خلف تلك الأبواب المغلقة، كثيرة هي قصص التعنيف الأسري، لا سيما في طرابلس، شمال لبنان، المدينة المطوّقة بالفقر والإهمال وسطوة رجال الدين والعائلة على حياة النساء. هناء خضر، هي آخر ضحايا العنف، الذي لم تستطع النجاة منه.
“حسبي الله ونعم الوكيل فيه”، هكذا اختصر والد هناء الكلام كلّه حين اتصلنا به، ثم أقفل الخط ….
بهذه الكلمات اكتفى والد هناء خضر بالتعبير عن حزنه وغضبه في آن واحد بعد مقتل ابنته هناء البالغة من العمر 21 سنة على يد زوجها عثمان عكاري، فبعدما أضرم النار بها، ماتت هناء متأثرة بالحروق.
سألنا بعض الجيران عن هناء، أخبرونا بأنها كانت سيدة مسالمة خلوقة، ولم تكن تستحق نهاية وحشية كهذه.
الجاني الذي فعل ما فعله انتقاماً من زوجته التي رفضت إجهاض جنينها، كان اكتفى بالاتصال بالصليب الأحمر، بعدما أحرقها، لتترك هناء وحيدة في المستشفى تصارع الموت بدرجة حروق وصلت إلى 100 في المئة حتى وافتها المنية بعد خمسة أيام من العذاب في مستشفى السلام في طرابلس، وتدفن لاحقاً في مسقط رأسها في وادي خالد في عكار.
تواصلنا مع بعض المقربين، وقد أكدوا أن هذه لم تكن المرة الأولى، فقد سبق أن تعرضت هناء للتعنيف الشديد من قبل زوجها، “كان يضربها بالعصا من دون رحمة أو مراعاة لظروف حملها”، تقول إحدى الجارات: “في الفترة الأخيرة لاحظنا أن الخلافات تفاقمت بين هناء وعثمان، وكنا نسمع صراخهما، وذات مرة سمعنا أنها ذهبت إلى بيت أهلها بسبب هذه الخلافات، لكن لم يخطر في بالنا أن الأمر سيصل إلى مقتل هناء، المعروفة بهدوئها وأخلاقها العالية”. وتتابع الجارة: “لقد تحمّلت هناء الكثير قبل هذه النهاية الشنيعة”. وتضيف جارة أخرى: “هناء تزوجت وهي تبلغ 18 سنة، لا أذكر أنني لاحظت خلافات في بداية الزواج، لكننا في الفترة الأخيرة شعرنا بأن هناك توتراً في العلاقة بين الزوجين”.
“في غياب الرادع القانوني والاجتماعي، هذه الجرائم لن تتوقف، وسنشاهد المزيد من هذه المآسي”.
تشيع أخبار تعرض النساء والزوجات للعنف، ويسمع الجيران والمقربون الصراخ ومحاولات الاستغاثة، لكنّ أحداً لا يتدخل في معظم الأحيان، على أساس أن هذا يعدّ شأناً عائلياً خاصاً، وبذلك تنتشر ثقافة أن من حق الزوج والأب والأخ تأديب نساء العائلة والتحكّم بحياتهن. وبرغم صدور قانون حماية المرأة من العنف عام 2014 وبرغم تشريع الحق في تقديم شكوى لقوى الامن في حال اشتباه الجيران بتعرض امراة ما لتعنيف إلا أن التبليغ عن مثل تلك الحالات لا يزال محدوداً.
الناشطة النسوية علياء عواضة ترى أن “جريمة قتل هناء هي واحدة من جرائم كثيرة تحدث في لبنان تذهب ضحيتها نساء وفتيات بسبب تراخي القوى الأمنية وعدم التشدد بالعقوبات على جرائم العنف الأسري، ما يؤدي إلى استسهال قتل النساء والفتيات ناهيك بتسلط رجال العائلة الذين يعتبرون المرأة مجرد ملكية لا يحق لها اتخاذ قرارات”. وتتابع: “في غياب الرادع القانوني والاجتماعي، هذه الجرائم لن تتوقف، وسنشاهد المزيد من هذه المآسي”.
في سياق متصل، كانت محافظة عكار شهدت منذ مدة جريمة قتل سيدة تبلغ من العمر 35 سنة على يد زوجها العسكري بعد إطلاق النار عليها بكل دم بارد.
ووفق دراسة أجرتها منظمة “أبعاد” عام 2021، في لبنان فإن نسبة التبليغ عن حالات العنف بحق النساء ارتفعت بنسبة 200 في المئة، فيما 92 في المئة من المعنّفات لم يبلّغن عن تعرضهن للعنف. وهذا مؤشر على أن قصصاً كثيرة تشبه قصة هناء مع التعنيف، ما زالت أسيرة الصمت والعيب وغياب الدعم.
هناء ليست الضحية الأولى لجرائم قتل النساء، ومن المؤلم أن نكون على يقين بأنها لن تكون الأخيرة طالما أننا ما زلنا نرزح تحت وطأة نظام ابوي متسلط يفجر رجولته في قتل النساء، وطالما أننا ما زلنا نعيش في مجتمع يستطيع أن يسأل بكل وقاحة بعد كل جريمة من هذا النوع، “مدري شو عاملة لحتى قتلها”.
والد هناء أكد في حديث صحافي، أنه سيحاسب الجاني إذا لم يقم القضاء بمحاسبته، وهي جملة إذ تقال في لحظة انفعال، لكنها تعني الكثير، فالأب يخشى من أن القضاء لن يكون عادلاً أو حازماً وربما لن يكون في صفّه، وبذلك لا يكون أمامه سوى التفكير بأخذ حق ابنته بيده.
إقرأوا أيضاً: