في بيروت استُهدف القيادي العسكري في “حزب الله “فؤاد شكر، الذي سبق أن أعلنت واشنطن عن مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عنه، بسبب اتهامه بالضلوع في تفجير مقر المارينز في بيروت في العام 1983.
وفي العراق، قُصفت قواعد لـ”حزب الله العراق” في جرف الصخر، المنطقة التي لطالما أُطلقت منها صواريخ استهدفت قواعد عسكرية أميركية كان آخرها قبل أيام، ولم تُحدَّد حتى الآن الجهة التي أقدمت على ذلك، واشنطن أم تل أبيب.
الغارة الثالثة، وهي الأكثر فداحة، كانت في قلب طهران، وأدت إلى مقتل إسماعيل هنية، مع ما رافق هذه الغارة من غموض. من أين انطلقت الصواريخ، وكيف حُدِّد موقع هنية؟ لا شك في أن تقاطعات استخباراتية وعملياتية أفضت إلى نجاح العملية.
في اليوم الذي سبق الهجمات على العواصم الثلاث، أعلنت واشنطن أنها ستدافع عن إسرائيل في مواجهة أي هجوم تتعرض له، وشاركت الدبلوماسية الأميركية على نحو فعال في بث أجواء “انفراجية” سبقت الغارة على الضاحية الجنوبية لبيروت. وهذا الأمر دفع الحكومة اللبنانية ووزير خارجيتها عبدالله بو حبيب إلى طمأنة اللبنانيين بأن “الوضع تحت السيطرة”، فجاءت الغارة التي قتلت واحداً من أهم القادة العسكريين لحزب الله لتقول غير ذلك، وأن الوزير “سقط في فخ ديبلوماسي” أفضى إلى مأساة.
نحن أيضاً سقطنا في هذا الفخ، ولم يلفتنا بيان السفارة الأميركية الموجّه إلى رعاياها في بيروت بأن يعدّوا أنفسهم لأيام طويلة من الحرب، والأرجح أن حزب الله نفسه سقط فيه، ذاك أن وجود قيادي منه في منطقة أُعلن أنها ستكون هدفاً مرجحاً، يطرح تساؤلات فعلية عن الأسباب.
واشنطن هذه المرة منخرطة في المواجهة. هذا ما عاد به نتانياهو، وهذا ما كشفته حقيقة تداخل الأهداف عشية انقضاض نتانياهو على العواصم الثلاث. ما شهدناه في بيروت في الساعات التي سبقت الغارة على الضاحية الجنوبية كاشف لحقيقة أن خلف الحرب هذه المرة إدارة ديبلوماسية!
الجميع كان يعرف أن الضاحية الجنوبية ستُستهدف في الساعات المقبلة. وكنا نعتقد أن الاستهداف سيقتصر على بعده الرمزي، ذاك أن الجميع صار على علم بزمان الغارة ومكانها! وإذ بصاروخ يقتل قائداً في حزب الله وآخر يقتل زعيماً في حركة حماس، وتوسطت الاستهدافين غارة على جرف الصخر، جنوب بغداد!
نتانياهو ومن خلفه واشنطن، دفعا المشهد نحو حافة الحرب. من الصعب على طهران أن تبتلع ما أصابها، وفي الوقت عينه يبدو أن دخولها مباشرة في المواجهة سيؤدي إلى انخراط واشنطن المباشر فيها، على ما أعلنت الأخيرة أمس! أما إسرائيل المرهقة بفعل أكثر من عشرة أشهر من القتال في غزة، فيبدو أن فتح المواجهات على مختلف الجبهات هو خيار قيادتها السياسية المختنقة بالفشل في غزة، والغارقة باحتمالات الهزيمة الداخلية في اليوم التالي للحرب.
على أبواب الانتخابات الأميركية، وفي ظل قيادة إسرائيلية مترنحة باحتمالات هزائم داخلية، اختيرت الأهداف الثلاثة كخطوة مترافقة مع احتمالات حرب إقليمية، تشعر فيها العاصمتان بأنها قد تحمل معها احتمالات نجاة نتانياهو من جهة وتفادي هزيمة الديموقراطيين في أميركا من جهة أخرى.
الساعات القليلة القادمة ستحمل إجابات أكثر عن احتمالات الحرب، ولن تقوى “الديبلوماسية” هذه المرة على مراوغتنا نحن الذين نُصحنا بالأمس بأن نخاف قليلاً.
أما الحديث عن الكلفة المدنية لاحتمالات الحرب، فيبقى أمراً هامشياً في حسابات أطرافها، والطفلان الشقيقان اللذان سقطا في الضاحية الجنوبية لبيروت، والسيدة التي سقطت معهما، يكشفون عن الفداحة الأخلاقية التي تعتبرهم “خسائر جانبية”.
إقرأوا أيضاً: