعتادت عليه عيون الإنسان منذ مئات الآلاف من السنين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أوّلُ درسٍ تعلَّمتُه عن السماء، أو معطفِ الأرض كما أحبّ أن أسمّيها، هو أنَّ عدَّ النجوم، على الرغم من لمعانها النافر في ظلام الليل، كان أمرًا صعبًا للغاية. وكلّما تاهت مخيّلتي بين النجوم المنتشرة أثناء العدّ، عدتُ مجدداً لأضع نجمةً تلوَ أخرى في سلّة خيالي الطفولي.

كانت المخيّلة تأخذ طريقها من سطوح بيوتنا الطينية، حيث كنّا ننام، إلى درب التبّانة في ظلام الليالي الصيفيّة. وأثناء التعداد المتكرّر للنجوم، ونسيان ما جمعته في مخيّلتي، كنتُ أستسلم للنوم، لكنّني لم أشعر بالإحباط أبداً حين كان يتكرّر المشهد في الليالي التالية. لقد أصبح إطلاق العنان لرغبة العبور إلى ذلك الوادي المضيء في عمق السماء شكلاً من أشكال العلاقة بين سكّان دروب كوكب الأرض والكواكب الأخرى.

كانت دروب الأرض صافية، وكذلك السماء، إذ كانت تتيح لنا رؤية مجرّات درب التبّانة، وتمنحنا نحن أطفال الأرض فرصة التحليق عاليًا في فيض الأنوار البعيدة. ولهذا الحديث علاقة وثيقة بحدود الأرض وأحوالها وصحّتها، وصلتها – بطبيعة الحال – بذلك الوادي المضيء الذي يبعد عنّا مليارات السنين الضوئية.

الأمر ببساطة هو أنّ مجرّة درب التبّانة هي موطن الأرض والكثير من الكواكب الأخرى، ونحن، الأطفال، كنّا ننظر إلى الكواكب المجاورة ونعدّها، إنّما على هيئة نجوم معلّقة في رقبة السماء اللامتناهية. 

لا تفصلنا سوى عقود قليلة عن تلك العلاقة الحميمة التي كانت تتّسم بشيءٍ من الشعرية والرياضيات مع عائلة مجرّة درب التبّانة، غير أنّ ملامح اختفائها عن الأنظار تبدو قريبةً جدًّا؛ وقد تصبح الحكاية التي رويتها جزءًا من الماضي.

أيعقل ذلك؟ كيف يمكن أن تصبح علاقتنا نحن سكّان الأرض ببقيّة كواكب مجرّتنا الحلزونيّة شيئًا من الذكريات؟ إنّه سؤالٌ قد يبدو غير منطقي، لكنّنا إذا نظرنا إلى أحوال الأرض وعتباتها التي كنّا نكرّر من خلالها، من دون ملل، عدَّ النجوم، يتّضح لنا أنّ احتمال حجب تلك الشُّهُب بات واقعًا نعيش ملامحه الأولى.

القصة وما فيها، أنَّ تلوّث الهواء بلغ مستوى غير مسبوق في تاريخ الأرض وغلافها الجوي، متجاوزًا قدرة حدود الكوكب على الاحتمال. هذا الواقع سيحول دون رؤية ما اعتادت عليه عيون الإنسان منذ مئات الآلاف من السنين. فمن بين حدود الأرض التسعة، تمّ تجاوز سبعة منها، وهي: تغيّر المناخ، وإزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وتراكم المواد الكيميائية الاصطناعية، وندرة المياه العذبة، واختلال دورة النيتروجين، وتدهور حالة المحيطات. ويستند هذا إلى تقييمٍ حديث أجراه باحثون دوليون حول سلامة نظام الأرض في مركز ستوكهولم للمرونة.

وتشمل حدود الكوكب التسعة: تغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتغيّر استخدامات الأراضي، واستخدام المياه العذبة، وتحمّض المحيطات، وتلوّث الهباء الجوي، والتلوّث الكيميائي، ونضوب طبقة الأوزون، والكيانات الجديدة. هذه الحدود مترابطة في ما بينها ضمن منظومة الأرض، بحيث يؤدّي الخلل في أيٍّ منها إلى اضطرابٍ في بقيّتها.

يؤكّد التقييم الجديد أنّ الأنشطة البشريّة دفعت الأرض إلى ما يتجاوز نطاق عملها الآمن، الأمر الذي يُضعف مرونتها الطبيعيّة. يشير تسارع الاحترار العالمي، وعلامات التدهور في النُّظم البيئيّة، إلى جانب إنذاراتٍ أخرى مبكّرة، إلى تحوّلٍ في أنظمةٍ رئيسيّة على الكوكب. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنّما يدلّ على دخولنا عصر الأنثروبوسين، العصر الذي يهيمن فيه النشاط البشري على نظام الأرض. وهكذا يصبح عصر الهولوسين، الذي استمرّ نحو عشرة آلاف عام، خلفنا بالفعل.

يُعَدّ هذا التقييم الجديد لنظام الأرض التحديثَ الرئيسيّ الثالث، بعد تحديثين سابقين أُجري الأوّل عام 2015 والثاني عام 2023. وقد أظهر التقييم العلمي الثاني أنّ الحدّ الوحيد الذي لم يتجاوز قدرته على التحمّل هو عتبة طبقة الأوزون، في حين كانت عتبتا المحيطات والهواء تقتربان من تجاوز قدرتهما على المقاومة بفعل النشاط البشري.

وجاء التقييم الثالث، الصادر بعنوان “فحص صحّة الكوكب لعام 2025″، ليكشف عن تطوّرٍ جديدٍ صارخ، إذ تمّ تقييم تجاوز حدّ حموضة المحيطات للمرّة الأولى. فمنذ بداية العصر الصناعي، انخفض الرقم الهيدروجيني (pH) لسطح المحيطات بنحو 0.1  وحدة، أي بزيادةٍ في الحموضة تُقدَّر بنسبة 30  إلى 40 بالمئة، الأمر الذي دفع النُّظُم البيئيّة البحريّة إلى تجاوز حدودها الآمنة، وأضعف قدرة المحيطات على أداء دورها الحيوي كمُثبِّتٍ للتوازن المناخي على الأرض.

وبحسب البيانات المتوافرة على موقع مركز ستوكهولم للمرونة حول سلامة نظام الأرض، شهد العقدان الأخيران من القرن الحالي تجاوزاتٍ متسارعة في حدود الكوكب التسعة، نتيجةً للنشاط البشري المفرط في استغلال الموارد الطبيعيّة والانبعاثات الناجمة عنه. ففي عام 2009، تمّ تسجيل تجاوز ثلاثة من مكوّنات نظام الأرض للحدود المسموح بها، وهي: المحيط الحيوي (فقدان التنوع الأحيائي)، وتغيّر المناخ (ارتفاع تركّز الغازات الدفيئة)، والدورات البيوجيوكيميائية (الفوسفور والنيتروجين). ويُعَدّ كلٌّ من المناخ والمحيط الحيوي عنصرين أساسيين في توازن نظام الأرض، إذ يؤدّي أيّ خللٍ فيهما إلى تغيّراتٍ عميقة في الحدود الأخرى. وفي عام 2015، أُضيف تغيّر استخدامات الأراضي إلى قائمة المعابر الحدودية التي تجاوزت قدرتها على التحمّل.

يعتمد الباحثون في تقييمهم حدود الأرض التسعة على مقاييس علميّة دقيقة لفهم التفاعلات المعقّدة والحيويّة بين العناصر المكوِّنة لنظام الأرض، وكذلك مرونة النُّظم البيئيّة والاجتماعيّة. بناءً على التقييم الجديد، ليس بإمكان الأرض أن تتجاوز حدودها التسعة إذا أرادت البشريّة أن تظلّ قادرةً على العيش في نظامٍ بيئيٍّ آمن.

وباختصار، يقيس العلماء سلامة نظام الأرض وفق الحدود التالية:

تغيّر المناخ: يُحدَّد من خلال تركّز ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الأخرى في الغلاف الجوي.

فقدان التنوع البيولوجي: يُقاس عبر معدّل انقراض الأنواع النباتيّة والحيوانيّة.

تغيّر استخدامات الأراضي: من خلال تحوّل الموائل الطبيعيّة إلى أراضٍ زراعيّة أو مستوطنات بشريّة.

استخدام المياه العذبة: عبر قياس استهلاك البشر واستغلالهم موارد المياه السطحيّة والجوفية.

تحمّض المحيطات: يُقاس بانخفاض درجة الحموضة في مياه المحيطات نتيجة امتصاصها ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

حمل الهباء الجوي: يُحدَّد عبر كمية الجسيمات الدقيقة في الهواء، مثل السخام والكبريتات.

التلوّث الكيميائي: يُعرَّف بإطلاق المواد الكيميائية الاصطناعية في البيئة، إذ أصبحت كميات النيتروجين المنتَجة صناعيًّا اليوم تتجاوز الضعف مقارنةً بما تولّده النُّظم الطبيعيّة.

استنفاد طبقة الأوزون: يُقاس بفقدان الأوزون في طبقة الستراتوسفير بسبب إطلاق مركّبات الكلوروفلوروكربون (CFCs).

الكيانات الجديدة (New Entities): وتشمل ظهور مواد ومركّبات لم تكن موجودة في الطبيعة سابقًا، مثل البلاستيك الدقيق والمبيدات والمخلفات النووية.

التركيز العالمي على تغيّر المناخ وحده لا يكفي لحماية الأرض وضمان استدامتها، إذ إنّ جميع الحدود بدأت تتغيّر في الوقت نفسه، وتفقد قدرتها على التحمّل والمقاومة. وهذا يمثّل نقطة تحوّل حرجة تزيد من المخاطر التي تهدّد البشر والنُّظم البيئيّة على كوكب الأرض.

وقد تجلّى هذا التدهور بوضوح في انقراض طائر الكروان نحيل المنقار، الذي أعلن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) رسميًا عن اختفائه من الوجود في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2025. كان هذا الطائر يُعَدّ رمزًا للتنوّع البيولوجي في القارّة الأوروبيّة، وانقراضه اليوم ليس مجرّد خسارة نوعٍ واحد، بل إشارة مؤلمة إلى الانهيار الهادئ الذي يصيب النُّظم البيئيّة في العالم. وقد تلي هذا الانقراضَ انقراضاتٌ أخرى محتملة في النُّظم البيئيّة المائيّة، نتيجة ازدياد حموضة المحيطات بنسبةٍ تتراوح بين 30 و40 في المئة، وفقًا للتقييم الحالي لصحّة الكوكب لعام 2025.

لذلك، يشكّل فهم التفاعل بين حدود الكوكب التسعة – خصوصًا بين تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي – أمرًا جوهريًا في العلم والممارسة والسياسات البيئية، وكذلك في رسم استراتيجيات الاستدامة وتعزيز المرونة في مواجهة الأزمة الإيكولوجية. وعلى الرغم من أنّ التغيّرات البيئية وآثارها على حياة مجتمعات الأرض لا تحدث بين ليلةٍ وضحاها، فإنّ تجاوز حدود الكوكب التسعة بالوتيرة المتسارعة التي نشهدها اليوم يزيد من خطر تحوّلاتٍ مفاجئةٍ لا عودة منها، وقد يحجب عنّا يومًا ما رؤيةَ النجوم المعلّقة في السماء.

جنى بركات - صحافية لبنانية | 14.11.2025

“ستارلينك” لبنان: ما علاقتها بوزير الاتّصالات وبالشبهات المرتبطة بمعاقَب أميركياً؟ 

مع دخول "ستارلينك" إلى لبنان، برزت إشكالية حول مساعي الشركة الأميركية للتعاقد مع "Connect Services Liberia" كموزّع لخدمات "ستارلينك" في لبنان، من دون فتح باب المنافسة بين الشركات الأخرى، وهي الشركة التي سبق أن ترأّسها وزير الاتّصالات الحالي شارل الحاج. 

أنَّ تلوّث الهواء بلغ مستوى غير مسبوق في تاريخ الأرض وغلافها الجوي، متجاوزًا قدرة حدود الكوكب على الاحتمال. هذا الواقع سيحول دون رؤية ما اعتادت عليه عيون الإنسان منذ مئات الآلاف من السنين.

أوّلُ درسٍ تعلَّمتُه عن السماء، أو معطفِ الأرض كما أحبّ أن أسمّيها، هو أنَّ عدَّ النجوم، على الرغم من لمعانها النافر في ظلام الليل، كان أمرًا صعبًا للغاية. وكلّما تاهت مخيّلتي بين النجوم المنتشرة أثناء العدّ، عدتُ مجدداً لأضع نجمةً تلوَ أخرى في سلّة خيالي الطفولي.

كانت المخيّلة تأخذ طريقها من سطوح بيوتنا الطينية، حيث كنّا ننام، إلى درب التبّانة في ظلام الليالي الصيفيّة. وأثناء التعداد المتكرّر للنجوم، ونسيان ما جمعته في مخيّلتي، كنتُ أستسلم للنوم، لكنّني لم أشعر بالإحباط أبداً حين كان يتكرّر المشهد في الليالي التالية. لقد أصبح إطلاق العنان لرغبة العبور إلى ذلك الوادي المضيء في عمق السماء شكلاً من أشكال العلاقة بين سكّان دروب كوكب الأرض والكواكب الأخرى.

كانت دروب الأرض صافية، وكذلك السماء، إذ كانت تتيح لنا رؤية مجرّات درب التبّانة، وتمنحنا نحن أطفال الأرض فرصة التحليق عاليًا في فيض الأنوار البعيدة. ولهذا الحديث علاقة وثيقة بحدود الأرض وأحوالها وصحّتها، وصلتها – بطبيعة الحال – بذلك الوادي المضيء الذي يبعد عنّا مليارات السنين الضوئية.

الأمر ببساطة هو أنّ مجرّة درب التبّانة هي موطن الأرض والكثير من الكواكب الأخرى، ونحن، الأطفال، كنّا ننظر إلى الكواكب المجاورة ونعدّها، إنّما على هيئة نجوم معلّقة في رقبة السماء اللامتناهية. 

لا تفصلنا سوى عقود قليلة عن تلك العلاقة الحميمة التي كانت تتّسم بشيءٍ من الشعرية والرياضيات مع عائلة مجرّة درب التبّانة، غير أنّ ملامح اختفائها عن الأنظار تبدو قريبةً جدًّا؛ وقد تصبح الحكاية التي رويتها جزءًا من الماضي.

أيعقل ذلك؟ كيف يمكن أن تصبح علاقتنا نحن سكّان الأرض ببقيّة كواكب مجرّتنا الحلزونيّة شيئًا من الذكريات؟ إنّه سؤالٌ قد يبدو غير منطقي، لكنّنا إذا نظرنا إلى أحوال الأرض وعتباتها التي كنّا نكرّر من خلالها، من دون ملل، عدَّ النجوم، يتّضح لنا أنّ احتمال حجب تلك الشُّهُب بات واقعًا نعيش ملامحه الأولى.

القصة وما فيها، أنَّ تلوّث الهواء بلغ مستوى غير مسبوق في تاريخ الأرض وغلافها الجوي، متجاوزًا قدرة حدود الكوكب على الاحتمال. هذا الواقع سيحول دون رؤية ما اعتادت عليه عيون الإنسان منذ مئات الآلاف من السنين. فمن بين حدود الأرض التسعة، تمّ تجاوز سبعة منها، وهي: تغيّر المناخ، وإزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وتراكم المواد الكيميائية الاصطناعية، وندرة المياه العذبة، واختلال دورة النيتروجين، وتدهور حالة المحيطات. ويستند هذا إلى تقييمٍ حديث أجراه باحثون دوليون حول سلامة نظام الأرض في مركز ستوكهولم للمرونة.

وتشمل حدود الكوكب التسعة: تغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتغيّر استخدامات الأراضي، واستخدام المياه العذبة، وتحمّض المحيطات، وتلوّث الهباء الجوي، والتلوّث الكيميائي، ونضوب طبقة الأوزون، والكيانات الجديدة. هذه الحدود مترابطة في ما بينها ضمن منظومة الأرض، بحيث يؤدّي الخلل في أيٍّ منها إلى اضطرابٍ في بقيّتها.

يؤكّد التقييم الجديد أنّ الأنشطة البشريّة دفعت الأرض إلى ما يتجاوز نطاق عملها الآمن، الأمر الذي يُضعف مرونتها الطبيعيّة. يشير تسارع الاحترار العالمي، وعلامات التدهور في النُّظم البيئيّة، إلى جانب إنذاراتٍ أخرى مبكّرة، إلى تحوّلٍ في أنظمةٍ رئيسيّة على الكوكب. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنّما يدلّ على دخولنا عصر الأنثروبوسين، العصر الذي يهيمن فيه النشاط البشري على نظام الأرض. وهكذا يصبح عصر الهولوسين، الذي استمرّ نحو عشرة آلاف عام، خلفنا بالفعل.

يُعَدّ هذا التقييم الجديد لنظام الأرض التحديثَ الرئيسيّ الثالث، بعد تحديثين سابقين أُجري الأوّل عام 2015 والثاني عام 2023. وقد أظهر التقييم العلمي الثاني أنّ الحدّ الوحيد الذي لم يتجاوز قدرته على التحمّل هو عتبة طبقة الأوزون، في حين كانت عتبتا المحيطات والهواء تقتربان من تجاوز قدرتهما على المقاومة بفعل النشاط البشري.

وجاء التقييم الثالث، الصادر بعنوان “فحص صحّة الكوكب لعام 2025″، ليكشف عن تطوّرٍ جديدٍ صارخ، إذ تمّ تقييم تجاوز حدّ حموضة المحيطات للمرّة الأولى. فمنذ بداية العصر الصناعي، انخفض الرقم الهيدروجيني (pH) لسطح المحيطات بنحو 0.1  وحدة، أي بزيادةٍ في الحموضة تُقدَّر بنسبة 30  إلى 40 بالمئة، الأمر الذي دفع النُّظُم البيئيّة البحريّة إلى تجاوز حدودها الآمنة، وأضعف قدرة المحيطات على أداء دورها الحيوي كمُثبِّتٍ للتوازن المناخي على الأرض.

وبحسب البيانات المتوافرة على موقع مركز ستوكهولم للمرونة حول سلامة نظام الأرض، شهد العقدان الأخيران من القرن الحالي تجاوزاتٍ متسارعة في حدود الكوكب التسعة، نتيجةً للنشاط البشري المفرط في استغلال الموارد الطبيعيّة والانبعاثات الناجمة عنه. ففي عام 2009، تمّ تسجيل تجاوز ثلاثة من مكوّنات نظام الأرض للحدود المسموح بها، وهي: المحيط الحيوي (فقدان التنوع الأحيائي)، وتغيّر المناخ (ارتفاع تركّز الغازات الدفيئة)، والدورات البيوجيوكيميائية (الفوسفور والنيتروجين). ويُعَدّ كلٌّ من المناخ والمحيط الحيوي عنصرين أساسيين في توازن نظام الأرض، إذ يؤدّي أيّ خللٍ فيهما إلى تغيّراتٍ عميقة في الحدود الأخرى. وفي عام 2015، أُضيف تغيّر استخدامات الأراضي إلى قائمة المعابر الحدودية التي تجاوزت قدرتها على التحمّل.

يعتمد الباحثون في تقييمهم حدود الأرض التسعة على مقاييس علميّة دقيقة لفهم التفاعلات المعقّدة والحيويّة بين العناصر المكوِّنة لنظام الأرض، وكذلك مرونة النُّظم البيئيّة والاجتماعيّة. بناءً على التقييم الجديد، ليس بإمكان الأرض أن تتجاوز حدودها التسعة إذا أرادت البشريّة أن تظلّ قادرةً على العيش في نظامٍ بيئيٍّ آمن.

وباختصار، يقيس العلماء سلامة نظام الأرض وفق الحدود التالية:

تغيّر المناخ: يُحدَّد من خلال تركّز ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الأخرى في الغلاف الجوي.

فقدان التنوع البيولوجي: يُقاس عبر معدّل انقراض الأنواع النباتيّة والحيوانيّة.

تغيّر استخدامات الأراضي: من خلال تحوّل الموائل الطبيعيّة إلى أراضٍ زراعيّة أو مستوطنات بشريّة.

استخدام المياه العذبة: عبر قياس استهلاك البشر واستغلالهم موارد المياه السطحيّة والجوفية.

تحمّض المحيطات: يُقاس بانخفاض درجة الحموضة في مياه المحيطات نتيجة امتصاصها ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

حمل الهباء الجوي: يُحدَّد عبر كمية الجسيمات الدقيقة في الهواء، مثل السخام والكبريتات.

التلوّث الكيميائي: يُعرَّف بإطلاق المواد الكيميائية الاصطناعية في البيئة، إذ أصبحت كميات النيتروجين المنتَجة صناعيًّا اليوم تتجاوز الضعف مقارنةً بما تولّده النُّظم الطبيعيّة.

استنفاد طبقة الأوزون: يُقاس بفقدان الأوزون في طبقة الستراتوسفير بسبب إطلاق مركّبات الكلوروفلوروكربون (CFCs).

الكيانات الجديدة (New Entities): وتشمل ظهور مواد ومركّبات لم تكن موجودة في الطبيعة سابقًا، مثل البلاستيك الدقيق والمبيدات والمخلفات النووية.

التركيز العالمي على تغيّر المناخ وحده لا يكفي لحماية الأرض وضمان استدامتها، إذ إنّ جميع الحدود بدأت تتغيّر في الوقت نفسه، وتفقد قدرتها على التحمّل والمقاومة. وهذا يمثّل نقطة تحوّل حرجة تزيد من المخاطر التي تهدّد البشر والنُّظم البيئيّة على كوكب الأرض.

وقد تجلّى هذا التدهور بوضوح في انقراض طائر الكروان نحيل المنقار، الذي أعلن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) رسميًا عن اختفائه من الوجود في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2025. كان هذا الطائر يُعَدّ رمزًا للتنوّع البيولوجي في القارّة الأوروبيّة، وانقراضه اليوم ليس مجرّد خسارة نوعٍ واحد، بل إشارة مؤلمة إلى الانهيار الهادئ الذي يصيب النُّظم البيئيّة في العالم. وقد تلي هذا الانقراضَ انقراضاتٌ أخرى محتملة في النُّظم البيئيّة المائيّة، نتيجة ازدياد حموضة المحيطات بنسبةٍ تتراوح بين 30 و40 في المئة، وفقًا للتقييم الحالي لصحّة الكوكب لعام 2025.

لذلك، يشكّل فهم التفاعل بين حدود الكوكب التسعة – خصوصًا بين تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي – أمرًا جوهريًا في العلم والممارسة والسياسات البيئية، وكذلك في رسم استراتيجيات الاستدامة وتعزيز المرونة في مواجهة الأزمة الإيكولوجية. وعلى الرغم من أنّ التغيّرات البيئية وآثارها على حياة مجتمعات الأرض لا تحدث بين ليلةٍ وضحاها، فإنّ تجاوز حدود الكوكب التسعة بالوتيرة المتسارعة التي نشهدها اليوم يزيد من خطر تحوّلاتٍ مفاجئةٍ لا عودة منها، وقد يحجب عنّا يومًا ما رؤيةَ النجوم المعلّقة في السماء.

|

اشترك بنشرتنا البريدية