وصلت أرتال من “قوى الأمن العام” إلى مدينة عفرين بتاريخ 6 شباط/ فبراير 2025، وأجرت جولة في شوارع المدينة، وسط استقبال مهيب واحتفالات، وعلى وقع الأغاني الكردية والثورية ورفع علمي كردستان والثورة السورية، وذلك تمهيداً لانتقال الملف الأمني لكل من أعزاز وجرابلس ومنبج وعفرين إلى حكومة دمشق. تلت ذلك في 15 شباط زيارة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى عفرين.
حساسية الوضع في عفرين تعود إلى عام 2018 مع سيطرة بعض فصائل المعارضة السورية، والتي كثرت شكاوي الأهالي واعتراضهم على طريقة إدارتها المدينة. شيركو أحمد (اسم مستعار) عضو في المجلس المحلي في عفرين، يشرح لـ”درج”: “الانتهاكات والمشاكل والتجاوزات من فرض الإتاوات إلى الاعتقالات وحالات الخطف وطلب الفدية، وقطع الأشجار وتجريف الآثار وغيرها من الممارسات، جعلتنا نتطلع إلى أي طرف يحكمنا على أمل الخلاص”.
في حديثه مع “درج”، قال أحمد الحسن، رئيس المجلس الوطني الكردي في عفرين، إنهم يتطلعون إلى “سوريا جديدة حرّة ديمقراطية تعددية برلمانية فيدرالية، ينعم فيها الجميع بالحرية والكرامة، ويكون هناك توزيع عادل للثروة والسلطة، لذا يتوجب على الحكومة الجديدة في دمشق بسط سلطتها ونفوذها وسيطرتها على كامل التراب السوري وتعزيز أركان الدولة السورية في المجتمع السوري بالعدل والمساواة، والتخلص من حالة الفوضى والفصائلية”.
يربط الحسن بين إدارة الدولة السورية وسيطرة قوات الأمن العام على جميع الأراضي السورية قائلاً: “دخلت نحو 60 سيارة من الأمن العام التابع للحكومة الجديدة إلى مدينة عفرين، محمّلةً بحدود 150 عنصراً قادماً من حلب برئاسة مدير الأمن العام في حلب محمد عبدالغني، وكان في استقبالهم لفيف من أهالي منطقة عفرين، حاملين الأعلام الكردستانية وأعلام الثورة مهللين بالحكومة الجديدة أملاً بتخلصهم من الحالة الفصائلية والانتقال إلى حالة الانضباط والعمل بالقانون والدستور، ثم تجولوا في نواحي منطقة عفرين (راجو – معبطلي – شيخ الحديد- جنديرس…) قبل أن يعودوا إلى حلب”.
يكشف رئيس المجلس الكردي في عفرين عن فحوى الوعود، والحديث الذي دار بين الأمن العام والأهالي قائلاً: “وعدوا أهالي المنطقة بعودتهم إلى عفرين وفتح مقراتهم ومكاتبهم واستلام الملف الأمني في منطقة عفرين، وحلّ جميع الفصائل”.
وفقاً لحسن، فإن الدخول لم يقتصر على مرة واحدة فقط بل “عادوا في اليوم التالي وجالوا في نواحي المنطقة أيضاً واستمعوا إلى شكاوى الناس ومعاناتهم”، مختتماً حديثه بأن “الوضع على الأرض لم يتغير، فالفصائل لا تزال موجودة، ومنازل الناس وأراضيهم لم تسلم إلى أصحابها، وفرض الإتاوات والضرائب لا تزال مستمرة في بعض المناطق. وفي هذا السياق، نأمل من الحكومة السورية الجديدة بأن تبسط سلطتها على المنطقة وإحقاق الحق لجميع المواطنين، والتخلص من المظالم والانتهاكات كافة، التي كانت تحصل في المنطقة والأراضي السورية كافة كي تكون سوريا جديدة ينعم فيها الجميع بالحرية والكرامة والاستقرار والسلام”.
إقرأوا أيضاً:
“استقبال شعبي لا رسمي”
عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني هورو عثمان قال لـ”درج”: “قدوم الأمن العام، سبقه نشر الخبر على وسائط التواصل الاجتماعي، ما دفع الناس المدنيين الى استقبالهم، وكان الاستقبال شعبياً لا رسمياً لأنهم كحزب وكمجلس كردي لم يتم تبليغهم رسمياً. وتقديراً للأهالي ترجل عناصر الأمن العام من سياراتهم سيراً على الأقدام بين الأهالي، وتجولوا في الكثير من المناطق والقرى الكردية، قسم كبير من الناس سعداء ويأملون بسوريا جديدة بعد الأسد أسوة بغيرها من المناطق، ويتطلعون الى الخلاص من الأطراف التي تفرض الضرائب والغرامات وفرض شروط مالية لاستلام الناس أملاكهم المصادرة”.
ينتقد هورو استمرار احتجاز الأهالي واعتقالهم بشكل تعسفي، موضحاً مطالب الأهالي من الأمن العام بقوله: “لا يزال قسم من الناس في معتقلات في الراعي وعفرين ولم يتم إطلاق سراحهم، ويأمل المجتمع المحلي بتبييض السجون لديهم أسوة بسجون سوريا، وإخراج القطاعات العسكرية من القرى والبلدات وإبعاد حواجزها، وعلى رغم خروجها من بعض المناطق، لكنها لا تزال موجودة في مناطق أخرى، حيث يتم فرض الضرائب والغرامات”.
وحول الصعوبات التي تواجه الأهالي بعد سقوط النظام، يلفت هورو: “الصعوبات موجودة، لكن الواقع تغير ولم يعد كما السابق، قسم من النازحين عادوا إلى منازلهم ومدنهم، وتوجد مناطق خرج الأهالي منها بالكامل مقابل عودة سكانها الكرد الأصليين أيضاً بالكامل، ومنهم بنسب أخرى، وغالباً سيعود الباقي بعد نهاية فصل الشتاء”.
وفقاً لهورو، فإن مطالب الحزب الديموقراطي الكردستاني تتلخص بــ”خروج الفصائل من عفرين، عودة الحياة الطبيعة من حركة التجارة والاقتصاد والتعليم الى سابق عهدها، وعودة الأهالي الى بيوتهم، وأن تأخذ المجالس المحلية أدوارها الطبيعية، وضرورة تفعيل القضاء والمحكمة والعدالة”.
يستغرب هورو أيضاً قيام المسؤول الأمني في “فصيل العمشات”، باعتقال 22 شاباً بسبب استقبالهم الأمن العام، وتعرضهم للمضايقات، وقد تم فرض مبالغ مالية عليهم مقابل إطلاق سراحهم، وفي اليوم الثاني عاد الأمن العام وأبلغ المسؤول بخروجهم بعد 24 ساعة من ناحية معباطا”.
يختتم القيادي الكردي هورو عثمان حديثه قائلاً: “هذا الأمر مريح لكن المخاوف لا تزال موجودة والمطلوب إعادة أملاك الناس إليهم. حالياً تم تعيين مسؤول أمني جديد لناحيتي عفرين وجندريس، والمطلوب إعادة أملاك الناس إليهم من دون تأخير ومن دون مقابل مادي”.
وحول ما حصل بعد عملية الاعتقال التي حصلت بسبب الاستقبال، يقول المدرس المتقاعد حنّان شيخو ، لـ “درج”: “الأمن العام عاد بوفد ضخم مدجج بالسلاح والعتاد إلى ناحية ماباتا، وأذاعوا في الجامع عن اجتماع في ساحة القرية للبحث و الاستفسار عن انتهاكات فصيل سلطان سليمان شاه، وأكدوا محاسبة المسؤولين عن اعتقالهم، ووعدوا الأكراد باسترجاع بيوتهم المستولى عليها ومحاسبة أي شخص ينتهك حقوقهم”، مـتأسفاً حول عدم حصول التغيير المطلوب، ومضيفاً: “ليس هناك تغيير جذري في عفرين، بخاصة لناحية معبطلي وقراها وشية ( شيخ الحديد) وقراها، لأن فصيل سلطان سليمان شاه ما زال مسيطراً على الناحيتين، وما زال يمارس انتهاكات بحق الكرد، وتمارس حواجزه الابتزاز وفرض الضرائب وشراكة في أرزاق الناس”.
العودة إلى المنزل
يربط الناشطون في الشأن العام الوضع الميداني والعام في عفرين بالحالة السياسية والأمنية العامة لعموم سوريا، ويعتبرون أن الحل في عفرين هو جزء من الحل السوري بكليته، بغية الوصول الى الاستقرار المستدام وليس المؤقت.
تقول رهف علاء الدين، نازحة من مدينة حماه إلى عفرين: “نرغب في العودة إلى بيتنا ومحافظتنا، شكراً لأهالي عفرين، ولكن بيوتنا مدمرة ولا نملك مصادر للرزق والاستقرار والعمل في حماه، سيطرة الأمن العام ستكون أفضل لنا جميعاً”.
تضيف رهف: “موقف المجتمع المحلي في عفرين متباين، فما حصل معهم لم يكن بالأمر السهل والهين، إذ مارست بعض الفصائل المسلحة ضدهم كل أشكال الانتهاكات، التي أكدتها العشرات من التقارير الدولية للمنظمات الحقوقية، والمطلوب من الأمن العام ألا تكون موجودة في مراكز القطاعات العسكرية ضمن المدن والبلدات، ومشاركة أنباء المجتمع المحلي في إدارة البلاد وحمايتها”.
رسائل متبادلة بين الشرع والكرد في عفرين
سلّم أحمد الحسن رسالة باسم المجلس الكردي إلى أحمد الشرع موضحاً فيها أبرز المطالب من “معاناة ومظالم أهالي المدينة وريفها، والانتهاكات المستمرة بحقهم على رغم سقوط النظام، والقطع الجائر للأشجار وتدمير الغابات، وعدم تبييض السجون حتى الآن، واستمرار حالات الاعتقال والابتزاز المالي التي يتعرض لها أهالي عفرين الراغبين في العودة إلى قراهم ومناطقهم قادمين من حلب أو دمشق أو لبنان أو تركيا، وإيداع المئات منهم السجون في الراعي ومارع وأعزاز وحوار كلس، واستمرار ممارسات بعض الفصائل بفرض الضرائب والإتاوات على الشعب واعتقالهم وإهانتهم، لا سيما في مناطق وجود فصائل الحمزات والعمشات وغيرها”.
واختتم الحسن الرسالة بالحديث حول “وجود مئات العوائل العائدة إلى قراها من دون استلام بيوتها من الفصائل، بسبب عدم قدرتها على دفع مبالغ طائلة بآلاف الدولارات لقاء حصولها على إذن بدخولها”.
إقرأوا أيضاً: