fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مشكلتنا كانت، وستبقى، هنا، في تلك الرطانة التي أعلت “المقاومة” إلى مرتبة المقدس، من دون أن تعطي المجال لسؤال بسيط: هل تلك “المقاومة” قدر أسطوري، أم هي خيار، ضمن مجموعة خيارات، لن يعدمها أي مجتمع بشري، خيار لا يكتسب شرعيته إلا بوجود غالبية، إن لم يكن إجماعاً، تنعقد حوله؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما يخطر لي سؤال كـ” هل هزم محور المقاومة فعلاً؟!”، أول ما يتبادر إلى ذهني هو سؤال آخر، يعنيني بشكل مباشر وشخصي، كما يعني ملايين غيري من الضحايا المباشرين لحقبة الهيمنة الإيرانية، سؤال مفاده: “هل ستنتهي هذه الحقبة، بكل امتداداتها الميليشياوية في منطقتنا؟!”. ومن ثم أعود إلى رشدي سريعاً، عبر كابوس آخر، ولو أنه لم يحدث بعد، كابوس يحكي أن المشروع الإيراني، إن هزم في منطقتنا، لن يلبث أن يظهر مشروع آخر يكون بديلاً له، وتحت العنوان نفسه “المقاومة”، ربما كان مشروعاً تركياً، وبتمويل قطري، كالعادة، لينتهي بنا المطاف خارجين من حقبة حسن نصرالله، وداخلين في حقبة… أبو عمشة!

قد يكون المشروع الإيراني قد هزم فعلاً في منطقتنا، أو ربما هو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكن، منذ متى توقفنا عن إحراز الهزائم، في مواجهة “عدونا الغاشم”، منذ تأسيس دولة إسرائيل إلى يومنا هذا؟!، هل من قائد عظيم كبير مفدى، لم يتلق من الإهانات على أرض المعركة ما يجعله يفكر، لو كان بشراً سوياً، في الانتحار فعلاً، وليس فقط في مسرحية استقالة هزيلة، كتلك التي أتحفنا بها “جمال عبد الناصر” إثر عاره الساحق بعد هزيمة 1967؟

 قادتنا لا يهزمون إلا بالموت، طبيعياً كان أو غيلة، ولكن مع ذلك، تبقى مشاريعهم قائمة، إذ لا نلبث أن نبتلى بقائد جديد يحمل الراية، ويتابع المسيرة، ساحقاً إياناً جميعاً، في طريقه إلى نصر لم يأت أبداً. المشكلة ليست في من يحمل الراية، ولا حتى في النصر، إن تحقق بمعجزة إلهية، المشكلة هي في الراية نفسها، وما كتب عليها من عنوان وحيد، امتلك قداسة لا تضاهى، في ثقافة لا تكف عن خلق المقدسات. المشكلة في المقاومة نفسها.

من ينتج الثقافة السائدة ولمصلحة من؟ 

عندما تسود ثقافة ما في مجتمع بشري محدّد، فإن هذه الثقافة ليست من إنتاج ذلك المجتمع، بقدر ما هي من إنتاج الفئة المهيمنة في هذا المجتمع، الفئة التي تريد لهذه الثقافة أن تسود، حتى تبرر وتؤبد، إن أمكن، هيمنتها. نحن، “المؤمنين” بهذه الثقافة أو تلك، لسنا إلا أناساً عاديين. نحن- أباء وأمهات، محبون أو شديدو الخوف والتوتر؛ أولاد وبنات، صالحون أو أشقياء- نريد “حكاية مؤسسة” لتمنح اجتماعنا هدفاً ومغزى ما. 

هذا دأبنا، مذ كنا صيادين وجامعي ثمار، في عصور ما قبل التاريخ، إلى أن دخلنا حقبة الذكاء الصناعي- سؤال المغزى، للمناسبة، هو أعمق سؤال طرح حتى الآن في مواجهة احتمالات تلك الحقبة الجديدة- لا يمكن لأي اجتماع بشري أن يكتمل من دون تلك الحكاية التي تبنى عليها الثقافة السائدة. وفي ثقافتنا نحن، عرب ما بعد تأسيس إسرائيل، ابتلينا بـ “المقاومة” كعنوان رئيسي لحكايتنا، مأساتنا. 

هذه “حكاية” قديمة!

وحتى لا يذهب الظن بعيداً بأنني اتّهِمنا بقصور “ثقافي” من أي نوع، عبر تبني مقدس ما بدون أية مساءلة أو حتى رغبة في أي نوع من المساءلة، أقول إن هذا دأب كل المجتمعات البشرية المعاصرة، أياً كان تصنيفها على سلم “الرقي”. لنأخذ حالة المجتمع الأميركي الآن، عشرات الملايين صوتوا، وما زالوا مصرّين على التصويت لصالح مرشح أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه فاشي، دونالد ترامب- تجاوز عدد الأصوات التي حصدها في الانتخابات الأخيرة السبعين مليون صوت- وهذا كله لأن تلك الملايين خضعت، راضية في ما يبدو، لحكاية في غاية التهافت والفاشية والكره للآخر أياً كان، روجها ذلك المرشح الموتور، وعصابته معه.

لم يسأل أحد إن كان الرجل يقول كلاماً صحيحاً على الأقل، أو حتى كلمة صحيحة واحدة فقط، حتى في ما يتعلق بما يعنيهم جميعاً، الوضع الاقتصادي في البلاد. خضعوا لـ “مقدسهم” الجديد، وتبنوا عنواناً وحيداً لحكايتهم: لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، أو MAGA. ومضوا في طريقهم الى درجة اجتاحوا فيها أبرز رمز للديموقراطية وحكم المؤسسات في بلدهم ذاته!

وإن نظرنا إلى كلتَي الحالتين، حالتنا وحالة “شعب ترامب”، فسنلاحظ أن هناك فهماً سحرياً فعلاً للعالم المحيط. فهم لا يريد أية حقائق موضوعية لتكون عقبة في طريق انطلاق المخيلة خلف هذا السحر الجذاب. هناك عدو ما- في حالتنا، للأسف، هو معروف ومحدد العنوان ومسلح بما لا يمكن لنا تخيّله حتى- متربص، وعلينا أن ننجز المهمة، إما بجعل بلادنا عظيمة مرة أخرى، أو بمقاومة المحتل، وجعلها عظيمة مرة أخرى. 

ورطة الفهم السحري للعالم

الفهم السحري للعالم ليس آفة تنتجها شعوب مقهورة فقط. الأميركيون أنصار ترامب، ليسوا مقهورين بأي شكل من الأشكال، على الأقل مقارنة بحالنا. نعم لديهم مشاكلهم ومخاوفهم، ويمكن الحديث عنها باستفاضة، ولكنها لا تصل إلى درجة تهديد كيانهم نفسه، كما يفعل بهم ذلك الفهم السحري، فقط لتسود فئة محددة من النخبة السياسية هناك، استكلبت الى درجة ما عاد يهمها إن بقي الكيان كله ما دامت ستخسر سطوتها.

 من ناحيتنا، فنحن لسنا مهددين في كياناتنا السياسية، المنهارة أصلاً، بل في وجودنا الفيزيائي نفسه، ومع ذلك نحن مصرّون على أن نرى الأمور من زاوية محددة: الحق المقدس الذي لا يضيع ما دام وراءه مطالب. وعندما تبني شيئاً ما على فهم سحري لما يحدث لك وحولك، ففي النهاية لن تجني إلا رطانة لغوية تجعلك حبيساً لها، من دون أي أمل بفكاك، حتى ولو كان الثمن دمك يُرهق من دون أية جدوى. 

مشكلتنا كانت، وستبقى، هنا، في تلك الرطانة التي أعلت “المقاومة” إلى مرتبة المقدس، من دون أن تعطي المجال لسؤال بسيط: هل تلك “المقاومة” قدر أسطوري، أم هي خيار، ضمن مجموعة خيارات، لن يعدمها أي مجتمع بشري، خيار لا يكتسب شرعيته إلا بوجود غالبية، إن لم يكن إجماعاً، تنعقد حوله؟

من أنتم؟! 

لم نعط الفرصة قط لنُسأل عن رأينا، تم جرنا إلى المسيرات المؤيدة، وإلى حروب الموت والهزائم المزمنة، فقط لأن قائداً عظيماً ما، لن يرضى الذلة. وما أن ندخل في تلك “الرطانة” الأسطورية، حتى نفقد كل تركيز، ولا ندرك بأن الذلة الوحيدة لذلك القائد العظيم لم تكن إلا خسارته لعرشه فوق رقابنا. ما خلا ذلك، حتى حطام قواته أمام الآلة العسكرية للعدو، التي لم تتوقف عن التطور للحظة، يصبح مجرد خسائر جانبية، تماماً كأرواحنا نحن المدنيين، أمام القائد تفسه والعدو ذاته. 

عندما نطرح “المقاومة” نفسها، أياً كان شكلها، بصفتها خياراً أولاً، وليست عنواناً مقدساً، نحن بهذا نمنح أنفسنا بعض الوقت، ليس لنوفر بعض الضحايا من جانبنا، وأمام الطرفين، بل أيضا لنستعيد جزءاً من إحساسنا بإنسانيتنا، ولنستعيد معها أيضاً حقنا بأن يكون قولنا هو القول الفصل.  

مشكلتنا هنا، قبل البحث في مصير محور المقاومة الحالي، أو السابق، أو اللاحق. مشكلتنا هي في أن من يقرر عنا لا يزال تلك الفئات المهيمنة التي تريد احتكار السلطة، إلى الأبد، لها ولسلالاتها. رافعة فوق رؤوسنا سيوفها، أياً كان الشعار المقدس المحفور فوق تلك السيوف. أما “المقاومة” نفسها، وبصفتها رطانة لغوية حصراً، وليست فعلاً مبنياً على خيار حر، وحسابات واقعية، فستستمر في الحياة ما بقي هناك ديكتاتور، أياً كان حجمه، يتنفس. 

إقرأوا أيضاً:

مريم لطفي- صحفية إيرانيّة | 14.06.2025

عن الفجر الدامي في طهران

يقف مسعف شابّ، يحدّق ببقعة من الدماء على الأرض، في أحد أحياء طهران، يقف متعباً صامتاً بعد ساعات من عمليّات البحث والإنقاذ، ومشاهد الجثث المتفحّمة والأشلاء، يقول لي: "لم أكن أتوقّع أن يشهد جيلنا الحرب... لكنّها ها هي في ديارنا الآن، وها نحن نراها بأمّ أعيننا"
12.10.2024
زمن القراءة: 5 minutes

مشكلتنا كانت، وستبقى، هنا، في تلك الرطانة التي أعلت “المقاومة” إلى مرتبة المقدس، من دون أن تعطي المجال لسؤال بسيط: هل تلك “المقاومة” قدر أسطوري، أم هي خيار، ضمن مجموعة خيارات، لن يعدمها أي مجتمع بشري، خيار لا يكتسب شرعيته إلا بوجود غالبية، إن لم يكن إجماعاً، تنعقد حوله؟

عندما يخطر لي سؤال كـ” هل هزم محور المقاومة فعلاً؟!”، أول ما يتبادر إلى ذهني هو سؤال آخر، يعنيني بشكل مباشر وشخصي، كما يعني ملايين غيري من الضحايا المباشرين لحقبة الهيمنة الإيرانية، سؤال مفاده: “هل ستنتهي هذه الحقبة، بكل امتداداتها الميليشياوية في منطقتنا؟!”. ومن ثم أعود إلى رشدي سريعاً، عبر كابوس آخر، ولو أنه لم يحدث بعد، كابوس يحكي أن المشروع الإيراني، إن هزم في منطقتنا، لن يلبث أن يظهر مشروع آخر يكون بديلاً له، وتحت العنوان نفسه “المقاومة”، ربما كان مشروعاً تركياً، وبتمويل قطري، كالعادة، لينتهي بنا المطاف خارجين من حقبة حسن نصرالله، وداخلين في حقبة… أبو عمشة!

قد يكون المشروع الإيراني قد هزم فعلاً في منطقتنا، أو ربما هو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكن، منذ متى توقفنا عن إحراز الهزائم، في مواجهة “عدونا الغاشم”، منذ تأسيس دولة إسرائيل إلى يومنا هذا؟!، هل من قائد عظيم كبير مفدى، لم يتلق من الإهانات على أرض المعركة ما يجعله يفكر، لو كان بشراً سوياً، في الانتحار فعلاً، وليس فقط في مسرحية استقالة هزيلة، كتلك التي أتحفنا بها “جمال عبد الناصر” إثر عاره الساحق بعد هزيمة 1967؟

 قادتنا لا يهزمون إلا بالموت، طبيعياً كان أو غيلة، ولكن مع ذلك، تبقى مشاريعهم قائمة، إذ لا نلبث أن نبتلى بقائد جديد يحمل الراية، ويتابع المسيرة، ساحقاً إياناً جميعاً، في طريقه إلى نصر لم يأت أبداً. المشكلة ليست في من يحمل الراية، ولا حتى في النصر، إن تحقق بمعجزة إلهية، المشكلة هي في الراية نفسها، وما كتب عليها من عنوان وحيد، امتلك قداسة لا تضاهى، في ثقافة لا تكف عن خلق المقدسات. المشكلة في المقاومة نفسها.

من ينتج الثقافة السائدة ولمصلحة من؟ 

عندما تسود ثقافة ما في مجتمع بشري محدّد، فإن هذه الثقافة ليست من إنتاج ذلك المجتمع، بقدر ما هي من إنتاج الفئة المهيمنة في هذا المجتمع، الفئة التي تريد لهذه الثقافة أن تسود، حتى تبرر وتؤبد، إن أمكن، هيمنتها. نحن، “المؤمنين” بهذه الثقافة أو تلك، لسنا إلا أناساً عاديين. نحن- أباء وأمهات، محبون أو شديدو الخوف والتوتر؛ أولاد وبنات، صالحون أو أشقياء- نريد “حكاية مؤسسة” لتمنح اجتماعنا هدفاً ومغزى ما. 

هذا دأبنا، مذ كنا صيادين وجامعي ثمار، في عصور ما قبل التاريخ، إلى أن دخلنا حقبة الذكاء الصناعي- سؤال المغزى، للمناسبة، هو أعمق سؤال طرح حتى الآن في مواجهة احتمالات تلك الحقبة الجديدة- لا يمكن لأي اجتماع بشري أن يكتمل من دون تلك الحكاية التي تبنى عليها الثقافة السائدة. وفي ثقافتنا نحن، عرب ما بعد تأسيس إسرائيل، ابتلينا بـ “المقاومة” كعنوان رئيسي لحكايتنا، مأساتنا. 

هذه “حكاية” قديمة!

وحتى لا يذهب الظن بعيداً بأنني اتّهِمنا بقصور “ثقافي” من أي نوع، عبر تبني مقدس ما بدون أية مساءلة أو حتى رغبة في أي نوع من المساءلة، أقول إن هذا دأب كل المجتمعات البشرية المعاصرة، أياً كان تصنيفها على سلم “الرقي”. لنأخذ حالة المجتمع الأميركي الآن، عشرات الملايين صوتوا، وما زالوا مصرّين على التصويت لصالح مرشح أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه فاشي، دونالد ترامب- تجاوز عدد الأصوات التي حصدها في الانتخابات الأخيرة السبعين مليون صوت- وهذا كله لأن تلك الملايين خضعت، راضية في ما يبدو، لحكاية في غاية التهافت والفاشية والكره للآخر أياً كان، روجها ذلك المرشح الموتور، وعصابته معه.

لم يسأل أحد إن كان الرجل يقول كلاماً صحيحاً على الأقل، أو حتى كلمة صحيحة واحدة فقط، حتى في ما يتعلق بما يعنيهم جميعاً، الوضع الاقتصادي في البلاد. خضعوا لـ “مقدسهم” الجديد، وتبنوا عنواناً وحيداً لحكايتهم: لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، أو MAGA. ومضوا في طريقهم الى درجة اجتاحوا فيها أبرز رمز للديموقراطية وحكم المؤسسات في بلدهم ذاته!

وإن نظرنا إلى كلتَي الحالتين، حالتنا وحالة “شعب ترامب”، فسنلاحظ أن هناك فهماً سحرياً فعلاً للعالم المحيط. فهم لا يريد أية حقائق موضوعية لتكون عقبة في طريق انطلاق المخيلة خلف هذا السحر الجذاب. هناك عدو ما- في حالتنا، للأسف، هو معروف ومحدد العنوان ومسلح بما لا يمكن لنا تخيّله حتى- متربص، وعلينا أن ننجز المهمة، إما بجعل بلادنا عظيمة مرة أخرى، أو بمقاومة المحتل، وجعلها عظيمة مرة أخرى. 

ورطة الفهم السحري للعالم

الفهم السحري للعالم ليس آفة تنتجها شعوب مقهورة فقط. الأميركيون أنصار ترامب، ليسوا مقهورين بأي شكل من الأشكال، على الأقل مقارنة بحالنا. نعم لديهم مشاكلهم ومخاوفهم، ويمكن الحديث عنها باستفاضة، ولكنها لا تصل إلى درجة تهديد كيانهم نفسه، كما يفعل بهم ذلك الفهم السحري، فقط لتسود فئة محددة من النخبة السياسية هناك، استكلبت الى درجة ما عاد يهمها إن بقي الكيان كله ما دامت ستخسر سطوتها.

 من ناحيتنا، فنحن لسنا مهددين في كياناتنا السياسية، المنهارة أصلاً، بل في وجودنا الفيزيائي نفسه، ومع ذلك نحن مصرّون على أن نرى الأمور من زاوية محددة: الحق المقدس الذي لا يضيع ما دام وراءه مطالب. وعندما تبني شيئاً ما على فهم سحري لما يحدث لك وحولك، ففي النهاية لن تجني إلا رطانة لغوية تجعلك حبيساً لها، من دون أي أمل بفكاك، حتى ولو كان الثمن دمك يُرهق من دون أية جدوى. 

مشكلتنا كانت، وستبقى، هنا، في تلك الرطانة التي أعلت “المقاومة” إلى مرتبة المقدس، من دون أن تعطي المجال لسؤال بسيط: هل تلك “المقاومة” قدر أسطوري، أم هي خيار، ضمن مجموعة خيارات، لن يعدمها أي مجتمع بشري، خيار لا يكتسب شرعيته إلا بوجود غالبية، إن لم يكن إجماعاً، تنعقد حوله؟

من أنتم؟! 

لم نعط الفرصة قط لنُسأل عن رأينا، تم جرنا إلى المسيرات المؤيدة، وإلى حروب الموت والهزائم المزمنة، فقط لأن قائداً عظيماً ما، لن يرضى الذلة. وما أن ندخل في تلك “الرطانة” الأسطورية، حتى نفقد كل تركيز، ولا ندرك بأن الذلة الوحيدة لذلك القائد العظيم لم تكن إلا خسارته لعرشه فوق رقابنا. ما خلا ذلك، حتى حطام قواته أمام الآلة العسكرية للعدو، التي لم تتوقف عن التطور للحظة، يصبح مجرد خسائر جانبية، تماماً كأرواحنا نحن المدنيين، أمام القائد تفسه والعدو ذاته. 

عندما نطرح “المقاومة” نفسها، أياً كان شكلها، بصفتها خياراً أولاً، وليست عنواناً مقدساً، نحن بهذا نمنح أنفسنا بعض الوقت، ليس لنوفر بعض الضحايا من جانبنا، وأمام الطرفين، بل أيضا لنستعيد جزءاً من إحساسنا بإنسانيتنا، ولنستعيد معها أيضاً حقنا بأن يكون قولنا هو القول الفصل.  

مشكلتنا هنا، قبل البحث في مصير محور المقاومة الحالي، أو السابق، أو اللاحق. مشكلتنا هي في أن من يقرر عنا لا يزال تلك الفئات المهيمنة التي تريد احتكار السلطة، إلى الأبد، لها ولسلالاتها. رافعة فوق رؤوسنا سيوفها، أياً كان الشعار المقدس المحفور فوق تلك السيوف. أما “المقاومة” نفسها، وبصفتها رطانة لغوية حصراً، وليست فعلاً مبنياً على خيار حر، وحسابات واقعية، فستستمر في الحياة ما بقي هناك ديكتاتور، أياً كان حجمه، يتنفس. 

إقرأوا أيضاً: